الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          دور العلماء الرّواة والكُتّاب في نشأة البلاغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أصحّ ما في الباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التدريب على العجز!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-12-2019, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 149 الى صــــــــ
156
الحلقة (30)


[مندوبات التيمم]

وللتيمم مندوبات مفصلة في المذاهب (1) .


(1) الحنابلة، والشافعية قالوا: إن المسنون هو المندوب، فكل ما ذكر من السنن السابقة يسمى مندوباً، وسنة ومستحباً.
المالكية قالوا: مندوبات التيمم: منها يندب التسمية والسواك. والصمت الا عن ذكر الله، واستقبال القبلة وأن يبدأ بمسح ظاهر يمناه بيسراه، بأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى، ثم يمرها إلى المرفق قابضاً عليها بكف اليسرى، ثم يمسح باطن اليمنى من طي المرفق إلى آخر الأصابع؛ ثم يفعل بيسراه كذلك، ويندب أن يكون التيمم أول الوقت الاختياري إذا يئس من وجود الماء، أو زوال المانع من استعمال في جميع الوقت الاختياري، ويندب أن يكون في الوسط الوقت المختار لمن شك في الحصول على الماء، أو زوال المانع من استعماله لتعارض فضيلة أول الوقت بفضيلة الطهارة المائية، فينظر إلى كل منهما، ويعتبر وسط الوقت، ويندب أن يكون في آخر الوقت الاختياري لمن يرجو حصول الماء، أو زوال المانع من استعماله - كالمرض - قبل نهاية الوقت. الاختياري تقديماً لفضيلة الطهارة المائية المرجوة؛ ويحرم على كل حال التأخير إلى الوقت الضروري، ولو كانت الطهارة المائية مرجوة.
الحنفية قالوا: يندب تأخير لمن غلب على ظنه وجود الماء إلى ما قبل خروج الوقت المستحب، أما إن عده أحد بالماء، فيجب عليه أن يؤخر التيمم، ولو خاف خروج الوقت
**********************

[مبطلات التيمم]

وأما مبطلاته فهي مبطلات الوضوء المتقدمة، والمتيمم عن حدث أكبر لا يعود محدثاً حدثاً أكبر الا بما يوجب الغسل، وإن اعتبر محدثاً حدثاً أصغر بنواقض الوضوء، فإن تيمم لجنابة، ثم انتقض تيممه لم يعد جنباً، بل يصير محدثاً حدثاً أصغر، فيجوز له أن يقرأ القرآن، ويدل المسجد (1) ، ويمكث فيه، وتزيد مبطلات التيمم عن مبطلات الوضوء أمراً آخر، وهو


(1) المالكية قالوا: إذا أحدث المتيمم عن جنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه عن الأصغر والأكبر، فنواقض الوضوء، وإن كانت لا تبطل الغسل، لكن تبطل التيمم الواقع عن الغسل، فيحرم عليه ما يحرم على الجنب بعيد التيمم
**************************
زوال العذر المبيح للتيمم، كأن يجد الماء بعد فقده (1) . أو يقدر على استعماله بعد عجزه (2) .
[مبحث من عجز عن الوضوء والتيمم ويقال له: فاقد الطهورين]
من عجز عن الوضوء والتيمم لمرض شديد، أو حبس في مكان ليس به ما يصح التيمم عليه؛ فإنه يجب عليه أن يصلي في الوقت بدون وضوء وبدون تيمم. على أن المريض الذي لا يقدر على القيام للصلاة فإنه يصلي قاعداً، فإن عجز يصلي بالإشارة، كما سيأتي في مبحث الصلاة بالإيمان، والغرض من هذا إنما هو إظهار الخشوع والخضوع لله عز وجل في جميع الأحوال، فما دام الإنسان قادراً على إظهار هذا الخشوع بأي كيفية من الكيفيات فعليه أن يفعلها، وله على ذلك أجر العاملين الأقوياء بلا فرق، بل ربما كان أوفر أجراً، لأن الذي يخضع قلبه لمولاه آثار هذا الخضوع على جوارحه وهو مريض، تعب أقرب إلى رضوان الله تعالى ورحمته إن شاء الله.أما كيفية طهارة فاقد الماء وفاقد ما يصح التيمم عليه وصلاتهما، فإن فيهما تفصيل المذاهب (3) .

(1) المالكية قالوا: إن وجود الماء أو القدرة على استعماله لا ينقضان التيمم الا قبل شروعه في الصلاة، بشرط أن يتسع الوقت الاختياري لإدراك ركعة بعد استعماله في أعضاء الطهارة، فإن وجده بعد الدخول فيها لا ينتقض تيممه، بل يجب استمراره في الصلاة، ثم تذكر الماء، وهو فيها فإنها تبطل إن اتسع الوقت لإدراك ركعة بعد استعمال الماء، وإلا فلا، أما إن تذكره بعدها، فإنه يعيد في الوقت فقط لما عنده من شائبة التفريط
(2) الحنابلة قالوا: زادوا في مبطلات التيمم خروج الوقت، فإنه يبطل التيمم مطلقاً، سواء كان عن حدث أكبر، أو كان عن نجاسة على بدنه، ما لم يكن في صلاة جمعة، فلا يبطل إذا خرج وقتها وخلع الخف ونحوه مما يمسح عليه إن تيمم بعد حدثه، وهو لابسه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا.
الشافعية: زادوا في مبطلات التيمم حصول الردة، ولو صورة، كردة الصبي؛ وإنما ينتقض تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم إذا لم يكمل تكبيرة الإحرام، فإذا زال عذره بعد ذلك وكان في صلاة لا تجب إعادتها صحت صلاته، وبطل تيممه عقب السلام، وإن كان في صلاة تجب إعادتها بطل التيمم والصلاة
(3) الحنفية قالوا: من فقد الطهورين: الماء، والصعيد الطاهر من تراب ونحوه، فإنه يصلي عند دخول وقت الصلاة صلاة صورية بأن يسجد ويرجع مستقبلاً القبلة بدون قراءة. أو تسبيح، أو تشهد، أو نحو ذلك، ولا ينوي بذلك صلاة، سواء كان جنباً أو كان محدثاً حدثاً أصغر؛ وهذه الصلاة الصورية لا تسقط الفرض عنه بل تبقى ذمته مشغولة به إلى أن يجد ماء يتوضأ به، أو يجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، ويجوز لمن فقد الطهورين أن يصلي هذه الصلاة الصورية، ولو كان جنباً.
المالكية قالوا: من فقد الطهورين: الماء والصعيد الطاهر، فإن الصلاة تسقط عنه تماماً على المعتمد، فلا يصلي، ولا يقضي، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على الإعادة والحنفية لا يقولون: إن الصلاة بغير طهور تكون مقبولة، بل يقولون لا بد من إعادتها.
الشافعية - قالوا: من فقد الماء والصعيد الطاهر، أو عجز عن استعمالهما، فإنه لا يخلو إما أن يكون جنباً أو محدثاً أصغر، فإن كان محدثاً حدثاً أصغر فإنه يصلي صلاة حقيقية بنية وقراءة تامة. وإن كان جنباً، فإنه يصلي صلاة حقيقية، ولكنه يقتصر على قراءة الفاتحة فقط، ويجب عليهما إعادة الصلاة عند وجود الماء، فإذا وجد الجنب الماء وجب عليه أن يغتسل، ويتوضأ ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، وإذا وجد المحدث حدثاً أصغر الماء، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة، أما إذا وجد أحدهما صعيداً طاهراً من تراب ونحوه مما يصح به التيمم، فإنه لا يتيمم لإعادة الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، الا إذا غلب على ظنه أنه في مكان لا يجد فيه ماء، أو تردد في الأمر بحيث استوى عنده وجود الماء وعدمه بدون مرجح
**************************

[مباحث الجبيرة]
[تعريفها]
الجبيرة في اصطلاح الفقهاء هي الخرقة التي يربط بها العضو المريض، أو الدواء الذي يوضع على ذلك العضو، ولا يشترط في الرباط أن يكون مشدوداً بأعواد من خشب أو جريد، أو نحو ذلك، كما لا يشترط أن يكون العضو المربوط مكسوراً، بل المعول في حكم الجبيرة على أن يكون العضو مريضاً، سواء كان مكسوراً، أو مرضوضاً أو به آلام - روماتزمية - أو نحو ذلك،
فالجبيرة عند الفقهاء اسم للرباط الذي يربط به العضو المريض:
أو الدواء الذي يوضع فوق ذلك العضو.
*******************
[ما يفترض على من جبيرة تمنعه من استعمال الماء]

إذا كان على عضو من أعضاء المكلف - التي يجب غسلها في الوضوء أو الغسل - جبيرة من رباط أو دواء، وكان غسل ذلك العضو يضره أو يؤلمه، فإنه يفترض عليه المسح على الرباط إن كان العضو مربوطاً أو المسح على الدواء إذا كان العضو عليه دواء بدون رباط، فإن كان المسح على الدواء يضره فليربطه بخرقة نظيفة، ثم يمسح على هذه الخرقة، ولا يعدم المريض رباطاً يربط به العضو المريض، وهذا هو حكم صاحب الجبيرة الذي به ألم في عضو من أعضاء الوضوء أو الغسل؛ وهو أن يفترض عليه أن يمسح على العضو المريض إذا ضره الغسل، فإنه ضره المسح عليه ربطه بخرقة ومسح على الرباط، ولم يخالف في هذا سوى الشافعية، وبعض الحنفية، وقد ذكرنا مذهبيهما تحت الخط الذي أمامك (1) .

(1) الشافعية قالوا: إما أن يكون العضو المريض مربوطاً أو عليه ونحوه أو لا. فإن كان مربوطاً فإن المريض يجب عليه في هذه الحالة ثلاثة أمور: الأول: أن يغسل الجزء السليم؛ الثاني، أن يمسح على نفس الجبيرة، وهي الرباط الموضوع على محل المرض.
وهذا المسح يقوم مقام غسل الأجزاء السليمة التي تستتر بالرباط غالباً، فإذا وضع الرباط على الجزء المريض فقط، ولم يأخذ شيئاً من السليم، فإنه لا يجب المسح على الخرقة في هذه الحالة ومثل ذلك ما إذا أمكنه غسل الجزء السليم الذي تحت الرباط؛ الأمر الثالث: أن يتيمم بدل غسل الجزء المريض، ثم إن كان الشخص جنباً، فإنه لا يجب عليه الترتيب بين هذه الأمور الثلاثة، وهي: غسل الجزء السليم؛ والمسح على الخرقة ونحوها؛ والتيمم، بحيث يجوز له أن يبدأ بما شاء منها، أما إن كان غير جنب، فإنه يجب عليه الترتيب بين الغسل والتيمم فقط، بمعنى أنه يغسل أولاً الجزء السليم قبل التيمم. أما المسح على الجبيرة من خرقة ونحوها. فإنه يصح أن يقدمه على الغسل وعلى التيمم.
هذا، وإذا كانت الأعضاء المريضة متعددة، فإنه يجب عليه أن يعد التيمم بعدد هذه الأعضاء المريضة، فإن عم المرض جميع الأعضاء، فإنه يكفي أن يتيمم مرة واحدة عن الجميع. ومثل ذلك ما إذا كان المرض في عضوين متواليين في الترتيب كالوجه والذراعين، فإنهما إذا عمهما المرض، فيكفي أن يتيمم لهما تيمماً واحداً، بعد أن يغسل الجزء السليم، ويمسح على الجبيرة بدلاً من غسل الجزء الصحيح المستتر بالجبيرة.
هذا إذا كان العضو المريض مربوطاً، فإن لم يكن مربوطاً فإنه يفترض عليه غسل العضو السليم، والتيمم بدل غسل العضو المريض، ولا يمسح على محل المرض بالماء، لما عرفت أن المسح ليس مشروعاً عندهم، الا إذا كان بدلاً من غسل الجزء السليم الذي يستره رباط الجزء المريض فهو بمنزلة المسح على الخف، أما إذا كان العضو مكشوفاً، ولا يمكن غسله، فإنه لا يكون لمسحه معنى، والتيمم يقوم مقام غسله، فلا معنى لمسحه في هذه الحالة، فإذا كان المرض في عضو من أعضاء التيمم، ولا يمكنه مسحه بتراب التيمم، أو كان ذلك المسح يضره، فإنه يسقط عنه مسه، وتجب عليه إعادة الصلاة بعد برئه في هذه الحالة.
الحنفية قالوا: حكم المسح على الجبيرة فيه قولان: أحدهما: أنه واجب لا فرض، وقد عرفت في "مباحث الوضوء" الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية، وعلى هذا إذا ترك المريض المسح على العضو الذي به المرض وصلى، فإنه صلاته تكون صحيحة، ولكنه يجب عليه إعادتها، وإلا كان تاركاً للواجب الذي يترتب عليه حرمانه من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعاقب عليه على المعتمد، ثانيهما: أن المسح على الجبيرة فرض؛ بحيث لو تركه لا تصح الصلاة، كما يقول المالكية، والحنابلة، والقولان صحيحان عند الحنفية، فيصح للمكلف أن يقلد ما يشاء منهما
****************************

[شروط المسح على الجبيرة]

يشترط لصحة المسح على الجبيرة، سواء كانت خرقة، أو دواء، أو نحوهما شرطان؛
الشرط الأول:
أن يكون غسل العضو المريض ضاراً به. بحيث يخاف من غسله زيادة الألم، أو تأخر الشفاء، أو نحو ذلك، فإن كان العضو المريض عليه دواء بدون رباط، ويضره المسح عليه، فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يضع عليه رباطاً لا يضر، ثم يمسح على الرباط، كما ذكرنا؛
الشرط الثاني: تعميم الجبيرة بالمسح بمعنى أن يغسل الجزء السليم من المرض، ثم يمسح على الجزء المريض جميعه هذا إذا كانت الجبيرة على قدر محل المرض، فإن تجاوزت محل المرض لضرورة ربطها، فإنه يجب مسحها جميعها، ما كان منها على الجزء المريض، وما كان منها على الجزء السليم (1) فإن كان المحل المرْيض مما يمسح. كالرأس ففيه تفصيل المذاهب (2) .

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعميم الجبيرة بالمسح، بل يكفي مسح أكثرها، فإذا كانت الجراحة مثلاً في جميع اليد، ووضع عليها رباطاً، فإنه يكفي أن يمسح على ما يزيد على نصفها الموضوع عليه الرباط.
هذا وإذا كان الرباط زائداً على المحل المريض، فلا يخلو إما أن يكون حله ضاراً، أو غير ضار، فإن كان غير ضار وجب حله، وغسل ما تحته إن لم يضر الغسل، فإن كان الغسل ضاراً بالمريض، فإنه يجب مسح محل المرض، وغسل ما حوله من الأجزاء السليمة، فإن كان مسح محل الرباط يضر أيضاً، فإنه يغسل ما حوله، ثم يضع الرباط ويمسح عليه. أما إن كان حل الرباط ضاراً فإنه يجب عليه أن يمسح على الرباط، ولا يكلف حله ولو كان يستطيع غسل ما تحته أو مسحه. على أ، هـ يجب في هذه الحالة أن يمسح على ما يستر الصحيح والسليم. بحيث يمسح على أكثر الرباط.
الحنابلة قالوا: إن وضع الجبيرة على طهارة، فإن جاوزت محل المرض مسح عليها بالماء وتيمم عن الزائد، فإن لم توضع على طهارة، كأن وضعها قبل أن يتوضأ وجب عليه التيمم فقط، ولا يصح منه المسح، فإن تعدّدت الأعضاء المريضة وجب عليه أن يعدِّد التيمم. الا إذا عمت الجراحة جميع أعضاء الوضوء أو الغسل. فإنه لا يجب عليه الا تيمم واحد. ولا بد من مراعاة الترتيب والولاء في الطهارة من الحدث الأصغر، كما تقدم
(2) المالكية قالوا: إن عمت الجراحة الرأس؛ فحكمه حكم الأعضاء المغسولة. وإن لم تعم، فإن تيسر مسح بعض الرأس مسحه وكمل على العمامة. وإن لم يتيسر فحكمه حكم ما عمته الجراحة.
الشافعية قالوا: إن بقي من الرأس جزء سليم وجب المسح عليه. وإلا تيمم بدل مسحها.
الحنفية قالوا: إن كان بعض الرأس صحيحاً، وكان يبلغ قدر ما يجب عليه المسح وهو الربع فرض المسح عليه بدون حاجة للمسح على الجبيرة. وإن عمت الجراحة جميع الرأس كان حكمه كحكم الأعضاء المغسولة. فيجب المسح عليه إن لم يضره فإن ضره مسح على الجبيرة ونحوها.
الحنابلة قالوا: إن عمت الجراحة الرأس. ولم يمكنه المسح عليها مسح على العصابة التي عليها وعمها بالمسح ويتيمم إن شدها على غير طهارة، كما تقدم. وإن لم تعم مسح على الصحيح منها. وكمل على العصابة. لأن العصابة تنوب عن الرأس في المريض. ويبقى السليم على أصله
********************************
[مبطلات المسح على الجبيرة]

ويبطل المسح على الجبيرة لسقوطها عن موضعها. أو نزعها عن مكانها. على تفصيل في المذاهب (1) .
[صلاة الماسح على الجبيرة]

الصلاة بالمسح على الجبيرة المستوفية للشروط المتقدمة صحيحة، ولا إعادة على من صلى بذلك المسح بعد برء العضو (2) .
(1) المالكية قالوا: إن سقطت عن برء بطل المسح عليها، ووجب الرجوع إلى الأصل في تطهير ما تحتها بالغسل أو بالمسح إن كان متطهراً. ويريد البقاء على طهارته. ويشترط في صحة الطهارة بغسل أو مسح ما تحتها أن يبادر بحيث لا تفوته الموالاة عمداً، فإن طال الزمن نسياناً صح، وإن سقطت عن غير برء ردها إلى موضعها، وبادر بالمسح عليها، بحيث لا تفوته الموالاة، فإن كان سقوطها أو نزعها أثناء الصلاة بطلت الطلاة ووجبت إعادتها بعد تطهير ما تحتها إن كان ذلك عن برء، فإن كان عن غير برء أعادها ومسح عليها نفسها.
الشافعية قالوا: إن كان سقوطها عن برء في الصلاة بطلت الصلاة والطهارة، وإن كان عن غير برء بطلت الصلاة دون الطهارة، فيرد الجبيرة إلى موضعها، ويمسح عليها فقط بعد تطهير ما بعدها من الأعضاء إن وجد.
الحنفية قالوا: إن سقطت الجبيرة عن غيربرء لم يبطل المسح عليها سواء كان في الصلاة أو خارجها. وإن كان سقوطها في الصلاة عن برء، فإن كان قبل القعود الأخير قدر التشهد بطلت صلاته، وعليه في هذه الحالة أن يطهر موضع الجبيرة فقط، ويعيد الصلاة، وإن كان سقوطها في آخر الصلاة بعد القعود قدر التشهد؛ فالإمام يقول بالبطلان، والصاحبان يقولان بالصحة، لأن في هذه الحالة تكون صلاته قد تمت، ويكون سقوط الجبيرة بمنزلة الكلام أو الحدث بعد تمام الصلاة.
الحنابلة قالوا: إذا سقطت الجبيرة انتقض وضوءه كله، سواء كان سقوطها عن برء أو غير برء، الا أنه إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء أعاد الوضوء والتيمم

(2) الشافعية قالوا: تجب إعادة الصلاة في ثلاثة أمور: أحدها: إذا كانت الجبيرة في أعضاء التيمم. ثانيها: إذا كانت في غير أعضاء التيمم، وأخذت من الصحيح زيادة عن الذي تستمسك به في ربطها. ثالثها: إذا كانت في غير أعضاء التيمم، وأخذت من الصحيح بقدر الاستمساك فقط. لكنها وضعت وهو محدث
************************************
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-12-2019, 04:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 157 الى صــــــــ
163
الحلقة (31)


[كتاب الصلاة]

[[مباحث عامة]]


[حكمة مشروعيتها]

ما تقدم من مباحث الطهارة إنما هو وسيلة للصلاة، وقد علمت أن هذه الوسائل كلها منافع للمجتمع الإنساني؛ لأن مدارها على نظافة الأبدان؛ وطهارة أماكن العبادة من الأقذار التي تنشأ عنها الأمراض والروائح القذرة، نعم إن في بعض الوسائل ما قد يخلو عن هذا المعنى،
ولكن ذلك لحكمة ظاهرة: وهي أن الغرض من العبادات إنما هو الخشوع لله سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه، أما الصلاة فهي أهم أركان الدين الإسلامي؛ فقد فرضها الله سبحانه على عباده ليعبدوه وحده، ولا يشركوا معه أحداً من خلقه في عبادته،
قال تعالى:
{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز الخروج عنها،
وقال عليه الصلاة والسلام:
"خمس صلوات كتبهّن الله على العباد؛ فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة" وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم شأن الصلاة،
والحث على أدائها في أوقاتها: والنهي عن الاستهانة بأمرها والتكاسل عن إقامتها؛
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
"مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر عذب غمر، بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقى من درنه؟
قالوا:
لا شيء،
قال صلى الله عليه وسلم:
"
فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" ومعنى ذلك أن الصلوات الخمس تطهر النفوس؛ وتنظفها من الذنوب والآثام، كما أن الاغتسال بالماء النقي خمس مرات في اليوم يطهر الأجسام وينظفها من جميع الأقذار.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل: قال: "الصلاة لمواقيتها" فالصلاة هي أفضل أعمال الإسلام، وأجلها قدراً، وأعظمها شأناً؛ وكفى بذلك حثاً على أدائها في أوقاتها.أما ترهيب تاركها وتخويفه؛
فيكفي فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له" وقوله: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" وفي هذا الحديث زجر شديد للمسلم الذي يتسلط عليه الكسل فيحمله على ترك الصلاة التي يمتاز بها عن الكافر،
حتى قال بعض أئمة المالكية:
إن تارك الصلاة عمداً كافر وعلى كل حال فقد أجتمعوا على أنها ركن من أركان الإسلام، فمن تركها فقد هدم ركناً من أقوى أركانه. وينبغي أن يعرف الناس أن الغرض الحقيقي من الصلاة إنما هو غشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون منه على وجل فيأتمر بأمره، وينتهي عما نهاه عنه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، لأن من يفعل الصالحات ويجتنب السيئات لا يصدر عنه للناس الا المنفعة والخير، أما الذين يأتي بالصلاة وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية، وملاذه الجسمانية، فإن صلاته، وإن أسقطت عنه الفرض عند بعض الأئمة، ولكنها في الحقيقة لم تثمر الثمرة المطلوبة منها،
إنما الصلاة الكاملة هي التي قال الله في شأنها:
{قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتها خاشعون} .
فالغرض الحقيقي من الصلاة، إنما هو تعظيم الإله فاطر السموات والأرض بالخشوع له والخضوع لعظمته الخالدة، وعزته الأبدية، فلا يكون المرء مصلياً لربه حقاً الا إذا كان قلبه حاضراً مملوءاً بخشية الله وحده، فلا يغيب عن مناجاته بالوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن ي قف بين يدي خالقه وقلبه على هذه الحالة ذليلاً خاشعاً، خائفاً وجلاً من جلال ذلك الخالق القادر القاهر، ذي السطوة التي لا تحدّ، والمشيئة التي لا تردّ، فإنه بذلك يكون تائباً من ذنبه، منيباً إلى ربه، وتصلح أعماله الظاهرة والباطنة، وتقوى علاقته بربه، ويستقيم مع عبادته تعالى، ويقف عند حدود الدين، وينتهي عما نهاه عنه رب العالمين.
كما قال:
{إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} وبذلك يكون من المسلمين حقاً.فالصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وهي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظماً ربه، خائفاً منه، راجياً رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله، وتأثر قلبه بخشيته، لأن الله سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة،
ولذا قال تعالى:
{وأقم الصلاة لذكرى} ، ومن غفل قلبه عن ربه لا يكون ذاكراً له، فلا يكون مصلياً صلاة حقيقية، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".
فهذه هي الصلاة في نظر الدين، وهي بهذا المعنى لها أحسن الأثر في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، فإن في كل جزء من أجزائها تمريناً على فضيلة من الفضائل الخلقية، وتعويداً على صفة من الصفات الحميدة،
وإليك جملة من أعمال الصلاة وآثارها في تهذيب النفوس:
أولاً: النية، وهي عزم القلب على امتثال أمر الله تعالى بأداء الصلاة كاملة، كما أمر بها الله مع الإخلاص له وحده، ومن يفعل ذلك في اليوم والليلة خمس مرات، فلا ريب في أن الإخلاص ينطبع في نفسه، ويصبح صفة منصفاته الفاضلة التي لها أجمل الثر في حياة الأفراد والجماعات، فلا شيء أنفع في حياة المجتمع الإنساني من الإخلاص في القول والعمل، فلو أن الناس أخلصوا لبعضهم بعضاً في أقوالهم وأعمالهم، لعاشوا عيشة راضية مرضية، وصلحت حالهم في الدنيا والآخرة، وكانوا من الفائزين.
ثانياً:
إن القيام بين يدي الله تعالى، فالمصلي يقف ببدنه وروحه بين يدي خالقه مطرقاً يناجيه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، يسمع منه ما يقول، ويعلم منه قلبه ما ينوي، ولا ريب في أن من يفعل ذلك مرات كثيرة في اليوم والليلة، فإن قلبه يتأثر بخالقه، فيأتمر بما أمره به، وينتهي عما نهاه عنه، فلا ينتهك للناس حرمة، ولا يعتدي لهم على نفس، ولا يظلمهم في مال، ولا يؤذيهم في دين أو عرض.
ثالثاً: القراءة، وسيأتي لك حكمها عند الأئمة، ولكن ينبغي لمن يقرأ أن لا يحرك لسانه بالقراءة، وقلبه غافل، بل ينبغي له أن يتدبر معنى قراءته ليتعظ بما يقول، فإذا مر على لسانه ذكر الإله الخالق وجل قلبه خوفاً من عظمته وسطوته، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} وإذا ذكرت صفات الله تعالى من رحمة وإحسان وجب عليه أن يعلم نفسه كيف تتخلق بتلك الصفات الكريمة،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تخلقوا بأخلاق الله فهو سبحانه كريم عفو غفور، عادل لا يظلم الناس شيئاً، فالإنسان مكلف بأن يتخلق بهذه الأخلاق، فإذا ما قرأ في صلاته الآيات التي تشتمل على صفات الإله الكريمة وعقل معناها، وكرّرها في اليوم والليلة مرات كثيرة. فإن نفسه تتأثر بها لا محالة ومتى تأثرت نفسه بجميل الصفات حبب إليه الاتصاف بها، ولذلك أحسن الأثر في تهذيب النفوس والأخلاق.
رابعاً: الركوع والسجود، وهما من أمارات التعظيم لمالك الملوك، خالق السموات والأرض وما بينهما، فالمصلي الذي يركع بين يدي ربه لا يكفيه أن يحنى ظهره بالكيفية المخصوصة، بل لا بد أن يشعر قلبه بأنه عبد ذليل، ينحني أما عظمة إله عزيز كبير، لا حد لقدرته، ولا نهاية لعظمته فإذا انطبع ذلكالمعنى في قلب المصلي مرات كثيرة في اليوم والليلة كان قلبه دائماً خائفاً من ربه فلا يعمل الا ما يرضيه، وكذلك المصلي الذي يسجد لخالقه، فيضع جبهته على الأرض معلناً عبوديته لخالقه. فإنه إذا استشعر قلبه ذل العبودية، وعظمة الرب الخالق فلا بد أن يخافه ويخشاه، وبذلك تتهذب نفسه وينتهي عن الفحشاء والمنكر.
هذا ويتعلق بالصلاة أمور أخرى لها فوائد اجتماعية جليلة الشأن:
منها الجماعة، فقد شرع الإسلام الجماعة في الصلاة، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال:
"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".
ففي الاجتماع لأداء الصلاة بصفوف متراصة متساوية، تعارف بين الناس يقرب بين القلوب المتنافرة، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، وذلك من أجل عوامل الوحدة التي أمر الله تعالى بها في كتابه العزيز،
فقال:
{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وفي الاجتماع لأداء الصلاة تذكير بالأخوة التي قال الله عنها: {إنما المؤمنون إخوة} فالمؤمنون الذين يجتمعون لعبادة رب واحد لا ينبغي لهم أن ينسوا أنهم إخوة، يجب أن يرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويعود صحيحهم مريضهم،
عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخول المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
ولو شئنا أن نذكر ما اشتملت عليه الصلاة من فوائد لاستغرقنا صحائف كثيرة فنقف عند هذا الحد، والله يوفقنا إلى العمل بدينه الحنيف، إنه سميع الدعاء.
[تعريف الصلاة]

معنى الصلاة في اللغة:
الدعاء بخير،
قال تعالى:
{وصلِّ عليهم} أي دع لهم، وأنزل رحمتك عليهم،
ومعناها في اصطلاح الفقهاء:
أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، وهذا التعريف يشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الإحرام، ومختتمة بالاسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن المشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير، أو سلام، كما سيأتي في مبحثه،
فهذا السجود لا يقال له:
صلاة عند الحنفية والشافعية (1) .
[أنواع الصلاة]
للصلاة أنواع مبينة في المذاهب، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (2) .
(1) المالكية، والحنابلة: عرّفوا الصلاة بأنها قربة فعلية، ذات إحرام، وسلام، أو سجود فقط، والمراد بالقربة ما يتقرب بها إلى الله تعالى، والمراد بقولهم: فعليه ما يشمل أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح وعمل القلب من خشوع وخضوع، ولم يختلف معهم الحنفية والشافعية في هذا المعنى، إنما الخلاف في تسمية السجود فقط صلاة شرعية، والأمر في ذلك سهل

(2) الحنفية قالوا: الصلاة أربعة أنواع: الأول: الصلاة المفروضة فرض عين، كالصلوات الخمس؛ الثاني: الصلاة المفروضة فرض كفاية، كصلاة الجنازة؛ الثالث: الصلاة الواجبة، وهي صلاة الوتر، وقضاء النوافل التي فسدت بعد الشروع فيها، وصلاة العيدين، الرابع: الصلاة النافلة، سواء كانت مسنونة، أو مندوبة، أما سجود التلاوة فليس بصلاة عندهم، كما عرفت.
المالكية قالوا: تنقسم الصلاة إلى خمسة أقسام، وذلك لأنها إما أن تكون مشتملة على ركوع وسجود، وقراءة وإحرام، وسلام، أو لا، والقسم الأول تحته ثلاثة اقسام: الأول الصلوات الخمس المفروضة، والثاني: النوافل والسنن، والثالث: الرغيبة، وهي صلاة ركعتي الفجر، والقسم الثاني تحته قسمان: أحدهما: ما اشتمل على سجود فقط وهو سجود التلاوة، ثانيهما: ما اشتمل على تكبير وسلام، وليس فيه ركوع وسجود، وهو صلاة الجنازة فالأقسام خمسة.
الشافعية قالوا: تنقسم الصلاة إلى نوعين: أحدهما: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وقراءة، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلاة النافلة؛ ثانيهما: الصلاة الخالية من الركوع والسجود؛ ولكنها مشتملة على التكبير والقراءة والسلام. وهي صلاة الجنازة، وليس عند الشافعية صلاة واجبة كما يقول الحنفية، ولا صلاة رقيبة، كما يقول المالكية ولا يسمون سجود التلاوة صلاة، كما يسميه الحنابلة والمالكية، فالأقسام عندهم ثلاثة.
الحنابلة قالوا: تنقسم الصلاة إلى أربعة أقسام: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وإحرام وسلام، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلوات المسنونة؛ والقسم الثالث: الصلاة المشتملة على تكبير وسلام وقراءة، وليس فيها ركوع وسجود وهي صلاة الجنازة؛ القسم الرابع: الصلاة المشتملة على سجود فقط، وهي سجود التلاوة.
فإنه صلاة عند الحنابلة كما يقول المالكية

******************************
[شروط الصلاة]

للصلاة شروط تتوقف عليها صحتها، فلا تصح الا بها، وشروط يتوقف عليها وجوبها. فلا تجب الا بها، وقداختلفت اصطلاحات المذاهب في بيان هذه الشروط وعددها، فلذا ذكرناها لك مفصلة تحت الخط الذي أمامك (1) .


(1) المالكية قالوا: تنقسم شروط الصلاة إلى ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقطن وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما القسم الأول، وهو شروط الوجوب فقط فهو أمران، أحدهما: البلوغ، فلا تجب على الصبي، ولكن يؤمر بها لسبع سنين؛ ويضرب عليها لعشر ضرباً خفيفاً ليتعود عليها؛ فإن التكاليف الشرعية، وإن كانت كلها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن العقلاء لا يجدون حرجاً في القيام بها بعد التكليف، ولكن العادة لها حكمها؛ فقد يعلم الإنسان من فوائد الصلاة المادية والأدبية ما فيه الكفاية في حمله على أدائها، ولكن عدم تعوده على فعلها يقعد به من القيام بأدائها، ثانيهما: عدم الإكراه على تركها، كأن يأمره ظالم بترك الصلاة، وإن لم يتركها سجنه، أو ضربه، أو قتله، أو وضع القيد في يده، أو صفعه على وجهه بملأ من الناس إذا كان هذا ينقص قدره، فمن ترك الصلاة مكرهاً فلا إثم عليه، بل لا تجب عليه ما دام مكرهاً، لأن المكره غير مكلف، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والذي لا يجب على المكره عندهم إنما هو فعلها بهيئتها الظاهرة، وإلا فمتى تمكن من الطهارة وجب عليه فعل ما يقدر عليه، من نية، وإحرام وقراءة، وإيماء فهو كالمريض العاجز يجب عليه فعل ما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عن فعله.
وأما القسم الثاني، وهو شرط الصحة فقط، فهو خمسة: الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث، والإسلام، واستقبال القبلة، وستر العورة.
وأما القسم الثالث وهو شروط الوجوب والصحة معاً، فهو ستة: بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لم تبلغة الدعوة لا تجب عليه الصلاة ولا تصح منه إذا فرض وصلى، والعقل؛ ودخول وقت الصلاة، وأن لا يفقد الطهورين؛ بحيث لا يجد ماء، ولا شيئاً يتيمم به، وعدم النوم والغفلة، والخلو من دم الحيض والنفاس. ويعلم من هذا أن المالكية زادوا في شروط الصحة: الإسلام، ولم يجعلوه من شروط الوجوب، فالكفار تجب عليهم الصلاة عندهم؛ ولكن لا تصح الا بالإسلام، خلافاً لغيرهم، فإنه عدوه في شروط الوجوب، وعدوا الطهارة شرطين. وهما طهارة الحدث، وطهارة الخبث؛ وزادوا في شروط الوجوب عدم الإكراه على تركها.
الشافعية: قسموا شروط الصلاة إلى قسمين فقط: شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط الوجوب عندهم فهي ستة؛ بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، فالكافر لا تجب عليه الصلاة عند للشافعية، ومع ذلك فهو يعذب عليها عذاباً زائداً على عذاب الكفر، ومن ارتد عن الإسلام فإن الصلاة تجب عليه؛ لأنه مسلم باعتبار حالته الأولى، والعقل والبلوغ، والنقاء من دم الحيض والنفاس: وسلامة الحواس، ولو السمع، أو البصر فقط، وأما شروط الصحة فهي سبعة: أحدها: طهارة البدن من الحدثين: ثانيها: طهارة البدن، والثوب، والمكان من الخبث، ثالثها: ستر العورة، رابعها: استقبال القبلة، خامسها: العلم بدخول الوقت، ولو ظناً، ومراتب العلم ثلاث، أولاً: أن يعلم بنفسه أو بغخبار ثقة عرف دخول الوقت بساعة مضبوطة، أو بسماع مؤذن عارف بدخول الوقت، كؤذني المساجد التي بها ساعات، ونحو ذلك، ثانياً: الاجتهاد، بأن يتحرى دخول الوقت بالوقت بالوسائل الموصلة، ثالثاً: تقليد المتحري؛ ويلزم، أن يراعى هذا الترتيب في حق البصير. أما الأعمى فيجوز له التقليد. سادسها: العلم بالكيفية.
سابعها: ترك المبطل، فزاد الشافعية عن المالكية في شروط صحة الصلاة ثلاثة: العلم بكيفية الصلاة، بحيث لا يعتقد فرضاً من فرائضها سنة إن كان عامياً، وأن يميز بين الفرض والسنة، وإن كان ممن اشتغل بالعلم زمناً يتمكن فيه من معرفة ذلك، وترك المبطل بحيث لا يأتى بمناف لها حتى تتم، والعلم بدخول وقت الصلاة في الصلاة المؤقتة؛ وزادوا في شروط الوجوب: الإسلام، لكنهم قالوا: إن كان الكافر لم يسبق له إسلام؛ فإنها لا تجب عليه، بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، وإن كان يعذب عليها زائداً على عذاب الكفر، كما تقدم، أما المرتد فإنه يطالب بها في الدنيا؛ كما يعذب عليها في الآخرة؛ على أنهم قالوا: إذا صلى الكافر فإن صلاته تقع باطلة، فالإسلام شرط صحة أيضاً.
الحنفية - قسموا شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة، كالشافعية. أما شروط الوجوب عندهم، فهي خمسة: بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، والعقل والبلوغ، والنقاء من الحيض والنفاس، وكثير من الحنفية لم يذكر بلوغ الدعوة اكتفاء باشتراط الإسلام، وأما شروط الصحة فهي ستة: طهارة البدن من الحدث والخبث، وطهارة الثوب من الخبث، وطهارة المكان من الخبث، وستر العورة، والنية، واستقبال القبلة، فزادوا في شروط الوجوب: الإسلام كالشافعية الا أنهم قالوا: إن الكافر لا يعذب على تركها عذاباً زائداً على عذاب الكفر مطلقاً، ويظهر أن مسألة تعذيب الكافر عذاباً زائداً على عذاب الكفر مسألة نظرية غير عملية. لأن عذاب الكفر أشد أنواع العذاب، فكل عذاب يتصور فهو دونه، فهو إما داخل فيه، وإما أقل منه، وزادوا النية، فلا تصح الصلاة بغير نية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ولأنه بالنية تتميز العبادات عن العادات، وتتميز العبادات بعضها عن بعض؛ ووافق الحنابلة على عدّها شرطاً، وجعلها الشافعية ركناً، وكذا المالكية على المشهور، كما يأتي في "أركان الصلاة" وقد عرفت مما قدمناه لك في "مبحث النية" الفرق بين الشرط والركن وأن كلاً منهما لا يصح الشيء الا به فلا تصح الصلاة الا بالنية باتفاق الأئمة الأربعة، أما كون النية شرطاً تتوقف عليه الصلاة، مع كونه خارجاً عن حقيقتها، أو ركناً تتوقف عليه الصلاة، وهو جزء من حقيقتها، فتلك مسألة تختص بطالب العلم الذي يريد أن يعرف دقائق الأمور النظرية.
هذا، ولم يذكر الحنفية دخول الوقت في شروط الوجوب ولا في شروط الصحة، وذلك لأنهم يقولون: إنه شرط لصحة الأداء لا لنفس الصلاة، كما مر في التيمم، وسيأتي في مبحث دخول الوقت.
الحنابلة: لم يقسم الحنابلة شروط الصلاة إلى شروط وجوب، وشروط صحة، كغيرهم، بل عدوا الشروط تسعة، وهي: الإسلام، والعقل، والتمييز، والطهارة من الحدث مع القدرة، وستر العورة، واجتناب النجاسة ببدنه وثوبه وبقعته والنية، واستقبال القبلة، ودخول الوقت، وقالوا: إنها جميعها شروط لصحة الصلاة


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-06-2020, 01:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 235 الى صــــــــ
239
الحلقة (41)

التسبيح في الركوع والسجود
ومنها أن يقول، وهو راكع: سبحان ربي العظيم (1) ، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى؛ وفي عدد التسبيح الذي تؤدي به السنة اختلاف في المذاهب ذكرناه تحت الخط (2) .
وضع المصلي يديه على ركبتيه، ونحو ذلك
ومنها أن يضع المصلي يديّه على ركبتيه حال الركوع، وأن تكون أصابع يديه مفرجة، وأن يبعد الرجل عضديه عن جنبيه، لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه؛ "وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وارفع يديك عن جنبيك، أما المرأة فلا تجافي بينهما، بل تضمهما إلى جنبيها، لأنه أستر لها، وهذا الحكم متفق عليه عند ثلاثة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
__________
(1) المالكية قالوا: إن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وليس له لفظ معين، والأفضل أن يكون باللفظ المذكور
(2) الحنفية قالوا: لا تحصل السنة إلا إذا أتى بثلاث تسبيحات، فإن أتى بأقل لم تحصل السنة.
الحنابلة قالوا: إن الإتيان بصيغة التسبيح المذكورة واجب، وما زاد على ذلك سنة.
الشافعية قالوا: يحصل أصل السنة بأي صيغة من صيغ التسبيح وإن كان الأفضل أن يكون بالصيغة المذكورة، أما ما زاد على ذلك إلى إحدى عشرة تسبيحة فهو الأكمل، إلا أن الإمام يأتي بالزيادة إلى ثلاث من غير شرط، وما زاد على ذلك لا يأتي به، إلا إذا صرح المأمومن بأنهم راضون بذلك.
المالكية قالوا: ليس للتسبيح فيها عدد معين
(3) المالكية قالوا: إن وضع يديه على ركبتيه، وإبعاد عضديه عن جنبيه مندوب لا سنة. أما تفريق الأصابع أو ضمها فإنه يترك لطبيعة المصلي، إلا إذا توقف عليه تمكين اليدين من الركبتين
********************
تسوية المصلي ظهره وعنقه حال الركوع
ومنها أن يسوّي بين ظهره وعنقه في حالة الركوع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يسوي ظهره حتى لو صب عليه الماء استقر، وأن يسوي رأسه بعجزه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يرفع رأسه، ولم يخفضها، وهذه السنة متفق عليها.
كيفية النزول للسجود والقيام منه
ومنها أن ينزل إلى السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه، وبعكس ذلك عند القيام من السجود بأن يرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، على أن هذا إذا لم يكن به عذر، أما إذا كان ضعيفاً، أو لابس خف، أو نحو ذلك، فيفعل ما استطاع بالإجماع.
كيفية وضع اليدين حال السجود وما يتعلق به
ومنها أن يجعل المصلي في حال السجود كفيه حذو منكبيه، مضمومة الأصابع، موجهة رؤوسها للقبلة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
ومنها أن يبعد الرجل في حال سجوده بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض؛ وهذا إذا لم يترتب عليه إيذاء جاره في الصلاة، وإلا حرم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى - باعد بين بطنه وفخذيه - أما المرأة فيسن لها أن تلصق بطنها بفخذيها محافظة على
__________
(1) الشافعية قالوا: يسن حال القيام من السجود أن يرفع ركبتيه قبل يديه، ثم يقوم معتمداً على يديه، ولو كان المصلي قوياً أو امرأة.
المالكية قالوا: يندب تقديم اليدين على الركبتين عند النزول إلى السجود، وأن يؤخرهما عن ركبتيه عند القيام للركعة التالية
(2) المالكية قالوا: يندب وضع اليدين حذو الأذنين أو قربهما في السجود، مع ضم الأصابع وتوجيه رؤوسها للقبلة.
الحنفية قالوا: إن الأفضل أن يضع وجهه بين كفيه، وإن كان وضع كفيه حذاء منكبيه تحصل به السنة أيضاً
***********************
سترها، وهذا متفق عليه إلا عند المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
ومنها أن تزيد الطمأنينة عن قدر الواجب، وهذا متفق عليه.
الجهر بالقراءة
ومن السنن الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء، وفي ركعتي الصبح والجمعة، وهذا متفق عليه عند المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
حد الجهر والإسرار في الصلاة
ومن السنن الإسرار لكل مصل، فيما عدا ذلك من الفرائض الخمس، وهو سنة عند ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة؛ أما الجهر والإسرار في غير الفرائض كالوتر ونحوه والنوافل، ففيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (3) ، وفي حد الجهر والإسرار
__________
(1) المالكية قالوا: يندب للرجل أن يبعد بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن ركبتيه، وضبعيه عن جنبيه إبعاداً وسطاً في الجميع

(2) الحنفية قالوا: الجهر واجب على الإمام، وسنة للمنفرد، كما تقدم، ثم إن المنفرد مخير بن الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، فله أن يجهر فيها، وله أن يسر، إلا أن الجهر أفضل، وكذلك المسبوق في الصلاة الجهرية بأن فاتته ركعة من الجمعة خلف الإمام أو الصبح أو العشاء أو المغرب، ثم قام يقضيها، فإنه مخير بين أن يسر فيها وبين أن يجهر، ولا فرق في الصلاة الجهرية بين أن تكون أداء أو قضاء على الصحيح، فإذا فاتته صلاة العشاء مثلاً، وأراد قضاءها في غير وقتها، فإنه مخير بين أن يسر فيها أو يجهر؛ أما صلاة السرية فإنه المنفرد ليس مخيراً فيها. بل يجب عليه أن يسر على الصحيح، فإن جهر في صلاة العصر أو الظهر مثلاً، فإنه يكون قد ترك الواجب، ويكون عليه سجود السهو بناء على تصحيح القول بالوجوب، أما المأموم فإنه يجب عليه الانصات في كل حال، كما تقدم.
الحنابلة قالوا: المنفرد مخير بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية
(3) المالكية قالوا: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، ويندب السر في جميع النوافل النهارية، إلا النافلة التي لها خطبة، كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها.
الحنابلة قالوا: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتراويح والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك.
الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى.
************************
للرجل والمأة تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
هيئة الجلوس في الصلاة
ومن السنن أن يضع المصلي يديه على فخذيه، بحيث تكون رأس أصابعهما على الركبتين حال الجلوس متجهة إلى القبلة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنفية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
أما هيئة الجلوس فإنه فيها تفصيل
__________
الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى.
الحنفية قالوا: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة العيدين، والتراويح، ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف والاستسقاء والنوافل النهارية أما النوافل الليلية، فهو مخير فيها
(1) المالكية قالوا: أقل جهر الرجل أن يسمع من يليه، ولا حد لأكثره، وأقل سره حردّ. اللسان، وأعلاه إسماع نفسه فقط. أما المرأة فجهرها مرتبة واحدة، وهو إسماع نفسها فقط، وسرها هو حركة لسانها على المعتمد.
الشافعية قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه، ولو واحداً، لا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة إلا أن المرأة لا تجهر إذا كانت بحضرة أجنبي، وأقل الإسرار أن يسمع نفسه فقط، حيث لا مانع.
الحنابلة قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه ولو واحداً، واقل السر أن يسمع نفسه، أما المرأة، فإنه لا يسن لها الهجر، ولكن لا بأس بجهرها إذا لم يسمعها أجنبي؛ فإن سمعها أجنبي منعت من الجهر.
الحنفية قالوا: أقل الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه، كأهل الصف الأول، فلو سمع رجل، أو رجلان، فقط لا يجزئ، وأعلاه لا حد له، وأقل المخافتة إسماع نفسه، أو من بقربه من رجل أو رجلين؛ أما حركة اللسان مع تصحيح الحروف؛ فإنه لا يجزئ على الأصح، أما المرأة فقد تقدم في مبحث "ستر العورة" أن صوتها ليس بعورة على المعتمد، وعلى هذا لا يكون بينها وبين الرجل فرق في حكم الجهر بالقراءة في الصلاة، ولكن هذا مشروط بأن لا يكون في صوتها نغمة؛ أو لين، أو تمطيط يترتب عليه ثوران الشهوة عند من يسمعها من الرجال فإن كان صوتها بهذه الحالة كان عورة: ويكون جهرها بالقراءة على هذا الوجه مفسداً للصلاة، ومن هنا منعت من الأذان
(2) المالكية قالوا: وضع يديه على فخذيه مندوب لا سُنة.
الحنابلة قالوا: يكفي في تحصيل السنة وضع اليدين على الفخذين بدون جعل رؤوس الأسابع على الركبتين
***************************
المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام
ومنها أن يشير بسبابته في التشهد على تفصيل في المذاهب (2) .
ومنها الالتفاف بالتسليمة الأولى جهة اليمين حتى يرى خدّه الأيمن، والالتفاف بالتسليمة
__________
(1) المالكية قالوا: يندب الإفضاء للرجل والمرأة، وهو أن يجعل رجله اليسرى مع الألية اليسرى على الأرض، ويجعل قدم اليسرى جهة الرجل اليمنى، وينصل قدم اليمنى عليها، ويجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض.
الحنفية قالوا: يسن للرجل أن يفرض رجله اليسرى، وينصب اليمنى؛ ويوجه أصابعه نحو القبلة؛ بحيث يكون باطن أصابع رجله اليمنى نحو القبلة بقدر الاستطاعة، ويسن للمرأة أن تتورك بأن تجلس على أليتيها، وتضع الفخذ على الفخذ، وتخرج رجلها من تحت وركها اليمنى.
الشافعية قالوا: يسن الافتراش، وهو الجلوس على بطن قدمه اليسرى، ونصب قدمه اليمنى في جميع جلسات الصلاة إلا الجلوس الأخير، فإنه يسن فيه التورك بأن يلصق الورك الأيسر على الأرض؛ وينصب قدمه اليمنى، إلا إذا أن يسجد للسهور، فإنه لا يسن له التورك في الجلوس الأخير، بل يسن له في هذه الحالة الافتراش.
الحنابلة قالوا: يسن الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وهو أن يفترش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويخرجها من تحته، ويثني أصابعها جهة القبلة، أما التشهد الأخير في الصلاة الرباعية والثلاثية، فإنه يسن له التورك، وهو أن يفترش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ويخرجهما عن يمينه؛ ويجعل أليتيه على الأرض
(2) المالكية قالوا: يندب في حالة الجلوس للتشهد أن يعقد ما عدا السبابة والإبهام تحت الإبهام من يده اليمنى؛ وأن يمد السبابة والإبهام، وأن يحرك السبابة دائماً يميناً وشمالاً تحريكاً وسطاً.
الحنفية قالوا: يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط، بحيث لو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها من أصابع اليمنى، ولا اليسرى عند انتهائه من التشهد، بحيث يرفع سبابته عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى بقوله: لا إله إلا الله، ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده بقوله: إلا الله، فيكون الرفع إشارة إلى النفي، والوضع إلى الإثبات.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-06-2020, 04:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 271 الى صــــــــ
278
الحلقة (46)

الكلام في الصلاة لإنقاذ الأعمى والكلام خطأً
الكلام لإنقاذ أعمى من الوقوع في هلاك أو نحوه مبطل للصلاة باتفاق، ويجب على المصلي في مثل هذه الحالة أن يتكلم ويقطع الصلاة، أما المخطئ، وهو الذي يسبق لسانه إلى كلمة غير القرآن فإن صلاته لا تبطل بذلك عند ثلاثة من الأئمة وخالف الحنفية. فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
التنحنح في الصلاة
ومن الكلام المبطل التنحنح إذا بان منه حرفان فأكثر، وإنما يبطل الصلاة إذا كان لغير حاجة فإن كان لحاجة، كتحسين صوته حتى تخرج القراءة من مخارجها تامة، أو يهتدي إمامه إلى الصواب، ونحو ذلك، فإنه لا يبطل، وكذا إذا كان ناشئاً بدافع طبيعي، فإنه لا يبطل عند الحنفية والحنابلة ما دام لحاجة، وتوسع المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(2)
الأنين والتأوه في الصلاة
الأنين والتأوه والتأفف والبكاء إذا اشتملت على حروف مسموعة، فإنها تبطل الصلاة، إلا إذا كانت ناشئة من خشية الله تعالى، أو من مرض بحيث لا يستطيع منعها؛ وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
__________
(1) الحنفية قالوا: المخطئ الذي يسبق لسانه إلى كلمة غير القرآن تبطل صلاته أيضاً
(2) المالكية قالوا: التنحنح لا يبطل الصلاة، وإن اشتمل على حروف مبطلة، سواء كان لحاجة أو لغير حاجة على المختار، ما لم يكن كثيراً، أو تلاعباً، وإلا أبطل.
الشافعية قالوا: يعفى عن القليل من التنحنح إذا لم يستطع رده إلا إذا كان مرضاً ملازماً، بحيث لا يخلو الشخص منه زمناً يسع الصلاة، وإلا فلا يضر كثيره أيضاً. وكذلك إن تعذر عليه النطق بركن قولي من أركان الصلاة، كقراءة الفاتحة، فإن التنحنح الكثير لأجل أن يتمكن من قراءتها لا يضر، أما إن تعذر عليه النطق بسنة، فإن التنحنح الكثير لا يغتفر له فيها
(3) المالكية قالوا: إن كان الأنين والتأوه والبكاء ونحوها لوجع. أو كانت ناشئة من خشية الله فإنها لا تبطل الصلاة. لكن الأنين للوجع إن كثر أبطل، وإلا كان حكمها كحكم الكلام، فإن وقعت من المصلي سهواً، فإنها لا تبطل، إلا إذا كانت كثيرة، وإن وقعت عمداً فإنها تبطل إلا إذا تعلق بها غرض لإصلاح الصلاة، على التفصيل المتقدم.
الشافعية قالوا: الأنين والتأوة والتأفف ونحوها إن بان منها حرفان فأكثر، ففيها صور ثلاث: الأولى: أن تغلب عليه، ولا يستطيع دفعها، وفي هذه الحالة يعفى عن قليلها عرفاً، ولا يعفى عن كثيرها، ولو كان ناشئاً من خول الآخرة؛ الثانية: أن لا تغلب عليه، وحينئذ لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها؛ ولو كانت ناشئة من خوف الآخرة؛ الثالثة: إن تكثر عرفاً، وفي هذه الحالة لا يعفى عن قليلها أيضاً، إلا إذا صارت مرضاً ملازماً. فإنها لا تبطل الصلاة للضرورة، ومثلها التثاؤب، والعطاس، والجشاء، كما يأتي
*******************************
الدعاء في الصلاة بما يشبه الكلام الخالاج عنها
تبطل الصلاة بالدعاء الذي يشبه الكلام الخارج عنها، وللأئمة في ذلك تفصيل، فانظره تحت الخط (1) .
إرشاد المأموم لغير إمامه في الصلاة، ويقال له: الفتح على الإمام
تبطل الصلاة بإرشاد المأموم لغير الإمام الذي يصلي خلفه مثلاً، إذا كان يصلي شخص خلف إمام، ووجد بجانبه شخصاً يصلي إماماً، فقرأ الثاني خطأًن أو عجز عن القراءة فلا يصح للأول وإرشاده، لأنه مرتبط بالإمام، فلا علاقة له بمصل آخر، على أن في هذا الحكم تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (2)
التسبيح في الصلاة لإرشاد الإمام أو للتنبيه على أنه في الصلاة أو نحو ذلك
ليس من الكلام المبطل التسبيح للإعلام بأنه في الصلاة، أو لإرشاد الإمام إلى إصلاح خطا وقع فيها. أما التسبيح والهليل والذكر بغير الواد في الصلاة، أو التكلم بآية من القرآن لإفادة الغير غرضاً من الأغراض، ففي كونه مبطلاً للصلاة تفصيل المذاهب (3) .
تشميت العاطس في الصلاة
ومن الكلام المبطل تشميت العاطس، فإذا شمّت المصلي عاطساً بحضرته بطلت صلاته، بشرط أن يقول له: "يرحمك الله" بكاف الخطاب. أما إذا قال له: يرحمه الله. أو يرحمنا الله، فإن صلاته لا تبطل بذلك عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
إذا رد السلام وهو يصلي
إذا سلم عليه رجل وهو يصلي، فرد عليه السلام بلسانه بطلت صلاته، أما إذا رد عليه بالإشارة فإنها لا تبطل باتفاق، ولكن لا يطلب الرد من المصلي بالإشارة إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
التثاؤب والعطاس والسعال في الصلاة
لا تبطل الصلاة بالتثاؤب والعطاس والسعال والجشاء، ولو كانت مشتملة على بعض الحروف للضرورة، عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) .
العمل الكثير في الصلاة، وهو ليس من جنسها
تبطل الصلاة بالعمل الكثير الذي ليس من جنس الصلاة، وهو ما يخيل للناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة، وهذا حد العمل الكثير المبطل عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية والحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، وهو مبطل للصلاة؛ سواء وقع عمداً أو سهواً، أما العمل القليل، وهو ما دون ذلك، فلا يبطلها باتفاق ثلاثة من الأئمة، وللمالكية تفصيل، فانظره تحت الخط (8) ؛ أما إذا عمل المصلي عملاً زائداً عن الصلاة من جنسها، كزيادة ركوع أو سجود؛ فإن كان عمداً أبطل قليله وكثيره؛ وإن كان سهواً لم يبطل الصلاة مطلقاً، قليلاً كان العمل، أو كثيراً، كما أن الزيادة القولية، كتكرير الفاتحة لا تبطلها مطلقاً، ولو كان عمداً،ويسجد للسهو؛ وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (9)
التحول عن القبلة والأكل والشرب في الصلاة
تبطل الصلاة بالتحول عن القبلة في الصلاة، وفي حد التحول تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (10) ؛ وكذا تبطل بالأكل والشرب فيها، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (11) .
إذا طرأ على المصلي ناقض الوضوء وهو في الصلاة
تبطل الصلاة إذا طرأ على المصلي ناقض الوضوء، أو الغسل، أو التيمم. أو المسح على الخفين، أو الجبيرة، ما دام المصلي لم يفرغ من صلاته بالسلام، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . ومنها القهقهة، وهي أن يضحك بصوت يسمعه وحده، أو مع من بجواره؛ وهي مبطلة مطلقاً، قلت، أو كثرت، سواء أكانت عن عمد، أم عن سهو، أم عن غلبة اشتملت على حروف أم لا، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الحنفية والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) .
__________
(1) الحنفية قالوا: تبطل الصلاة بالدعاء بما يشبه كلام الناس؛ وضابطه أن لا يكون وارداً في الكتاب الكريم، ولا في السنة، ولا يستحيل طلبه من العباد، فله أن يدعو بما شاء مما ورد في الكتاب والسُّنة؛ أما ما ليس وارداً فيهما، فإن كان يستحيل طلبه من العباد، كطلب الرزق والبركة في المال والبنين ونحو ذلك، مما يطلب من الله وحده، فإن الصلاة لا تبطل به؛ وإن كان لا يتسحيل طلبه من العباد، نحو: اللهم أطعمني تفاحاً: أو زوجني بفلانة، فإنه يبطل الصلاة.
المالكية قالوا: لا تبطل الصلاة بالدعاء بخير الدنيا والآخرة مطلقاً، فله أن يدعو بما لا يستحيل طلبه من العباد، كأن يقول: اللهم أطعمني تفاحاً، ونحوه.
الشافعية قالوا: الدعاء الذي يبطل الصلاة هو الذي يكون بشيء محرم، أو مستحيل، أو معلق وله أن يدعو بعد ذلك بما شاء من خير الدنيا والآخرة، بشرط أن لا يخاطب بذلك غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خاطب غيرهما بطلت صلاته، سواء كان المخاطب عاقلاً، كأن يقول للعاطس: يرحمك الله، أو غير عاقل كأن يخاطب الأرض، فيقول لها: ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، ونحو ذلك.
الحنابلة قالوا: الدعاء الذي يبطل الصلاة هو الدعاء بغير ما ورد، وليس من أمر الآخرة كالدعاء بحوائج الدنيا وملاذها، كأن يقول: اللهم الرزقني جارية حسناء، وقصراً فخماً، وحلة جميلة ونحو ذلك، ويجوز أن يدعو لشخص معين، بشرط أن لا يأتي بكاف الخطاب، كأن يقول: اللهم ارحم فلاناً، أما إذا قال: اللهم ارحمك يا فلان، فإن صلاته تبطل
(2) الحنفية قالوا: إذا نسي الإمام الآية، كأن توقف في القراءة، أو تردد فيها، فإنه يجوز للمأموم الذي يصلي خلفه أن يفتح عليه، ولكنه ينوي إرشاد إمامه لا التلاوة، لأن القراءة خلف الإمام مكروهة تحريماً. كما تقدم.
ويكره للمأموم المبادرة بالفتح على الإمام. كما يكره للإمام أن يلجئ المأموم على إرشاده. بل ينبغي له أن ينتقل إلى المطلوب من سورة أخرى. أو سورة أخرى كاملة. أو يركع إذا قرأ القدر المفروض والواجب. أما فتح المأموم على غير إمامه بأن فتح على مقتد مثله. أو على إمام غير إمامه أو على منفرد أو على غير مصل. فإنه يبطل الصلاة. إلا إذا قصد التلاوة لا الإرشاد. ولكن ذلك يكون مكروهاً تحريماً حينئذ وكذلك أخذ المصلي بإرشاد غيره، فإنه يبطل الصلاة، إلا أخذ الإمام بإرشاد مأمومه، فإنه لا يبطل، فإذا نسي المأموم أو المنفرد الآية فأرشده غيره، فعمل بغرشاده بطلت صلاته، إلا إذا تذكر من تلقاء نفسه، وكما أن امتثال أمر الغير في القراءة يبطل الصلاة، كذلك امتثاله في الفعل، فإنه يبطلها فإذا وجدت فرجة في الصف، فأمره غيره بسدها فامتثل بطلت صلاته، بل ينبغي أن يصبر زمناً ما، ثم يفعل من تلقاء نفسه.
المالكية قالوا: إن الفتح على الإمام لا تبطل به الصلاة، وإنما يفتح المأموم على إمامه إذا وقف عن القراءة وطلب الفتح بأن تردد في القراءة، أما إذا وقف، ولم يتردد، فإنه يكره الفتح عليه، ويجب الفتح عليه في الحالة الأولى إن ترتب عليه تحصيل الواجب، كقراءة الفاتحة، ويسن إن أدى إلى صلاح الآية الزائدة عن الفاتحة، ويندب إن أدى إلى إكمال السورة، الذي هو مندوب وأما الفتح على غير الإمام، سواء كان خارجاً عن الصلاة أو فيها، فإنه مبطل للصلاة.
الشافعية قالوا: يجوز للمأموم أن يفتح على إمامه بشرط أن يسكت عن القراءة، أما إذا تردد في القراءة فإنه لا يفتح عليه مادام متردداً، فإن فتح عليه في هذه الحالة انقطعت الموالاة بين قراءته، ويلزمه استئناف القراءة، ولا بد لمن يفتح على إمامه أن يقصد القراءة وحدها، أو يقصد القراءة مع الفتح، أما إن قصد الفتح وحده أو لم يقصد شيئاً أصلاً فإن صلاته تبطل على المعتمد أما الفتح على غير إمامه، سواء كان مأموماً آخر، أو غيره، فإنه يقطع الموالاة في القراءة، فيستأنفها إذا قصد الذكر: ولو مع الإعلام: وإلا بطلت.
الحنابلة قالوا: يجوز للمصلي أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه - أي منع من القراءة - أو غلظ فيها ويكون الفتح واجباً إذا منع الإمام من القراءة أو غلط في الفاتحة لتوقف صحة الصلاة على ذلك. أما الفتح على غير إمامه سواء أكان في الصلاة أم خارجها. فإنه مكروه لعدم الحاجة إليه ولا تبطل به الصلاة. لأنه قول مشروع فيها
(3) الحنفية قالوا: إذا تكلم المصلي بتسبيح أو تهليل، أو أثنى على الله تعالى عند ذكره كأن قال: جل جلاله؛ أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، أو قال: صدق الله العظيم، عند فراغ القارئ من القراءة، أو قال مثل قول المؤذن، ونحو ذلك، فإن قصد به الجواب عن أمر من الأمور بطلت صلاته؛ أما إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة، فإن صلاته لا تبطل كذلك تبطل إذا لم يقصد شيئاً؛ ومثل ذلك ما إذا تكلم بآية من القرآن، لإفادة الغير غرضاً من الأغراض، كأن خاطب شخصاً اسمه يحيى بقوله: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" يريد بذلك أن يأخذ كتاباً عنده؛ أو قال لمن يستأذنه في الدخول وهو في صلاته: "ادخلوها بسلام آمنين"؛ أو سأله رجل، وهو يصلي، ما هو مالك؟ فقال" "والخيل والبغال والحمير لتركبوها" ونحو ذلك فإنه يبطل الصلاة؛ إلا إذا قصد مجرد التلاوة، ومثل ذلك ما إذا أخبر بخبر سوء، وهو في الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله، أو حدث ما يفزعه فقال: بسم الله، أو دعا لأحد أو عليه، فإن صلاته تبطل بذلك، إلا إذا قصد مجرد الذكر أو الثناء، فإنها لا تبطل حينئذ. وكذلك تبطل إذا رفع صوته بالتسبيح أو التهليل؛ يريد بذلك زجر الغير عن أمر من الأمور؛ أما إذا رفع صوته بالقراءة قاصداً الزجر برفع الصوت بالقراءة قاصداً الزجر برفع الصوت لا بالقراءة فإن صلاته لا تفسد، وإنما استثنى من ذلك كله التسبيح للإعلام بأنه في الصلاة، أو تنبيه إمامه إلى خطأ في الصلاة، لما ورد في الحديث: "إذا نابت نائبة في الصلاة فليسبح".
المالكية قالوا: لا تبطل الصلاة بالقرآن الذي قصد به إفهام الغير غرضاً من الأغراض بشرط أن يكون ذلك في محله وذلك كأن يستأذنه شخص في الدخول عليه وهو يصلي، فيصادف ذلك الاستئذان الفراغ من قراءة الفاتحة، فيشرع في قراءة "ادخلوها بسلام آمنين" جواباً عن ذلك الاستئذان، أما إن وقع في غير محله، كأن يصادف الاستئذان الركوع أو السجود أو قبل الفراغ من الفاتحة، فأجابه بذلك بطلت صلاته. أما إذا أجابه بالتسبيح، أو التهليل: أو بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإن صلاته لا تبطل بذلك في أي محل من الصلاة لأن الصلاة كلها محل لها.
الحنابلة قالوا: لا تبطل الصلاة بالتسبيح أو التهليل أو الذكر لغرض من الأغراض؛ فإذا رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله، أو أصابته مصيبة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو أصابه ألم: فقال: بسم الله، ونحو ذلك فإن صلاته لا تبطل به، وإنما يكره لا غير، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، فإنه مستحبة في النفل فقط، أما الفرض فإنها لا تطلب فيه ولا تبطله؛ وكذلك لا يبطلها التكلم بآية من القرآن: لغرض من الأغراض، كأن يقول لمن يستأذنه وهو في صلاته: ادخلوها بسلام آمنين، أو يقول: "يا يحيى خد الكتاب بقوة" مخاطباً بذلك شخصاً اسمه يحيى. أما إذا تكلم بكلمة من القرآن لا تتميز عن كلام الناس، كأن يخاطب شخصاً اسمه إبراهيم بقوله: يا إبراهيم، فإن صلاته تبطل بذلك.
الشافعية قالوا: إذا تكلم بآية من القرآن، وهو في الصلاة قاصداً بذلك إفهام الغير أمراً من الأمور فقد بطلت صلاته. وكذلك تبطل الصلاة إذا أطلق ولم يقصد شيئاً. أما إذا قصد التلاوة مع هذا الإفهام، فإن صلاته لا تبطل، وكذا إذا استأذنه شخص في أمر فسبح له أو سبح لإمامه لتنبيهه إلى خطأ في الصلاة، أو قال: الله، عند حدوث ما يفزعه، فإنه في هذه الأحوال إن قصد الذكر، ولو مع ذلك الغرض لا تبطل، وإلا بطلت. أما إذا قال: صدق الله العظيم عند سماع آية أو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله عند سماع خبر سوء، فإن صلاته لا تبطل به مطلقاً، إذ ليس فيه سوى الثناء على الله تعالى ولكنه يقطع موالاة القراءة فيستأنفها. ومثل ذلك إجابة المؤذن، وإذا سمع المأموم إمامه يقول: غياك نعبد وإياك نستعين، فقال المأموم مثله محاكاة له أو قال: استعنا بالله. أو نستعين بالله بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة ولا دعاء وإلا فلا تبطل، والإتيان بهذا بدعة منهي عنها، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره فإن كانت بالاسم الظاهر فإنها تقطع الموالاة، ولا تبطل الصلاة، وإن كانت بالضمير، فإنها لا تقطع ولا تبطل
(4) الحنفية قالوا: إذا شمّت المصلي عاطساً بحضرته بطلت صلاته مطلقاً، سواء قال له: يرحمك الله، بكاف الخطاب. أو قال له، يرحمه الله: نعم إذا عطس هو فقال لنفسه: يرحمني الله، أو خاطب نفسه، فقال: يرحمك الله: فإن صلاته لا تبطل بذلك.
المالكية قالوا: تبطل الصلاة بتشميت العاطس باللسان مطلقاً
(5) المالكية قالوا: يرد السلام بالإشارة على الراجح
(6) الحنفية قالوا: إنها لا تبطل بهذه الأشياء، بشرط أن لا يتكلف غخراج حروف زائدة على ما تقتضيه الطبيعة، كأن يقول في تثاؤبه: هاه هاه، أو يزيد العاطس حروفاً لا تضطره إليها طبيعة العطاس، فإن ذلك يبطل الصلاة.
الشافعية قالوا: حكم هذه الأشياء كحكم الأنين والتأوه في التفصيل المتقدم، فإن غلبت عليه، ولم يتسطع ردها عفي عن قليلها عرفاً، أما إذا أمكنه ردها ولم يفعل، فإنها تبطل الصلاة إلى آخر ما تقدم
(7) الشافعية: حدوا العمل الكثير بنحو ثلاث خطوات متواليات يقيناً، وما في معنى هذا؛ كوثبة واحدة كبيرة؛ ومعنى تواليها أن لا نعد إحداها منقطعة عن الأخرى، على الراجح: وإنما يبطل العمل الكثير إذا كان لغير عذر؛ كمرض يستدعي حركة لا يستطيع الصبر عنها زمناً يسع الصلاة قبل ضيق الوقت، وإلا فلا تبطل.
الحنفية قالوا: العمل الكثير ما لا يشك الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة، فإن اشتبه الناظر فهو قليل على الأصح
(8) المالكية قالوا: ما دون العمل الكثير قسمان: متوسط، كالانصراف من الصلاة، وهذا يبطل عمده دون سهوه؛ ويسير جداً كالإشارة، وحك البشرة، وهذا لا يبطل عمده ولا سهوه
(9) المالكية قالوا: تبطل الصلاة بالزيادة من جنسها سهواً إذا كثرت؛ والكثير ما كان مثل الرباعية والثنائية، كأن يصلي الظهر ثمان ركعات: والصبح أربعاً وأربع ركعات في الثلاثية ومثل الفنل المحدود: كالعيد، والفجر بخلاف الوتر، فإنه وإن كان محدوداً، ولكن لا يبطل بزيادة ركعة واحدة؛ بل بزيادة ركعتين فأكثر، أما غير المحدود، كالشفع، فلا يبطل بالزيادة عليه أصلاً كما أن الزيادة إذا قلت - وهي غير ما ذكر - فلا تبطل الصلاة، كزيادة ركعتين أو ثلاث في الرباعية
(10) المالكية قالوا: التحول عن القبلة لا يبطل الصلاة ما لم تتحول قدماه عن مواجهة القبلة.
الحنابلة قالوا: إن هذا لا يبطل الصلاة ما لم يتحول المصلي بجملته عن القبلة.
الحنفية قالوا: إذا تحول بصدره عن القبلة، فإما أن يكون مضطراً أو مختاراً؛ فإن كان مضطراً لا تبطل، إلا إذا مكث قدر ركن من أركان الصلاة على هذه الحالة، وإن كان مختاراً، فإن كان بغير عذر بطلت، وإلا فلا تبطل، سواء قلّ التحول أو كثر.
الشافعية قالوا: إذا تحول بصدره عن القبلة يمنة أو يسرة، ولو حرّفه غيره قهراً، بطلت صلاته، ولو عاد عن قرب، بخلاف ما لو انحرف جاهلاً أو ناسياً. وعاد عن قرب فإنها لا تبطل
(11) الحنفية قالوا: كثير الأكل والشرب وقليلهما مفسد للصلاة عمداً أو سهواً، ولو كان المأكول سمسمة أدخلها في فيه، أو كان المشروب قطرة مطر، سقطت في فيه فابتلعها، إلا إذا أكل قبل الشروع في الصلاة، فبقي بين أسنانه مأكول دون الحمصة، فابتلعه وهو في الصلاة فإنها لا تفسد بابتلاعه، أما إن مضغه ثلاث مرات متوالية على الأقل، فإنها تفسد، ويحلق بالأكل المبطل ابتلاع ما يتحلل من السكر والحلوى من فمه، بشرط أن يصل إلى جوفه.
المالكية قالوا: تبطل الصلاة بالأكل الكثير أو الشرب عمداً، والكثير هو ما كان مثل اللقمة "أما اليسير وهو ما كان مثل الحبة، فإن كانت بين أسنانه، فإنه لا تبطل، ولو ابتلعها بمضغ، لأن المضغ في هذه الحالة لا يكون عملاً كثيراً على التحقيق، وكذا إذا رفعها من الأرض وابتلعها بدون مضغ، فإنها لا تبطل، وأما الأكل أو الشرب سهواً فلا يبطل الصلاة على الراجح، ويسجد له بعد السلام إلا إذا اجتمعا، أو وجد أحدهما مع السلام سهواً، فإنه يبطل الصلاة.
الشافعية قالوا: كلما وصل إلى جوف المصلي من طعام أو شراب، ولو بلا مضغ، فإنه يبطل الصلاة، سواء كان قليلاً أو كثيراً، إذا كان المصلي عامداً، عالماً، عالماً بتحريم الأكل والشرب، وبأنه في الصلاة ولو مكرهاً. أما إذا كان ناسياً للأكل أو الشرب أو جاهلاً يعذر بجهله، كما تقدم، أو ناسياً أنه في الصلاة فإنه لا يضر القليل منها، بخلاف الكثير: أما المضع بلا بلع، فإنه من قبيل العمل؛ تبطل بكثيره؛ ولا يضر ما وصل مع الريق إلى الجوف من طعام بين أسنانه؛ إذا عجز عن تمييزه ومجده. نعم يبطل الصلاة وصول ما ذاب من السكر أو غيره في الفم إلى الجوف.
الحنابلة قالوا: يبطل الصلاة الكثير من الأكل والشرب؛ أما اليسير منهما فيبطلها إذا كان عمداً لا نسياناً؛ كما لا تبطل ببلع ما بين أسنانه بلا مضغ؛ ولو لم يجر به الريق؛ ويعرف الكثير واليسير بالعرف. ومثل الأكل فيما تقدم بلع ذوب السكر والحلوى ونحوهما؛ فإنه مبطل للصلاة؛ ما لم يكن يسيراً نسياناً
(12) الحنفية قالوا: إنما يبطل طرو ناقض لهذه الأمور إذا كان قبل القعود الأخير بقدر التشهد. أما إذا طرأ بعده فلا تبطل به الصلاة على الراجح
(13) الحنفية قالوا: إنما تبطل بها الصلاة إذا حصلت قبل القعود الأخير قدر التشهد، أما إن كانت بعده، فإنها لا تبطل الصلاة التي تمت بها، وإن نقضت الوضوء، كما تقدم تفصيله في "نواقض الوضوء".
الشافعية قالوا: لا تبطل القهقهة الصلاة إلا إذا ظهر بها حرفان فأكثر، أو حرف مفهم، فالبطلان ليس بها. وإنما بما اشتملت عليه من الحروف، كما تقدم، وهذا إذا كان باختياره، أما إن غلبه الضحك فإن كان كثيراً أبطل، وإلا فلا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-06-2020, 01:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 313 الى صــــــــ
322
الحلقة (51)

مباحث صلاة العيدين
يتعلق بصلاة العيدين مباحث: أحدها: حكمها ووقتها؛ ثانيها: دليل مشروعيتها، ثالثها: كيفيتها؛ رابعها: حكم الجماعة فيها وقضاءها إذا فاتت: خامسها: أحكام خطبة العيدين، أركانها، شروطها؛ سادسها: حكم الأذان، وإقامة الصلاة في العيدين؛ سابعها: سنن العيدين ومندوباتهما؛ ثامنها: إحياء ليلة العيدين؛ تاسعها: المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد؛ عاشرها: تكبير التشريق.

حكم صلاة العيدين، ووقتهما
في حكم صلاة العيدين ووقتهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
دليل مشروعية صلاة العيدين
شرعت في السنة الأولى من الهجرة، كما رواه أبو داود عن أنس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد ابدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرة".

كيفية صلاة العيدين
في كيفية صلاة العيدين تفصيل المذاهب، فانظرها تحت الخط (2) .
حكم الجماعة وقضائها إذا فات وقتها
وفي حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فاتته مع الإمام تفصيل، فانظره تحت الخط (3) .
سنن العيدين ومندوباتهما
لصلاة العيدين سنن: منها الخطبتان، وقد تقدم بيانهما؛ وتقدم أن المالكية قالوا: إنهما مندوبتان؛ ومنها أن يندب لمستتمع خطبتي العيدين أن يكبر عند تكبير الخطيب، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يحرم الكلام عندها، ولو بالذكر، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الشافعية، فقالوا: إن الكلام مكروه أثناء خطبتي العيدين والجمعة ولو بالذكر، وأما الحنفية قالوا: لا يكره الكلام بالذكر أثناء خطبتي الجمعة والعيدين، في الأصح ويحرم بما عداه.
ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر، وصلاة، وتلاوة قرآن، ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا ليلة الفطر، وليلة الأضحى محتسباً، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، رواه الطبراني، ويحصل الإحياء بصلاة العشاء، والصبح في جماعة؛ وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوباً، لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان الله تعالى الذي لا سخط لعده، والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات، فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان الله تعالى بدون نزاع، ومن تركها استحق سخطه، أما ما عداها من فضائل الأعمال، فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن، ومن يتركها فلا شيء عليه، وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات، فإذا ترك المكلفون صيام رمضان، وترك القادرون الحج إلى بيت الله الحرام، والصدقات المطلوبة منهم، ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئاً. نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة، كان له أثر كبير، وهو محو الذنوب والآثام، لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق.
ويندب أيضاً الغسل للعيدين بالكيفية المذكورة في صحيفة 108، وما بعدها، فارجع إليها إن شئت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنه سنة.
ويندب التطيب والتزين يوم العيد، أما النساء فلا يندب لهن ذلك إذا خرجن لصلاة العيد خشية الافتتان بهن، أما إذا لم يخرجن فيندب لهن ما ذكر، كما يندب للرجال الذين لم يصلوا العيد، لأن الزينة مطلوبة لليوم لا للصلاة، وذلك متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: إنه سنة لا مندوب.
ويندب أن يلبس الرجال والنساء أحسن ما لديهم من ثياب، سواء كانت جديدة أو مستعملة، بيضاء، أو غير بيضاء باتفاق، إلا أن المالكية قالوا: يندب لبس الجديد، ولو كان غيره أحسن منه، والحنفية قالوا: لبس الجديد سنة لا مندوب.
ويندب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر، وأن يكون المأكول تمراً ووتراً - ثلاثاً، أو خمساً - وأما يوم الأضحى فيندب تأخير الأكل حتى يرجع من الصلاة.
ويندب أن يأكل شيئاً من الأضحية إن ضحى، فإن لم يضح خير بين الأكل قبل الخروج وبعده عند الحنابلة، والحنفية، أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
ويندب لغير الإمام أن يبادر بالخروج إلى المصلى بعد صلاة الصبح، ولو قبل الشمس باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، أما الإمام فيندب له تأخير الخروج إلى المصلى، بحيث إذا وصلها صلى ولا ينتظر.
ويندب يوم العيد تحسين هيئته بتقليم الأظافر وإزالة الشعر والأدران (6) .
ويندب أن يخرج إلى المصلى ماشياً، وأن يكبر في حال خروجه جهراً، وأن يستمر على تكبيره إلى أن تفتح الصلاة، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: الأفضل أن يكبر سراً (7) . والمالكية قالوا: يستمر على التكبير إلى مجيء الإمام. أو إلى أن يقوم إلى الصلاة، ولو لم يشرع فيها، والقولان متساويان، أما الإمام قيستمر على تكبيره إلى أن يدخل المحراب.
ويندب لمن جاء إلى المصلى من طريق أن يرجع من أخرى.
ويندب أيضاً أن يظهر البشاشة والفرح في وجه من يلقاه من المؤمنين، وأن يكثر من الصدقة النافلة بحسب طاقته، وأن يخرج زكاة القطر إذا كان مطالباً بها قبل صلاة العيد وبعد صلاة الصبح.
المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد
تؤدي صلاة العيد بالصحراء، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) .
ومتى خرج الإمام للصلاة في الصحراء ندب له أن يستخلف غيره ليصلي بالضعفاء الذين يتضررون بالخروج إلى الصحراء لصلاة العيد بأحكام المتقدمة: لأن صلاة العيد يجوز أداؤها في موضعين (9) .
مكروهات صلاة العيد
يكره التنفل للإمام والمأموم قبل صلاة العيد وبعدها على تفصيل (10) .
وهناك مندوبات ومكروهات أخرى زادها المالكية؛ والشافعية، والحنفية؛ فانظرها تحت الخط (11) .

الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد
لا يؤذن لصلاة العيدين، ولا يقام لها، ولكن يندب أن ينادي لها بقول: "الصلاة جامعة" باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: النداء لها بقول: "الصلاة جامعة" ونحوه مكروه أو خلاف الأولى، وبعض المالكية يقول: إن النداء بذلك لا يكره إلا إذا اعتقد أنه مطلوب. وإلا فلا كراهة.
حكم خطبة العيدين
خطبتا العيدين سنة باتفاق، إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: إنهما مندوبتان لا سنة، وقد عرفت أن الحنابلة، والشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة، فهم مع المالكية الذين يقولون: إن الخطبتين المذكورتين مندوبتان، ومع الحنفية الذين يقولون: إنهما سنة، ومع ذلك فإن لهما أركاناً وشروطاً كخطبتي الجمعة وإليك بيان أركانهما وشروطهما.

أركان خطبتي العيدين
لا توجد حقيقة خطبتي العيدين إلا إذا تحققت أركانهما، هي كأركان خطبتي الجمعة إلا في الافتتاح، فإنهما يسن افتتاحهما بالتكبير، وقد ذكرنا عدد التكبير المطلوب في كيفية صلاة العيدين، فارجع إليه. أما خطبة الجمعة فإنها تفتتح بالحمد، وقد ذكرنا أركان الخطبتين عند كل مذهب تحت الخط (12) .
شروط خطبتي العيدين
قد ذكرنا شروط خطبتي العيدين مجملة عند كل مذهب تحت الخط (13) .
__________
(1) الشافعية قالوا: هي سنة عين مؤكدة لكل من يؤمر بالصلاة، وتسن جماعة لغير الحاج، أما الحجاج فتسن لهم فرادى.
المالكية قالوا: هي سنة عين مؤكدة تلي الوتر في التأكد، يخاطب بها كل من تلزمه الجمعة بشرط وقوعها جماعة مع الإمام، وتندب لمن فاتته معه، وحينئذ يقرأ فيها سراً، كما تندب لمن لم تلزمه، كالعبيد والصبيان؛ ويستثنى من ذلك الحاج، فلا يخاطب بها لقيام وقوفه بالمشعر الحرام مقامها، نعم تندب لأهل "منى" غير الحجاج وحداناً لا جماعة، لئلا يؤدي ذلك إلى صلاة الحجاج معهم.
الحنفية قالوا: صلاة العيدين واجبة في الأصح على من تجب عليه الجمع بشرائطها، سواء كانت شرائط وجوب أو شرائط صحة، إلا أنه يستثنى من شرائط الصحة الخطبة، فإنها تكون قبل الصلاة في الجمعة وبعدها في العيد، ويستثنى أيضاً عدد الجماعة، فإن الجماعة في صلاة العيد تتحقق بواحد مع إمام، بخلاف الجمعة، وكذا الجماعة فإنها واجبة في العيد يأثم بتركها، وإن صحت الصلاة بخلافها في الجمعة، فإنها لا تصح إلا بالجماعة، وقد ذكرنا معنى الواجب عند الحنفية في "واجبات الصلاة" وغيرها، فارجع إليه.
الحنابلة قالوا: صلاة العيد فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة، فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة ما عدا الخطبة، فإنها سنة في العيد، بخلافها في الجمعة، فإنها شرط، وقد تكون صلاة العيد سنة، وذلك فيمن فاتته الصلاة مع الإمام، فإنه يسن له أن يصليها في أي وقت شاء بالصفة الآتية.
الشافعية قالوا: وقتها من ابتداء طلوع الشمس، وإن لم ترتفع إلى الزوال، ويسن قضاءها بعد ذلك على صفتها الآتية.
المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، ولا تقضى بعد ذلك.
الحنابلة قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس قدر رمح بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وإن فاتت في يومها تقضى في اليوم التالي، ولو أمكن قضاءها في اليوم الأول، وكذلك تقضى، وإن فاتت أيام لعذر، أو لغير عذر.
الحنفية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد، ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً، أما قضاؤها إذا فاتت فسيأتي حكمه بعد.
الشافعية قالوا: يسن تأخير صلاة العيدين إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح.
المالكية قالوا: لا يسن تأخير صلاة العيدين عن أول وقتها

(2) الحنفية قالوا: ينوي عند أداء كل من صلاة العيدين بقلبه، ويقلو بلسانه، أصلي صلاة العيد لله تعالى، فإن كان مقتدياً ينوي متابعة الإمام أيضاً، ثم يكبر للتحريم، ويضع يديه تحت سرته بالكيفية المتقدمة، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء، ثم يكبر الإمام تكبيرات الزوائد، ويتبعه المقتدون، وهي ثلاث سوى تكبيرة الإحرام والركوع، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن في أثناء السكوت ذكر، ولا بأس بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يرفع المصلي - سواء كان إماماً أو مقتدياً - يديه عند كل تكبيرة منها، ثم إن كان إماماً يتعوذ، ويسعى سراً، ثم يقرأ جهراً الفاتحة؛ ثم سورة؛ ويندب أن تكون سورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع الإمام ويتبعه المقتدون ويسجد، فإذا قام للثانية ابتدأ بالتسمية ثم بالفاتحة ثم بالسورة، ويندب أن تكون سورة "هل أتاك"، وبعد الفراغ من قراءة السورة يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد، وهي ثلاث سوى تكبيرة الركوع، ويرفعون أيديهم عند كل تكبيرة، ثم يتم صلاته.
وصلاة العيدين بهذه الكيفية أولى من زيادة التكبير على ثلاث، ومن تقديم تكبيرات الزوائد على القراءة في الركعة الثانية، فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا لو كبر الإمام زيادة على الثلاث فيجب على المقتدي أن يتابعه في ذلك إلى ست عشرة تكبيرة، فإن زاد لا تلزمه المتابعة، وإذا سبق المقتدي بتكبيرات بحيث أدرك الإمام قائماً بعدها كبر للزوائد وحده قائماً، وإذا سبقه الإمام بركعة كاملة وقام بعد فراغ الإمام لإتمام صلاته قرأ أولاً ثم كبر للزوائد ثم ركع، ومن أدرك الإمام راكعاً كبر تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرات الزوائد قائماً إن أمن مشاركته في ركوعه، وإلا كبر للإحرام قائماً، ثم ركع، ويكبر للزوائد في ركوعه من غير رفع اليدين، ولا ينتظر الفراغ من صلاة الإمام في قضاء التكبيرات، لأن الفائت من الذكر يقضى قبل فراغ الإمام؛ بخلاف الفائت من الفعل، فإنه يقضى بعد فراغه، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المقتدي تكبيراته سقط عنه ما بقي منها، لأنه إن أتمه فاتته متابعة الإمام الواجبة في الرفع من الركوع، وإن أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع فلا يأتي بالتكبير الزائد، بل يقضي الركعة التي فاتته مع تكبيرات الزوائد بعد فراغ الإمام.
الشافعية قالوا: صلاة العيد ركعتان كغيرها من النوافل، سوى أن يزيد ندباً في الركعة الأولى - بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح، وقبل التعوذ والقراءة - سبع تكبيرات، يرفع يديه إلى حذو المنكبين في كل تكبيرة؛ ويسن أن يفضل بين كل تكبيرتين منها بقدر آية معتدلة، ويستحب أن يقول في هذا الفصل سراً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كل تكبيرتين، ويزيد في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات يفصل بين كل اثنتين منها، ويضع يمناه على يسراه حال الفصل، كما تقدم في الركعة الأولى، وهذه التكبيرات الزائدة سنة، وتسمى: هيئة، فلو ترك شيئاً منها فلا يسجد للسهو؛ وإن كره تركها؛ ولو شك في العدد بنى على الأقل، وتقديم هذه التكبيرات على التعوذ مستحب، وعلى القراءة شرط في الاعتداد بها، فلو شرع في القراءة ولو ناسياً فلا يأتي بالتكبيرات لفوات محله. والمأموم والإمام في كل ما ذكر سواء، غير أن المأموم إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية فإنه يكبر معه خمساً غير تكبيرة الإحرام؛ فإن زاد لا يتابعه، ثم يكبر في الركعة الثانية التي يقضيها بعد سلام الإمام خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، وإذا ترك الإمام تكبيرات الزوائد تابعة المأموم في تركها، فإن فعلها بطلب صلاته إذا رفع ليديه معها ثلاث مرات متوالية، لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل، أما إذا اقتدى بإمام يكبر أقل من ذلك العدد فإنه يتابعه، والقراءة في صلاة العيدين تكون جهراً لغير الموأموم، أما التكبير فيسن الجهر فيه للجميع، ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة "ق" أو "الأعلى" أو "الكافرون" وفي الثانية "القمر" أو "الإخلاص".
الحنابلة قالوا: إذا أراد أن يصلي صلاة العيد نوى صلاة ركعتين فرضاً كفائياً. ثميقرأ دعاء الاستفتاح ندبا، ثم يكبر ست تكبيرات ندباً يرفع يديه مع كل تكبيرة، سواء كان إماماً، ويندب أن يقول بين كل تكبيرتين سرأ: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليماً، ولا يتعين ذلك، بل له أن يأتي بأي ذكر شاء؛ لأن المدوب مطلق الذكر؛ ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة من تكبيرات الزوائد المذكورة؛ ثم يتعوذ؛ ثم يبسمل ويقرأ فاتحة الكتاب وسورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع ويتم الركعة؛ ثم يقوم إلى الثانية فيكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويقول بين كل تكبيرتين منها ما تقدم ذكره في الركعة الأولى، ولا يشرع بعد التكبيرة الأخيرة من هذه التكبيرات الزوائد ذكر، ثم يبسمل ندباً؛ ويقرأ الفاتحة ثم سورة "الغاشية" ثم يركع ويتم صلاته، وإن أدرك المأموم إمامه بعد تكبيرات الزوائد أو بعد بعضها لم يأت به، لأنه سنة فات محلها، وإن نسي المصلي التكبير الزائدأو بعضه حتى قرأ، ثم تذكره لم يأت به لفوات محله كما لو ترك الاستفتاح أو التعوذ حتى قرأ الفاتحة، فإنه لا يعود له.
المالكية قالوا: صلاة العيد ركعتان كالنوافل. سوى أنه يسن أن يراد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام؛ وقبل القراءة ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام. وقبل القراءة خمس تكبيرات، وتقديم هذا التكبير على القراءة مندوب، فلو أخره على القراءة صح وخالف المندوب، وإذا اقتدى شخص بإمام يزيد أو ينقص في عدد التكبير الذي ذكر، أو يؤخره عن القراءة فلا يتبعه في شيء من ذلك، ويندب موالاة التكبير إلا الإمام. فيندب له الانتظار لعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به؛ ويكون في هذا الفصل ساكتاً، ويكره أن يقول شيئاً من تسبيح أو تهليل أو غيرهما، وكل تكبيرة من هذه التكبيرات الزائدة سنة مؤكدة؛ فلو نسي شيئاً منها؛ فإن تذكره قبل أن يركع أتى به؛ وأعاد غير المأموم القراءة ندباً وسجد بعد السلام لزيادة القراءة الأولى، وإن تذكره بعد أن ركع فلا يرجع له ولا يأتي به في ركوعه، فإن رجع بطلت الصلاة، وإذا لم يرجع سجد قيل السلام لنقص التكبير: ولو كان المتروك تكبيرة واحدة؛ إلا إذا كان التارك له مقتدياً فلا يسجد؛ لأن الإمام يحمله عنه، وإذا لم يسمع المقتدي تكبيرة الإمام تحرى تكبيره وكبر وإذا دخل مع الإمام أثناء التكبير كبر معه ما بقي منه، ثم كمل بعد فراغ الإمام منه، ولا يكبر ما فاته، سواء دخل في الركعة الأولى أو الثانية، فإن كان في الأولى أتى بست تكبيرات؛ وإن كان في الثاني كبر خمساً، ثم بعد سلام الإمام يكبر في الركعة التي يقضيها ستاً غير تكبيرة القيام، أما إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة فإنه يقوم للقضاء بعد سلامه، ثم يكبر ستاً في الأولى بعد تكبير القيام ويكره رفع اليدين في هذه التكبيرات الزائدة. إنما يرفعهما عند تكبيرة الإحرام ندباً. كما في غيرها من الصلوات. ويندب الجهر بالقراءة في صلاة العيدين.
كما يندب أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سروة "الأعلى" أو نحوها. وفي الركعة الثانية سورة "الشمس" أو نحوها

(3) الحنفية قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، فإن فاتته مع الإمام فلا يطالب بقضائها لا في الوقت ولا بعده، فإن أحب قضاءها صلى أربع ركعات بدون تكبيرات الزوائد، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى"، وفي الثانية "الضحى" وفي الثالثة "الانشراح" وفي الرابعة "التين".
الحنابلة قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، إلا أنه يسن لمن فاتته مع الإمام أن يقضيها في أي وقت شاء على صفتها المتقدمة.
الشافعية قالوا: الجماعة فيها سنة لغير الحاج، ويسن لمن فاتته مع الإمام أن يصليها على صفتها في أي وقت شاء، فإن كان فعله لها بعد الزوال فقضاء، وإن كان قبله فأداء.
المالكية قالوا: الجماعة شرط لكونها سنة، فلا تكون صلاة العيدين سنة إلا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلى الزوال، ولا تقضى بعد الزوال
(4) المالكية والشافعية قالوا: يندب تأخير الأكل في عيد الأضحى مطلقاً ضحى أم لا
(5) المالكية قالوا: يندب لغير الإمام أن يخرج بعد طلوع الشمس إن كان منزله قريباً من المصلى، وإلا خرج بقدر ما يدرك الصلاة مع الإمام
(6) الحنابلة قالوا: يندب ذلك لكل مطالب بالصلاة، وإن لم تكن صلاة العيد
(7) الحنفية قالوا: إن السنة تحصل بالتكبير مطلقاً، سواء كان سراً أو جهراً، إلا أن الأفضل يكبر سراً على المعتمد
(8) المالكية قالوا: يندب فعلها بالصحراء ولا يسن، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر إلا بمكة، فالأفضل فعلها بالمسجد الحرام لشرف البقعة، ومشاهدة البيت.
الحنابلة قالوا: تسن صلاة العيد بالصحراء بشرط أن تكون قريبة من البنيان عرفاً، فإن بعدت عن البنيان عرفاً، فلا تصح صلاة العيد فيها رأساً، ويكره صلاتها في المسجد بدون عذر إلا لمن بمكة، فإنهم يصلونها في المسجد الحرام، كما يقول المالكية.
الشافعية قالوا: فعلها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر كضيفه؛ فيكره فيه للزحام، وحينئذ يسن الخروج للصحراء.
الحنفية: لم يستثنوا مسجد مكة من المساجد التي يكره فعلها فيها؛ ووافقوا الحنابلة والمالكية فيما عدا ذلك
(9) المالكية قالوا: لا يندب أن يستخلف الإمام من يصلي بالضعفاء؛ ولهم أن يصلوا، ولكن لا يجهرون بالقراءة، ولا يخطبون بعدها، بل يصلونها سراً من غير خطبة، وصلاة العيدين كالجمعة تؤدي في موضع واحد، وهو المصلى مع الإمام متى كان الشخص قادراً على الخروج لها. فمن فعلها قبل الإمام لم يأت بالسنة على الظاهر، ويسن له فعلها معه. نعم إن فاتته مع الإمام ندب له فعلها، كما تقدم
(10) المالكية قالوا: يكره التنفل قبلها وبعدها إن أديت بالصحراء كما هو السنة، وأما إذا أديت بالمسجد على خلاف السنة فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها.
الحنابلة قالوا: يكره التنفل قبلها بالموضع الذي تؤدي فيه، سواء المسجد أو الصحراء.
الشافعية قالوا: يكره للإمام أن يتنفل قبلها بعدها، سواء كان في الصحراء أو غيرها، وأما المأموم فلا يكره له التنفل قبلها مطلقاً ولا بعدها إن كان ممن لم يسمع الخطبة لصمم أو بعد وإلا كره.
الحنفية قالوا: يكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى وغيرها. ويكره التنفل بعدها في المصلى فقط، وأما في البيت فلا يكره
(11) المالكية قالوا: يندب الجلوس في أو الخطبتين وبينهما في العيد وأما في خطبة الجمعة فيسن، ولو أحدث في أثناء خطبتي العيدين فإنه يستمر فيهما ولا يستخلف، بخلاف خطبتي الجمعة، فإنه إن أحدث فيهما يستخلف.
الشافعية قالوا: إن خطبتي الجمعة يشترط لها القيام والطهارة وستر العورة، وأن يجلس بينهما قليلاً؛ بخلاف خطبتي العيدين، فلا يشترط فيهما ذلك، بل يستحب.
الحنفية قالوا: يكره أن يجلس قبل الشروع في خطبة العيد الأولى، بل يشرع في الخطبة بعد الصعود، ولا يجلس، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يسن أن يجلس قبل الأولى قليلاً
(12) الحنفية قالوا: خطبة العيدين كخطبة الجمعة، لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقيق الخطبة المذكورة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، ولا تشترط عندهم الخطبة الثانية، بل هي سنة كما يأتي في الجمعة.
المالكية قالوا: خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة، لهما ركن واحد، وهو أن يكونا مشتملتين على تحذير أو تبشير، كما يأتي في "الجمعة".
الحنابلة قالوا: أركان خطبة العيدين ثلاثة: أحدها. الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة، ثانيها: قراءة آية من كتاب الله تعالى، يلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو تكون مشتملة على حكم من الأحكام، فلا يكفي قوله تعالى: {مدها متان} ، ثالثها: الوصية بتقوى الله تعالى، وأقلها أن يقول: اتقوا الله، واحذروا مخالفة أمره، أو نحو ذلك. أما التكبير في افتتاح خطبة العيد فهو سنة بخلاف الجمعة، فإن افتتاحها بالحمد لله ركن من أركان الخطبة، كما يأتي.
الشافعية قالوا: أركان خطبة العيدين أربعة: أحدها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الطاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد؛ ثانيها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين ولو بغير لفظها، فيكفي نحو وأطيعوا الله، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك، بل لا بد من أن يحثهم الخطيب على الطاعة، ثالثها: قراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين، والأولى أن تكون في الخطبة الأولى، ويشترط أن تكون آية كاملة إذا كانت الآية قصيرة، أما الآية الطويلة فتكفي قراءة بعضها، وأن تكون الآية مشتملة على وعد أو وعيد أو حكم، أو تكون مشتملة على قصة أو مثل أو خبر، فلا يكفي في أداء ركن الخطبة أن يقول: "ثم نظر"، رابعها: أن يدعو الخطيب للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي كالغفران، فإن لم يحفظ فيكفي أن يدعو لهم بالأمر الدنيوي، كأن يقول: اللهم ارزق المؤمنين والمؤمنات ونحو ذلك، وأن يكون الدعاء مشتملاً على الحاضرين في نية الخطيب بأن يقصدهم مع غيرهم، فلو قصد غيرهم بالدعاء بطلت الخطبة، أما افتتاح خطبة العيدين فيسن أن تكون بالتكبير المذكور في كيفية صلاة العيدين، بخلاف افتتاح خطبة الجمعة، فلا بد أن تكون من مادة الحمد، نحو الحمد لله أو أحمد الله أو نحو ذلك، وذلك ركن من أركان خطبة الجمعة، كما ستعرفه
(13) المالكية قالوا: يشترط في خطبتي العيدين أن تكونا باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها، فإن لم يوجد فيهم أحد يحسن الخطبة سقطت عنهم الجمعة، وأن تكون الخطبتان بعد الصلاة؛ فإذا خطب قبل الصلاة فإنه يسن إعادتهما بعد الصلاة إن لم يطل الزمن عرفاً.
الحنفية قالوا: يشترط لصحة الخطبة أن يحضر شخص واحد على الأقل لسماعها؛ بشرط أن يكون ممن تنعقد بهم الجمعة؛ كما يأتي بيانه في مباحث "صلاة الجمعة"، ولا يشترط أن يسمع الخطبة، فلو كان بعيداً عن الخطيب أو أصم فإن الخطبة تصح؛ ويكفي حضور المريض والمسافر؛ بخلاف الصبي والمرأة، ولا يشترط أن تكون باللغة العربية عند الحنفية؛ وكذا لا يشترط أن يخطب بعد الصلاة، وإنما يسن تأخيرهما عن الصلاة، فإن قدمهما على الصلاة، فقد خالف السنة. ولا يعيدهما بعد الصلاة أصلاً.
الشافعية قالوا: يشترط لصحة الخطبة في العيدين والجمعة أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة وحد الجهر المطلوب أن يسمع صوته أربعون شخصاً: وهم الذين لا تنعقد الجمعة بأقل منهم؛ ولا يشترط أن يسمعوا بالفعل؛ بل الشرط أن يكونوا جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه لصمم أو نوم أو بعيدين عنه فإن الخطبتين لا تصح لعدم السماع بالقوة؛ وكذا يشترط أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، فإن قدمها على الصلاة فإنه لا يعتد بهما؛ ويندب له إعادتهما بعد الصلاة؛ وإن طال الزمن؛ وهذا هو رأي الحنابلة أيضاً.
الحنابلة قالوا: يشترط لصحة خطبتي العيدين والجمعة أن يجهر بهما الخطيب؛ بحيث يسمعه العدد الذي تصح به الجمعة؛ وهو أربعون؛ كما يقول الشافعية، فإن لم يسمعوا أركان الخطبتين بلا مانع من نوم أو غفلة أو صمم بطلتا. أما إذا لم يسمع الأربعون بسبب خفض الصوت، أو بعدهم عنه فإنه الخطبة لا تصح، وكذا يشترط أن تكونا قبل الصلاة، كما ذكرنا آنفاً
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-06-2020, 12:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 364 الى صــــــــ
376
الحلقة (56)

أما من لا تجب عليه الجمعة كالمريض ونحوه صلاة الظهر منه، ولو حال اشتغال الإمام بصلاة الجمعة، ويندب له تأخير الظهر إذا رجال زوال عذره، أما إذا لم يرج ذلك فيندب له تعجيلها في أول وقتها، ولا ينتظر سلام الإمام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
[هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؟]
من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره جاز له أن يصلي الظهر جماعة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
[من أدرك الإمام في ركعة أو أقل من صلاة الجمعة]
من أدرك الإمام في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة. فعليه أن يأتي بركعة ثانية ويسلم باتفاق أما إذا أدركه في الجلوس الأخير فقط فإنه يلزمه أن يصلي أربع ركعات ظهراً، بأن يقف بعد سلام الإمام، ويصلي أربع ركعات؛ ولا يكون مدركاً للجمعة باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
[مندوبات الجمعة]
تحسين الهيئة - قراءة سورة الكهف - المبادرة بالذهاب للمسجد، وغير ذلك.وأما مندوبات الجمعة، فمنها تحسين الهيئة، بأن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطه ونحو ذلك ومنها التطيب والاغتسال، وهو سنة باتفاق ثلاثة.
وقال المالكية:
إنه مندوب لا سنة. والأمر في ذلك سهل، ذكرناه قبلاً، ومنها قراءة سورة الكهف يومها وليلتها، فيندب لمن يحفظها أو يمكنه قراءتها. في المصحف أن يفعل ذلك؛ أما قراءتها في المساجد فإن ترتب عليها تهويش أو إخلال بحرمة المسجد برفع الأصوات، والكلام الممنوع، فإنه لا يجوز باتفاق، وقد تقدم في مبحث "ما يجوز فعله في المساجد. وما لا يجوز" فارجع إليه إن شئت: ومنها الاكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
ومنها الاكثار من الدعاء يومها لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها، رواه مسلم، ومنها المبادرة بالذهاب إلى موضع إقامتها لغير الإمام؛ أما هو فلا يندب له التكبير، وليس للمبادرة وقت معين، فله أن يذهب قبل الأذان. ومنها المشي بسكينة إلى موضعها بساعتين أو أكثر أو أقل، عند ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ومنها أن يتزين بأحسن ثيابه، والأفضل ما كان أبيض؛ باتفاق الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
[مباحث الإمامة في الصلاة]
يتعلق بها مباحث:
الأول: تعريفها، وبيان العدد الذي تتحقق به،
الثاني:
حكمها، ودليله،
الثالث:
شروطها،
ويتعلق بالشروط أمور:
منها حكم إمامة النساء، ومنها حكم إمامه الصبي المميز، ومنها حكم إمامة الأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومنها حكم إمامة المحدث الذي نسي حدثه، ومنها حكم إمامة الألثغ ونحوه، ومنها نية المأموم الاقتداء، ومنها نية الإمام الإمامة، ومنها اقتداء الذي يصلي فرضاً بإمام يصلي نفلاً؛ ومنها متابعة المأموم لإمامه، ومنها اتحاد فرض المأموم والإمام، فلا تصح صلاة الظهر خلف عصر مثلاً؛ فكل هذه المباحث تتعلق بمبحث واحد من مباحث الإمامة، وهو المبحث الثالث،
وبقي من مباحثها المبحث الرابع:

أعني الأعذار التي تسقط بها صلاة الجماعة،
الخامس: مبحث من له حَق التقدم في الإمامة،
السادس:
مبحث مكروهات الإمامة،
السابع: مبحث كيف يقف المأموم مع إمامه،؟ وكيف يقف الإمام مع المأمومين،؟ ومن أحق بالوقوف في الصف الأول،
الثامن:
تراص الصفوف وتسويتها،
التاسع:
يصح لمن صلى فرضاً جماعة أن يصلي مع جماعة أخرى،
العاشر:
تكرار الجماعة في المسجد الواحد،
الحادي عشر:
مبحث بيان القدر الذي تدرك به الجماعة،
الثاني عشر:
مبحث إذا فات المقتدي أداء بعض الركعات أو كلها مع إمامه لعذر، كزحمة ونحوها،
الثالث عشر: مبحث الاستخلاف. وإليك بيانها بالعناوين الآتية.
[تعريف الإمامة في الصلاة، وبيان العدد الذي تتحقق به]
الإمامة في الصلاة معروفة، وهي أن يربط الإنسان صلاته بصلاة إمام مستكمل للشروط الآتي بيانها، فيتبعه في قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه ونحو ذلك، مما تقدم بيانه في "أحكام الصلاة" فهذا الربط يقال له: إمامة،
ولا يخفى أن هذا الربط واقع من المأموم:
لأنه كناية عن اتباع المأموم الإمام في أفعال الصلاة. بحيث لو بطلت صلاة المأموم لا تبطل صلاة الإمام، أما إذا بطلت صلاة الإمام فإن صلاة المأموم تبطل، لأنه قد ربط صلاته بصلاة الإمام، وتتحقق الإمامة في الصلاة بواحد مع الإمام فأكثر، لا فرق بين أن يكون الواحد المذكور رجلاً أو امرأة، باتفاق، فإن كان صبياً مميزاً فإن الإمامة تتحقق به عند الحنفية،
والشافعية:
وخالف المالكية، والحنابلة،
فقالوا:
لا تتحقق صلاة الجماعة بصبي مميز مع الإمام وحدهما.
[حكم الإمامة في الصلوات الخمس، ودليله]

اتفقت المذاهب على أن الإمامة مطلوبة في الصلوات المفروضة فلا ينبغي للمكلف أن يصلي منفرداً بدون عذر من الأعذار الآتي بيانها؛
على أن الحنابلة قالوا:
إنها فرض عين في كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، ولم يوافقهم على ذلك أحد من الأئمة الثلاثة، كما ستعرفه في التفصيل الآتي؛ وقد استدل الحنابلة، ومن وافقهم من العلماء على ذلك بما رواه البخاري عن أبي هيرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال:
"والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب. ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجدب عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء "العرق" - بفتح العين، وسكون الراء - قطعة لحم على عظم، "والمرماتين" بكسر الميم -
تثنية مرماة: وهي سهم دقيق يتعلم عليه الرمي ليصطاد به ما يملأ به بطنه، فهذا الحديث يدل على أن الجماعة فرض، لأن عقوبة التحريق بالنار لا تكون إلا على ترك الفرض، وارتكاب المحرم الغليظ، ولا يلزم في الدلالة على ذلك أن يحرقهم بالفعل، بل يكفي أن يعلم الناس عظيم قدر الجماعة، واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها، وهذا وجيه، ولكن مما لا شك فيه أن هذا الحديث لم تذكر فيه سوى صلاة العشاء، فإذا كان للحنابلة ومن معهم وجه في الاستدلال به، فإنما يكون في صلاة العشاء وحدها، أما باقي الصلوات الخمس فلا تؤخذ من هذا الحديث؛
على أن علماء المذاهب الأخرى قد أجابوا عن هذا بأجوبة كثيرة: منها أن هذا الحديث كان في بدء الإسلام، حيث كان المسلمون في قلة، وكانت الجماعة لازمة في صلاة العشاء بخصوصها، لأنها وقت الفراغ من الأعمال،
فلما كثر المسلمون نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم:
"
صلاة الجماع تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، فإن الأفضلية تقتضي الاشتراك في الفضل، ويلزم من كون صلاة الفذ فاضلة أنها جائزة،
وأيضاً فقد ثبت نسخ التحريق بالنار في الحنفية قالوا:
المتخلفين باتفاق؛ فالاستدلال به على الفرضية ضعيف،
وقد استدل الحنابلة على فرضية الصلاة جماعة أيضاً بقوله تعالى:
{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} ، ووجه الإستدلال أن الله تعالى قد كلفهم بصلاة الجماعة في وقت الشدة والحرج، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما كلفهم بأن يصلوها على هذا الوجه،
ولكن علماء المذاهب الأخرى قالوا:
إن الآية تدل على أن الإمامة مشروعة، لا على أنها فرض عين؛ أما قولهم: إن هذا الوقت وقت خوف وشدة فذلك صحيح، ولكن تعليمهم للصلاة بهذه الكيفية قد يكون فيه حذر أكثر من صلاتهم فرادى، لأن الفئة الواقفة إزاء العدو حارسة للأخرين، فإذا وجدت فرصة للعدو للهجوم عليهم بغتة نبهتهم الفرقة الحارسة ليقطعوا صلاتهم، ويقاوموا عدوهم، وذلك منتهى الدقة والحذر؛ نعم تدل الآية على عظم قدر الصلاة جماعة عند المسلمين الأولين الذين كانوا يشعرون بعظمة خالف الكائنات الحي الدائم الذي لا يفنى حقاً، ويعرفون أن الصلاة تذلل لخالقهم، وخضوع لا ينبغي إهماله حتى في أحرج المواقف وأخطرها، ومما لا شك فيه أن صلاة الجماعة مطلوبة باتفاق، إنما الكلام في أنها فرض عين في جميع الصلوات الخمس، وجمهور أئمة المسلمين على أنها ليست كذلك.وبعد فحكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة مبين في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (6) .
[حكم الإمامة في صلاة الجمعة والجنازة والنوافل]
قد عرفت حكم الإمامة في الصلوات الخمس المفروضة، وبقي حكمها في غير ذلك من الصلوات الأخرى، كصلاة الجنازة والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء، وباقي النوافل، فانظره مفصلاً في كل مذهب تحت الخط (7) .
[شروط الإمامة: الإسلام]
يشترط لصحة الجماعة شروط: منها الإسلام، فلا تصح إمامة غير المسلم باتفاق، فمن صلى خلف رجل يدعي الإسلام، ثم تبين له أنه كافر.
فإن صلاته الذي صلاها خلفه تكون باطلة، وتجب عليه إعادتها؛ وقد نظر بعضهم أن هذه الصورة نادرة الوقوع، ولكن الواقع غير ذلك، فإن كثيراً ما يتزيا غير المسلم بزي المسلم لأغراض مادية، ويظهر الورع والتقوى ليظفر ببغيته، وهو في الواقع غير مسلم.
[البلوغ، وهل تصح إمامة الصبي المميز؟]
ومن شروط صحة الإمامة البلوغ، فلا يصح أن يقتدي بالغ بصبي مميز في صلاة مفروضة،
باتفاق ثلاثة من الأئمة:
وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .
هذا في الصلاة المفروضة، أما صلاة النافلة فيصح للبالغ أن يقتدي بالصبي المميز فيها، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .
هذا، ويصح للصبي المميز أن يصلي إماماً بصبي مثله باتفاق.
[إمامة النساء]
ومن شروط الإمامة - الذكورة المحققة - فلا تصح إمامة النساء، وإمامة الخنثى المشكل إذا كان المقتدي به رجال، أما إذا كان المقتدي به نساء فلا تشترط الذكورة في إمامتهن، بل يصح أن تكون المرأة إماماً لا مرأة مثلها، أو الخنثى.
باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) .
[العقل]
ومن شروط صحة الإمامة العقل، فلا تصح إمامة المجنون إذا كان لا يفيق من جنونه، أما إذا كان يفيق أحياناً ويجن أحياناً، فإن إمامته تصح حال إفاقته، وتبطل حال جنونه باتفاق.
[اقتداء القارئ بالأمي]
اشترطوا لصحة الإمامة أن يكون الإمام قارئاً إذا كان المأموم قارئاً، فلا تصح إمامة أمي بقارئ، والشرط هو أن يحسن الإمام قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فلو كان إمام قرية مثلاً يحسن قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فإنه يجوز للمتعلم أن يصلي خلفه، أما إذا كان أميّاً، فإنه لا تصح إمامته إلا بأمي مثله، سواء وجد قارئ يصلي بهما أولا، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) .
[سلامة الإمام من الأعذار كسلس البول]
ويشترط أيضاً لصحة الإمامة أن يكون الإمام سليماً من الأعذار، كسلس البول، والإسهال المستمر، وانفلات الريح، والرعاف، ونحو ذلك، فمن كان مريضاً بمرض من هذه فإن إمامته لا تصح بالسليم منها، وتصح بمريض مثله إن اتحد مرضهما، أما إن اختلف، كأن كان أحدهما مريضاً بسلس البول، والآخر بالرعاف الدائم، فإن إمامتهما لبعضهما لا تصح، وهذا القدر متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
[طهارة الإمام من الحدث والخبث]
ومن شروط صحة الإمامة المتفق عليها أن يكون الإمام طاهراً من الحدث والخبث؛ فإذا صلى شخص خلف رجل محدث أو على بدنه نجاسة، فإن صلاته تكون باطلة، كصلاة إمامه، بشرط أن يكون الإمام عالماً بذلك الحدث، ويتعمد الصلاة.
وإلا فلا تبطل، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (13) .
[إمامة من بلسانه لثغ ونحوه]
من شروط صحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً لا يتحول في النطق عن حرف إلى غيره، كأن يبدل الراء غيناً، أو السين ثاء، أو الذال زاياً، أو الشين سيناً، أو غير ذلك من حروف الهجاء.
وهذا ما يقال له: ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حروف الهجاء. وهذا يقال له ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حرف، ومثل هذا يجب عليه تقويم لسانه، ويحاول النطق بالحرف صحيحاً بكل ما في وسعه، فإن عجز بعد ذلك فإن إمامته، لا تصح إلا لمثله، أما إذا قصر، ولم يحاول إصلاح لسانه فإن صلاته تبطل من أصلها، فضلاً عن إمامته، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، والحنابلة،
إلا أن الحنفية يقولون:
إن مثل هذا إذا كان يمكنه أن يقرأ موضعاً من القرآن صحيحاً غير الفاتحة وقرأه فإن صلاته لا تبطل، لأن قراءة الفاتحة غير فرض عندهم، وخالف في ذلك كله المالكية،
فقالوا:
إن إمامته صحيحة مطلقاً، كما هو موضح في مذهبم الآتي، ومثل الألثغ في هذا التفصيل من يدعم حرفاً في آخر خطأ، كأن يقلب السين تاء، ويدغمها في تاء بعدها، فيقول مثلاً المتقيم بدل "المستقيم"؛ فمثل هذا يجب عليه أن جتهد في إصلاح لسانه، فإن عجز صحت إمامته لمثله، وإن قصر بطلت صلاته وإمامته.أما الفأفأء، وهو الذي يكرر الفاء في كلامه، والتمتام وهو الذي يكرر التاء فإن إمامته تصح لمن كان مثله، ومن لم يكن، مع الكراهة عند الشافعية، والحنابلة،
أما المالكية قالوا:
إنها تصح بدون كراهة مطلقاً،
والحنفية قالوا:
إن إمامتهما كإمامة الألثغ، فلا تصح إلا لمثلهما بالشرط المتقدم، وقد ذكرنا مذهب المالكية في ذلك كله تحت الخط (14) .
[إمامة المقتدي بإمام آخر]
من شروط صحة الإمامة أن لا يكون الإمام مقتدياً بإمام غيره، مثلاً إذا أدرك شخص إمام المسجد في الركعتين الأخيرتين من صلاة العصر، ثم سلم الإمام، وقام ذلك الشخص ليقضي الركعتين، فجاء شخص آخر ونوى صلاة العصر مقتدياً بذلك الشخص الذي يقضي ما فاته، فهل تصح صلاة المقتدي الثاني أو لا؟ وأيضاً إذا كان المسجد مزدحماً بالمصلين، وجاء شخص في آخر الصفوف، ولم يسمع حركات الإمام، فاقتدى بأحد المصلين الذين يصلون خلفه، فهل يصح اقتداؤه أو لا؟ في ذلك كله تفصيل، فانظره تحت الخط (15) .

(1) الحنفية قالوا: يسن للمعذور تأخير صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، أما صلاته قبل ذلك فمكروهة تنزيهاً، سواء رجا زوال عذره أو لا
(2) الحنفية قالوا: من فاتته صلاة الجمعة لعذر أو لغيره يكره له صلاة ظهر الجمعة بالمصر بجماعة، أما أهل البوادي الذين لا تصح منهم الجمعة فيجوز لهم صلاة ظهر الجمعة بجماعة من غير كراهة، لأن يوم الجمعة بالنسبة لهم كغيره من باقي الأيام.
الشافعية قالوا: من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره سن له أن يصلي الظهر في جماعة، ولكن إن كان عذره ظاهراً كالسفر ونحوه سن له أيضاً إظهار الجماعة، وإن كان عذره خفياً، كالجوع الشديد، سن إخفاء الجماعة، ويجب على من ترك الجمعة بلا عذر أن يصلي عقب سلام الإمام فوراً.
الحنابلة قالوا: من فاتته الجمعة لغير عذر أو لم يفعلها لعدم وجوبها عليه، فالأفضل له أن يصلي الظهر في جماعة مع إظهاره، ما لم يخش الفتنة من إظهار جماعتها؛ وإلا طلب إخفاءها.
المالكية قالوا: تطلب الجماعة في صلاة الظهر يوم الجمعة من معذور يمنعه عذره من حضور الجمعة، كالمريض الذي لا يستطيع السعي لها والمسجون؛ ويندب له إخفاء الجماعة لئلا يتهم بالإعراض عن الجمعة؛ كما يندب له تأخيرها عن صلاة الجمعة، أما من ترك الجمعة بغير عذر أو لعذر لا يمنعه من حضورها، كخوف على ماله لو ذهب للجمعة، فهذا يكره له الجماعة في الظهر
(3) الحنفية قالوا: من أدرك الإمام في أي جزء من صلاته فقد أدرك الجمعة ولو تشهد سجود السهو، وأتمها جمعة على الصحيح.
الحنابلة قالوا: من أدرك مع إمام الجمعة ركعة واحدة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً إن كان يصلي الجمعة في وقت الظهر؛ بشرط أن ينويه، وإلا أتمها نفلاً، ووجبت عليه صلاة الظهر

(4) المالكية قالوا: يندب الذهاب للجمعة وقت الهاجرة، ويبتدئ بقدر ساعة قبل الزوال، وأما التكبير، وهو الذهاب قبل ذلك؛ فمكروه


(5) المالكية قالوا: المندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فإن وافق يوم الجمعة يوم العيد لبس الجديد أو النهار، ولو كان أسود، لما عرفت أن السنة يوم العيد هي أن يلبس الجديد مطلقاً أبيض أو أسود فإذا خرج لصلاة الجمعة فإنه يندب له أن يلبس الأبيض، وبذلك يكون قد أدى حَق العيد وحَق الجمعة.
الحنابلة قالوا: المندوب يوم الجمعة هو الأبيض لا غير
(6) المالكية قالوا: في حكم الجماعة في الصلوات الخمس قولان: أحدهما مشهور، والثاني أقرب إلى التحقيق، فأما الأول فهو أنها سنة مؤكدة بالنسبة لكل مصل، وفي كل مسجد، وفي البلد الذي يقيم به المكلف، على أنه إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، وإلا قوتلوا لاستهانتهم بالسنة، وأما الثاني فهو أنه فرض كفاية في البلد، فإن تركها جميع أهل البلد قوتلوا؛ وإن قام بها بعضهم سقط الفرض عن الباقين، وسنة في كل مسجد للرجال، ومندوبة لكل مصل في خاصة نفسه، وللمالكي أن يعمل بأحد الرأيين، فإذا قال: إنها سنة عين مؤكدة يطلب اداؤها من كل مصل وفي كل مسجد؛ فقوله صحيح عندهم، على أنها وإن كانت سنة عين مؤكدة بالنسبة لكل مصل.
ولكن إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، فالبلد الذي فيها مسجد تقام فيه الجماعة يكفي في رفع القتال عن الباقين، ومن قال إنها فرض كفاية فإنه يقول إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وقد وافقهم الشافعية في هذا القول، وإن خالفوهم في التفصيل الذي بعده.
الحنفية قالوا: صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة سنة عين مؤكدة، وإن شئت قلت هي واجبة، لأن السنة المؤكدة هي الواجب على الأصح؛ وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وأن تارك الواجب يأثم إثماً أقل من إثم تارك الفرض، وهذا القول متفق مع الرأي الأول للمالكية الذين يقولون: إنها سنة عين مؤكدة: ولكنهم يخالفونهم في مسألة قتال أهل البلدة من أجل تركها، وإنما تسن في الصلاة المفروضة للرجال العقلاء الأحرار، غير المعذورين بعذر من الأعذار الآتية. إذا لم يكونوا عراة، وسيأتي بيان الجماعة في حَق النساء والصبيان، وباقي شروط الإمامة.
الشافعية قالوا: في حكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة أقوال عندهم: الراجح منها أنها فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، فإذا أقيمت الجماعة في مسجد من مساجد البلدة سقطت عن باقي سكان البلدة، وكذا إذا أقامها جماعة في جهة من الجهات، فإنها تسقط عن باقي أهل الجهة. وبعض الشافعية يقول: إنها سنة عين مؤكدة، وهو مشهور عندهم، ومثل الصلوات الخمس في ذلك الحكم صلاة الجنازة، على أنهم قالوا: إن صلاة الجنازة تسقط إذا صلاها رجل واحد أو صبي مميز، بخلاف ما إذا صلتها امرأة واحدة، كما سيأتي في مباحث "صلاة الجنازة".
الحنابلة قالوا: الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة، فرض عين بالشرائط الآتي بيانها، وقد عرفت استدلالهم

(7) المالكية قالوا: الجماعة في صلاة الجمعة شرط لصحتها، فلا تصح إلا بها، والجماعة في صلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين شرط لتحقق سنيتها، فلا يحصل له ثواب السنة إلا إذا صلاها جماعة، والجماعة في صلاة التراويح مستحبة.
أما باقي النوافل فإن صلاتها جماعة تارة يكون مكروهاً، وتارة يكون جائزاً، فيكون مكروهاً إذا صليت بالمسجد، أو صليت بجماعة كثيرين، أو كانت بمكان يكثر تردد الناس عليه، وتكون جائزة إذا كانت بجماعة قليلة، ووقعت في المنزل ونحوه في الأمكنة التي لا يتردد عليها الناس.
الحنفية قالوا: تشترط الجماعة لصحة الجمعة والعيدين، وتكون سنة كفاية في صلاة التراويح والجنازة، وتكون مكروهة في صلاة النوافل مطلقاً، والوتر في غير رمضا؛ وإنما تكره الجماعة في ذلك إذا زاد المقتدون عن ثلاثة، أما الجماعة في وتر رمضان ففيها قولان مصححان:
أحدهما: أنها مستحبة؛
ثانيهما: أنها غير مستحبة، ولكنها جائزة، وهذا القول أرجح.
الشافعية قالوا: الجماعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة فرض عين، وفي الركعة الثانية من صلاة الجمعة سنة، فلو أدرك الإمام في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، ثم نوى مفارقته في الركعة الثانية وصلاها وحده صحت صلاته: وكذلك تكون فرض عين في خمسة مواضع أخرى:
الأول: في كل صلاة أعيدت ثانياً في الوقت، فلو صلى الظهر مثلاً منفرداً أو في جماعة، ثم أراد أن يعيد صلاته مرة أحرى، فإنه لا يجوز له ذلك، إلا إذا صلاه جماعة؛
الثاني: تفترض الجماعة في الصلاة المجموعة جمع تقديم في حالة المطر، وإنما تفترض الجماعة في الصلاة الثانية فإذا وجد مطر شديد بعد دخول وقت الظهر مثلاً، فإن له أن يصلي الظهر منفرداً، ويصلي العصر مع الظهر لشدة المطر، بشرط أن يصلي العصر جماعة، فلو صلاه منفرداً فلا تصح صلاته؛
الثالث: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يفترض عليه أن يصليها كذلك، بحيث لو صلاها منفردا، فإنها لا تصح؛
الرابع: الصلاة المفروضة التي لم يوجد أحد يصليها جماعة إلا اثنان: فإذا فرض ولم يوجد في جهة إلا اثنان، فإن الجماعة تكون فرضاً عليهما، وذلك لأنك عرفت أن الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة فرض كفاية في الأصح، فإذا لم يوجد أحد يصليها إلا اثناء تعينتت عليهما؛
الخامس: تكون الجماعة فرض عين إذا وجد الإمام راكعاً، وعلم أنه اقتدى به أدرك ركعة في الوقت، ولو صلى منفرداً فاتته الركعة.
أما الجماعة في صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان فهي مندوبة عند الشافعية، ومثل ذلك الصلاة التي يقضيها خلف إمام يصلي مثلها، كما إذا كان عليه ظهر قضاء، فإنه يندب أن يصليه خلف إمام يصلي ظهراً مثله، وكذلك تندب الجماعة لمن فاتته الجمعة لعذر من الأعذار، فإنه يندب له أن يصلي الظهر بدلاً عن الجمعة في جماعة وتباح الجماعة في الصلاة المنذورة وتكره في صلاة أداء خلف قضاء وعكسه، وفي فرض خلف نفل وعكسه، وفي وتر خلف تراويح وعكسه.
الحنابلة قالوا: تشترط الجماعة لصلاة الجمعة، وتسن الرجال الأحرار القادرين في الصلوات المفروضة إذا كانت قضاء، كما تسن لصلاة الجنازة؛ أما النوافل فمنها ما تسن فيه الجماعة وذلك كصلاة الاستسقاء والتراويح والعيدين ومنها ما تباح فيه الجماعة، كصلاة التهجد ورواتب الصلوات المفروضة

(8) الشافعية قالوا: يجوز اقتداء البالغ بالصبي المميز في الفرض إلا في الجمعة، فيشترط أن يكون بالغاً إذا كان الإمام من ضمن العدد الذي لا يصح إلا به، فإن كان زائداً عنهم صح أن يكون صبياً مميزاً
(9) الحنفية قالوا: لا يصح اقتداء البالغ بالصبي مطلقاً، لا في فرض، ولا في نفل على الصحيح
(10) المالكية قالوا: لا يصح أن تكون المرأة ولا الخنثى المشكل إماماً لرجال أو نساء، لا في فرض، ولا في نفل، فالذكورة شرط في الإمام مطلقاً مهما كان المأموم
(11) المالكية قالوا:
لا يصح اقتداء أمي عاجز عن قراءة الفاتحة بمثله إن وجد قارئ ويجب عليهما معاً أن يقتديا به، وإلا بطلت صلاتهما، أما القادر على قراءة الفاتحة، ولكنه لا يحسنها، فالصحيح أنه يمنع ابتداء من الاقتداء بمثله إن وجد من يحسن القراءة، فإن اقتدى بمثله صحت، إما إذا لم يوجد قارئ فيصح اقتداء الأمي بمثله على الأصح
(12) المالكية قالوا: لا يشترط في صحة الإمامة سلامة الإمام من الأعذار المعفو عنها في حقه فإذا كان الإمام به سلس بول معفو عنه لملازمته ولو نصف الزمن، كما تقدم، صحت إمامته، وكذا إذا كان به انفلات ريح أو غير ذلك مما لا ينقض الوضوء، ولا يبطل الصلاة، فإمامته صحيحة نعم يكره أن يكون إماماً لصحيح ليس به عذر.
الشافعية قالوا: إذا كان العذر القائم بالإمام لا تجب معه إعادة الصلاة، فإمامته صحيحة، ولو كان المقتدي سليماً
(13) المالكية قالوا:
لا تصح إمامة المحدث إن تعمد المحدث، وتبطل صلاة من اقتدى به؛ أما إذا لم يتعمد، كأن دخل في الصلاة ناسياً الحدث أو غلبه الحدث، وهو فيها، فإن عمل بالمأمومين عملاً من أعمال الصلاة بعد علمه بحدثه أو بعد أن غلبة بطلت صلاتهم، كما تبطل صلاتهم إذا اقتدوا به بعد عملهم بحدثه وإن لم يعلم الإمام، أما إذا لم يعلموا بحدثه ولم يعلم الإمام أيضاً إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاتهم صحيحة، وأما صلاة الإمام فباطلة في جميع الصور، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وحكم صلاة الإمام والمأموم إذا علق بالإمام نجاسه، كالحكم إذا كان محدثاً في هذا التفصيل، إلا أن صلاته هو تصح إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة، لأن الطهارة من الخبث شرك لصحة الصلاة مع العلم، كما تقدم.
الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمحدث إذا علم المأموم به ابتداء، فإن علم بذلك في أثناء الصلاة وجبت عليه نية المفارقة، وأتم صلاته وصحت، وكفاه ذلك، وإن علم المأموم بحدث إمامه بعد فراغ الصلاة فصلاته صحيحة؛ وله ثواب الجماعة؛ أما صلاة الإمام فباطلة في جميع الأحوال لفقد الطهارة التي هي شرط للصلاة، ويجب عليه إعادتها؛ ولا يصح الاقتداء أيضاً بمن به نجاسة خفية، كبول جف مع علم المقتدي بذلك، بخلاف ما إذا جهله، فإن صلاته صحيحة في غير الجمعة، وكذا في الجمعة إذا تم العدد بغيره، وإلا فلا تصح للجميع لنقص العدد المشترط في صحة الجمعة؛ أما إذا كان على الإمام نجاسة ظاهرة، بحيث لو تأملها أدركها، فإنه لا يصح الاقتدار به مطلقاً، ولو مع الجهل بحاله.
الحنابلة قالوا: لا تصح إمامة المحدث حدثاً أصغر أو أكبر، ولا إمامة من به نجاسة إذا كان يعلم بذلك. فإن جهل ذلك المقتدي أيضاً حتى الصلاة صحت صلاة المأموم وحده، سواء كانت صلاة جمعة أو غيرها، إلا أنه يشترط في الجمعة أن يتم العدد المعتبر فيها، وهو - أربعون - بغير هذا الإمام وإلا كانت باطلة على الجميع، كما تبطل عليهم أيضاً إذا كان بأحد المأمومين حدث أو خبث إن كان لا يتم العدد إلا به.
الحنفية قالوا: لا تصح إمامة المحدث ولا من به نجاسة لبطلان صلاته، أما صلاة المقتدين به فصحيحة إن لم يعلموا بفساد علمون بشهادة عدول، أو بإخبار الإمام العدل عن نفسه بطلب صلاتهم ولزمهم وإعادتها؛ فإن لم يكون الثي أخبر بفساد صلاته عدلاً فلا يقبل قوله ولكنيستحب لهم إعادتها احتياطاً
(14) المالكية قالوا: الألثغ، والتمتام والفأفاء، والأرت، وهو الذي يدغم حرفاً في آخر خطأً، ونحوهم من كل ما لا يستطيع النطق ببعض الحروف. تصح إمامته وصلاته لمثله ولغير مثله من الأصحاء الذين لا اعوجاج في ألسنتهم، ولو وجد من يعلمه، وقبل التعليم، واتسع الوقت له، ولا يجب عليه الاجتهاد في إصلاح لسانه على الراجح، ومن هذا تعلم أن المالكية لا يشترطون لصحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً
(15) المالكية قالوا: من اقتدى بمسبوق أدرك مع إمامه ركعة بطلت صلاته، سواء كان المقتدي مسبوقاً مثله أو لا. أما إذا حاكى المسبوق مسبوقاً آخر في صورة إتمام الصلاة بعد سلام الإمام من غير أن ينوي الاقتداء به، فصلاته صحيحة، وكذا إن كان المسبوق لم يدرك مع إمامه ركعة كأن دخل مع الإمام في التشهد الأخير، فيصح الاقتداء به، لأنه منفرد لم يثبت له حكم الاقتدار.
الحنفية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمسبوق، سواء أدرك مع إمامه ركعة أو أقل منها، فلو اقتدى اثنان بالإمام، وكانا مسبوقين، وبعد سلام الإمام نوى أحدهما الاقتداء بالآخر بطلت صلاة المقتدي، أما إن تابع أحدهما الآخر ليتذكر ما سبقه من غير نية الاقتداء، فإن صلاتهما صحيحة لارتباطهما بإمامهما السابق.
الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن اقتدى به بعد أن سلم الإمام أو بعد أن نوى مفارقته - ونية المفارقة جائزة عندهم صح الاقتداء به، وذلك في غير الجمعة؛ أما في صلاتها، فلا يصح الاقتداء.
الحنابلة قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن سلم إمامه، وكان مسبوقاً صح اقتداء مسبوق مثله به، إلا في صلاة الجمعة، فإنه لا يصح اقتداء المسبوق بمثله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-12-2019, 04:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 164 الى صــــــــ
171
الحلقة (32)


الإسلام بلا خلاف، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} . ومعنى الكتاب المكتوب المفروض، ومعنى الموقوت المحدد بأوقات معلومة،
فكأنه قال:
الصلاة مفروضة على المسلمين في أوقات معلومة للرسول الذي أمره الله أن يبين للناس ما نزَّل إليه من ربه، وقد كلف الله تعالى المؤمنين بإقامة الصلاة في كثير من آيات القرآن الكريم.
ولعل بعضهم يقول:
إن الذي ثبت بكتاب الله تعالى إنما هو فرضية الصلاة، أما كونها خمس صلوات بالكيفية المخصوصة فلا دليل عليه في القرآن.
والجواب:
إن القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر الناس أن يتبعوا ما جاءهم به الرسولن، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا} فكل شيء جاء به الرسول من عند الله فهو ثابت بالكتاب من هذه الجهة،
أما السنة الصحيحة الدالة على أن عدد الصلوات خمس فهي كثيرة بلغت مبلغ التواتر: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟
قالوا:
لا يبقى من درنه شيء،
قال:
فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، فهذا الحديث صريح في أن الصلوات خمس،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر" رواه مسلم والترمذي، وغيرهما، وعن جابر رضي الله عنه،
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم؛ والغمر - بفتح الغين، وإسكان الميم - الكثير، ومنها غير ذلك.ولهذا فقد أجمع أئمة المسلمين على أن الصلوات المفروضة خمس صلوات، وهي الظهر، والعصر إلى آخر ما تقدم قريبا، ولكنهم اختلفوا في تحديد هذه المواقيت،
فمنهم من يقول مثلاً:
إن الوقت ينقسم إلى ضروري واختياري، وهم المالكية، ومنهم من يقول: إن وقت الظهر ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثله،
ومنهم من يقول:
لا ينتهي الا إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، وهكذا مما ستعرفه قريباً.[مواقيت الصلاة المفروضة]قد عرفت مما قدمناه لك في "شروط الصلاة" أن دخول الوقت شرط من شروط الصلاة. فلا يجب على المكلف الا إذا دخل وقتها على أنك قد عرفت أن الحنفية لم يعدوا دخول الوقت شرطاً من شروط الوجوب، ولا من شروط الصحة،
وذلك لأنهم قالوا:
إن دخول الوقت شرط لأداء الصلاة، بمعنى أن الصلاة لا يصح أداؤها الا إذا دخل الوقت؛ والأمر في ذلك سهل، لأنهم متفقون مع غيرهم على أن الصلاة لا تجب الا إذا دخل وقتها الآتي بيانه، فإذا دخل وقتها خاطبه الشارع بأدائها خطاباً موسعاً. بمعنى أنه إذا فعلها في أول الوقت صحت، وبرئت ذمته منها، وإذا لم يفعلها في أول الوقت لا يأثم إلى أن يبقى من الوقت جزء يسير لا يسع الا الطهارة من وضوء أو غسل إن كان جنباً، ويسع الصلاة بعد الطهارة، فإذا أدرك الصلاة كلها في الوقت فقد أتى بها على الوجه الذي طلبه الشارع منه وبرئت ذمته، كما لو أداها في أول الوقت أو وسطه، أما إذا صلاها كلها بعد خروج الوقت فإن صلاته تكون صحيحة، ولكنه يأثم إثماً عظيماً بتأخير الصلاة عن وقتها، وإذا أدرك بعضها في الوقت، وصلى البعض الآخر بعد خروج الوقت،
فإن بعض الأئمة يقول:
إنه يأثم (1) وبعضهم يقول إنه لا يأثم، على أنهم قد اتفقوا على أن الذي لا يدرك بعض الصلاة يكون قد صلى أداء لا قضاء، فالأداء لا ينافي الإثم عند بعض الأئمة، وقد بينا آراء الأئمة في ذلك تحت الخط الذي أمامك، وإليك بيان أوقات الصلوات الخمس محددة في المذاهب، فأولها الظهر، كما عرفت ويبتدئ وقته عقب زوال الشمس مباشرة.
(1) المالكية قالوا: إذا أدرك ركعة من الصلاة في الوقت الاختياري، ثم خرج الوقت وكملها في الوقت الضروري، فإنه لا يأثم. أما إذا لم يؤد ركعة كاملة في الوقت الاختياري، فإنه يأثم سواء صلاها كلها في الوقت الضروري، أو صلى بعضها في الوقت الضروري، وباقيها خارجة؛ وستعرف قريباً أن المالكية يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري.
الحنفية قالوا: إذا أدرك جزءاً من الصلاة، ولو تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت. فإن صلاته تكون أداء، ولكنهم يقولون: إذا لم يدرك كل الصلاة قبل خروج الوقت فإنه يكون آثماً، على أنه في هذه الحالة يكون إثمه صغيرة لا كبيرة؛ وستعلم أن الحنفية لا يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري، كما يقول المالكية.
الشافعية قالوا: إذا لم يدرك ركعة كاملة من الوقت كانت صلاته قضاء لا أداء، فإذا أدرك ركعة واحدة، ثم خرج الوقت فإنه يكون آثماً إثماً أقل من إثم من صلاها قضاء، فالشافعية متفقون مع الحنفية في ضرورة أداء الصلاة كلها في الوقت المحدد، وفي أنهم ليس عندهم اختياري وضروري، ومتفقون مع المالكية على أن الصلاة لا تكون أداء الا إذا أدرك ركعة كاملة في الوقت الاختياري.
الحنابلة قالوا: تدرك الصلاة المكتوبة أداء بتكبيرة الإحرام فإذا قام للصلاة في آخر الوقت، ثم كبر تكبيرة الإحرام، وبعد الفراغ منها خرج الوقت، كانت صلاته أداء كما يقول الحنفية، ولا إثم عليه متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت فهم متفقون مع الحنفية على أن من أدرك تكبيرة الإحرام في الوقت فقد أدرك الوقت وكانت صلاته أداء ولنهم لم يقولوا إنه يأثم بعد ذلك لأنه قد صلى أداء لا قضاء، وبذلك تعرف المختلف فيه والمتفق عليه في هذه المسألة على الوجه الواضح الصحيح
****************************

[ما تعرف به أوقات الصلاة]

تعرف أوقات الصلاة بخمس أمور:
أحدها: بالساعات الفلكية المنضبطة المبنية على الحساب الصحيح، وهي الآن كثيرة في المدن والقرى،
وعليها المعول في معرفة الأوقات الشرعية
ثانيها:
زوال الشمس، والظل الذي يحدث بعد الزوال، ويعرف به وقت الظهر ودخول وقت العصر؛
ثالثها:
مغيب الشمس، ويعرف به وقت المغرب؛
رابعها:
مغيب الشفق الأحمر أو الأبيض على رأي، ويعرف به دخول وقت العشاء؛
خامسها:
البياض الذي يظهر في الأفق، ويعرف به وقت الصبح؛ وقد أشار إلى هذه الأوقات الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، والنسائي عن جابر بن عبد الله،
قال:
"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال قم يا محمد فصل الظهر، حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد فصل العصر ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح؛ فقال قم يا محمد فصل الصبح"؛ والى هنا قد بين هذا الحديث أول كل وقت، وله بقية اشتملت على بيان نهاية الوقت، ومعناها أنه جاءه في اليوم التالي وأمره بصلاة الظهر حين بلغ ظل كل شيء مثله، وأمره بصلاة العصر حين بلغ ظل كل شيء مثليه، وأمره بصلاة المغرب في وقتها الأول، وأمره بصلاة العشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، وأمره بصلاة الصبح حين أسفر جداً، ثم قال له ما بين هذين وقت كله، اهـ.فهذا الحديث وأمثاله يبين لنا مواقيت الصلاة بالعلامات الطبيعية التي هي أساس التقيوم الفلكي، والساعات المنضبطة - المزاول - ونحو ذلك، فلنذكر آراء الأئمة في تحديد مواقيت الصلاة تفصيلاً، مع العلم بأن بعضهم (1) يقسم الوقت إلى ضروري واختياري، وبعضهم لا يقسمه إلى ذلك.

(1) المالكية: قسموا الوقت إلى اختياري، وهو ما يوكل الأداء فيه إلى اختيار المكلف، وضروري: وهو ما يكون عقب الوقت الاختياري، وسمي ضرورياً، لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة وحيض وإغماء وجنون ونحوها؛ فلا يأثم واحد من هؤلاء بأداء الصلاة في الوقت الضروري؛ أما غيرهم فيأثم، بإيقاع الصلاة فيه الا إذا أدرك ركعة من الوقت الاختياري، وستعرف الأوقات الضرورية.
الحنابلة: قسموا وقت العصر إلى قسمين: ضروري، واختياري، فالاختياري ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، والضروري هو ما بعد ذلك إلى غروب الشمس، ويحرم عندهم إيقاع صلاة العصر في هذا الوقت الضروري. وإن كانت الصلاة أداء ومثل العصر عندهم العشاء كما يأتي
****************************

[وقت الظهر]

يدخل وقت الظهر عقب زوال الشمس مباشرة؛ فمتى انحرفت الشمس عن وسط السماء، فإن وقت الظهر يبتدئ (1) ويستمر إلى أن يبلغ ظل كل شيء مثله، ولمعرفة ذلك تعرز الظل في النقص شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه سوى جزء يسير، وعند ذلك يقف الظل قليلاً، فتوضع عند نهايته علامة إن بقي شيء من ظل الخشبة، وإلا فيكون البدء من نفس الخشبة، كما في الأقطار الاستوائية؛ ومتى وقف الظل كان ذلك وقت الاستواء؛ فإذا أخذ في الزيادة علم أن الشمس زالت، أي مالت عن وسط الماء، وهذا هو أول وقت الظهر، فإذا طال ظل الخشبة حتى صار مثلها بعد الظل الذي كان موجوداً عند الزوال خرج وقت الظهر.[وقت العصر]يبتدئ وقت العصر من زيادة ظل الشيء عن مثله بدون أن يحتسب الظل الذي كان موجوداً عند الزوال، كما تقدم، وينتهي إلى غروب الشمس (2) .

(1) المالكية قالوا: هذا وقت الظهر الاختياري، أما وقته الضروري فهو من دخول وقت العصر الاختياري، ويستمر إلى وقت الغروب
(2) المالكية قالوا: للعصر وقتان ضروري، واختياري، أما وقته الضروري، فيبتدئ باصفرار الشمس في الأرض والجدران لا باصفرار عينها، لأنه لا تصفر حتى تغرب، ويستمر إلى الغروب، وأما وقته الاختياري فهو من زيادة الظل عن مثله، ويستمر لاصفرار الشمس، والمشهور أن بين الظهر والعصير اشتراكاً في الوقت بقدر أربع ركعات في الحضر، واثنتين في السفر، وهل اشتراكهما في آخر وقت الظهر فتكون العصر داخلة على الظهر آخر وقته، أو في أول وقت العصر فتكون الظهر داخلة على العصر في أول وقته؟ وفي ذلك قولان مشهوران، فمن صلى العصر في آخر وقت الظهر، وفرغ من صلاته حين بلوغ ظل كل شيء مثله، كانت صلاته صحيحة على الأول، باطلة على الثاني؛ ومن صلى الظهر في أول وقت العصر كان آثماً على الأول، لتأخيرها عن الوقت الاختياري، ولا يأثم على القول الثاني، لأنه أوقعها في الوقت الاختياري المشترك بينهما.
الحنابلة قد عرفت قريباً أنهم قالوا: للعصر وقتان: اختياري، وضروري
*************************

[وقت المغرب]

يبتدئ المغرب من مغيب جميع قرص الشمس، وينتهي بمغيب الشفق الأحمر (1) .
ووقت العشاء يبتدئ من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر الصادق (2) .
[وقت الصبح]
ووقت الصبح من طلوع الفجر الصادق، وهو ضوء الشمس السابق عليها الذي يظهر من جهة المشرق، وينتشر حتى يعم الأفق، ويصعد إلى السماء منتشراً، وأما الفجر الكاذب فلا عبرة به، وهو الضوء الذي لا ينتشر، ويخرج مستطيلاً دقيقاً يطلب السماء، بجانبيه ظلمة، ويشبه ذنب الذئب الأسود، فإن باطن ذنبه أبيض، بجانبيه سواد، ويمتد وقت الفجر إلى طلوع الشمس (3) .

(1) الحنفية قالوا: إن الأفق الغربي يعتريه بعد الغروب أحوال ثلاثة متعاقبة: احمرار، فبياض، فسواد؛ فالشفق عند أبي حنيفة هو البياض، وغيبته ظهور السواد بعده، فمتى ظهر السواد خرج وقت المغرب؛ أما الصاحبان فالشفق عندهما ما ذكر أعلى الصحيفة كالأئمة الثلاثة.
المالكية قالوا: لا امتداد لوقت المغرب الاختياري، بل هو مضيق، ويقدر بزمن يسع فعلها، وتحصيل شروطها من طهارتي حدث وخبث وستر عورة، ويزاد الأذان والإقامة، فيجوز لمن يكون محصلاً للأمور المذكورة تأخير المغرب بقدر تحصيلها ويعتبر في التقدير حالة الاعتدال الغالبة في الناس، فلا يعتبر تطويل موسوس، ولا تخفيف مسرع، أما وقتها الضروري فهو من عقب الاختياري، ويستمر إلى طلوع الفجر؛ والفكلية يقولون: إن الساعات مبنية على الوقت الذي حدده الجمهور، فإذا صلى شخص قبل الوقت الفلكي الذي تبينه الساعة تكون صلاته باطلة، وعلى كل حال فالأحوط تأخير الصلاة إلى هذا الوقت، أو إلى ما بعده
(2) الحنابلة قالوا: إن للعشاء وقتين، كالعصر: وقت اختياري، وهو من مغيب الشفق إلى مضي ثلث الليل الأول، ووقت ضرورة، وهو من أول الثلث الثاني من الليل إلى طلوع الفجر الصادق، فمن أوقع الصلاة فيه كان آثماً، وإن كانت صلاته أداء، أما الصبح، والظهر، والمغرب فليس لها وقت ضرورة، كما تقدم قريباً.
المالكية قالوا: إن وقت العشاء الاختياري يبتدئ من مغيب الشفق الأحمر، وينتهي بانتهاء الثلث الأول من الليل، ووقتها الضروري ما كان عقب ذلك إلى طلوع الفجر فمن صلى العشاء في الوقت الضروري أثم. الا إذا كان من أصحاب الأعذار

(3) المالكية قالوا: إن للصبح وقتين: اختياري، وهو من طلوع الفجر الصادق، ويمتد إلى الإسفار البين - أي الذي تظهر فيه الوجوه بالبصر المتوسط في محل لا سقف فيه ظهوراً بيناً، وتخفى فيه النجوم - وضروري، وهو ما كان عقب ذلك إلى طلوع الشمس، وهذا القول مشهور قوي، وعندهم قول مشهور بأنه ليس للصبح وقت ضرورة والأول أقوى
************************

[مبحث المبادرة بالصلاة في أول وقتها وبيان الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة]
لأداء الصلاة في أوقاتها المذكورة أحكام أخرى من استحباب، أو كراهة أو نحو ذلك مفصلة في المذاهب (1) .


(1) المالكية قالوا: أفضل أوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت رضوان الله". ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها" فيندب تقديم الصلاة أول الوقت المختار بعد تحقيق دخوله مطلقاً، صيفاً، أو شتاءً، سواء كانت الصلاة صبحاً، أو ظهراً، أو غيرهما. وسواء كان المصلي منفرداً أو جماعة، وليس المراد بتقديم الصلاة في أول الوقت المبادرة بها، بحيث لا تؤخر أصلاً؛ وإنما المراد عدم تأخيرها عما يصدق عليه أنه أول الوقت، فلا ينافيه ندب تقديم النوافل القبلية عليها، ويندب تأخير صلاة الظهر لجماعة تنتظر غيرها حتى يبلغ ظل الشيء ربعه صيفاً وشتاءً؛ ويزاد على ذلك في شدة الحر إلى نصف الظل.
الحنفية قالوا: يستحق الإبراد بصلاة الظهر، بحيث يؤخر حتى تنكسر حدة الشمس، ويظهر الظل للجدران ليسهل السير فيه إلى المساجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم". أما الشتاء فالتعجيل في أول الوقت أفضل، الا أن يكون بالسماء غيم، فيكون الأفضل التأخير خشية وقوعها قبل وقتها، والعمل في المساجد الآن على التعجيل أول الوقت شتاءً وصيفاً، وينبغي متابعة إمام المسجد في ذلك لئلا تفوته صلاة الجماعة حتى ولو كان ذلك الإمام يترك المستحب.
أما صلاة العصر فيستحب تأخيرها عن أول وقتها، بحيث لا يؤخرها إلى تغيير قرص الشمس، وإلا كان ذلك مكروهاً تحريماً، وهذا إذا لم يكن في السماء غيم، فإن كان، فإنه يستحب تعجيلها لئلا يدخل وقت الكراهة، وهو لا يشعر؛ وأما المغرب فيستحب تعجيلها في أول وقتها مطلقاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي لن يزالوا بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود" الا أنه يستحب تأخيرها قليلاً في الغيم للتحقق من دخول وقتها: أما صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها إلى قبل ثلث الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" والأفضل متابعة الجماعة إن كان التأخير يفوتها؛ وأما الفجر فإنه يستحب تأخير صلاته إلى الإسفار، وهو ظهور الضوء، بحيث يبقى على طلوع الشمس وقت يسع إعادتها بطهارة جديدة على الوجه المسنون لو ظهر فسادها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" فأوقات الكراهة عند الحنفية خمسة: وقت طلوع الشمس؛ وما قبل وقت الطلوع بزمن لا يسع الصلاة، فإذا شرع في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، ثم طلعت قبل الفراغ من صلاته بطلت الصلاة؛ ووقت الاستواء؛ ووقت غروب الشمس؛ وما قبل وقت الغروب بعد صلاة العصر، فإذا صلى العصر كره تحريماً أن يصلي بعده؛ أما قبل صلاة العصر بعد دخول وقته فإنه لا يكره أن يصلي غيره إلى أن تتغير الشمس، بحيث لا تحار فيها العيون.
الشافعية قالوا: إن أوقات الصلاة تنقسم إلى ثمانية أقسام: الأول: وقت الفضيلة، وهو من أول الوقت إلى أن يمضي منه قدر ما يسع الاشتغال بأسبابها وما يطلب فيها ولأجلها ولو كمالاً، وقدر بثلاثة أرباع الساعة الفلكية، وسمي بذلك لأن الصلاة فيه تكون أفضل من الصلاة فيما بعده، وهذا القسم يوجد في جميع أوقات الصلوات الخمس؛ الثاني: وقت الاختيار، وهو من أول الوقت إلى أن يبقى منه قدر ما يسع الصلاة، فالصلاة فيه تكون أفضل مما بعده وأدنى مما قبله، وسمي اختيارياً، لرجحانه على ما بعده، وينتهي هذا الوقت في الظهر، متى بقي منه ما لا يسع الا الصلاة، وفي العصر بصيرورة ظل كل شيء مثليه، وفي المغرب بانتهاء وقت الفضيلة، وفي العشاء بانتهاء الثلث الأول من الليل.
وفي الصبح بالإسفار: الثالث، وقت الجواز بلا كراهة، وهو مساو لوقت الاختيار، فحكمه كحكمه، الا أنه في العصر يستمر إلى الاصفرار، وفي العشاء يستمر إلى الفجر الكاذب، وفي الفجر إلى الاحمرار، الرابع: وقت الحرمة، وهو آخر الوقت بحيث يبقى منه ما لا يسع كل الصلاة، كما تقدم؛ الخامس: وقت الضرورة، وهو آخر الوقت لمن زال عنه مانع كحيض، ونفاس، وجنون، ونحوها، وقد بقي من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة تجب في ذمته، ويطالب بقضائها بعد الوقت، فإذا زال المانع في آخر الوقت بمقدار ما يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة، والتي قبلها إن كانت تجمع معها، كالظهر، والعصر، أو المغرب، والعشاء، بشرط أن يستمر زوال المانع في الوقت الثاني زمناً يسع الطهارة، والصلاة لصاحبة الوقت، والطهارة، والصلاة لما قبلها من الوقتين، فإذا زال الحيض مثلاً في آخر وقت العصر وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في وقت المغرب إذا كان زمن انقطاع المانع يسع الظهر والعصر وطهارتهما، والمغرب وطهارتها؛ السادس: وقت الإدراك وهو الوقت المحصور بين أول الوقت، وطروّ المانع، كأن تحيض بعد زمن من الوقت يسع صلاتها وطهرها، فإن الصلاة وجبت عليها وهي خالية من المانع، فيجب عليها قضاؤها؛ السابع: وقت العذر، وهو وقت الجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً في السفر مثلاً: الثامن: وقت الجواز بكراهة، وهو لا يكون في الظهر؛ أما في العصر فمبدؤه بعد مضي ثلاثة أرباع ساعة فلكية إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصلاة كلها.
وأما في العشاء فمبدؤه من الفجر الكاذب إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها؛ وأما في الفجر فمبدؤه من الإحمرار إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها ويستثنى من إستحباب الصلاة في وقت الفضيلة أمور: منها صلاة الظهر في جهة حارة فإنه يندب تأخيرها عن وقت الفضيلة حتى يصير للحيطان ظل يمكن السير فيه لمن يريد صلاتها في جماعة أو في مسجد ولو منفرداً، إذا كان المسجد بعيداً لا يصل إليه في وقت الفضيلة الا بمشقة تذهب الخشوع، أو كماله، ومنها إنتظار الجماعة أو الوضوء لمن لم يجد ماء أول الوقت، فإنه يندب له التأخير، وقد يجب إخراج الصلاة عن وقتها بالمرة لخوف فوت حج، أو إنفجار ميت، أو إنقاذ غريق.
الحنابلة قالوا: إن الأفضل تعجيل صلاة الظهر في أول الوقت، الا في ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون وقت حر، فإنه يسن في هذه الحالة تأخير صلاته حتى ينكسر الحر، سواء صلى في جماعة، أو منفرداً في المسجد، أو في البيت، ثانيها: أن يكون وقت غيم فيسن لمن يريد صلاته حال وجود الغيم في جماعة أن يؤخر صلاته إلى قرب وقت العصر ليخرج للوقتين معاً خروجاً واحداً، ثالثها: أن يكون في الحج، ويريد أن يرمي الجمرات، فيسن له تأخير صلاة الظهر حتى يرمي الجمرات.
هذا إذا لم يكن وقت الجمعة، أما الجمعة فيسن تقديمها في جميع الأحوال. وأما العصر فالأفضل تعجيل صلاته في أول الوقت الاختياري في جميع الأحوال: وأما المغرب فإن الأفضل تعجيلها الا في أمور: منها أن تكون في وقت غيم فإنه يسن في هذه الحالة لمن يريد صلاتها في جماعة. أن يؤخرها إلى قرب العشاء ليخرج لهما خروجاً واحداً: ومنها أن يكون ممن يباح له جمع التأخير، فإنه يؤخرها ليجمع بينها وبين العشاء إن كان الجمع أرفق به؛ ومنها أن يكون في الحج وقصد المزدلفة قبل الغروب. فإن وصل إليها قبل الغروب صلاها في وقتها: وأما العشاء فالأفضل تأخير صلاتها حتى يمضي الثلث الأول من الليل ما لم تؤخر المغرب إليها عند جواز تأخيرها، فإن الأفضل حينئذ تقديمها لتصلي مع المغرب في أول وقت العشاء، ويكره تأخيرها إن شق على بعض المصلين، فإن شق كان الأفضل تقديمها أيضاً؛ وأما الصبح فالأفضل تعجيلها في أول الوقت في جميع الأحوال.
هذا، وقد يجب تأخير الصلاة المكتوبة إلى أن يبقى من الوقت الجائز فعلها فيه قدر ما يسعها، وذلك كما إذا أمره والحده بالتأخير ليصلي به جماعة فإنه يجب عليه أن يؤخرها: أما إذا أمره بالتأخير لغير ذلك، فإنه لا يؤخر، والأفضل أيضاً تأخير الصلوات لتناول طعام يشتاقه، أو لصلاة كسوف أو نحو ذلك إذا أمن فوت الوقت



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-12-2019, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 171 الى صــــــــ
178
الحلقة (33)


[مبحث ستر العورة في الصلاة]

الشرط الثاني من شروط الصلاة: ستر العورة. فلا تصح الصلاة من مكشوف العورة التي أمر الشارع بسترها في الصلاة، الا إذا كان عاجزاً عن ساتر يستر له عورته (1) ، ويختلف حد العورة بالنسبة للرجل، والمرأة الحرة، والأمة؛ وحد العورة (2) للرجل والأمة، والحرة مفصل في المذاهب.




(1) المالكية: زادوا الذكر على الراجح. فلو كشف عورته ناسياً صحت صلاته
(2) الحنفية قالوا: حد عورة الرجل بالنسبة للصلاة هو من السرة إلى الركبة: والركبة عندهم من العورة؛ بخلاف السرة؛ والأمة كالرجل؛ وتزيد عنه أن بطنها كلها وظهرها عورة؛ أما جنباها فتبع للظهر والبطن؛ وحد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة"، ويستثنى من ذلك باطن الكفين، فإنه ليس بعورة، بخلاف ظاهرهما، وكذلك يستثنى ظاهر القدمين، فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما، فإنه عورة، عكس الكفين.
الشافعية قالوا: حد العورة من الرجل والأمة وما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليستا من العورة، وإنما العورة ما بينهما، ولكن لا بدّ من ستر جزء منهما ليتحقق من ستر الجزء المجاور لهما من العورة، وحد العورة من المرأة الحرة جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها؛ ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط ظاهرهما وباطنهما.
الحنابلة قالوا: في حد العورة، كما قال الشافعية، الا أنهم استثنوا من الحرة الوجه فقط، وما عداه منها فهو عورة.
المالكية قالوا: إن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلاة تنقسم إلى قسمين: مغلظة؛ ومخففة، ولكل منهما حكم، فالمغلظة للرجل السوءتان، وهما القبل والخصيتان، وحلقة الدبر لا غير والمخففة له ما زاد على السوءتين مما بين السرة والركبة، وما حاذى ذلك من الخلف، والمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر، وما حاذاه من الظهر، والمخففة لها هي الصدر، وما حاذاة من الظهر والذراعين والعنق والرأس، ومن الركبة إلى آخر القدم، أما الوجه والكفان ظهراً وبطناً فهما ليستا من العورة مطلقاً، والعورة المخففة من الأمة مثل المخففة من الرجل الا الأليتان وما بينهما من المؤخر، فإنهما من المغلظة للأمة، وكذلك الفرج والعانة من المقدم، فهما عورة مغلظة للأمة.
فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلها أو بعضها، ولو قليلاً، مع القدرة على الستر ولو بشراء ساتر أو استعارته، أو قبول إعارته، لا هبته، بطلت صلاته إن كان قادراً ذاكراً، وأعادها وجوباً أبداً، أي سواء أبقي وقتها أم خرج، أما العورة المخففة، فإن كشفها كلاً أو بعضاً لا يبطل الصلاة، وإن كان كشفها حراماً، أو مكروهاً في الصلاة، ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة، أن يعيد الصلاة في الوقت مستوراً على التفصيل، وهو أن تعيد الحرة في الوقت إن صلت مكشوفة الرأس، أو العنق، أو الكتف، أو الذراع، أو النهد، أو الصدر، أو ما حاذاه من الظهر، أو الركبة، أو الساق إلى آخر القدم، ظهراً لا بطناً. وإن كان بطن القدم من العورة المخففة؛ وأما الرجل فإنه يعيد في الوقت إن صلى مكشوف العانة أو الأليتين، أو ما بينهما حول حلقة الدبر، ولا يعيد بكشف فخذيه، ولا بكشف ما فوق عانته إلى السرة، وما حاذى ذلك من خلفه فوق الأليتين
************************************

ولا بد من دوام ستر العورة (1) ،


(1) الحنابلة قالوا: إذا انكشف شيء من العورة من غير قصد، فإن كان يسيراً لا تبطل به الصلاة، وإن طال زمن الانكشاف، وإن كان كثيراً، كما لو كشفها ريح ونحوه، ولو كلها، فإن سترها في الحال بدون عمل كثير لم تبطل؛ وإن طال كشفها عرفاً بطلبت؛ أما إن كشفها بقصد، فإنها تبطل مطلقاً.
الحنفية قالوا: إذا انكشف ربع العضو من العورة المغلظة، وهي القبل والدبر وما حولهما أو المخففة، وهي ما عدا ذلك من الرجل والمرأة في أثناء الصلاة بمقدار أداء ركن، بلا عمل منه، كأن هبت ريح رفعت ثوبه فسدت الصلاة، أما إن انكشف ذلك؛ أو أقل منه بعمله فإنها تفسد في الحال مطلقاً. ولو كان زمن انكشافها أقل من أداء ركن، أما إذا انكشف ربع العضو قبل الدخول في الصلاة فإنه يمنع من انعقادها.
المالكية قالوا: إن انكشاف العورة المغلظة في الصلاة مبطل لها مطلقاً، فلو دخلها مستوراً فسقط الساتر في أثنائها بطلت ويعيد الصلاة أبداً على المشهور.
الشافعية قالوا: متى انكشفت عورته في أثناء الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته، الا إن كشفها الريح فسترها حالاً من غير عمل كثير، فإنها لا تبطل، كما لو كشفت سهواً وسترها حالاً. أما لو كشفت بسبب غير الريح، ولو بسبب بهيمة، أو غير مميز، فإنها تبطل
*********************************

ولا يضر التصاقه بالعورة، بحيث يحدد جرمها، ومن فقد ما يستر (1) به عورته، بأن لم يجد شيئاً أصلاً صلى عرياناً، وصحت صلاته (2) ، وإن وجد ساتراً، الا أنه نجس العين، كجلد خنزير، أو متنجس، كثوب أصابته نجاسة غير معفوِّ عنها، فإنه يصلي عرياناً أيضاً، ولا يجوز له لبسه في الصلاة (3) وإن وجد ساتراً يحرم عليه استعماله،



(1) المالكية قالوا: الساتر المحدد للعورة تحديداً محرماً أو مكروهاً بغير بلل أو ريح يوجب إعادة الصلاة في الوقت. أما إذا خرج وقت الصلاة فلا إعادة، وأما الساتر الذي يحدد العورة بسبب هبوب ريح، أو بلل مطر مثلاً؛ فلا كراهة فيه ولا إعادة
(2) الحنفية، والحنابلة قالوا: إن الأفضل أن يصلي في هذه الحالة قاعداً مومياً بالركوع والسجود، ويضم إحدى فخذيه إلى الأخرى، وزاد الحنفية في ذلك أن يمد رجليه إلى القبلة مبالغة في الستر
(3) المالكية قالوا: يصلي في الثوب النجس أو المتنجس، ولا يعيد الصلاة وجوباً، وإنما يعيدها ندباً في الوقت عند وجود ثوب طاهر، ومثل ذلك ما إذا صلى في الثوب الحرير.
الحنابلة قالوا: يصلي في المتنجس، وتجب عليه الإعادة بخلاف نجس العين، فإنه يصلي معه عرياناً ولا يعيد
*********************************

كثوب من حرير، فإنه يلبسه ويصلي فيه للضرورة، ولا يعيد الصلاة، أما إن وجد ما يستر به بعض العورة فقط، فإنه يجب استعماله فيما يستره، ويقدم القبل والدبر، ولا يجب عليه أن يستتر بالظلمة إن لم يجد (1) ساتراً غيرها.
وإذا كان فاقداً لساتر يرجو الحصول عليه قبل خروج الوقت فإنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت (2) ندباً؛ ويشترط ستر العورة من الأعلى والجوانب، لا من الأسفل، عن نفسه (3) ، وعن غيره، فلو كان ثوبه مشقوقاً من أعلاه أو جانبه، بحيث يمكن له أو لغيره أن يراها منها بطلت صلاته، وإن لم تُرَ بالفعل؛ أما إن رئيت من أسفل الثوب، فإنه لا يضر.
[ستر العورة خارج الصلاة]

يجب على المكلف (4) ستر عورته خارج الصلاة عن نفسه وعن غيره ممن لا يحل له النظر إلى عورته الا لضرورة، كالتداوي، فإنه يجوز له كشفها بقدر الضرورة، كما يجوز له كشف العورة للاستنداء والاغتسال، وقضاء الحاجة، ونحو ذلك إذا كان في خلوة، بحيث لا يراه غيره، وحد العورة من المرأة الحرة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة إذا كانت في خلوة، أو في حضرة محارمها (5) ، أو في حضرة نساء مسلمات (6) ، فيحل لها كشف ما عدا ذلك

(1) المالكية قالوا: يجب عليه أن يستتر بها. لأنهم يعتبرون الظلمة كالساتر عند فقده، فإن ترك ذلك بأن صلى في الضوء مع وجودها أثم وصحت صلاته، ويعيدها في الوقت ندباً
(2) الشافعية قالوا: يؤخرها وجوباً
(3) الحنفية، والمالكية قالوا: لا يشترط سترها عن نفسه، فلو رآها من طوق ثوبه لا تبطل صلاته؛ وإن كره له ذلك
(4) المالكية قالوا: إذا كان المكلف بخلوة كره له كشف العورة لغير حاجة، والمراد بالعورة في الخلوة بخصوصها خصوص السوءتين والأليتين والعانة فلا يكره كشف الفخذ من رجل أو امرأة، ولا كشف البطن من المرأة
(5) المالكية قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنهاما عدا الوجه والأطراف، وهي: الرأس، والعنق، واليدان والرجلان.
الحنابلة قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنها ما عدا الوجه، والرقبة، والرأس، واليدين، والقدم، والساق
(6) الحنابلة: لم يفرقوا بين المرأة المسلمة والكافرة. فلا يحرم أن تكشف المرأة المسلمة أمامها بدنها الا ما بين السرة والركبة، فإنه لا يحل كشفه أمامها
**********************************

من بدنها بحضرة هؤلاء، أو في الخلوة، أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي، أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها، ما عدا الوجه والكفين، فإنهما ليسا بعورة، فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة (1) .أما عورة الرجل خارج الصلاة فهي ما بين سرته وركبته فيحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقاً عند أمن الفتنة (2) ؛ ويحرم النظر إلى عورة الرجل والمرأة، متصلة كانت، أو منفصلة، فلو قص شعر امرأة، أو شعر عانة رجل، أو قطع ذراعها،
أو فخذه:
حرم النظر إلى شيء من ذلك بعد انفصاله (3) ،
وصوت المرأة ليس بعورة:
لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يكلمن بتلاوة القرآن، ويحرم النظر إلى الغلام الأمرد إن كان صبيحاً - بحسب طبع النظر - بقصد التلذذ، وتمتع البصر بمحاسنه، أما النظر إليه بغير قصد اللذة فجائز إن أمنت الفتنة، وأما حد العورة من الصغير فمفصلة في المذاهب (4) . وكل ما حرم النظر إليه حرم لمسه بلا حائل، ولو بدون شهوة.

(1) الشافعية قالوا: إن وجه المرأة وكفيها عورة بالنسبة للرجل الأجنبي، أما بالنسبة للكافرة، فإنهما ليستا بعورة، وكذلك ما يظهر من المرأة المسلمة عند الخدمة في بيتها، كالعنق، والذراعين. ومثل الكافرة كل امرأة فاسدة الأخلاق
(2) المالكية، والشافعية قالوا: إن عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر إليه، فبالنسبة للمحارم والرجال هي ما بين سرته وركبته، وبالنسبة للأجنبية منه هي جميع بدنه، الا أن المالكية استثنوا الوجه والأطراف، وهي الرأس، واليدان، والرجلان، فيجوز للأجنبية النظر إليها عند أمن التلذذ وإلا منع، خلافاً للشافعية، فإنهم قالوا: يحرم النظر إلى ذلك مطلقاً
(3) الحنابلة قالوا: إن العورة المنفصلة لا يحرم النظر إليها لزوال حرمتها بالانفصال.
المالكية قالوا: إن العورة المنفصلة حال الحياة يجوز النظر إليها. أما المنفصلة بعد الموت فهي كالمتصلة في حرمة النظر إليها
(4) الشافعية قالوا: إن عورة الصغير في الصلاة، ذكراً كان، أو أنثى، مراهقاً، أو غير مراهق، كعورة المكلف في الصلاة، أما خارج الصلاة فعولة الصغير المراهق ذكراً كان أو أنثى كعورة البالغ خارجها في الأصح، وعورة الصغير غير المراهق إن كان ذكراً كعورة المحارم إن كان ذلك الصغير يحسن وصف ما يراه من العورة بدون شهوة، فإنه أحسنه بشهوة، فالعورة بالنسبة له كالبالغ، وإن لم يحسن الوصف فعورته كالعدم، الا أنه يحرم النظر إلى قبله ودبره، لغير من يتولى تربيته؛ أما إن كان غير المراهق أنثى فإن كانت مشتهاة عند ذوي الطباع السليمة فعورتها عورة البالغة.
وإلا فلا، لكن يحرم النظر إلى فرجها لغير القائم بتربيتها.
المالكية قالوا: إن عورة الصغير خارج الصلاة تختلف باختلاف الذكورة والأنوثة والسن، فابن ثمان سنينن فأقل لا عورة له فيجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدنه حياً وأن تغسله ميتاً، وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة يجوز لها النظر إلى جميع بدنه ولكن لا يجوز لها تغسيله، وأما ابن ثلاث عشرة سنة فما فوق فعورته كعورة الرجل وبنت سنتين وثمانية أشهر لا عورة لها وبنت ثلاث سنين إلى أربع لا عورة لها بالنسبة للنظر. فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنها، وعورتها بالنسبة للمس كعورة المرأة، فليس للرجل أن يغسلها، أما المشتهاة كبنت ست فهي كالمرأة فلا يجوز للرجل النظر إلى عورتها ولا تغسيلها؛ وعورة الصغير في الصلاة - إن كان ذكراً - السوءتان والعانة والأليتان فيندب له سترها وإن كانت أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة. ولكن يجب على وليها أن يأمرها بسترها في الصلاة كما يأمرها بالصلاة وما زاد على ذلك مما يجب ستره على الحرة فيندب لها فقط.
الحنفية قالوا: لا عورة للصغير ذكراً كان أو أنثى. وحددوا ذلك بأربع سنين.
فما دونها فيباح النظر إلى بدنه ومسه. ثم ما دام لم يشته فعورته القبل والدبر. فإن بلغ حد الشهوة فعورته كعورة البالغ ذكراً أو أنثى. في الصلاة وخارجها.
الحنابلة قالوا: إن الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين لا حكم لعورته.
فيباح مس جميع بدنه والنظر إليه؛ ومن زاد عن ذلك إلى ما قبل تسع سنين فإن كان ذكراً فعورته القبل والدبر في الصلاة وخارجها، وإن كان أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة بالنسبة للصلاة؛ وأما خارجها فعورتها بالنسبة للمحارم هي ما بين السرة والركبة، وبالنسبة للأجانب من الرجال جميع بدنها الا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم
*********************************

[مباحث استقبال القبلة]

لعلك على ذكر من شرائط الصلاة التي ذكرناها في "أول كتاب الصلاة" ومن بينها دخول الوقت، وستر العورة، واستقبال القبلة؛ وقد بينا الأحكام المتعلقة بدخول الوقت. وستر العورة، ونريد أن نبين هنا الأحكام المتعلقة باستقبال القبلة؛ ويتعلق بها مباحث؛
أحدها:
تعريف القبلة؛
ثانيها:
دليل اشتراطها؛
ثالثها:
بيان ما تعرف به القبلة؛
رابعها:
بيان الأحوال التي تصح فيها الصلاة مع عدم استقبال القبلة؛
خامسها:
حكم الصلاة في جوف الكعبة، وإليك بيانها على هذا الترتيب:
[تعريف القبلة]
القبلة هي جهة الكعبة، أو عين الكعبة، فمن كان مقيماً بمكة أو قريباً منها فإن صلاته لا تصح الا إذا استقبل عين الكعبة يقيناً ما دام ذلك ممكناً، فإذا لم يمكنه ذلك، فإن عليه أن يجتهد في الاتجاه إلى عين الكعبة، إذ لا يكفيه الاتجاه إلى جهتها ما دام بمكة، على أنه يصح أن يستقبل هواءها المحاذي لها من أعلاها، أو من أسفلها، فإذا كان شخص بمكة على جبل مرتفع عن الكعبة.
أو كان في دار عالية البناء ولم يتيسر له استقبال عين الكعبة، فإنه يكفي أن يكون مستقبلاً لهوائها المتصل بها، ومثل ذلك ما إذا كان في منحدر أسفل منها، فاستقبال هواء الكعبة المتصل بها من أعلى أو أسفل. كاستقبال بنائها عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الجدول (1) .
ومن كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه أن يتجه إلى نفس محراب المسجد النبوي. وذلك لأن استقبال عين محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو استقبال لعين الكعبة، لأنه وضع بالوحي، فكان مسامتاً لعين الكعبة، ولا يلزمه أن يستقبل عين الكعبة، بل يصح أن ينتقل عن عين الكعبة إلى يمينها أو شمالها، ولا يضر الانحراف اليسير عن نفس الجهة أيضاً، لأن الشرط هو
(1) المالكية قالوا: يجب على من كان بمكة أو قريباً منها أن يستقبل القبلة بناء الكعبة، بحيث يكون مسامتاً لها بجميع بدنه، ولا يكفيه استقبال هوائها، على أنهم قالوا: إن من صلى على جبل أبي قبيس فصلاته صحيحة، بناءً على القول المرجوح من أن استقبال الهواء كاف
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-06-2020, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 186 الى صــــــــ
194
الحلقة (35)

يدرك أن هذه الجهة هي التي بها الكعبة. وهذا المكان قد أمر الله تعالى الناس بأن يقصدوه، لما يترتب عليهمن المنافع العامة، وتهذيب النفوس بطاعة الله تعالى، وخشيته، وإحياء سكانه الذين لا زرع لهم ولا موارد لديهم، كما قال الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات} الآيات، فضلاً عن كون هذه البقعة مقدسة بظهور سيد الأنبياء والمرسلين الذي جاء للناس بما فيه منافعهم الأدبية والمادية. وقضى على عبادة الأوثان في تلك الجهات فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعلن رضاءه عنه بتحويل الناس إلى الكعبة، بعد أن كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وعلى كل حال، فالغرض الوحيد من العبادة في الإسلام إنما هو تمجيد الله وحده، وتقديسه من غير مشاركة مخلوق، مهما جل قدره، وعظمت منزلته، كما قال الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله، إن الله واسع عليم} .من هذا يتضح لك أن الله تعالى قد أمر بالتوجه إلى القبلة، فالصلاة في جوفها فرضاً، أو نفلاً، وإن كان فيه اتجاه إلى القبلة يصحح الصلاة، الا أنه ليس اتجاهاً كاملاً، ولذا اختلفت المذاهب في الصلاة فيه، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (1) .(1) الحنابلة قالوا: إن صلاة الفرض لا تصح في جوف الكعبة، ولا على ظهرها، الا إذا وقف في منتهاها، ولم يبق وراءه شيء منها، أو وقف خارجها، وسجد فيها، أما صلاة النافلة، والصلاة المنذورة فتصح فيها، وعلى سطحها إن لم يسجد على منتهاها، فإن سجد على منتهاها لم تصح صلاته مطلقاً، لأنه يصير في هذه الحالة غير مستقبل لها.
المالكية قالوا: تصح صلاة الفرض فيجوفها، الا أنها مكروهة كراهة شديدة، ويندب له أن يعيدها في الوقت، أما النفل فإن كان غير مؤكد ندب أن يصليه فيها، وإن كان مؤكداً كره ولا يعاد، وأما الصلاة على ظهرها فباطلة إن كانت فرضاً، وصحيحة إن كانت نفلاً غير مؤكد، وفي النفل المؤكد قولان متساويان.
الشافعية قالوا: إن الصلاة في جوف الكعبة صحيحة. فرضاً كانت، أو نفلاً. الا أنها لا تصح إذا صلى إلى بابها مفتوحاً. أما الصلاة على ظهرها؛ فإنه يشترط لصحتها أن يكون أمامه شاخص منها يبلغ ثلثي ذراع بذراع الآدمي.
الحنفية قالوا: إن الصلاة في جوف الكعبة وعلى سطحها صحيحة مطلقاً، الا أنها تكره على ظهرها. لما فيه من ترك التعظيم
**********************

[مبحث صلاة الفرض في السفينة، وعلى الدابة، ونحوها]

ومن كان راكباً على دابة، ولا يمكنه أن ينزل عنها لخوف على نفسه أو ماله، أو لخوف من ضرر يلحقه (1) بالانقطاع عن القافلة، أو كان بحيث لو نزل عنها لا يمكنه العودة إلى ركوبها ونحو ذلك؛ فإنه يصلي الفرض في هذه الأحوال على الدابة إلى أي جهة يمكنه الاتجاه إليها، وتسقط عنه أركان الصلاة التي لا يستطيع فعلها، ولا إعادة عليه.أما صلاة الفرض على الدابة (2) عند الأمن والقدرة، فإنها لا تصح الا إذا بها كاملة مستوفية لشرائطها وأركانها، كالصلاة على الأرض؛ فإذا أمكنه أن يصلي عليها صلاة كاملة صحت، ولو كانت الدابة سائرة.ومن أراد أن يصلي في سفينة فرضاً أو نفلاً (3) ، فعليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك، وليس له أن يصلي إلى غير جهتها، حتى لو دارت السفينة وهو يصلي، وجب عليه أن يدور إلى جهة القبلة حيث دارت، فإن عجز عن استقبالها صلى إلى جهة قدرته، ويسقط عنه السجود أيضاً إذا عجز عنه، ومحل كل ذلك إذا خاف خروج الوقت قبل أن تصل السفينة أو القاطرة إلى المكان الذي يصلي فيه صلاة كاملة، ولا تجب عليه الإعادة، ومثل السفينة القطر البخارية البرية. والطائرات الجوية. ونحوها.

(1) المالكية قالوا: إن خوف مجرد الضرر لا يكفي في صحة صلاة الفرض على ظهر الدابة، بل قالوا: لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إيماءً، الا في الالتحام فيحرب كافر، أو عدو كلص، أو خوف من حيوان مفترس، أو مرض لا يقدر معه على النزول، أو سير في خضخاض لا يطيق النزول به، وخاف خروج الوقت المختار، ففي كل ذلك تصح على الدابة إيماءً، ولو لغير القبلة، وإن أمن الخائف أعاد في الوقت ندباً
(2) الشافعية قالوا: لا يجوز له صلاة الفرض على الدابة الا إذا كانت واقفة أو سائرة، وزمامها بيد مميز، وكانت صلاته مستوفية، سواء في حالة الأمن والقدرة وغيرهما. الا أن الخائف في الأحوال المتقدمة يصلي حسب قدرته. وعليه الإعادة.
الحنفية قالوا: لا تصح صلاة الفرض على الدابة لغير عذر. ولو أتى بها كاملة. سواء كانت الدابة سائرة. أو واقفة. الا إذا صلى على محمل فوق دابة وهي واقفة، وللمحمل عيدان مرتكزة على الأرض. أما المعذور فإنه يصلي حسب قدرته. ولكن بالإيماء لأنها فرض. وإذا كان يقدر على إيقاف الدابة فلا تصح صلاته حال سيرها. ومثل الفرض الواجب بأنواعه
(3) الشافعية قالوا: إن الصلاة النافلة في السفينة يجب أن تكون إلى جهة القبلة. فإن لم يكن التحول إليها ترك النافلة بالمرة. وهذا في غير الملاح. أما هو فيجب عليه استقبال القبلة إن قدر، وإلا صلى إلى جهة قدرته على الراجح؛ وأما الفرض فيجب فيه استقبال القبلة مطلقاً
*************************

[مباحث فرائض الصلاة]

يتعلق بفرائض الصلاة أمور:
أحدها: بيان معنى الفرض والركن؛
ثانيها:
عدّ فرائض الصلاة في كل مذهب.
ثالثها:
شرح فرائض الصلاة، وبيان المتفق عليه والمختلف فيه؛
رابعها:
بيان معنى الواجب، والفرق بينه وبين الفرض والركن، وعد واجبات الصلاة.
هذه الأمور ينبغي معرفتها بدون خلط، ليتيسر للقارئ أن يعرف المذهب الذي يريده؛ ومن شار أن يعرف المتفق عليه والمختلف فيه؛ فإنه يمكنه أن يرجع إلى التفصيل الآتي:
[معنى الفرض والركن]
قد ذكرنا معناهما في "مبحث فرائض الوضوء" صحيفة 51، ومجمل القول في ذلك: أن الفرض والركن بمعنى واحد باتفاق، وهو هنا جزء العبادة التي طلبها الشارع، بحيث لا تتحقق الا به، فمعنى فرائض الصلاة أجزاؤها التي لا تتحقق الصلاة الا بها ولا توجد الا بها، بحيث إذا فقد منها جزء لا يقال لها: صلاة، مثلاً إذا قلت: إن تكبيرة الإحرام فرض من فرائض الصلاة، أو ركن، كان معنى هذا أنك إذا لم تأت بتكبيرة الإحرام لا تكون مصلياً، وهذا المعنى يشمل أجزاء الصلاة المفروضة التي يثاب المكلف على فعلها ويعاقب على تركها، كما يشمل أجزاء صلاة التطوع التي لا يؤاخذ المكلف على تركها، فإنها لا يقال لها: صلاة، الا إذا اشتملت على هذه الأجزاء، فهي فرض فيها كغيرها من الصلوات المفروضة بلا فلاق.
فقولهم في تعريف الفرض: هو ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، خاص بما طلبه الشارع طلباً جازماً، سواء كان جزءاً من شيء، أو كلاً، مثلاً الصلوات الخمس؛ فإن الإتيان بها في أوقاتها فرض يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، وقد جعل الشارع لها أجزاء خاصة لا تتحقق الا بها؛ فكل جزء من هذه الأجزاء التي تتوقف عليه الصلاة يقال له: فرض من فرائض الصلاة، كما يقال له: ركن من أركانها؛ أما الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؛ وأولها شهادة أن لا إله الا الله، وأن محمداً رسول الله؛ فهذا معنى الركن والفرض بأيضاح.
*************************
[مبحث عد فرائض الصلاة بمعنى أركانها]

قد عرفت أن المراد بالفرائض ههنا الأجزاء التي إذا فقد منها جزء لم توجد الصلاة رأساً، وإليك بيانها في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (1) .

(1) الحنفية: قسموا الركن إلى قسمين: ركن أصلي، وركن زائد؛ فالركن الأصلي هو الذي يسقط عند العجز عن فعله سقوطاً تاماً، بحيث لا يطالب المكلف بالإتيان بشيء بدله، وذلك معنى قولهم: الركن الأصلي ما يسقط عن المكلف عند العجز عن فعله بلا خلف، أما الركن الزائد فهو ما يسقط في بعض الحالات، ولو مع القدرة على فعله، وذلك كالقراءة، فإنها عندهم ركن من أركان الصلاة، ومع ذلك فإنها تسقط عن المأموم، لأن الشارع نهاه عنها.
فتحصل من ذلك أن ما يتوقف عليه صحة الصلاة، منه ما هو جزء من أجزائها، وهي الأربعة المذكورة، ويزاد عليه القعود الأخير قدر التشهد، فإنه ركن زائد على الراجح، ومنه ما هو داخل فيها، وليس جزءاً منها، كإيقاع القراءة في القيام، ويقال له: شرط لدوام الصلاة، ومنه ما هو خارج عن الصلاة، ويقال له شرط لصحة الصلاة.
فأركان الصلاة المتفق عليها عندهم أربعة، سواء كانت أصلية، أو زائدة؛ فالأصلية هي القيام والركوع والسجود، والركن الزائد عندهم هو القراءة فقط، وهذه الأركان الأربعة هي حقيقة الصلاة، بحيث لو ترك الشخص واحداً منها عند القدرة فإنه لا يكون قد أتى بالصلاة. فلا يقال له: مصل، وهناك أمور تتوقف عليها صحة الصلاة، ولكنها خارجه عن حقيقة الصلاة، وهذه الأمور تنقسم إلى قمسين: الأول: ما كان خارج ماهية الصلاة، وهو الطهارة من الحدث والخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة، وجخول الوقت، والنية، والتحريمة؛ وهي شرائط لصحة الشروع في الصلاة كغيرها مما سبق: والثاني: ما كان داخل الصلاة ولكنه ليس من حقيقتها، كإيقاع القراءة في القيام، وكون الركوع بعد القيام، والسجود بعد الركوع. وهذه شرائط لدوام صحة الصلاة، ويقد يعبرون عنها بفرائض الصلاة، ويريدون بالفرض الشرط أما القعود الأخير قدر التشهد فهو فرض بإجماعهم، ولكنهم اختلفوا في هل هو ركن أصلي أو زائد، ورجحوا أنه ركن زائد، لأن ماهية الصلاة تتحقق بدونه، إذ لو حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود، وإن لم يجلس، فتتحقق ماهية الصلاة بدون القعود؛ وأما الخروج من الصلاة بعمل ما ينافيها من سلام أو كلام أو نحو ذلك من مبطلات الصلاة فقد عده بعضهم من الفرائض، والصحيح أنه ليس بفرض، بل هو واجب.
المالكية قالوا: فرائض الصلاة خمسة عشر فرضاً، وهي: النية، وتكبيرة الإحرام والقيام لها في الفرض دون النفل، لأنه يصح الإتيان به من قعود ولو كان المصلي قادراً على القيام؛ فتكبيرة الإحرام يصح الإتيان بها من قعود في هذه الحالة، وقوراءة الفاتحة، والقيام لها في صلاة الفرائض أيضاً، والركوع والرفع منه، والسجود والرفع منه، والسلام، والجلوس بقدره، والطمأنينة، والاعتدال في كل من الركوع والسجود والرفع منهما، وترتيب الأداء، ونية اقتداء المأموم.
*******************************

[شرح فرائض الصلاة مرتبة: الفرض الأول: النية]

يتعلق بالنية أمور:
أحدها: معناها؛
ثانيها: حكمها في الصلاة المفروضة؛
ثالثها:
كيفيتها في الصلاة المفروضة؛
رابعها:
حكمها وكيفيتها في الصلاة غير المفروضة؛
خامسها:
بيان وقت النية،
سادسها:
حكم استحضار الصلاة المنوية، وشروط النية؛
سابعها:
نية المأموم الاقتداء بإمامه، ونية الإمام الإمامة.
فأما معنى النية فهي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله وحده، وإن شئت قلت: النية هي الإرادة الجازمة، بحيث يريد المصلي أن يؤدي الصلاة لله وحده، فلو نطلق بلسانه بدون أن يقصد الصلاة بقلبه، فإنه لا يكون مصلياً؛ ومعنى ذلك أن من صلى لغرض دنيوي، كأن يمدح عند الناس، بحيث لو لم يمدح بترك الصلاة، فإن صلاته لا تصح، وكذا إذا صلى ليظفر بمال أو جاه، أو يحصل على شهوة من الشهوات، فإن صلاته تكون باطلة؛ فعلى الناس

ومن هذا تعلم أن المالكية والحنفية، اتفقوا في أربعة من هذه الفرائض، وهي: القيام للقادر عليه، والركوع، والسجود أما القراءة فإن الحنفية يقولون: إن المفروض هو مجرد القراءة لا قراءة الفاتحة بخوصها، والمالكية يقولون: إن الفرض هو قراءة الفاتحة، فلو ترك الفاتحة عمداً فإنه لا يكون مصلياً، ووافقهم على ذلك الشافعية، والحنابلة، كما هو موضح في مذهبيهما، وسيأتي تفصيل ذلك في "مبحث القراءة".
الشافعية: عدوا فرائض الصلاة ثلاثة عشر فرضاً، خمسة فرائض قولية، وثمانية فرائض فعلية؛ فالخمسة القولية هي: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمة الأولى: أما الثمانية الفعلية فهي: النية، والقيام في الفرض القادر عليه، والركوع، والاعتدال منه، والسجود الأول والثاني، والجلوس بينهما. والجلوس الأخير. والترتيب؛ وأما الطمأنينية فهي شرط محقق للركوع والاعتدال والسجود والجلوس، فهي لا بد منها؛ وإن كانت ليست ركناً زائداً على الراجح.
الحنابلة: عدوا فرائض الصلاة أربعة عشر، وهي: القيام في الفرض، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والرفع منه، والاعتدال، والسجود والرفع منه، والجلوس بين السجدتين والتشهد الأخير، والجلوس له وللتسليمتين، والطمأنينة في كل ركن فعلي، وترتيب الفرائض، والتسليمتان
**************************

أن يفهموا هذا المعنى جيداً، ويدركوا أن من قصد بصلاته غرضاً من الأغراض الدنيوية، فإن صلاته تقع باطلة، ويعاقب عليها المرائين المجرمين، قال تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (1) فمن لم يخلص في إرادة الصلاة، ويقصد أن يصلي لله وحده، فإنه يكون مخالفاً لأمره تعالى؛ فلا تصح صلاته، والنية بهذا المعنى متفق عليها، أما الخواطر النفسية أثناء الصلاة، كأن يصلي وقلبه مشغول بأمر من أمور الدنيا، فإنها لا تفسد الصلاة، ولكن يجب على المصلي الخاشع لربه أن يحارب هذه الوساوس بكل ما يسطيع، ولا يتفكر وهو في الصلاة الا في الخضوع لله عز وجل، فإن عجز عن ذلك، ولم يستطع أن ينزع من نفسه أمور الدنيا، وهو واقف بين يدي ربه، فإنه لا يؤاخذ. ولكن عليه أن يستمر في محاربه هذه الوساوس الفاسدة ليظفر بأجر العاملين المخلصين.
والحاصل أن ها هنا أمرين: أحدهما: إرادة الصلاة والعزم على فعلها لله وحده بدون سبب آخر لا يقره الدين؛
ثانيهما:
حضور القلب، وعدم اشتغاله بتفكر أمر من أمور الدنيا، فأما الأمر الأول فإنه لا بد منه في الصلاة، وأما الأمر الثاني فإنه ليس شرطاً في صحة الصلاة ولكن ينبغي للواقف بين يدي خالقه أن ينزع من نفسه كل شيء لا علاقة له بالصلاة، فإن عجز فإن أجر صلاته لا ينقص، لأنه قد أتى بما في وسعه، ولا يكلفه الله بغير ذلك.
[حكم النية في الصلاة المفروضة]
وأما حكم النية في الصلاة فقد اتفق الأئمة الأربعة على أن الصلاة لا تصح بدون نية، الا أن بعضهم قال: إنها ركن من أركان الصلاة، بحيث لو لم ينو الشخص الصلاة، فلا يقال

(1) الحنفية قالوا: إن النية شرط. ثبتت شرطيتها بالإجماع، لا بقوله تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} لأن المراد بالعبادة في هذه الآية التوحيد، ولا بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما الأعمال بالنيات" لأن المراد ثواب الأعمال أما صحة الأعمال فمسكوت عنها.
والواقع أن هذه الأدلة تحتمل المعنى الذي قال الحنفية، كما تحتمل المعنى الذي قاله غيرهم، أما الآية فلأن عبادة الله ليست مقصورة على التوحيد، بل المتبادر منها إخلاص النية في عبادة الله مطلقاً: لأن بعض المشركين كانوا يشركون مع الله غيره في العبادة، خصوصاً أهل الكتاب الذين ذكروا مع المشركين في الآية، فإنهم كانوا يشركون في العبادة مع الله بعض أنبيائه، وأما الحديث فلأن ثواب الأعمال إذا حبط فإنه لا يكون لها أية فائدة، ولا معنى لقولهم: إن العمل صحيح مع بطلان ثوابه نعم لهم أن يقولوا: إن فائدته رفع العقاب، ولكن هذا لا دليل عليه في الحديث. بل العكس، ظاهر الحديث يدل على النية شرط في الثواب وفي الصحة، والتخصيص بالثواب تحكم لا دليل عليه.
**************************

له: إنه قد صلى مطلقاً، وبعضهم قال: إنها شرط لصحة الصلاة، فمن لم ينو فإنه يقال له: إنه قد صلى صلاة باطلة، ومثل هذا الخلاف لا يترتب عليه كثير فائدة لمن يريد أن يعرف ما تصح الصلاة به؛ وما لا تصح، بدون تدقيق فقهي، فإن مثل هذا يقال له: إن النية لازمة في الصلاة، فلو تركت بطلت الصلاة، باتفاق المذاهب، لا فرق في ذلك بين كونها شرطاً في صحتها أو جزءاً من أجزائها، أما طلبة العلم الذين يريدون أن يعرفوا اصطلاح كل مذهب، فعليهم أن يعرفوا أن المالكية والشافعية اتفقوا على أن النية ركن من أركان الصلاة، فلو لم ينو الصلاة فإنه لا يقال له: قد صلى أصلاً، والحنفية والحنابلة اتفقوا على أنها شرط؛ بمعنى أنه إن لم يأت بها فإنه يكون قد صلى صلاة باطلة، وبذلك تعلم أن النية بالمعنى المتقدم فرض، أو شرط لا بد منه على كل حال، وإليك بيانها مفصلة:
[كيفية النية في الصلاة المفروضة]

الصلاة إما أن تكون فرض عين، كالصلوات الخمس؛ وإما أن تكون فرض كفاية، كصلاة الجنازة، والصلاة المنذورة، وإما أن تكون سنة مؤكدة، أو غير مؤكدة، على التفصيل المتقدم في صحيفة 64.فأما نية الصلاة المفروضة ففي كيفيتها تفصيل المذاهب (1) .

(1) الحنفية قالوا: يتعلق بهذا المبحث أمور: أحدها: أنه يفترض على كل مكلف أن يعلم أن الله فرض عليه خمس صلوات، فإذا كان جاهلاً بالصلوات المفروضة، فإن صلاته لا تصح، ولو كان يصليها في أوقاتها، الا إذا صلى مع الإمام. ونوى صلاة إمامه. فإن علم أن عليه صلاة مفروضة، ولكن لم يميز الفرض من الواجب والسنة وصلاها كلها بنية الفرض، فإن صلاته تصح؛ ومثل هذا كثير بين العامة، على أن صلاتهم بهذه الكيفية، وإن كانت صحيحة، ولكن يلزمهم أن يتعلموا الفرق بين الفرض وغيره، ولا يستمروا على جهلهم بأمور دينهم الضرورية في هذا الزمن الذي يسهل فيه عليهم أن يحضروا دروس الفقه في المساجد وغيرها؛ ثانيها: كيفية النية، وكيفية النية في الفرض: هي أن يعلم المصلي بقلبه الصلاة التي يصليها من ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء أو صبح. فمتى علم ذلك فإنه يكون قد أتى بالنية التي هي شرط لازم لصحة الصلاة. ثم إن كانت الصلاة في وقتها، فإنه يكفي تعيين الوقت، كما ذكرنا، بدون زيادة بحيث لو نوى صلاة الظهر أو العصر أو غيرهما من الفرائض، فإنه صلاته تصح، فلا يلزمه أن ينوي ظهر اليوم أو ظهر الوقت؛ وبعضهم يقول: بل يلزمه أن ينوي ظهر اليوم أو ظهر الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة يقبل صلاة فرض آخر قضاء، فلو نوى صلاة الظهر يحتمل أنه يريد ظهر اليوم، ويحتمل أنه يريد صلاة ظهر آخر كان عليه، والرأيان مصححان، على أن الأحوط أن ينوي ظهر اليوم، أو عصر اليوم.
هذا إذا كانت الصلاة في وقتها؛ أما إذا كانت خارج الوقت فإن كان جاهلاً بخروج الوقف فإنه يكفي أن ينوي صلاة الظهر أو العصر بدون قيد على الأربجح، وإن كان عالماً بخروج الوقت، فقيل يكفي، وقيل: لا وعلى كل حال فالأحوط أن يقيده باليوم، فيقول: ظهر اليوم، أو عصر اليوم، ولو نوى صلاة الفرض بدون أن يعينه، فإنه لا يكفيه ما لم يقيده بالوقت، وذلك بأن ينوي صلاة فرض الوقت، فإذا نوى صلاة فرض الوقت، فإنه يصح بشرط أن تكون الصلاة في الوقت؛ فإذا صلى بعد خروج الوقت، وهو لا يعلم بخروجه ونوى فرض الوقت فإنه لا يصح.
والحاصل أنه لا بد في النية من تعيين الوقت الذي ينوي صلاته، فإن كان يصلي في الوقت، فإن التعيين يكون بنية نفس الفرض من ظهر أو عصر، الخ؛ وبعضهم يرى أن التعيين لا يكفي فيه ذلك، بل لا بد من أن ينوي عصر اليوم أو مغرب اليوم، وهكذا؛ وإن كان يصلي بعد خروج الوقت وهو لا يدري أن الوقت قد خرج، فمثله كمثل الذي يصلي في الوقت، فإنه يكفي أن ينوي الظهر أو العصر بدون زيادة على الأرجح؛ أما إن كان عالماً بخروج الوقت، فكذلك الحال فيه، فبعضهم يقول: إنه يكتفي منه بنية صلاة الظهر أو العصر، الخ، بدون زيادة، وبعضهم يرى أنه لا بد من أن ينوي ظهر اليوم.
هذا، وإذا لم يعين الظهر أو العصر، ولم يقيد باليوم. بل نوى صلاة الفرض فقط. فإنه لا يكفي باتفاق، فإذا نوى فرض الوقت فإن نيته تصح إذا كانت صلاته في الوقت.
ثالثها: النية في صلاة الجنازة، والصلاة الواجبة، وهي شرط في صحتها. كما هي شرط في صحة الصلاة المفروضة، فأما صلاة الجنازة فإنه يكفي أن ينوي فيها صلاة الجنازة، ولكن النية الكاملة فيها هي أن ينوي صلاة الجنازة والدعاء للميت، كما يأتي في "مباحث الجنازة"، وينوي في الجمعة صلاة الجمعة، وكما أن النية شرط في صحة الصلاة المفروضة عن الحنفية، فكذلك هي شرط في صحة صلاة الواجب، كالوتر وركعتي الطواف، فإن النية شرط في صحتهما، بأن ينوي الوتر وركعتي الطواف؛ ومثل ذلك صلاة النفل الذي شرع فيه ثم أفسده، فإذا شرع في صلاة ركعتين تطوعاً ثم فسدت صلاته قبل تمامها، فإنه يجب عليه إعادتهما، وفي هذه الحالة تشترط النية، لأن صلاتهما ثانياً أصبحت واجبة.
وبالجملة فالنية لازمة للصلوات المفروضة عيناً وكفاية وللصلاة الواجبة وللصلاة المنذورة؛ أما صلاة النفل فإنه لا يشترط لها النية، كما يأتي:
المالكية قالوا: لا بد من نية الفرض من تعيينه، بأن يقصد صلاة الظهر أو العصر، وهكذا، فإن لم ينو فرضاً معيناً، فإن صلاته لا تصح، وسيأتي بيان حكم النية في النافلة.
الشافعية قالوا: يشترط للنية في صلاة الفرض ثلاثة شروط: أحدها: نية الفرضية، بمعنى أن يقصد المصلي كون الصلاة التي يصليها فرضاً؛ يانيها: قصد فعل الصلاة، بمعنى أنه يستحضر الصلاة، ولو إجمالاً، ويقصد فعلها، وإنما اشترطوا قصد فعل الصلاة لتتميز عن الأفعال الأخرى،ثالثها: تعيين الصلاة التي يصليها من ظهر أو عصر، رابعها: أن تكون نية الفرضية وقصد فعل الصلاة وتعيين الصلاة التي يصليها مقارناً لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام، فإذا فقد شرط من هذه الشروط بطلب النية، وبطلت الصلاة، لأن النية فرض من فرائضها، ولعل بعض الناس يجد صعوبة في هذا، ولكن الواقع هو أن المصلي الذي يقف بين يدي خالقه لا يصخ له أن يقدم على مناجاته وهو ساه عن الفعل الذي يريد أن يعبده به؛ فعليه أولاً أن ينوي الفرض لتتميز عنده الصلاة من أول الأمر، ثانياً: أن يتسحضر الصلاة التي يريد فعلها. ولا يلزمه أن يستحضر صلاة ذات ركوع وسجود وقيام وجلوس وقراءة فإذا كان ذلك فرضاً عليه من أول الأمر فإنه يساعده على الخشوع لربه، أما كون هذا مقارناً لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام فعلته ظاهرة، وهي أن يكون استحضار الصلاة مقارناً لأول جزء من أجزائها فيساعد على الخشوع.
هذا وإذا صلى شخص فرضاً من فرائض الصلاة منفرداً. ثم أراد أن يعيده في جماعة. فإنه يلزمه أن يعينه على الوجه المتقدم.
الحنابلة قالوا: لا بد في نية الفرض من التعيين. بأن ينوي صلاة الظهر أو العصر، أو المغرب أو الجمعة، وهكذا. فلا يكفي بأن ينوي مطلق الفرض. ولا يلزم أن يزيد على ذلك شيئاً
******************************




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-06-2020, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 195 الى صــــــــ
206
الحلقة (36)

[حكم استحضار الصلاة المنوية وشروط النية]

قد عرفت مما تقدم في "مبحث كيفية النية" أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن استحضار الصلاة من قيام. وقراءة. وركوع. وسجود عند النية ليس بشرط لصحة الصلاة. وخالف في ذلك الشافعية. فقالوا: لا بد من استحضار بعض أجزاء الصلاة عند النية إن لم يستطع استحضار جميع الأركان، وقد تقدم بيان مذهبهم موضحاً؛ أما استمرار النية إلى آخر الصلاة بحيث لو نوى الخروج من الصلاة. وأبطل نية الدخول فيها، فإن الصلاة تبطل، ولو استمر في صلاته. لأن في هذه الحالة يكون قد صلى بدون نية، مثلاً إذا دخل شخص في الصلاة بنية صحيحة ثم ناداه شخص آخر فنوى الخروج من الصلاة تلبية لندائه. فإن صلاته تبطل بذلك. ولو لم يقطع الصلاة بالفعل، لأن من شرائط صحة النية أن لا يأتي المصلي بما ينافيها، وظاهر أن نية الخروج من الصلاة يناقض نية الدخول فيها، وقد تقدمت شروط النية في صحيفة 54 - وهي: الإسلام: والتمييز، والجزم، بأن لا يتردد في النية أو يرفضها، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، الا أنك قد عرفت أن الشافعية زادوا على ذلك في نية الصلاة قصد أفعال الصلاة، ونية كون الصلاة فرضاً؛ وزادوا في نية الوضوء أن تكون مقارنة لغسل أول عضو مفروض، أما
الإسلام فهو شرط من شروط صحة النية في الصلاة باتفاق، وذلك لأن الصلاة لا تصح من غير المسلم، كما تقدم في "شروط الصلاة".

[حكم التلفظ بالنية، ونية الأداء أو القضاء أو نحو ذلك]

يسن أن يتلفظ بلسانه بالنية، كأن يقول بلسانه أصلي فرض الظهر مثلاً، لأن في ذلك تنبيهاً للقلب، فلو نوى بقلبه صلاة الظهر، ولكن سبق لسانه فقال: نويت أصلي العصر فإنه لا يضر، لأنك قد عرفت أن المعتبر في النية إنما هو القلب، النطق باللسان ليس بنية، وإنما هو مساعد على تنبيه القلب، فخطأ اللسان لا يضر ما دامت نية القلب صحيحة، وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية والحنابلة، أما المالكية، والحنفية فانظر مذهبهما تحت الخط (1) ، أما نية الأداء أو القضاء أو عدد الركعات فسنبينه مفصلاً بعد هذا:[نية الأداء والقضاء]لا يلزم المصلي أن ينوي الأداء والقضاء، فإذا صلى الظهر مثلاً في وقتها، فإنه لا يلزم أن ينوي الصلاة أداء، وكذلك إذا صلاها بعد خروج وقتها فإنه لا يلزمه أن ينويها قضاء، فإذا نواه تصح، وإن لم تطابق الواقع. كما إذا نوى صلاة الظهر أداء بعد خروج الوقت، فإن كان عالماً بخروج الوقت وتعمد المخالفة بطلت صلاته؛ لأن في هذا تلاعباً ظاهراً، أما إذا لم يكن عالماً بخروج الوقت، فإن صلاته تكون صحيحة.هذا، وإذا نوى أن يصلي المغرب أربع ركعات أو العشاء خمس ركعات، فإن صلاته تكون باطلة، ولو كان غالطاً؛ وهذا هو رأي الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، فانظر مذهبهما تحت الخط (2) .
(1) المالكية، والحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية ليس مروعاً في الصلاة، الا إذا كان المصلي موسوساً، على أن المالكية قالوا: إن التلفظ بالنية خلاف الأولى لغير الموسوس، ويندب للموسوس.
الحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية بدعة، ويستحسن لدفع الوسوسة

(2) الحنفية قالوا: إذا نوى الظهر خمس ركعات أو ثلاثاً مثلاً، فإن قعد على رأس الرابعة ثم خرج من الصلاة أجزأه، وتكون نية الخمس ملغاة.
**************************

[حكم النية في الصلاة غير المفروضة وكيفيتها]
في حكم النية في الصلاة النافلة تفصيل في المذاهب (1) .
[وقت النية في الصلاة]
اتفق ثلاثة من الأئمة، وهم المالكية، والحنفية؛ والحنابلة: على أن يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، وخالف الشافعية، فقالوا: لا بد من أن تكون النية مقارنة

المالكية قالوا: لا تبطل صلاته الا إذا كان متعمداً، فلو نوى الظهر خمس ركعات غلطاً صحت صلاته

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعيين صلاة النافلة، سواء كانت سنناً أو لا، بل يكفي أن ينوي مطلق الصلاة، الا أن الأحوط في السنن أن ينوي الصلاة متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما أن الأحوط في صلاة التراويح أن ينوي التراويح، أو سنة الوقت، أو قيام الليل وإذا وجد جماعة يصلون ولا يدري أهم في صلاة التراويح أم في صلاة الفرض، وأراد أن يصلي معهم، فلينو صلاة الفرض، فإن تبين أنهم في صلاة الفرض أجزأه، وإن تبين أنهم في التراويح انعقدت صلاته.
الحنابلة قالوا: لا يشترط تعيين السنة الراتبة بأن ينوي سنة عصر، أو ظهر، كما يشترط تعيين سنة التراويح، وأما النفل المطلق فلا يلزم أن ينوي تعيينه، بل يكفي فيه نية مطلق الصلاة.
الشافعية قالوا: صلاة النافلة إما أن يكون لها وقت معين؛ كالسنن الراتبة، وصلاة الضحى، وإما أن لا يكون لها وقت معين، ولكن لها سبب، كصلاة الاستسقاء؛ وإما أن تكون نفلاً مطلقاً، فإن كان لها وقت معين، أو سبب، فإنه يلزم أن يقصدها ويعينها، بأن ينوي سنة الظهر مثلاً، وأنها قبلية أو بعدية؛ كما يلزم أن يكون القصد والتعيين مقارنين لأي جزء من أجزاء التكبير، وهذا هو المراد بالمقارنة والاستحضار العرفيين، وقد تقدم مثله في صلاة الفرض، ولا يلزم فيها نية النفلية، بل يستحب، أما إن كانت نفلاً مطلقاً، فإنه يكفي فيها مطلق قصد الصلاة حال النطق بأي جزء من أجزاء التكبير، ولا يلزم فيها التعيين، ولا نية النفليه، ويلحق بالنفل المطلق في ذلك كل نافلة لها سبب. ولكن يغني عنها غيرها؛ كتحية المسجد، فإنها سنة لها سبب وهو دخول المسجد، ولكن تحصل في ضمن أي صلاة يشرع فيها عقب دخوله المسجد.
المالكية قالوا: الصلاة غير المفروضة إما أن تكون سنة مؤكدة؛ وهي صلاة الوتر والعيدين والكسوف والاستسقاء، وهذه يلزم تعيينها في النية بأن ينوي صلاة الوتر أو العيد، وهكذا؛ وإما أن تكون رغيبة؛ وهي صلاة الفجر لا غير، ويشترط فيها التعيين أيضاً، بأن ينوي صلاة الفجر، وإما أن تكون مندوبة كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد، وهذه يكفي فيها نية مطلقة الصلاة، ولا يشترط تعيينها، لأن الوقت كاف في تعيينها
****************************

لتكبيرة الإحرام، بحيث لو فرغ من تكبيرة الإحرام بدون نية بطلت، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في وقت النية تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بشرط أن لا يفصل بينهما فاصل أجنبي عن الصلاة، كالأكل والشرب والكلام الذي تبطل به الصلاة؛ أما الفاصل المتعلق بالصلاة، كالمشي لها؛ والوضوء، فإنه لا يضر، فلو نوى صلاة الظهر مثلاً، ثم شرع في الوضوء، وبعد الفراغ منه مشى إلى المسجد، وشرع في الصلاة ولم تحضره النية؛ فإن صلاته تصح، وقد عرفت مما تقدم أن النية هي إرادة الصلاة لله تعالى وحده؛ بدون أن يشرك معه في ذلك أمراً من الأمور الدنيوية مطلقاً، فمتى نوى هذا، وشرع في الصلاة بدون أن يفصل بين نيته وبينه بعمل أجنبي، فإنه يكون قد أتى بالمطلوب منه، فإذا شرع في الصلاة بهذه النية الصحيحة، ثم دخل عليه شخص، فأطال الصلاة لميدح عنده، فإن ذلك لا يبطل الصلاة ولكن ليس له ثواب هذه الإطالة وإنما له ثواب أصل الصلاة، وذلك لأن نيته كانت خالصة الله تعالى وهذا معنى قول بعض الحنفية؛ إن الصلاة لا يدخلها رياء؛ فإنهم يريدون به أن النية الخالصة تكفي في صحة الصلاة؛ ولا يضر الرياء العارض، على أنه شر لا فائدة منه باتفاق.
وهل تصح نية الصلاة قبل وقتها، كأن ينوي الصلاة، ويتوضأ قبل دخول الوقت بزمن يسير، ثم يمشي إلى المسجد بدون أن يتكلم بكلام أجنبي، ويجلس فيه إلى أن يدخل الوقت فيصلي؟ والجواب: أن المنقول عن أبي حنيفة أن النية لا تصح قبل دخول الوقت، وبعضهم يقول: بل تصح لأن النية شرط والشرط يتقدم على المشروط، فتقدم النية طبيعي.
هذا، وقد اتفق علماء الحنفية على أن الأفضل أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام بدون فاصل، فعلى مقلدي الحنفية أن يراعوا ذلك، ولا يفصلوا بين التكبيرة وبين النية، لأنه أفضل، ويرفع الخلف.
الحنابلة قالوا: إن النية يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، بشرط أن ينوي بعد دخول الوقت، كما نقل عن أبي حنيفة، فإذا نوى الصلاة قبل دخول وقتها فإن نيته لا تصح، وذلك لأن النية شرط، فلا يضر أن تتقدم على الصلاة، كما يقول الحنفية، ولكن الحنابلة يقولون: إن الكلام الأجنبي لا يقطع النية، فلو نوى الصلاة، ثم تكلم بكلام خارج عن الصلاة، ثم كبر، فإن صلاته تكون صحيحة، وإنما اشترطوا اللنية دخول الوقت، مراعات لخلاف من يقول: إنها ركن.
هذا، والأفضل عندهم أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، كما يقول الحنفية.
المالكية قالوا: إن النية يصح أن تتقدم على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفاً، كما إذا نوى في محل قريب من المسجد، ثم كبر في المسجد ناسياً للنية، وبعض المالكية يقول: إن النية لا يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام مطلقاً، فإن تقدمت بطلت الصلاة، ولكن الظاهر عندهم هو القول الأول؛ على أنهم اتفقوا على أن النية إذا تقدمت بزمن طويل في العرف فإنها تبطل، وإنما ذكرنا هذا الخلاف ليعلم الناظر في هذا أن مقارنة النية لتكبيرة الإحرام عند المالكية له منزلة، فلا يصح إهماله بدون ضرورة: من نسيان، ونحوه.
الشافعية قالوا: إن النية لا بد أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، بحيث لو تقدمت عليها أو تأخرت بزمن ما، فإن الصلاة لا تصح، كما بيناه في مذهبهم في "مبحث كيفية النية"
*******************************

[نية الإمام ونية المأموم]

يشترط في صح صلاة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام، بأن ينوي متابعته في أول الصلاة فلو أحرم شخص بالصلاة منفرداً، ثم وجد إماماً فنوى الاقتداء به فإن صلاته لا تصح عند الحنفية، والمالكية؛ أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ أما الإمام فإنه لا يشترط أن ينوي الإمامة الا في أمور مبينة في المذاهب(2) .



(1) الشافعية قالوا: إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة صحت الا في صلاة الجمعة والصلاة التي جمعت جمع تقديم للمطر، والصلاة المعادة، فإنه لا بد أن ينوي الاقتداء فيهما أول صلاته، وإلا لم تصح.
الحنابلة قالوا: يشترط في صحة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام أو الصلاة، الا إذا كان المأموم مسبوقاً، فله أنيقتدي بعد سلام إمامه بمسبوق مثله في غير الجمعة؛ ومثل ذلك إذا ما اقتدى مقيم بمسافر يقصر الصلاة فإن للمقيم أن يقتدي بمثله في بقية الصلاة بعد فراغ الإمام
(2) الحنابلة قالوا: يشترط أن ينوي الإمامة في كل صلاة، وتكون نية الإمامة في أول الصلاة الا في الصورتين المتقدمتين في الحكم الذي ذكر قبل هذا مباشرة.
المالكية قالوا: يشترط نية الإمامة في كل صلاة تتوقف صحتها على الجماعة، وهي الجمعة والمغرب، والعشاء المجموعتان ليلة المطر تقديماً، وصلاة الخوف، وصلاة الاستخلاف، فلو ترك الإمام نية الإمامة في الجمعة بطلت عليه وعلى المأمومين، ولو تركها في الصلاتين المجموعتين بطلت الثانية. وأما إذا تركها في صلاة الخوف فإنها تبطل على الطائفة الأولى من المأمومين فقط، لأنها فارقت في غير محل المفارقة، وتصح للإمام وللطائفة الثانية. أما صلاة الاستخلاف فإن نوى الخليفة فيها الإمامة صحت له وللمأمومين الذين سبقوه، وإن تركها صحت له، وبطلت على المأمومين.
الحنفية قالوا: تلزم نية الإمامة في صورة واحدة، وهي ما إذا كان الرجل يصلي إماماً لنساء، فإنه يشترط لصحة اقتدائهن به أن ينوي الإمامة، لما يلزم من الفساد فيمسألة المحاذاة، وسيأتي تفصيلها.
الشافعية قالوا: يجب على الإمام أن ينوي الإمامة في أربع مسائل: إحداها: الجمعة؛ ثانيها: الصلاة التي جمعت للمطر جمع تقديم، كالعصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب، فإنه يجب عليه أن ينوي الإمامة في الصلاة الثانية منهما فقط، بخلاف الأولى، لأنها وقعت في وقتها؛ ثالثها: الصلاة المعادة في الوقت جماعة؛ فلا بد للإمام فيها أ، ينوي الإمامة؛ رابعها: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يجب عليه أن ينوي فيها الإمامة للخروج من الإثم، فإن لم ينو الإمامة فيها صحت، ولكنه لا يزال آثماً حتى يعيدها جماعة وينوي الإمامة
**************************

[الفرض الثاني من فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام]
[حكمها - تعريفها]

يتعلق بتكبيرة الإحرام مباحث: أحدها: حكمها، وتعريفها: ثانيها: دليل فرضيتها؛ ثالثها: صفتها؛ رابعها: شروطها فأما حكم تكبيرة الإحرام فهي فرض من فرائض الصلاة باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنها شرط لا فرض، وعلى كل حال فإن الصلاة بدونها لا تصح باتفاق الجميع، لأنك قد عرفت أن الشرط لازم كالفرض، وقد بينا مذهب الحنفية تحت الخط (الحنفية قالوا: إن تكبيرة الإحرام ليست ركناً على الصحيح، وإنما هي شرط من شروط صحة الصلاة، وقد يقال: إن التكبيرة يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة، وستر عورة، الخ. فلو كانت شرطاً لم يلزم لها ذلك، ألا ترى أن نية الصلاة تصح من غير المتوضئ، ومن مكشوف العورة، عند من يقول: إنها شرط؛ والجواب على ذلك أن تكبيرة الإحرام متصلة بالقيام الذي هو ركن من أركان الصلاة، فلذا اشترط لها ما اشترط للصلاة من طهارة ونحوها؛ وقد عرفت أن هذا فلسفة فقهية لا يترتب عليها فائدة عملية الا لطلبة العلم الذين قد يبنون على هذا أحكاماً دقيقة في الطلاق ونحوه، وإلا فتكبيرة الإحرام أمر لازم لا بد منه باتفاق الجميع، كما كررنا غير مرة) ، وأما تعريف تكبيرة الإحرام فهو الدخول في حرمات الصلاة، بحيث يحرم عليه أن يأتي بعمل ينافي الصلاة، يقال: أحرم الرجل إحراماً إذا دخل في حرمة لا تهتك، فلما دخل الرجل بهذه التكبيرة في الصلاة التي يحرم عليه أن يأتي بغير أعمالها سميت تكبيرة إحرام، ويقالها أيضاً تكبيرة تحرّم، وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن تكبيرة الإحرام هي أن يقول المصلي في افتتاح صلاته: الله أكبر، بشرائط خاصة ستعرفها قريباً، وخالف الحنفية، فقالوا: إن تكبيرة الإحرام لا يشترط أن تكون بهذا اللفظ، وسيأتي مذهبهم في "صفة التكبيرة".

[دليل فرضية تكبيرة الإحرام]

أجمع المسلمون على أن افتتاح الصلاة بذكر اسم الله تعالى أمر لازم لا بد منه، فلا تصح صلاة الا به، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ذلك الإجماع: منها ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، وهذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن.
وقد استدل بعضهم على فرضية تكبيرة الإحرام بقوله تعالى: {وربك فكبر} ووجه الاستدلال أن لفظ: "فكبر" أمر وكل أمر للوجوب، ولم يجب التكبير الا في الصلاة بإجماع المسلمين فدل ذلك على أن تكبيرة الإحرام فرض.وعلى كل حال فلم يخالف أحد من العلماء المسلمين في أن تكبيرة الإحرام أمر لازم لا تصح الصلاة بدونها، سواء كانت فرضاً أو شرطاً.
[صفة تكبيرة الإحرام]

قد عرفت أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن تكبيرة الإحرام مركبة من لفظين، وهما: الله أكبر، بخصوصهما، بحيث لو افتتح الصلاة بغير هذه الجملة، فإنه صلاته لا تصح وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط افتتاح الصلاة بلفظة: الله أكبر، إنما الافتتاح بهذا اللفظ واجب لا يترتب على تركه بطلان الصلاة في ذاتها، بل يترتب عليه إثم تارك الواجب، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وأن تاركه يأثم إثماً لا يوجب العذاب بالنار، وإنما يوجب الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وكفى بذلك زجراً للمؤمنين؛ ومن هذا تعلم أن افتتاح الصلاة بهذه الصفة مطلوب عند الحنفية، كما هو مطلوب عند غيرهم؛ الا أن الحنفية قالوا: لا تبطل الصلاة بتركه، ولكن تركه يوجب إعادة الصلاة. فإن لم يعدها سقط عنه الفرض، وأثم ذلك الإثم الذي لا يوجب العذاب.
أما الصيغة التي تتوقف عليها صحة الصلاة عندهم فهي الصيغة التي تدل على تعظيم الله عز وجل وحده بدون أن تشتمل على دعاء ونحوه؛ فكل صيغة تدل على ذلك يصح افتتاح الصلاة بها، كأن يقول: سبحان الله، أو يقول: الحمد لله، أو لا إله الا الله، أو يقول: الله رحيم، أو الله كريم. ونحو ذلك من الصيغ التي تدل على تعظيم الإله جل وعز خاصة، فلو قال: استغفر الله، أو أعوذ بالله، أولا حول ولا قوة الا بالله، فإن صلاته لا تصح بذلك، لأن هذه الكلمات قد اشتملت على شيء آخر سوى التعظيم الخالص، وهو طلب المغفرة والاستعاذة، ونحو ذلك.
هذا، ولا بد أن يقرن هذه الأوصاف بلفظ الجلالة: فلو قال: كريم، أو رحيم، أو نحو ذلك فإنه لا يصح، ولو ذكر الاسم الدال على الذات دون الصفة، كأن يقول: الله، أو الرحمن، أو الرب، ولم يزد عليه شيئاً، فقال أبو حنيفة: إنه يصح، وقال صاحباه: لا. أما الأدلة التي تقدم ذكرها، فإنها لا تدل الا على ذلك، فقوله تعالى: {وربك فكبر} ليس معناه الإتيان بخصوص التكبير، بل معناه: عظم ربك بكل ما يفيد تعظيمه، وكذلك التكبير الوارد في الحديث؛ وإنما قلنا: إن الإتيان بخصوص التكبير واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الإتيان به ولم يتركه.
***********************

[شروط تكبيرة الإحرام]

ينبغي أن تحفظ شروط تكبيرة احرام في كل مذهب على حدة، لما في ذلك التسهيل على طلاب كل مذهب، فانظرها تحت الخط (1) .

هذا هو رأي الحنفية، وقد عرفت أن الأئمة الثلاثة اتفقوا على أن تكون بلفظ: الله أكبر، كما هو الظاهر من هذه الأدلة، وقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم بعمله
(1) الشافعية قالوا: شروط صحة تكبيرة الإحرام خمسة عشر شرطاً، إن اختل واحد منها لم تنعقد الصلاة: أحدها: أن تكون باللغة العربية إن كان قادراً عليها، فإن عجز عنها، ولم يستطع أن يتعلمها فإنه يصح له أن يكبر باللغة التي يقدر عليها؛ ثانيها: أن يأتي بها وهو قائم إن كان في صلاة مفروضة، وكان قادراً على القيام، أما في صلاة النفل فإن الإحرام يصح من قعود، كما تصح الصلاة من قعود، فإن أتى بالإحرام في صلاة الفرض حال الانحناء، فإن كان إلى القيام أقرب، فإنها تصح، وإن كان الركوع أقرب، فإنها لا تصح، وفاقاً للحنفية؛ والحنابلة، وخلافاً للمالكية الذين قالوا: إن الإتيان بها حال الانحناء لا يصح الا في صورة واحدة؛ وهي ما إذا كان مقتدياً بإمام سبقه، ولكن الشافعية لا يلزم عندهم أن يدرك الإمام حال ركوعه، بل لو سبقه الإمام بالركوع ثم كبر المأموم وركع وحده فإنه يصح، وسيأتي إيضاح ذلك، ثالثها: أن يأتي بلفظ الجلالة، ولفظ أكبر، رابعها: أن لا يمد همزة لفظ الجلالة، فلا يقول: الله أكبر، لأن معنى هذا الاستفهام، فكأنه يستفهم عن الله، خامسها: أن لا يمد الباء، من لفظ أكبر، فلا يصح أن يقول: الله أكبار، فلو قال ذلك لم تصح صلاته، سواء فتح همزة أكبار، أو كسرها. لأن أكبار - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو اسم للطبل الكبير. وإكبار - بكسر الهمزة - اسم للحيض، ومن قال ذلك متعمداً، فإنه يكون ساباً لإلهه، فيرتد عن دينه، سادسها؛ أن لا يشدد الباء من أكبر، فلو قال: الله أكبر لم تنعقد صلاته، سابعها: أن لا يزيد واواً ساكنة أو متحركة بين الكلمتين. فلو قال: والله أكبر، أو قال: الله وأكبر.
لم تنعقد صلاته،
ثامنها: أن لا يأتي بواو قبل لفظ الجلالة، فلو قال: والله أكبر لم تنعقد صلاته، تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بوقف طويل أو قصير على المعتمد، فلو قال: الله، ثم سكت قليلاً، وقال: أكبر. لم تنعقد صلاته، ومن باب أولى إذا سكت طويلاً، ولا يضر إدخال لام التعريف على لفظ: أكبر، فلو قال: الله الأكبر صحت، وكذا إذا زاد الوصف عن كلمتين فإنه يبطل التكبيرة، فإذا قال: الله العظيم الكريم الرحيم أكبر لم تنعقد صلاته، ولو فصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بضمير، أو نداء فإنه لا يصح، كما إذا قال: الله هو أكبر، أو قال: الله يا رحمن أكبر.
عاشرها: أن يسمع بها نفسه، بحيث لو نطق بها في سره بدون أن يسمعها هو فإنها لا تصح، الا إذا كان أخرس، أو أصم، أو كانت بالمكان جلبة أو ضوضاء، فإنه لا يلزم في هذه الحالة أن يسمع نفسه، على أن الأخرس ونحوه يجب عليه أن يأتي بما يمكنه. بحيث لو كان الخرس عارضاً وأمكنه أن يحرك لسانه أو شفتيه بالتكبير، فإنه يجب عليه أن يفعل، الحادي عشر: دخول الوقت إن كان يصلي فرضاً أو نفلاً مؤقتاً، أو نفلاً له سبب، كما تقدم، الثاني عشر: أن يوقع التكبيرة وهو مستقبل القبلة إن لم يسقط عنه استقبال القبلة، كما تقدم في مبحث "استقبال القبلة" الثالث عشر: أن تتأخر التكبيرة عن تكبيرة الإمام إن كان يصلي مقتدياً بإمام، الرابع عشر: أن يأتي بالتكبير في المكان الذي يصح فيه القراءة، وسيأتي في بيان شروط القراءة.
الحنفية قالوا: شروط تكبيرة الإحرام عشرون، وإليك بيانها:
-1 - دخول وقت الصلاة المكتوبة وإن كانت التحريمة لها، فلو كبر قبل دخول الوقت بطلت تكبيرته.
-2 - أن يعتقد المصلي أن الوقت قد دخل، أو يترجح عنده دخوله، فلو شك في دخوله وكبر للإحرام فإن تكبيرته لا تصح حتى ولو تبين أن الوقت قد دخل.
-3 - أن تكون عورته مستورة، وقد تقدم بيان العورة في الصلاة، فلو كبر عورته مكشوفة ثم سترها، فإن صلاته لا تصح.
-4 - أن يكون المصلي متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ومتطهراً من النجاسة فلا تصح منه التكبيرة إذا كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة غير معفّو عنها، وقد تقدم بيان النجاسة المعفو عنها في مبحث الطهارة، فلو كبر، وهو يظن أن به نجاسة بطلت تكبيرته، ولو تبين له أنه طاهر.
-5 - أن يأتي بالتكبيرة وهو قائم إذا كان يصلي فرضاً أو واجباً أو سنة فجر، أما باقي النوافل فإنه لا يشترط لها القيام، بل يصح الإتيان بها وهو قاعد، فإن أتى بها منحنياً. فإن كان انحناؤه إلى القيام أقرب، فإنه لا يضر، وإن كان إلى الركوع أقرب فإنه يضر، ومحل ذلك ما إذا كان قادراً على القيام، كما هو ظاهر، وإذا أدرك الإمام، وهو راكع، فكبر للإحرام خلفه، فإن أتى بالتكبيرة كلها وهو قائم، فإنه يصح، أما إذا قال: الله، وهو قائم، وقال: أكبر، وهو راكع، فإن صلاته لا تصح، ولو أدرك الإمام من أول الصلاة، فنطق بقول: الله، قبل أن يفرغ منها الإمام فإنها لا تصح.
-6 - نية أصل الصلاة. كأن ينوي صلاة الفرض.
-7 - تعيين الفرض من أنه ظهر أو عصر مثلاً، فإذا كبر من غير تعيين؛ فإن تكبيرته لا تصح.
-8 - تعيين الصلاة الواجبة، كركعتي الطواف، وصلاة العيدين والوتر، والمنذور، وقضاء نفل أفسده، فإن كل هذا واجب يجب تعيينه عند التكبيرة، أما باقي النوافل فإنه لا يجب تعيينها، كما تقدم.
-9 - أن ينطق بالتكبيرة بحيث يسمع بها نفسه، فمن همس بها، أو أجراها على قلبه، فإنها لا تصح، ومثل ذلك جميع أقوال الصلاة من ثناء، وتعوّذ؛ وبسملة؛ وقراءة، وتسبيح، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الطلاق واليمين وغير ذلك فإنها لا تعتبر عند الحنفية، الا إذا نطق بها وسمعها، فلا تصح، ولا يترتب عليها أثر إذا همس بها أو أجراها على قلبه.
-10 - أن يأتي بجملة ذكر، كأن يقول: الله أكبر، أو سبحان الله، أو الحمد لله، فلو أتى بلفظ واحد، فإنه لا يصح، وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً في صفة التحريمة قريباً.
-11 - أن يكون الذكر خالصاً لله، فلا تصح تكبيرة الإحرام إذا كان الذكر مشتملاً على حاجة للمصلي؛ كاستغفار، ونحوه كما تقدم تقريباً.
-12 - أن لا يكون الذكر بسملة، فلا يصح افتتاح الصلاة بها على الصحيح.
-13 - أن لا يحذف الهاء من لفظ الجلالة، فإن حذفها بطلت صلاته.
-14 - أن يمد اللام الثانية من لفظ الجلالة فإذا لم يمدها اختلف في صحة تكبيرته، وفي حال ذبيحته؛ فينبغي الإتيان بذلك المد احتياطاً.
-15 - أن لا يمد همزة الله، وهمزة أكبر فلو قال: الله أكبر، بالمد، لم تصح صلاته، لأن المد معناه الاستفهام، ومن يستفهم عن وجود إلهه فلا تصح صلاته. وإن تعمد هذا المعنى يكفر، فالذين يذكرون الله - بمد الهمزة - مخطئون خطئاً فاحشاً، لما فيه من الإيهام، وإن كان غرضهم النداء؛ أما إذا كان غرضهم الاستفهام؛ فإنهم يرتدون عن الإسلام، وعلى كل حال فإن المد في الصلاة مبطلها، وقد عرفت أن الشافعية موافقون على هذا.
-16 - أن لا يمد باء أكبر، فإذا قال: الله أكبار بطلت صلاته، لأنه - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو الطبل - وبكسرها - اسم للحيض، ومن قصد هذا فإنه يكفر، وعلى كل حال فهو مبطل للصلاة.
-17 - أن لا يفصل بين النية وبين التحريمة بفاصل أجنبي عن الصلاة فلو نوى، ثم أتى بعمل خارج عن الصلاة من كلام أو أكل، ولو كان بين أسنانه من قبل (بشرط أن يكون قدر الحمصة) أو شرب أو تكلم، أو تنحنح بلا عذر، ثم كبر فلإحرام بعد ذلك بدون نية جديدة، فإن صلاته لا تصح، أما إذا فصل بين النية وبين التكبيرة بالمشي إلى المسجد بدون كلام، أو فعل، فإنه يصح، كما تقدم في مبحث "النية" قريباً.
-18 - أن لا تتقدم التكبيرة على النية، فلو كبر، ثم نوى الصلاة، فإن تكبيرته لا تصح، ومتى فسدت تكبيرة الإحرام فقد قسدت الصلاة كلها، لما علمت من أنها شرط.
-19 - أن يميز الفرض.
-20 - أن يعتقد الطهارة من الحدث والخبث. ولم يشترط الحنفية أن تكون تكبيرة الإحرام باللغة العربية، فلو نطق بها بلغة أخرى، فإن صلاته تصح، سواء كان قادراً على النطق بالعربية أو عاجزاً، الا أنه كان قادراً يكره له تحريماً أن ينطق بها بغير العربية.
المالكية قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون باللغة العربية إذا كان قادراً عليها، أما إن عجز بأن كان أعجمياً، وتعذر عليه النطق بها، فإنها لا تجب عليه، ويدخل الصلاة بالنية، فإن ترجمها باللغة التي يعرفها، فلا تبطل صلاته، على الأظهر. أما إن كان قادراً على العربية فيتعين عليه أن يأتي بلفظ: الله أكبر بخصوصه، ولا يجزئ لفظ آخر بمعناه، ولو كان عربياً، وبذلك خالفوا الشافعية، والحنفية، لأن الشافعية أجازوا الفصل بين لفظ: الله، ولفظ: أكبر، بفاصل؛ كما إذا قال: الله الرحمن أكبر، وأجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على النطق بالعربية، بخلاف المالكية؛ أما الحنفية فقد أجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على العربية بلا كراهة، أما القادر على النطق بالعربية فقالوا إن: صلاته تصح إذا نطق بها بغير العربية مع كراهة التحريم.
ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم متى كان قادراً على القيام في الفرض، فإذا أتى بها حال انحنائه فإنها تبطل، لا فرق بين أن يكون الانحناء إلى الركوع أقرب أو إلى القيام أقرب، الا في حالة واحدة؛ وهي ما إذا أراد شخص أن يقتدي بإمام سبقه بالقراءة وركع، فأراد ذلك الشخص أن يدرك الإمام فكبر منحنياً، وركع قبل أن يرفع الإمام، فإن تكبيرة ذلك الشخص المأموم تكون صحيحة، ولكن لا تحتسب له تلك الركعة، وعليه إعادتها بعد سلام الإمام. أما إذا ابتدأ التكبير وهو قائم قبل أن يرفع الإمام، ثم أتم التكبير وهو راكع، أو حال الانحناء للركوع فإن الركعة تحتسب على أحد قولين راجحين، ويشترط في هذه الحالة أن ينوي بالتكبيرة الإحرام وحده، أو ينوي الإحرام مع الركوع أما إذا نوى الركوع وحده فإن صلاته لا تنعقد.
ولكن لا يصح له أن يقطع صلاته، بل ينبغي أن يستمر فيها مع الإمام احتراماً للإمام، ثم يعبدها بعد ذلك.
ثالثها: أن يقدم لفظ الجلالة على لفظ أكبر، فيقول: الله أكبر، أما إذا قال: أكبر الله فإنه لا يصح، وهذا متفق عليه.
رابعها: أن لا يمد همزة الله قاصداً بذلك الاستفهام، أما إذا لم يقصد الاستفهام بأن قصد النداء أو لم يقصد شيئاً، فإنه لا يضر عندهم.
خامسها: أن لا يمد باء أكبر قاصداً به جمع كبر، وهو الطبل الكبير، ومن يقصد ذلك كان سابّاً لإلهه، أما إذا لم يقصد ذلك فإن مد الباء لا يضر؛ وهذا الأمران قد خالف فيهما المالكية الأئمة الثلاثة؛ لأنهم اتفقوا على أن التكبيرة تبطل بهما، سواء قصد معناه اللغوي أو لا، كما أوضحناه في مذاهبهم.
سادسها: أن يمد لفظ الجلالة مداً طبيعياً، وهذا متفق عليه في المذاهب.
سابعها: أن لا يحذف هاء لفظ الجلالة، بأن يقول: الله أكبر، بدون هاء، وهذا متفق عليه أيضاً. أما إذا مد الهاء من لفظ الجلالة حتى ينشأ عنها واو، فإنه لا يضر عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فقال الشافعية: إذا كان المصلي عامياً فإنه يغتفر له ذلك، أما غير العامي فإنه لا يغتفر له، ولو فعله تبطل التكبيرة، أما الحنابلة قالوا: إن ذلك يضر، وتبطل به التكبيرة على أي حال.
ثامنها: أن لا يفصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بسكوت، بأن يقول: الله، ثم يسكت، ويقول: أكبر، بشرط أن يكون هذا السكوت طويلاً في العرف، أما إذا كان قصيراً عرفاً، فإنه لا يضر، وقد اتفقت المذاهب على أن الفصل بين لفظ الجلالة ولفظ أكبر ضار، الا إذا كان يسيراً، فأما المالكية فقد وكلوا تقدير اليسير للعرف، وأما الشافعية فقد قالوا: اليسير الذي يغتفر هو ما كان بقدر سكتة التنفس أو سكتة العيّ، وأما الحنفية؛ والحنابلة قالوا: إن السكوت الذي يضر هو السكوت الذي يمكنه أن يتكلم فيه ولو بكلام يسير.
تاسعها: أن لا يفصل بين الله؛ وبين أكبر بكلام؛ قليلاً كان؛ أو كثيراً؛ حتى ولو كان الفصل بحرف، فلو قال، الله أكبر، فإنه لا يصح، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنابلة، والمالكية، أما الحنفية فقد أجازوا الفصل بأل، فلو قال: الله الأكبر: أو قال: الله الكبير، فإنه يصح، كما يصح إذ قال: الله كبير، وأما الشافعية فقد عرفت أنهم أجازوا الفصل بوصف من أوصاف الله تعالى، بشرط أن لا يزيد على كلمتين، فلو قال: الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه يصح، كما تقدم موضحاً في مذهبهم.
عاشرها: أن يحرك لسانه بالتكبيرة، فلو أتى بها في نفسه بدون أن يحرك لسانه، فإنه لا تصح، أما النطق بها بصوت يسمعه، فإنه ليس بشرط عندهم، فإن كان أخرس، فإن التكبيرة تسقط عنه، ويكتفي منه بالنية؛ وقد خالف في ذلك المذاهب الثلاثة، فقد اشترطوا النطق بها بصوت يمسعه فلو حرك بها لسانه فقط، فإن صلاته تكون باطلة، الا إذا كان أخرس، فإنه يعفى عنه، عند الحنابلة، والحنفية؛ أما الشافعية قالوا: يأتي بما يمكنه من تحريك لسانه وشفتيه.
هذا، وكل ما كان شرطاً لصحة الصلاة من استقبال القبلة، وستر العورة، والطهارة، ونحو ذلك مما تقدم، فهو شرط للتكبيرة.
الحنابلة قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون مركبة من لفظ الجلالة، ولفظ أكبر: الله أكبر، فلو قال غير ذلك فإن صلاته تبطل؛ فالحنابلة، والمالكية متفقون على أن الإحرام لا يحصل الا بهذا اللفظ المترتب، فلو قال: أكبر الله، أو قال: الله الأكبر، أو الله الكبير، أو الجليل، أو غير ذلك من ألفاظ التعظيم، بطلت تحريمته، وكذا لو قال: الله فقط، أما إذا قال: الله أكبكر، ثم زاد عليه صفة من صفات الله، كأن قال: الله أكبر، وأعظم، أو الله أكبر وأجل، فإن صلاته تصح مع الكراهة، ومثل ذلك ما إذا قال: الله أكبر كبيراً، وقد عرفت أن الشافعية قالوا: إن الفصل بين الله وأكبر بكلمة أو كلمتين من أوصاف الله، نحو الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه لا يضر، وأن الحنفية قالوا: إن الفصل بأل لا يضر، كما إذا قال الله الأكبر، وكذا إذا قال: الله كبير، فإنه لا يضر عند الحنفية.
ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم، متى كان قادراً على القيام، ولا يشترط أن تكون قامته منتصبة حال التكبير، فلو كبر منحنياً، فإن تكبيرته تصح، الا إذا كان إلى الركوع أقرب، فإن أتى بالتكبير كله راكعاً أو قاعداً، أو أتى ببعضه من قيام. وبالبعض الآخر من قعود أو ركوع، فإن صلاته تنعقد نفلاً، فيصليها على أنها نفل إن اتسع الوقت، وإلا وجب أن يقطع الصلاة ويستأنف التكبيرة من قيام، وقد عرفت رأي المذاهب في ذلك قبل هذا.
ثالثها: أن لا يمد همزة الله.
رابعها: أن لا يمد باء أكبر، فيقول: أكبار، وقد عرفت معنى هذا، والخلاف فيه في مذهب المالكية.
خامسها: أن تكون بالعربية، فإن عجز عن تعلمها، كبر باللغة التي يعرفها، كما قال الشافعية ولو ترك التكبير باللغة التي يعرفها لم تصح صلاته، لأنه ترك ما هو مطلوب منه، خلافاً للمالكية فإن عجز عن التكبير بالعربية وغيرها من اللغات فإن تكبيرة الإحرام تسقط عنه؛ كما تسقط عن الأخرس، وإذا أمكنه أن ينطق بلفظ الله، دون أكبر، أو بلفظ أكبر دون الله، فإنه يأتي بما يستطيع؛ ولا يجب على الأخر أن يحرك لسانه، لأن الشارع لم يكلفه بذلك، فتكون محاولته عبثاً، خلافاً للشافعية.
سادسها: أن لا يشبع هاء الله، حتى يتولد منها واو، فإن فعل ذلك بطلت تكبيرته.
سابعها: أن لا يحذف هاء الله. فلا يقول: الله أكبر.
ثامنها: أن لا يأتي بواو بين الكلمتين، بأن يقول: الله وأكبر، فإن فعل ذلك لا تصح تكبيرته.
تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بسكوت يسع كلاماً. ولو يسيراً. وكذا يشترط للتكبيرة كل ما يشترط للصلاة: من استقبال، وستر عورة، وطهارة وغير ذلك
***************************

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 383.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 377.32 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]