|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() القلق والأمراض النفسية أرقام مخيفة د. محمد بن مجدوع الشهري الحمد لله الذي سكنت لذكره القلوب، واطمأنت بمعرفته النفوس، له الحمد في الأولى والآخرة، رب القلوب ومقلبها، وعالم ما فيها وما يضنيها، من قرب منه سكن، ومن أعرض عنه ضل واضطرب، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فإن التقوى سكينة في الصدور، وهي خيرُ واقٍ، وفيها التنافس والسباق، واعلموا أن لكل أجلٍ كتابًا، ولكل غائبٍ إيابًا، ولكل عمل جزاءً وثوابًا، وأنتم إلى ربكم صائرون، وعلى طريق من سبقكم سائرون، وعلى من لا تخفى عليه خافية سوف تُعرَضون، أما بعد: رسالتي إلى من أثقلته الهموم، وأضنته الظروف، ويا من عاش في زحام الحياة قلقًا مهمومًا، في هذا الزمان المتسارع، ومع تلاحق الأحداث، وضغوط الحياة، وانصراف الناس عن سكون الروح وسكينة القلب، وقد تفَشَّت الأمراض النفسية تفشِّي النار في الهشيم، وغدت الأرواح تئنُّ من أوجاعٍ لا تُرى، وتصرخ من آلام لا يُسمَع لها صدى. أيها الأحبة، ما عاد الألم النفسي شيئًا يُستخَف به، ولا بات القلق أمرًا يمر مرور الكرام، إنما هو سقام يسري في الأرواح، ويطفئ في القلوب مصابيح الرجاء والأمان، فلقد انتشرت الأمراض النفسية في هذا الزمان انتشار الطاعون في الأزمنة الغابرة، وغدت قلوب الناس تضجُّ من الهموم، وتتفطَّر من الضغوط، وتتفتَّتْ من وحشة لا يُعرَف لها سبب. فها هي الإحصائيات تنذر بالخطر، وتقرع نواقيس الهلع؛ حيث يقدر عدد المصابين باضطرابات القلق حول العالم بأكثر من 300 مليون نسمة، ويعاني ما يربو على 970 مليونَ إنسانٍ من أحد أشكال الاضطرابات النفسية، بين اكتئاب وقلق وضغط مزمن، ووَفْقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الانتحار يعد من الأسباب الرئيسية العشرة للوفاة في العالم، خاصةً في الفئات العمرية الشابة، وتقدر أن واحدًا من كل ثمانية أشخاص في العالم يعاني اضطرابًا نفسيًّا، وتظهر الدراسات أن الأمراض النفسية باتت تمثل أحد الأسباب الأولى للإجازات المرضية والانقطاع عن العمل، ويعد الاكتئاب اليوم السبب الأول للعجز في العالم، ويعد القلق سببًا رئيسًا في نصف حالات الاضطراب العقلي المسجلة. عباد الله، بينما يتعذب ملايين البشر اليوم ويلهثون وراء المسكِّنات والمنوِّمات، والعيادات والمستشفيات، ويبحثون في الكتب والمؤلفات، حيث فقدت نفوسهم الأمن، قلقون من الموت، خائفون من الفشل، جزعون من الفقر، وجلون من المرض، إلى غير ذلك مما تجري به المقادير على جميع الخلائق، فإنه لا حصانة للنفس، ولا حفظ للمجتمع أعظم وأنجع وأسرع من الإيمان بالله الذي ينشر الأمان، ويبعث الأمل، والأمل يبعث السكينة، والسكينة تورث السعادة. فلا سعادة بلا سكينة، ولا سكينة بلا إيمان، فالإيمان هو الغذاء، وهو الدواء، وهو الضياء. وصاحب الإيمان راسخ العقيدة، حسن العبادة، جميل التوكل، كثير التبتُّل، عظيم الخضوع، طويل الخشوع، مديم الذكر، عميق الفكر، ملازم للعمل الصالح، واسع الصدر، عظيم الأمل، كثير التفاؤل. لا يتحسر على ماضيه باكيًا، ولا يعيش حاضره ساخطًا، ولا ينتظر مستقبله خائفًا قلقًا. يقول ابن القيم: "لا تفسد فرحك بالقلق، ولا عقلك بالتشاؤم، إنك لو تأملت حالك لوجدت أن الله قد أعطاك أشياء دون أن تطلبها، فثق بأن الله لم يمنع عنك حاجةً رغبتها إلا ولك في المنع خير تجهله. عباد الله، إن شريعتنا الغراء لم تغفل عن أمر النفس والهم والحزن، بل عالجته في لبها، وداوته من جذوره، وربطت القلب بالله، وعلمت العبد أنه إن استمسك بالعروة الوثقى فلا حزن يثقله، ولا هم يكسره، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وكان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة من الهم والحزن، فكان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال"؛ [رواه البخاري]. أما علمت يا عبد الله أن الذي يقلقك اليوم قد تنساه غدًا؟ وأن أكثر ما نخافه لا يحدث، وأن الله أقرب إليك من حبل الوريد، فتوكل عليه، وارْمِ عنك أثقال الهم، وقل كما قال نبي الله يعقوب: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]. أيها الأحبة، ما أحوجنا اليوم إلى إعادة بناء الصلة بيننا وبين ربنا! فهي الوقاية من التيه، والعلاج من الحيرة، والسبيل إلى الطمأنينة في زمن الفوضى، فسكينة الإيمان تنير الظلمة، وصحبة القرآن تبعد الوساوس، ودعاء السحر يذيب ما تراكم في الصدر من أحمال، والصلاة سكينة، والسجود دواء، ومجالس الذكر جنة في الدنيا قبل الآخرة، يقول ابن القيم: "في القلب شعث لا يلمُّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته". فالتعلق بالله ودعاؤه من أعظم السبل لتوقي القلق؛ كيف وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث"؛ (رواه الترمذي)، وفي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن يصيبه همٌّ أو غمٌّ أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي؛ إلا فرج الله عنه"؛ (رواه أحمد في مسنده). عباد الله، يجمع لكم ذلك كله كتاب الله؛ فهو الشفاء لما في الصدور، والشفاء لكل الأمراض البدنية والنفسية، الظاهرة والباطنة، ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، بتلاوته والاستمساك به وتدبُّره تطمئن القلوب فلا اضطراب، ولا قلق، ولا وسوسة. الخطبة الثانية الحمد لله ذي الجلال والإكرام، الحمد لله الذي خلق النفس وسوَّاها، وألهمها فجورها وتقواها، نحمده على آلائه، ونشكره على نعمه، ونثني عليه الخير كله، ونسأله سكينة الروح وصفاء القلب، أما بعد:فإن من وسائل معالجة الاضطرابات النفسية أن نتراحم، وأن نحسن الإصغاء للمتألمين، فكم من قريب لك يئنُّ بصمت لا يجد من يسمعه؟ فمَنْ نفَّس عن مسلم كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة. عباد الله، ما كان من القلق حافزًا إلى الخير، وباعثًا على العمل، فهو قلق محمود؛ بل هو خير وفضل ونعمة، اقرأوا إن شئتم: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 60، 61]؛ فالمحاسبة والقلق وخشية التقصير من صفات المؤمنين المخلصين، يقول الحسن: "المؤمن أحسن الناس أعمالًا، وأشد الناس خوفًا؛ فالمؤمن لا يزداد صلاحًا وبرًّا وعبادةً إلا ازداد خوفًا يخشى عدم القبول"...يخاف أن يكون فرَّط في حق الله، ويخاف أن يكون قد اعتدى على خلق الله، ألا فاتقوا الله، واعملوا مشفقين، وجدوا حذرين، واستحضروا مقالة عباده المؤمنين: ﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴾ [الطور: 26]...اللهم أبدل قلقَنا طمأنينةً، وغمَّنا فرحًا، وهمَّنا راحةً، واشفِ صدورنا يا أرحم الراحمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |