|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الطهارة] صـــــ 149 الى صــــــــ156 الحلقة (30) [مندوبات التيمم] وللتيمم مندوبات مفصلة في المذاهب (1) . (1) الحنابلة، والشافعية قالوا: إن المسنون هو المندوب، فكل ما ذكر من السنن السابقة يسمى مندوباً، وسنة ومستحباً. المالكية قالوا: مندوبات التيمم: منها يندب التسمية والسواك. والصمت الا عن ذكر الله، واستقبال القبلة وأن يبدأ بمسح ظاهر يمناه بيسراه، بأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى، ثم يمرها إلى المرفق قابضاً عليها بكف اليسرى، ثم يمسح باطن اليمنى من طي المرفق إلى آخر الأصابع؛ ثم يفعل بيسراه كذلك، ويندب أن يكون التيمم أول الوقت الاختياري إذا يئس من وجود الماء، أو زوال المانع من استعمال في جميع الوقت الاختياري، ويندب أن يكون في الوسط الوقت المختار لمن شك في الحصول على الماء، أو زوال المانع من استعماله لتعارض فضيلة أول الوقت بفضيلة الطهارة المائية، فينظر إلى كل منهما، ويعتبر وسط الوقت، ويندب أن يكون في آخر الوقت الاختياري لمن يرجو حصول الماء، أو زوال المانع من استعماله - كالمرض - قبل نهاية الوقت. الاختياري تقديماً لفضيلة الطهارة المائية المرجوة؛ ويحرم على كل حال التأخير إلى الوقت الضروري، ولو كانت الطهارة المائية مرجوة. الحنفية قالوا: يندب تأخير لمن غلب على ظنه وجود الماء إلى ما قبل خروج الوقت المستحب، أما إن عده أحد بالماء، فيجب عليه أن يؤخر التيمم، ولو خاف خروج الوقت ********************** [مبطلات التيمم] وأما مبطلاته فهي مبطلات الوضوء المتقدمة، والمتيمم عن حدث أكبر لا يعود محدثاً حدثاً أكبر الا بما يوجب الغسل، وإن اعتبر محدثاً حدثاً أصغر بنواقض الوضوء، فإن تيمم لجنابة، ثم انتقض تيممه لم يعد جنباً، بل يصير محدثاً حدثاً أصغر، فيجوز له أن يقرأ القرآن، ويدل المسجد (1) ، ويمكث فيه، وتزيد مبطلات التيمم عن مبطلات الوضوء أمراً آخر، وهو (1) المالكية قالوا: إذا أحدث المتيمم عن جنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه عن الأصغر والأكبر، فنواقض الوضوء، وإن كانت لا تبطل الغسل، لكن تبطل التيمم الواقع عن الغسل، فيحرم عليه ما يحرم على الجنب بعيد التيمم ************************** زوال العذر المبيح للتيمم، كأن يجد الماء بعد فقده (1) . أو يقدر على استعماله بعد عجزه (2) . [مبحث من عجز عن الوضوء والتيمم ويقال له: فاقد الطهورين] من عجز عن الوضوء والتيمم لمرض شديد، أو حبس في مكان ليس به ما يصح التيمم عليه؛ فإنه يجب عليه أن يصلي في الوقت بدون وضوء وبدون تيمم. على أن المريض الذي لا يقدر على القيام للصلاة فإنه يصلي قاعداً، فإن عجز يصلي بالإشارة، كما سيأتي في مبحث الصلاة بالإيمان، والغرض من هذا إنما هو إظهار الخشوع والخضوع لله عز وجل في جميع الأحوال، فما دام الإنسان قادراً على إظهار هذا الخشوع بأي كيفية من الكيفيات فعليه أن يفعلها، وله على ذلك أجر العاملين الأقوياء بلا فرق، بل ربما كان أوفر أجراً، لأن الذي يخضع قلبه لمولاه آثار هذا الخضوع على جوارحه وهو مريض، تعب أقرب إلى رضوان الله تعالى ورحمته إن شاء الله.أما كيفية طهارة فاقد الماء وفاقد ما يصح التيمم عليه وصلاتهما، فإن فيهما تفصيل المذاهب (3) . (1) المالكية قالوا: إن وجود الماء أو القدرة على استعماله لا ينقضان التيمم الا قبل شروعه في الصلاة، بشرط أن يتسع الوقت الاختياري لإدراك ركعة بعد استعماله في أعضاء الطهارة، فإن وجده بعد الدخول فيها لا ينتقض تيممه، بل يجب استمراره في الصلاة، ثم تذكر الماء، وهو فيها فإنها تبطل إن اتسع الوقت لإدراك ركعة بعد استعمال الماء، وإلا فلا، أما إن تذكره بعدها، فإنه يعيد في الوقت فقط لما عنده من شائبة التفريط (2) الحنابلة قالوا: زادوا في مبطلات التيمم خروج الوقت، فإنه يبطل التيمم مطلقاً، سواء كان عن حدث أكبر، أو كان عن نجاسة على بدنه، ما لم يكن في صلاة جمعة، فلا يبطل إذا خرج وقتها وخلع الخف ونحوه مما يمسح عليه إن تيمم بعد حدثه، وهو لابسه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا. الشافعية: زادوا في مبطلات التيمم حصول الردة، ولو صورة، كردة الصبي؛ وإنما ينتقض تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم إذا لم يكمل تكبيرة الإحرام، فإذا زال عذره بعد ذلك وكان في صلاة لا تجب إعادتها صحت صلاته، وبطل تيممه عقب السلام، وإن كان في صلاة تجب إعادتها بطل التيمم والصلاة (3) الحنفية قالوا: من فقد الطهورين: الماء، والصعيد الطاهر من تراب ونحوه، فإنه يصلي عند دخول وقت الصلاة صلاة صورية بأن يسجد ويرجع مستقبلاً القبلة بدون قراءة. أو تسبيح، أو تشهد، أو نحو ذلك، ولا ينوي بذلك صلاة، سواء كان جنباً أو كان محدثاً حدثاً أصغر؛ وهذه الصلاة الصورية لا تسقط الفرض عنه بل تبقى ذمته مشغولة به إلى أن يجد ماء يتوضأ به، أو يجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، ويجوز لمن فقد الطهورين أن يصلي هذه الصلاة الصورية، ولو كان جنباً. المالكية قالوا: من فقد الطهورين: الماء والصعيد الطاهر، فإن الصلاة تسقط عنه تماماً على المعتمد، فلا يصلي، ولا يقضي، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على الإعادة والحنفية لا يقولون: إن الصلاة بغير طهور تكون مقبولة، بل يقولون لا بد من إعادتها. الشافعية - قالوا: من فقد الماء والصعيد الطاهر، أو عجز عن استعمالهما، فإنه لا يخلو إما أن يكون جنباً أو محدثاً أصغر، فإن كان محدثاً حدثاً أصغر فإنه يصلي صلاة حقيقية بنية وقراءة تامة. وإن كان جنباً، فإنه يصلي صلاة حقيقية، ولكنه يقتصر على قراءة الفاتحة فقط، ويجب عليهما إعادة الصلاة عند وجود الماء، فإذا وجد الجنب الماء وجب عليه أن يغتسل، ويتوضأ ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، وإذا وجد المحدث حدثاً أصغر الماء، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة، أما إذا وجد أحدهما صعيداً طاهراً من تراب ونحوه مما يصح به التيمم، فإنه لا يتيمم لإعادة الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، الا إذا غلب على ظنه أنه في مكان لا يجد فيه ماء، أو تردد في الأمر بحيث استوى عنده وجود الماء وعدمه بدون مرجح ************************** [مباحث الجبيرة] [تعريفها] الجبيرة في اصطلاح الفقهاء هي الخرقة التي يربط بها العضو المريض، أو الدواء الذي يوضع على ذلك العضو، ولا يشترط في الرباط أن يكون مشدوداً بأعواد من خشب أو جريد، أو نحو ذلك، كما لا يشترط أن يكون العضو المربوط مكسوراً، بل المعول في حكم الجبيرة على أن يكون العضو مريضاً، سواء كان مكسوراً، أو مرضوضاً أو به آلام - روماتزمية - أو نحو ذلك، فالجبيرة عند الفقهاء اسم للرباط الذي يربط به العضو المريض: أو الدواء الذي يوضع فوق ذلك العضو. ******************* [ما يفترض على من جبيرة تمنعه من استعمال الماء] إذا كان على عضو من أعضاء المكلف - التي يجب غسلها في الوضوء أو الغسل - جبيرة من رباط أو دواء، وكان غسل ذلك العضو يضره أو يؤلمه، فإنه يفترض عليه المسح على الرباط إن كان العضو مربوطاً أو المسح على الدواء إذا كان العضو عليه دواء بدون رباط، فإن كان المسح على الدواء يضره فليربطه بخرقة نظيفة، ثم يمسح على هذه الخرقة، ولا يعدم المريض رباطاً يربط به العضو المريض، وهذا هو حكم صاحب الجبيرة الذي به ألم في عضو من أعضاء الوضوء أو الغسل؛ وهو أن يفترض عليه أن يمسح على العضو المريض إذا ضره الغسل، فإنه ضره المسح عليه ربطه بخرقة ومسح على الرباط، ولم يخالف في هذا سوى الشافعية، وبعض الحنفية، وقد ذكرنا مذهبيهما تحت الخط الذي أمامك (1) . (1) الشافعية قالوا: إما أن يكون العضو المريض مربوطاً أو عليه ونحوه أو لا. فإن كان مربوطاً فإن المريض يجب عليه في هذه الحالة ثلاثة أمور: الأول: أن يغسل الجزء السليم؛ الثاني، أن يمسح على نفس الجبيرة، وهي الرباط الموضوع على محل المرض. وهذا المسح يقوم مقام غسل الأجزاء السليمة التي تستتر بالرباط غالباً، فإذا وضع الرباط على الجزء المريض فقط، ولم يأخذ شيئاً من السليم، فإنه لا يجب المسح على الخرقة في هذه الحالة ومثل ذلك ما إذا أمكنه غسل الجزء السليم الذي تحت الرباط؛ الأمر الثالث: أن يتيمم بدل غسل الجزء المريض، ثم إن كان الشخص جنباً، فإنه لا يجب عليه الترتيب بين هذه الأمور الثلاثة، وهي: غسل الجزء السليم؛ والمسح على الخرقة ونحوها؛ والتيمم، بحيث يجوز له أن يبدأ بما شاء منها، أما إن كان غير جنب، فإنه يجب عليه الترتيب بين الغسل والتيمم فقط، بمعنى أنه يغسل أولاً الجزء السليم قبل التيمم. أما المسح على الجبيرة من خرقة ونحوها. فإنه يصح أن يقدمه على الغسل وعلى التيمم. هذا، وإذا كانت الأعضاء المريضة متعددة، فإنه يجب عليه أن يعد التيمم بعدد هذه الأعضاء المريضة، فإن عم المرض جميع الأعضاء، فإنه يكفي أن يتيمم مرة واحدة عن الجميع. ومثل ذلك ما إذا كان المرض في عضوين متواليين في الترتيب كالوجه والذراعين، فإنهما إذا عمهما المرض، فيكفي أن يتيمم لهما تيمماً واحداً، بعد أن يغسل الجزء السليم، ويمسح على الجبيرة بدلاً من غسل الجزء الصحيح المستتر بالجبيرة. هذا إذا كان العضو المريض مربوطاً، فإن لم يكن مربوطاً فإنه يفترض عليه غسل العضو السليم، والتيمم بدل غسل العضو المريض، ولا يمسح على محل المرض بالماء، لما عرفت أن المسح ليس مشروعاً عندهم، الا إذا كان بدلاً من غسل الجزء السليم الذي يستره رباط الجزء المريض فهو بمنزلة المسح على الخف، أما إذا كان العضو مكشوفاً، ولا يمكن غسله، فإنه لا يكون لمسحه معنى، والتيمم يقوم مقام غسله، فلا معنى لمسحه في هذه الحالة، فإذا كان المرض في عضو من أعضاء التيمم، ولا يمكنه مسحه بتراب التيمم، أو كان ذلك المسح يضره، فإنه يسقط عنه مسه، وتجب عليه إعادة الصلاة بعد برئه في هذه الحالة. الحنفية قالوا: حكم المسح على الجبيرة فيه قولان: أحدهما: أنه واجب لا فرض، وقد عرفت في "مباحث الوضوء" الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية، وعلى هذا إذا ترك المريض المسح على العضو الذي به المرض وصلى، فإنه صلاته تكون صحيحة، ولكنه يجب عليه إعادتها، وإلا كان تاركاً للواجب الذي يترتب عليه حرمانه من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعاقب عليه على المعتمد، ثانيهما: أن المسح على الجبيرة فرض؛ بحيث لو تركه لا تصح الصلاة، كما يقول المالكية، والحنابلة، والقولان صحيحان عند الحنفية، فيصح للمكلف أن يقلد ما يشاء منهما **************************** [شروط المسح على الجبيرة] يشترط لصحة المسح على الجبيرة، سواء كانت خرقة، أو دواء، أو نحوهما شرطان؛ الشرط الأول: أن يكون غسل العضو المريض ضاراً به. بحيث يخاف من غسله زيادة الألم، أو تأخر الشفاء، أو نحو ذلك، فإن كان العضو المريض عليه دواء بدون رباط، ويضره المسح عليه، فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يضع عليه رباطاً لا يضر، ثم يمسح على الرباط، كما ذكرنا؛ الشرط الثاني: تعميم الجبيرة بالمسح بمعنى أن يغسل الجزء السليم من المرض، ثم يمسح على الجزء المريض جميعه هذا إذا كانت الجبيرة على قدر محل المرض، فإن تجاوزت محل المرض لضرورة ربطها، فإنه يجب مسحها جميعها، ما كان منها على الجزء المريض، وما كان منها على الجزء السليم (1) فإن كان المحل المرْيض مما يمسح. كالرأس ففيه تفصيل المذاهب (2) . (1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعميم الجبيرة بالمسح، بل يكفي مسح أكثرها، فإذا كانت الجراحة مثلاً في جميع اليد، ووضع عليها رباطاً، فإنه يكفي أن يمسح على ما يزيد على نصفها الموضوع عليه الرباط. هذا وإذا كان الرباط زائداً على المحل المريض، فلا يخلو إما أن يكون حله ضاراً، أو غير ضار، فإن كان غير ضار وجب حله، وغسل ما تحته إن لم يضر الغسل، فإن كان الغسل ضاراً بالمريض، فإنه يجب مسح محل المرض، وغسل ما حوله من الأجزاء السليمة، فإن كان مسح محل الرباط يضر أيضاً، فإنه يغسل ما حوله، ثم يضع الرباط ويمسح عليه. أما إن كان حل الرباط ضاراً فإنه يجب عليه أن يمسح على الرباط، ولا يكلف حله ولو كان يستطيع غسل ما تحته أو مسحه. على أ، هـ يجب في هذه الحالة أن يمسح على ما يستر الصحيح والسليم. بحيث يمسح على أكثر الرباط. الحنابلة قالوا: إن وضع الجبيرة على طهارة، فإن جاوزت محل المرض مسح عليها بالماء وتيمم عن الزائد، فإن لم توضع على طهارة، كأن وضعها قبل أن يتوضأ وجب عليه التيمم فقط، ولا يصح منه المسح، فإن تعدّدت الأعضاء المريضة وجب عليه أن يعدِّد التيمم. الا إذا عمت الجراحة جميع أعضاء الوضوء أو الغسل. فإنه لا يجب عليه الا تيمم واحد. ولا بد من مراعاة الترتيب والولاء في الطهارة من الحدث الأصغر، كما تقدم (2) المالكية قالوا: إن عمت الجراحة الرأس؛ فحكمه حكم الأعضاء المغسولة. وإن لم تعم، فإن تيسر مسح بعض الرأس مسحه وكمل على العمامة. وإن لم يتيسر فحكمه حكم ما عمته الجراحة. الشافعية قالوا: إن بقي من الرأس جزء سليم وجب المسح عليه. وإلا تيمم بدل مسحها. الحنفية قالوا: إن كان بعض الرأس صحيحاً، وكان يبلغ قدر ما يجب عليه المسح وهو الربع فرض المسح عليه بدون حاجة للمسح على الجبيرة. وإن عمت الجراحة جميع الرأس كان حكمه كحكم الأعضاء المغسولة. فيجب المسح عليه إن لم يضره فإن ضره مسح على الجبيرة ونحوها. الحنابلة قالوا: إن عمت الجراحة الرأس. ولم يمكنه المسح عليها مسح على العصابة التي عليها وعمها بالمسح ويتيمم إن شدها على غير طهارة، كما تقدم. وإن لم تعم مسح على الصحيح منها. وكمل على العصابة. لأن العصابة تنوب عن الرأس في المريض. ويبقى السليم على أصله ******************************** [مبطلات المسح على الجبيرة] ويبطل المسح على الجبيرة لسقوطها عن موضعها. أو نزعها عن مكانها. على تفصيل في المذاهب (1) . [صلاة الماسح على الجبيرة] الصلاة بالمسح على الجبيرة المستوفية للشروط المتقدمة صحيحة، ولا إعادة على من صلى بذلك المسح بعد برء العضو (2) .(1) المالكية قالوا: إن سقطت عن برء بطل المسح عليها، ووجب الرجوع إلى الأصل في تطهير ما تحتها بالغسل أو بالمسح إن كان متطهراً. ويريد البقاء على طهارته. ويشترط في صحة الطهارة بغسل أو مسح ما تحتها أن يبادر بحيث لا تفوته الموالاة عمداً، فإن طال الزمن نسياناً صح، وإن سقطت عن غير برء ردها إلى موضعها، وبادر بالمسح عليها، بحيث لا تفوته الموالاة، فإن كان سقوطها أو نزعها أثناء الصلاة بطلت الطلاة ووجبت إعادتها بعد تطهير ما تحتها إن كان ذلك عن برء، فإن كان عن غير برء أعادها ومسح عليها نفسها. الشافعية قالوا: إن كان سقوطها عن برء في الصلاة بطلت الصلاة والطهارة، وإن كان عن غير برء بطلت الصلاة دون الطهارة، فيرد الجبيرة إلى موضعها، ويمسح عليها فقط بعد تطهير ما بعدها من الأعضاء إن وجد. الحنفية قالوا: إن سقطت الجبيرة عن غيربرء لم يبطل المسح عليها سواء كان في الصلاة أو خارجها. وإن كان سقوطها في الصلاة عن برء، فإن كان قبل القعود الأخير قدر التشهد بطلت صلاته، وعليه في هذه الحالة أن يطهر موضع الجبيرة فقط، ويعيد الصلاة، وإن كان سقوطها في آخر الصلاة بعد القعود قدر التشهد؛ فالإمام يقول بالبطلان، والصاحبان يقولان بالصحة، لأن في هذه الحالة تكون صلاته قد تمت، ويكون سقوط الجبيرة بمنزلة الكلام أو الحدث بعد تمام الصلاة. الحنابلة قالوا: إذا سقطت الجبيرة انتقض وضوءه كله، سواء كان سقوطها عن برء أو غير برء، الا أنه إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء أعاد الوضوء والتيمم (2) الشافعية قالوا: تجب إعادة الصلاة في ثلاثة أمور: أحدها: إذا كانت الجبيرة في أعضاء التيمم. ثانيها: إذا كانت في غير أعضاء التيمم، وأخذت من الصحيح زيادة عن الذي تستمسك به في ربطها. ثالثها: إذا كانت في غير أعضاء التيمم، وأخذت من الصحيح بقدر الاستمساك فقط. لكنها وضعت وهو محدث ************************************
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 157 الى صــــــــ163 الحلقة (31) [كتاب الصلاة] [[مباحث عامة]] [حكمة مشروعيتها] ما تقدم من مباحث الطهارة إنما هو وسيلة للصلاة، وقد علمت أن هذه الوسائل كلها منافع للمجتمع الإنساني؛ لأن مدارها على نظافة الأبدان؛ وطهارة أماكن العبادة من الأقذار التي تنشأ عنها الأمراض والروائح القذرة، نعم إن في بعض الوسائل ما قد يخلو عن هذا المعنى، ولكن ذلك لحكمة ظاهرة: وهي أن الغرض من العبادات إنما هو الخشوع لله سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه، أما الصلاة فهي أهم أركان الدين الإسلامي؛ فقد فرضها الله سبحانه على عباده ليعبدوه وحده، ولا يشركوا معه أحداً من خلقه في عبادته، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز الخروج عنها، وقال عليه الصلاة والسلام: "خمس صلوات كتبهّن الله على العباد؛ فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة" وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم شأن الصلاة، والحث على أدائها في أوقاتها: والنهي عن الاستهانة بأمرها والتكاسل عن إقامتها؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر عذب غمر، بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقى من درنه؟ قالوا: لا شيء، قال صلى الله عليه وسلم: "فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" ومعنى ذلك أن الصلوات الخمس تطهر النفوس؛ وتنظفها من الذنوب والآثام، كما أن الاغتسال بالماء النقي خمس مرات في اليوم يطهر الأجسام وينظفها من جميع الأقذار. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل: قال: "الصلاة لمواقيتها" فالصلاة هي أفضل أعمال الإسلام، وأجلها قدراً، وأعظمها شأناً؛ وكفى بذلك حثاً على أدائها في أوقاتها.أما ترهيب تاركها وتخويفه؛ فيكفي فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له" وقوله: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" وفي هذا الحديث زجر شديد للمسلم الذي يتسلط عليه الكسل فيحمله على ترك الصلاة التي يمتاز بها عن الكافر، حتى قال بعض أئمة المالكية: إن تارك الصلاة عمداً كافر وعلى كل حال فقد أجتمعوا على أنها ركن من أركان الإسلام، فمن تركها فقد هدم ركناً من أقوى أركانه. وينبغي أن يعرف الناس أن الغرض الحقيقي من الصلاة إنما هو غشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون منه على وجل فيأتمر بأمره، وينتهي عما نهاه عنه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، لأن من يفعل الصالحات ويجتنب السيئات لا يصدر عنه للناس الا المنفعة والخير، أما الذين يأتي بالصلاة وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية، وملاذه الجسمانية، فإن صلاته، وإن أسقطت عنه الفرض عند بعض الأئمة، ولكنها في الحقيقة لم تثمر الثمرة المطلوبة منها، إنما الصلاة الكاملة هي التي قال الله في شأنها: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتها خاشعون} . فالغرض الحقيقي من الصلاة، إنما هو تعظيم الإله فاطر السموات والأرض بالخشوع له والخضوع لعظمته الخالدة، وعزته الأبدية، فلا يكون المرء مصلياً لربه حقاً الا إذا كان قلبه حاضراً مملوءاً بخشية الله وحده، فلا يغيب عن مناجاته بالوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن ي قف بين يدي خالقه وقلبه على هذه الحالة ذليلاً خاشعاً، خائفاً وجلاً من جلال ذلك الخالق القادر القاهر، ذي السطوة التي لا تحدّ، والمشيئة التي لا تردّ، فإنه بذلك يكون تائباً من ذنبه، منيباً إلى ربه، وتصلح أعماله الظاهرة والباطنة، وتقوى علاقته بربه، ويستقيم مع عبادته تعالى، ويقف عند حدود الدين، وينتهي عما نهاه عنه رب العالمين. كما قال: {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} وبذلك يكون من المسلمين حقاً.فالصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وهي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظماً ربه، خائفاً منه، راجياً رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله، وتأثر قلبه بخشيته، لأن الله سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة، ولذا قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكرى} ، ومن غفل قلبه عن ربه لا يكون ذاكراً له، فلا يكون مصلياً صلاة حقيقية، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه". فهذه هي الصلاة في نظر الدين، وهي بهذا المعنى لها أحسن الأثر في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، فإن في كل جزء من أجزائها تمريناً على فضيلة من الفضائل الخلقية، وتعويداً على صفة من الصفات الحميدة، وإليك جملة من أعمال الصلاة وآثارها في تهذيب النفوس: أولاً: النية، وهي عزم القلب على امتثال أمر الله تعالى بأداء الصلاة كاملة، كما أمر بها الله مع الإخلاص له وحده، ومن يفعل ذلك في اليوم والليلة خمس مرات، فلا ريب في أن الإخلاص ينطبع في نفسه، ويصبح صفة منصفاته الفاضلة التي لها أجمل الثر في حياة الأفراد والجماعات، فلا شيء أنفع في حياة المجتمع الإنساني من الإخلاص في القول والعمل، فلو أن الناس أخلصوا لبعضهم بعضاً في أقوالهم وأعمالهم، لعاشوا عيشة راضية مرضية، وصلحت حالهم في الدنيا والآخرة، وكانوا من الفائزين. ثانياً: إن القيام بين يدي الله تعالى، فالمصلي يقف ببدنه وروحه بين يدي خالقه مطرقاً يناجيه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، يسمع منه ما يقول، ويعلم منه قلبه ما ينوي، ولا ريب في أن من يفعل ذلك مرات كثيرة في اليوم والليلة، فإن قلبه يتأثر بخالقه، فيأتمر بما أمره به، وينتهي عما نهاه عنه، فلا ينتهك للناس حرمة، ولا يعتدي لهم على نفس، ولا يظلمهم في مال، ولا يؤذيهم في دين أو عرض. ثالثاً: القراءة، وسيأتي لك حكمها عند الأئمة، ولكن ينبغي لمن يقرأ أن لا يحرك لسانه بالقراءة، وقلبه غافل، بل ينبغي له أن يتدبر معنى قراءته ليتعظ بما يقول، فإذا مر على لسانه ذكر الإله الخالق وجل قلبه خوفاً من عظمته وسطوته، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} وإذا ذكرت صفات الله تعالى من رحمة وإحسان وجب عليه أن يعلم نفسه كيف تتخلق بتلك الصفات الكريمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تخلقوا بأخلاق الله فهو سبحانه كريم عفو غفور، عادل لا يظلم الناس شيئاً، فالإنسان مكلف بأن يتخلق بهذه الأخلاق، فإذا ما قرأ في صلاته الآيات التي تشتمل على صفات الإله الكريمة وعقل معناها، وكرّرها في اليوم والليلة مرات كثيرة. فإن نفسه تتأثر بها لا محالة ومتى تأثرت نفسه بجميل الصفات حبب إليه الاتصاف بها، ولذلك أحسن الأثر في تهذيب النفوس والأخلاق. رابعاً: الركوع والسجود، وهما من أمارات التعظيم لمالك الملوك، خالق السموات والأرض وما بينهما، فالمصلي الذي يركع بين يدي ربه لا يكفيه أن يحنى ظهره بالكيفية المخصوصة، بل لا بد أن يشعر قلبه بأنه عبد ذليل، ينحني أما عظمة إله عزيز كبير، لا حد لقدرته، ولا نهاية لعظمته فإذا انطبع ذلكالمعنى في قلب المصلي مرات كثيرة في اليوم والليلة كان قلبه دائماً خائفاً من ربه فلا يعمل الا ما يرضيه، وكذلك المصلي الذي يسجد لخالقه، فيضع جبهته على الأرض معلناً عبوديته لخالقه. فإنه إذا استشعر قلبه ذل العبودية، وعظمة الرب الخالق فلا بد أن يخافه ويخشاه، وبذلك تتهذب نفسه وينتهي عن الفحشاء والمنكر. هذا ويتعلق بالصلاة أمور أخرى لها فوائد اجتماعية جليلة الشأن: منها الجماعة، فقد شرع الإسلام الجماعة في الصلاة، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". ففي الاجتماع لأداء الصلاة بصفوف متراصة متساوية، تعارف بين الناس يقرب بين القلوب المتنافرة، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، وذلك من أجل عوامل الوحدة التي أمر الله تعالى بها في كتابه العزيز، فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وفي الاجتماع لأداء الصلاة تذكير بالأخوة التي قال الله عنها: {إنما المؤمنون إخوة} فالمؤمنون الذين يجتمعون لعبادة رب واحد لا ينبغي لهم أن ينسوا أنهم إخوة، يجب أن يرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويعود صحيحهم مريضهم، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخول المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة". ولو شئنا أن نذكر ما اشتملت عليه الصلاة من فوائد لاستغرقنا صحائف كثيرة فنقف عند هذا الحد، والله يوفقنا إلى العمل بدينه الحنيف، إنه سميع الدعاء. [تعريف الصلاة] معنى الصلاة في اللغة: الدعاء بخير، قال تعالى: {وصلِّ عليهم} أي دع لهم، وأنزل رحمتك عليهم، ومعناها في اصطلاح الفقهاء: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، وهذا التعريف يشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الإحرام، ومختتمة بالاسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن المشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير، أو سلام، كما سيأتي في مبحثه، فهذا السجود لا يقال له: صلاة عند الحنفية والشافعية (1) . [أنواع الصلاة] للصلاة أنواع مبينة في المذاهب، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (2) .(1) المالكية، والحنابلة: عرّفوا الصلاة بأنها قربة فعلية، ذات إحرام، وسلام، أو سجود فقط، والمراد بالقربة ما يتقرب بها إلى الله تعالى، والمراد بقولهم: فعليه ما يشمل أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح وعمل القلب من خشوع وخضوع، ولم يختلف معهم الحنفية والشافعية في هذا المعنى، إنما الخلاف في تسمية السجود فقط صلاة شرعية، والأمر في ذلك سهل (2) الحنفية قالوا: الصلاة أربعة أنواع: الأول: الصلاة المفروضة فرض عين، كالصلوات الخمس؛ الثاني: الصلاة المفروضة فرض كفاية، كصلاة الجنازة؛ الثالث: الصلاة الواجبة، وهي صلاة الوتر، وقضاء النوافل التي فسدت بعد الشروع فيها، وصلاة العيدين، الرابع: الصلاة النافلة، سواء كانت مسنونة، أو مندوبة، أما سجود التلاوة فليس بصلاة عندهم، كما عرفت. المالكية قالوا: تنقسم الصلاة إلى خمسة أقسام، وذلك لأنها إما أن تكون مشتملة على ركوع وسجود، وقراءة وإحرام، وسلام، أو لا، والقسم الأول تحته ثلاثة اقسام: الأول الصلوات الخمس المفروضة، والثاني: النوافل والسنن، والثالث: الرغيبة، وهي صلاة ركعتي الفجر، والقسم الثاني تحته قسمان: أحدهما: ما اشتمل على سجود فقط وهو سجود التلاوة، ثانيهما: ما اشتمل على تكبير وسلام، وليس فيه ركوع وسجود، وهو صلاة الجنازة فالأقسام خمسة. الشافعية قالوا: تنقسم الصلاة إلى نوعين: أحدهما: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وقراءة، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلاة النافلة؛ ثانيهما: الصلاة الخالية من الركوع والسجود؛ ولكنها مشتملة على التكبير والقراءة والسلام. وهي صلاة الجنازة، وليس عند الشافعية صلاة واجبة كما يقول الحنفية، ولا صلاة رقيبة، كما يقول المالكية ولا يسمون سجود التلاوة صلاة، كما يسميه الحنابلة والمالكية، فالأقسام عندهم ثلاثة. الحنابلة قالوا: تنقسم الصلاة إلى أربعة أقسام: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وإحرام وسلام، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلوات المسنونة؛ والقسم الثالث: الصلاة المشتملة على تكبير وسلام وقراءة، وليس فيها ركوع وسجود وهي صلاة الجنازة؛ القسم الرابع: الصلاة المشتملة على سجود فقط، وهي سجود التلاوة. فإنه صلاة عند الحنابلة كما يقول المالكية ****************************** [شروط الصلاة] للصلاة شروط تتوقف عليها صحتها، فلا تصح الا بها، وشروط يتوقف عليها وجوبها. فلا تجب الا بها، وقداختلفت اصطلاحات المذاهب في بيان هذه الشروط وعددها، فلذا ذكرناها لك مفصلة تحت الخط الذي أمامك (1) . (1) المالكية قالوا: تنقسم شروط الصلاة إلى ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقطن وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما القسم الأول، وهو شروط الوجوب فقط فهو أمران، أحدهما: البلوغ، فلا تجب على الصبي، ولكن يؤمر بها لسبع سنين؛ ويضرب عليها لعشر ضرباً خفيفاً ليتعود عليها؛ فإن التكاليف الشرعية، وإن كانت كلها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن العقلاء لا يجدون حرجاً في القيام بها بعد التكليف، ولكن العادة لها حكمها؛ فقد يعلم الإنسان من فوائد الصلاة المادية والأدبية ما فيه الكفاية في حمله على أدائها، ولكن عدم تعوده على فعلها يقعد به من القيام بأدائها، ثانيهما: عدم الإكراه على تركها، كأن يأمره ظالم بترك الصلاة، وإن لم يتركها سجنه، أو ضربه، أو قتله، أو وضع القيد في يده، أو صفعه على وجهه بملأ من الناس إذا كان هذا ينقص قدره، فمن ترك الصلاة مكرهاً فلا إثم عليه، بل لا تجب عليه ما دام مكرهاً، لأن المكره غير مكلف، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والذي لا يجب على المكره عندهم إنما هو فعلها بهيئتها الظاهرة، وإلا فمتى تمكن من الطهارة وجب عليه فعل ما يقدر عليه، من نية، وإحرام وقراءة، وإيماء فهو كالمريض العاجز يجب عليه فعل ما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عن فعله. وأما القسم الثاني، وهو شرط الصحة فقط، فهو خمسة: الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث، والإسلام، واستقبال القبلة، وستر العورة. وأما القسم الثالث وهو شروط الوجوب والصحة معاً، فهو ستة: بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لم تبلغة الدعوة لا تجب عليه الصلاة ولا تصح منه إذا فرض وصلى، والعقل؛ ودخول وقت الصلاة، وأن لا يفقد الطهورين؛ بحيث لا يجد ماء، ولا شيئاً يتيمم به، وعدم النوم والغفلة، والخلو من دم الحيض والنفاس. ويعلم من هذا أن المالكية زادوا في شروط الصحة: الإسلام، ولم يجعلوه من شروط الوجوب، فالكفار تجب عليهم الصلاة عندهم؛ ولكن لا تصح الا بالإسلام، خلافاً لغيرهم، فإنه عدوه في شروط الوجوب، وعدوا الطهارة شرطين. وهما طهارة الحدث، وطهارة الخبث؛ وزادوا في شروط الوجوب عدم الإكراه على تركها. الشافعية: قسموا شروط الصلاة إلى قسمين فقط: شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط الوجوب عندهم فهي ستة؛ بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، فالكافر لا تجب عليه الصلاة عند للشافعية، ومع ذلك فهو يعذب عليها عذاباً زائداً على عذاب الكفر، ومن ارتد عن الإسلام فإن الصلاة تجب عليه؛ لأنه مسلم باعتبار حالته الأولى، والعقل والبلوغ، والنقاء من دم الحيض والنفاس: وسلامة الحواس، ولو السمع، أو البصر فقط، وأما شروط الصحة فهي سبعة: أحدها: طهارة البدن من الحدثين: ثانيها: طهارة البدن، والثوب، والمكان من الخبث، ثالثها: ستر العورة، رابعها: استقبال القبلة، خامسها: العلم بدخول الوقت، ولو ظناً، ومراتب العلم ثلاث، أولاً: أن يعلم بنفسه أو بغخبار ثقة عرف دخول الوقت بساعة مضبوطة، أو بسماع مؤذن عارف بدخول الوقت، كؤذني المساجد التي بها ساعات، ونحو ذلك، ثانياً: الاجتهاد، بأن يتحرى دخول الوقت بالوقت بالوسائل الموصلة، ثالثاً: تقليد المتحري؛ ويلزم، أن يراعى هذا الترتيب في حق البصير. أما الأعمى فيجوز له التقليد. سادسها: العلم بالكيفية. سابعها: ترك المبطل، فزاد الشافعية عن المالكية في شروط صحة الصلاة ثلاثة: العلم بكيفية الصلاة، بحيث لا يعتقد فرضاً من فرائضها سنة إن كان عامياً، وأن يميز بين الفرض والسنة، وإن كان ممن اشتغل بالعلم زمناً يتمكن فيه من معرفة ذلك، وترك المبطل بحيث لا يأتى بمناف لها حتى تتم، والعلم بدخول وقت الصلاة في الصلاة المؤقتة؛ وزادوا في شروط الوجوب: الإسلام، لكنهم قالوا: إن كان الكافر لم يسبق له إسلام؛ فإنها لا تجب عليه، بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، وإن كان يعذب عليها زائداً على عذاب الكفر، كما تقدم، أما المرتد فإنه يطالب بها في الدنيا؛ كما يعذب عليها في الآخرة؛ على أنهم قالوا: إذا صلى الكافر فإن صلاته تقع باطلة، فالإسلام شرط صحة أيضاً. الحنفية - قسموا شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة، كالشافعية. أما شروط الوجوب عندهم، فهي خمسة: بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، والعقل والبلوغ، والنقاء من الحيض والنفاس، وكثير من الحنفية لم يذكر بلوغ الدعوة اكتفاء باشتراط الإسلام، وأما شروط الصحة فهي ستة: طهارة البدن من الحدث والخبث، وطهارة الثوب من الخبث، وطهارة المكان من الخبث، وستر العورة، والنية، واستقبال القبلة، فزادوا في شروط الوجوب: الإسلام كالشافعية الا أنهم قالوا: إن الكافر لا يعذب على تركها عذاباً زائداً على عذاب الكفر مطلقاً، ويظهر أن مسألة تعذيب الكافر عذاباً زائداً على عذاب الكفر مسألة نظرية غير عملية. لأن عذاب الكفر أشد أنواع العذاب، فكل عذاب يتصور فهو دونه، فهو إما داخل فيه، وإما أقل منه، وزادوا النية، فلا تصح الصلاة بغير نية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ولأنه بالنية تتميز العبادات عن العادات، وتتميز العبادات بعضها عن بعض؛ ووافق الحنابلة على عدّها شرطاً، وجعلها الشافعية ركناً، وكذا المالكية على المشهور، كما يأتي في "أركان الصلاة" وقد عرفت مما قدمناه لك في "مبحث النية" الفرق بين الشرط والركن وأن كلاً منهما لا يصح الشيء الا به فلا تصح الصلاة الا بالنية باتفاق الأئمة الأربعة، أما كون النية شرطاً تتوقف عليه الصلاة، مع كونه خارجاً عن حقيقتها، أو ركناً تتوقف عليه الصلاة، وهو جزء من حقيقتها، فتلك مسألة تختص بطالب العلم الذي يريد أن يعرف دقائق الأمور النظرية. هذا، ولم يذكر الحنفية دخول الوقت في شروط الوجوب ولا في شروط الصحة، وذلك لأنهم يقولون: إنه شرط لصحة الأداء لا لنفس الصلاة، كما مر في التيمم، وسيأتي في مبحث دخول الوقت. الحنابلة: لم يقسم الحنابلة شروط الصلاة إلى شروط وجوب، وشروط صحة، كغيرهم، بل عدوا الشروط تسعة، وهي: الإسلام، والعقل، والتمييز، والطهارة من الحدث مع القدرة، وستر العورة، واجتناب النجاسة ببدنه وثوبه وبقعته والنية، واستقبال القبلة، ودخول الوقت، وقالوا: إنها جميعها شروط لصحة الصلاة
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 235 الى صــــــــ239 الحلقة (41) التسبيح في الركوع والسجود ومنها أن يقول، وهو راكع: سبحان ربي العظيم (1) ، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى؛ وفي عدد التسبيح الذي تؤدي به السنة اختلاف في المذاهب ذكرناه تحت الخط (2) . وضع المصلي يديه على ركبتيه، ونحو ذلك ومنها أن يضع المصلي يديّه على ركبتيه حال الركوع، وأن تكون أصابع يديه مفرجة، وأن يبعد الرجل عضديه عن جنبيه، لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه؛ "وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وارفع يديك عن جنبيك، أما المرأة فلا تجافي بينهما، بل تضمهما إلى جنبيها، لأنه أستر لها، وهذا الحكم متفق عليه عند ثلاثة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . __________ (1) المالكية قالوا: إن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وليس له لفظ معين، والأفضل أن يكون باللفظ المذكور (2) الحنفية قالوا: لا تحصل السنة إلا إذا أتى بثلاث تسبيحات، فإن أتى بأقل لم تحصل السنة. الحنابلة قالوا: إن الإتيان بصيغة التسبيح المذكورة واجب، وما زاد على ذلك سنة. الشافعية قالوا: يحصل أصل السنة بأي صيغة من صيغ التسبيح وإن كان الأفضل أن يكون بالصيغة المذكورة، أما ما زاد على ذلك إلى إحدى عشرة تسبيحة فهو الأكمل، إلا أن الإمام يأتي بالزيادة إلى ثلاث من غير شرط، وما زاد على ذلك لا يأتي به، إلا إذا صرح المأمومن بأنهم راضون بذلك. المالكية قالوا: ليس للتسبيح فيها عدد معين (3) المالكية قالوا: إن وضع يديه على ركبتيه، وإبعاد عضديه عن جنبيه مندوب لا سنة. أما تفريق الأصابع أو ضمها فإنه يترك لطبيعة المصلي، إلا إذا توقف عليه تمكين اليدين من الركبتين ******************** تسوية المصلي ظهره وعنقه حال الركوع ومنها أن يسوّي بين ظهره وعنقه في حالة الركوع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يسوي ظهره حتى لو صب عليه الماء استقر، وأن يسوي رأسه بعجزه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يرفع رأسه، ولم يخفضها، وهذه السنة متفق عليها. كيفية النزول للسجود والقيام منه ومنها أن ينزل إلى السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه، وبعكس ذلك عند القيام من السجود بأن يرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، على أن هذا إذا لم يكن به عذر، أما إذا كان ضعيفاً، أو لابس خف، أو نحو ذلك، فيفعل ما استطاع بالإجماع. كيفية وضع اليدين حال السجود وما يتعلق به ومنها أن يجعل المصلي في حال السجود كفيه حذو منكبيه، مضمومة الأصابع، موجهة رؤوسها للقبلة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) . ومنها أن يبعد الرجل في حال سجوده بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض؛ وهذا إذا لم يترتب عليه إيذاء جاره في الصلاة، وإلا حرم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى - باعد بين بطنه وفخذيه - أما المرأة فيسن لها أن تلصق بطنها بفخذيها محافظة على __________ (1) الشافعية قالوا: يسن حال القيام من السجود أن يرفع ركبتيه قبل يديه، ثم يقوم معتمداً على يديه، ولو كان المصلي قوياً أو امرأة. المالكية قالوا: يندب تقديم اليدين على الركبتين عند النزول إلى السجود، وأن يؤخرهما عن ركبتيه عند القيام للركعة التالية (2) المالكية قالوا: يندب وضع اليدين حذو الأذنين أو قربهما في السجود، مع ضم الأصابع وتوجيه رؤوسها للقبلة. الحنفية قالوا: إن الأفضل أن يضع وجهه بين كفيه، وإن كان وضع كفيه حذاء منكبيه تحصل به السنة أيضاً *********************** سترها، وهذا متفق عليه إلا عند المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . ومنها أن تزيد الطمأنينة عن قدر الواجب، وهذا متفق عليه. الجهر بالقراءة ومن السنن الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء، وفي ركعتي الصبح والجمعة، وهذا متفق عليه عند المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . حد الجهر والإسرار في الصلاة ومن السنن الإسرار لكل مصل، فيما عدا ذلك من الفرائض الخمس، وهو سنة عند ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة؛ أما الجهر والإسرار في غير الفرائض كالوتر ونحوه والنوافل، ففيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (3) ، وفي حد الجهر والإسرار __________ (1) المالكية قالوا: يندب للرجل أن يبعد بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن ركبتيه، وضبعيه عن جنبيه إبعاداً وسطاً في الجميع (2) الحنفية قالوا: الجهر واجب على الإمام، وسنة للمنفرد، كما تقدم، ثم إن المنفرد مخير بن الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، فله أن يجهر فيها، وله أن يسر، إلا أن الجهر أفضل، وكذلك المسبوق في الصلاة الجهرية بأن فاتته ركعة من الجمعة خلف الإمام أو الصبح أو العشاء أو المغرب، ثم قام يقضيها، فإنه مخير بين أن يسر فيها وبين أن يجهر، ولا فرق في الصلاة الجهرية بين أن تكون أداء أو قضاء على الصحيح، فإذا فاتته صلاة العشاء مثلاً، وأراد قضاءها في غير وقتها، فإنه مخير بين أن يسر فيها أو يجهر؛ أما صلاة السرية فإنه المنفرد ليس مخيراً فيها. بل يجب عليه أن يسر على الصحيح، فإن جهر في صلاة العصر أو الظهر مثلاً، فإنه يكون قد ترك الواجب، ويكون عليه سجود السهو بناء على تصحيح القول بالوجوب، أما المأموم فإنه يجب عليه الانصات في كل حال، كما تقدم. الحنابلة قالوا: المنفرد مخير بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية (3) المالكية قالوا: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، ويندب السر في جميع النوافل النهارية، إلا النافلة التي لها خطبة، كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها. الحنابلة قالوا: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتراويح والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك. الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى. ************************ للرجل والمأة تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . هيئة الجلوس في الصلاة ومن السنن أن يضع المصلي يديه على فخذيه، بحيث تكون رأس أصابعهما على الركبتين حال الجلوس متجهة إلى القبلة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنفية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . أما هيئة الجلوس فإنه فيها تفصيل __________ الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى. الحنفية قالوا: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة العيدين، والتراويح، ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف والاستسقاء والنوافل النهارية أما النوافل الليلية، فهو مخير فيها (1) المالكية قالوا: أقل جهر الرجل أن يسمع من يليه، ولا حد لأكثره، وأقل سره حردّ. اللسان، وأعلاه إسماع نفسه فقط. أما المرأة فجهرها مرتبة واحدة، وهو إسماع نفسها فقط، وسرها هو حركة لسانها على المعتمد. الشافعية قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه، ولو واحداً، لا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة إلا أن المرأة لا تجهر إذا كانت بحضرة أجنبي، وأقل الإسرار أن يسمع نفسه فقط، حيث لا مانع. الحنابلة قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه ولو واحداً، واقل السر أن يسمع نفسه، أما المرأة، فإنه لا يسن لها الهجر، ولكن لا بأس بجهرها إذا لم يسمعها أجنبي؛ فإن سمعها أجنبي منعت من الجهر. الحنفية قالوا: أقل الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه، كأهل الصف الأول، فلو سمع رجل، أو رجلان، فقط لا يجزئ، وأعلاه لا حد له، وأقل المخافتة إسماع نفسه، أو من بقربه من رجل أو رجلين؛ أما حركة اللسان مع تصحيح الحروف؛ فإنه لا يجزئ على الأصح، أما المرأة فقد تقدم في مبحث "ستر العورة" أن صوتها ليس بعورة على المعتمد، وعلى هذا لا يكون بينها وبين الرجل فرق في حكم الجهر بالقراءة في الصلاة، ولكن هذا مشروط بأن لا يكون في صوتها نغمة؛ أو لين، أو تمطيط يترتب عليه ثوران الشهوة عند من يسمعها من الرجال فإن كان صوتها بهذه الحالة كان عورة: ويكون جهرها بالقراءة على هذا الوجه مفسداً للصلاة، ومن هنا منعت من الأذان (2) المالكية قالوا: وضع يديه على فخذيه مندوب لا سُنة. الحنابلة قالوا: يكفي في تحصيل السنة وضع اليدين على الفخذين بدون جعل رؤوس الأسابع على الركبتين *************************** المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام ومنها أن يشير بسبابته في التشهد على تفصيل في المذاهب (2) . ومنها الالتفاف بالتسليمة الأولى جهة اليمين حتى يرى خدّه الأيمن، والالتفاف بالتسليمة __________ (1) المالكية قالوا: يندب الإفضاء للرجل والمرأة، وهو أن يجعل رجله اليسرى مع الألية اليسرى على الأرض، ويجعل قدم اليسرى جهة الرجل اليمنى، وينصل قدم اليمنى عليها، ويجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض. الحنفية قالوا: يسن للرجل أن يفرض رجله اليسرى، وينصب اليمنى؛ ويوجه أصابعه نحو القبلة؛ بحيث يكون باطن أصابع رجله اليمنى نحو القبلة بقدر الاستطاعة، ويسن للمرأة أن تتورك بأن تجلس على أليتيها، وتضع الفخذ على الفخذ، وتخرج رجلها من تحت وركها اليمنى. الشافعية قالوا: يسن الافتراش، وهو الجلوس على بطن قدمه اليسرى، ونصب قدمه اليمنى في جميع جلسات الصلاة إلا الجلوس الأخير، فإنه يسن فيه التورك بأن يلصق الورك الأيسر على الأرض؛ وينصب قدمه اليمنى، إلا إذا أن يسجد للسهور، فإنه لا يسن له التورك في الجلوس الأخير، بل يسن له في هذه الحالة الافتراش. الحنابلة قالوا: يسن الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وهو أن يفترش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويخرجها من تحته، ويثني أصابعها جهة القبلة، أما التشهد الأخير في الصلاة الرباعية والثلاثية، فإنه يسن له التورك، وهو أن يفترش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ويخرجهما عن يمينه؛ ويجعل أليتيه على الأرض (2) المالكية قالوا: يندب في حالة الجلوس للتشهد أن يعقد ما عدا السبابة والإبهام تحت الإبهام من يده اليمنى؛ وأن يمد السبابة والإبهام، وأن يحرك السبابة دائماً يميناً وشمالاً تحريكاً وسطاً. الحنفية قالوا: يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط، بحيث لو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها من أصابع اليمنى، ولا اليسرى عند انتهائه من التشهد، بحيث يرفع سبابته عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى بقوله: لا إله إلا الله، ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده بقوله: إلا الله، فيكون الرفع إشارة إلى النفي، والوضع إلى الإثبات.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 313 الى صــــــــ322 الحلقة (51) مباحث صلاة العيدين يتعلق بصلاة العيدين مباحث: أحدها: حكمها ووقتها؛ ثانيها: دليل مشروعيتها، ثالثها: كيفيتها؛ رابعها: حكم الجماعة فيها وقضاءها إذا فاتت: خامسها: أحكام خطبة العيدين، أركانها، شروطها؛ سادسها: حكم الأذان، وإقامة الصلاة في العيدين؛ سابعها: سنن العيدين ومندوباتهما؛ ثامنها: إحياء ليلة العيدين؛ تاسعها: المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد؛ عاشرها: تكبير التشريق. حكم صلاة العيدين، ووقتهما في حكم صلاة العيدين ووقتهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . دليل مشروعية صلاة العيدين شرعت في السنة الأولى من الهجرة، كما رواه أبو داود عن أنس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد ابدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرة". كيفية صلاة العيدين في كيفية صلاة العيدين تفصيل المذاهب، فانظرها تحت الخط (2) . حكم الجماعة وقضائها إذا فات وقتها وفي حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فاتته مع الإمام تفصيل، فانظره تحت الخط (3) . سنن العيدين ومندوباتهما لصلاة العيدين سنن: منها الخطبتان، وقد تقدم بيانهما؛ وتقدم أن المالكية قالوا: إنهما مندوبتان؛ ومنها أن يندب لمستتمع خطبتي العيدين أن يكبر عند تكبير الخطيب، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يحرم الكلام عندها، ولو بالذكر، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الشافعية، فقالوا: إن الكلام مكروه أثناء خطبتي العيدين والجمعة ولو بالذكر، وأما الحنفية قالوا: لا يكره الكلام بالذكر أثناء خطبتي الجمعة والعيدين، في الأصح ويحرم بما عداه. ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر، وصلاة، وتلاوة قرآن، ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا ليلة الفطر، وليلة الأضحى محتسباً، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، رواه الطبراني، ويحصل الإحياء بصلاة العشاء، والصبح في جماعة؛ وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوباً، لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان الله تعالى الذي لا سخط لعده، والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات، فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان الله تعالى بدون نزاع، ومن تركها استحق سخطه، أما ما عداها من فضائل الأعمال، فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن، ومن يتركها فلا شيء عليه، وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات، فإذا ترك المكلفون صيام رمضان، وترك القادرون الحج إلى بيت الله الحرام، والصدقات المطلوبة منهم، ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئاً. نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة، كان له أثر كبير، وهو محو الذنوب والآثام، لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق. ويندب أيضاً الغسل للعيدين بالكيفية المذكورة في صحيفة 108، وما بعدها، فارجع إليها إن شئت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنه سنة. ويندب التطيب والتزين يوم العيد، أما النساء فلا يندب لهن ذلك إذا خرجن لصلاة العيد خشية الافتتان بهن، أما إذا لم يخرجن فيندب لهن ما ذكر، كما يندب للرجال الذين لم يصلوا العيد، لأن الزينة مطلوبة لليوم لا للصلاة، وذلك متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: إنه سنة لا مندوب. ويندب أن يلبس الرجال والنساء أحسن ما لديهم من ثياب، سواء كانت جديدة أو مستعملة، بيضاء، أو غير بيضاء باتفاق، إلا أن المالكية قالوا: يندب لبس الجديد، ولو كان غيره أحسن منه، والحنفية قالوا: لبس الجديد سنة لا مندوب. ويندب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر، وأن يكون المأكول تمراً ووتراً - ثلاثاً، أو خمساً - وأما يوم الأضحى فيندب تأخير الأكل حتى يرجع من الصلاة. ويندب أن يأكل شيئاً من الأضحية إن ضحى، فإن لم يضح خير بين الأكل قبل الخروج وبعده عند الحنابلة، والحنفية، أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) . ويندب لغير الإمام أن يبادر بالخروج إلى المصلى بعد صلاة الصبح، ولو قبل الشمس باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، أما الإمام فيندب له تأخير الخروج إلى المصلى، بحيث إذا وصلها صلى ولا ينتظر. ويندب يوم العيد تحسين هيئته بتقليم الأظافر وإزالة الشعر والأدران (6) . ويندب أن يخرج إلى المصلى ماشياً، وأن يكبر في حال خروجه جهراً، وأن يستمر على تكبيره إلى أن تفتح الصلاة، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: الأفضل أن يكبر سراً (7) . والمالكية قالوا: يستمر على التكبير إلى مجيء الإمام. أو إلى أن يقوم إلى الصلاة، ولو لم يشرع فيها، والقولان متساويان، أما الإمام قيستمر على تكبيره إلى أن يدخل المحراب. ويندب لمن جاء إلى المصلى من طريق أن يرجع من أخرى. ويندب أيضاً أن يظهر البشاشة والفرح في وجه من يلقاه من المؤمنين، وأن يكثر من الصدقة النافلة بحسب طاقته، وأن يخرج زكاة القطر إذا كان مطالباً بها قبل صلاة العيد وبعد صلاة الصبح. المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد تؤدي صلاة العيد بالصحراء، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) . ومتى خرج الإمام للصلاة في الصحراء ندب له أن يستخلف غيره ليصلي بالضعفاء الذين يتضررون بالخروج إلى الصحراء لصلاة العيد بأحكام المتقدمة: لأن صلاة العيد يجوز أداؤها في موضعين (9) . مكروهات صلاة العيد يكره التنفل للإمام والمأموم قبل صلاة العيد وبعدها على تفصيل (10) . وهناك مندوبات ومكروهات أخرى زادها المالكية؛ والشافعية، والحنفية؛ فانظرها تحت الخط (11) . الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد لا يؤذن لصلاة العيدين، ولا يقام لها، ولكن يندب أن ينادي لها بقول: "الصلاة جامعة" باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: النداء لها بقول: "الصلاة جامعة" ونحوه مكروه أو خلاف الأولى، وبعض المالكية يقول: إن النداء بذلك لا يكره إلا إذا اعتقد أنه مطلوب. وإلا فلا كراهة. حكم خطبة العيدين خطبتا العيدين سنة باتفاق، إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: إنهما مندوبتان لا سنة، وقد عرفت أن الحنابلة، والشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة، فهم مع المالكية الذين يقولون: إن الخطبتين المذكورتين مندوبتان، ومع الحنفية الذين يقولون: إنهما سنة، ومع ذلك فإن لهما أركاناً وشروطاً كخطبتي الجمعة وإليك بيان أركانهما وشروطهما. أركان خطبتي العيدين لا توجد حقيقة خطبتي العيدين إلا إذا تحققت أركانهما، هي كأركان خطبتي الجمعة إلا في الافتتاح، فإنهما يسن افتتاحهما بالتكبير، وقد ذكرنا عدد التكبير المطلوب في كيفية صلاة العيدين، فارجع إليه. أما خطبة الجمعة فإنها تفتتح بالحمد، وقد ذكرنا أركان الخطبتين عند كل مذهب تحت الخط (12) . شروط خطبتي العيدين قد ذكرنا شروط خطبتي العيدين مجملة عند كل مذهب تحت الخط (13) . __________ (1) الشافعية قالوا: هي سنة عين مؤكدة لكل من يؤمر بالصلاة، وتسن جماعة لغير الحاج، أما الحجاج فتسن لهم فرادى. المالكية قالوا: هي سنة عين مؤكدة تلي الوتر في التأكد، يخاطب بها كل من تلزمه الجمعة بشرط وقوعها جماعة مع الإمام، وتندب لمن فاتته معه، وحينئذ يقرأ فيها سراً، كما تندب لمن لم تلزمه، كالعبيد والصبيان؛ ويستثنى من ذلك الحاج، فلا يخاطب بها لقيام وقوفه بالمشعر الحرام مقامها، نعم تندب لأهل "منى" غير الحجاج وحداناً لا جماعة، لئلا يؤدي ذلك إلى صلاة الحجاج معهم. الحنفية قالوا: صلاة العيدين واجبة في الأصح على من تجب عليه الجمع بشرائطها، سواء كانت شرائط وجوب أو شرائط صحة، إلا أنه يستثنى من شرائط الصحة الخطبة، فإنها تكون قبل الصلاة في الجمعة وبعدها في العيد، ويستثنى أيضاً عدد الجماعة، فإن الجماعة في صلاة العيد تتحقق بواحد مع إمام، بخلاف الجمعة، وكذا الجماعة فإنها واجبة في العيد يأثم بتركها، وإن صحت الصلاة بخلافها في الجمعة، فإنها لا تصح إلا بالجماعة، وقد ذكرنا معنى الواجب عند الحنفية في "واجبات الصلاة" وغيرها، فارجع إليه. الحنابلة قالوا: صلاة العيد فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة، فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة ما عدا الخطبة، فإنها سنة في العيد، بخلافها في الجمعة، فإنها شرط، وقد تكون صلاة العيد سنة، وذلك فيمن فاتته الصلاة مع الإمام، فإنه يسن له أن يصليها في أي وقت شاء بالصفة الآتية. الشافعية قالوا: وقتها من ابتداء طلوع الشمس، وإن لم ترتفع إلى الزوال، ويسن قضاءها بعد ذلك على صفتها الآتية. المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، ولا تقضى بعد ذلك. الحنابلة قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس قدر رمح بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وإن فاتت في يومها تقضى في اليوم التالي، ولو أمكن قضاءها في اليوم الأول، وكذلك تقضى، وإن فاتت أيام لعذر، أو لغير عذر. الحنفية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد، ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً، أما قضاؤها إذا فاتت فسيأتي حكمه بعد. الشافعية قالوا: يسن تأخير صلاة العيدين إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح. المالكية قالوا: لا يسن تأخير صلاة العيدين عن أول وقتها (2) الحنفية قالوا: ينوي عند أداء كل من صلاة العيدين بقلبه، ويقلو بلسانه، أصلي صلاة العيد لله تعالى، فإن كان مقتدياً ينوي متابعة الإمام أيضاً، ثم يكبر للتحريم، ويضع يديه تحت سرته بالكيفية المتقدمة، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء، ثم يكبر الإمام تكبيرات الزوائد، ويتبعه المقتدون، وهي ثلاث سوى تكبيرة الإحرام والركوع، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن في أثناء السكوت ذكر، ولا بأس بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يرفع المصلي - سواء كان إماماً أو مقتدياً - يديه عند كل تكبيرة منها، ثم إن كان إماماً يتعوذ، ويسعى سراً، ثم يقرأ جهراً الفاتحة؛ ثم سورة؛ ويندب أن تكون سورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع الإمام ويتبعه المقتدون ويسجد، فإذا قام للثانية ابتدأ بالتسمية ثم بالفاتحة ثم بالسورة، ويندب أن تكون سورة "هل أتاك"، وبعد الفراغ من قراءة السورة يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد، وهي ثلاث سوى تكبيرة الركوع، ويرفعون أيديهم عند كل تكبيرة، ثم يتم صلاته. وصلاة العيدين بهذه الكيفية أولى من زيادة التكبير على ثلاث، ومن تقديم تكبيرات الزوائد على القراءة في الركعة الثانية، فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا لو كبر الإمام زيادة على الثلاث فيجب على المقتدي أن يتابعه في ذلك إلى ست عشرة تكبيرة، فإن زاد لا تلزمه المتابعة، وإذا سبق المقتدي بتكبيرات بحيث أدرك الإمام قائماً بعدها كبر للزوائد وحده قائماً، وإذا سبقه الإمام بركعة كاملة وقام بعد فراغ الإمام لإتمام صلاته قرأ أولاً ثم كبر للزوائد ثم ركع، ومن أدرك الإمام راكعاً كبر تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرات الزوائد قائماً إن أمن مشاركته في ركوعه، وإلا كبر للإحرام قائماً، ثم ركع، ويكبر للزوائد في ركوعه من غير رفع اليدين، ولا ينتظر الفراغ من صلاة الإمام في قضاء التكبيرات، لأن الفائت من الذكر يقضى قبل فراغ الإمام؛ بخلاف الفائت من الفعل، فإنه يقضى بعد فراغه، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المقتدي تكبيراته سقط عنه ما بقي منها، لأنه إن أتمه فاتته متابعة الإمام الواجبة في الرفع من الركوع، وإن أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع فلا يأتي بالتكبير الزائد، بل يقضي الركعة التي فاتته مع تكبيرات الزوائد بعد فراغ الإمام. الشافعية قالوا: صلاة العيد ركعتان كغيرها من النوافل، سوى أن يزيد ندباً في الركعة الأولى - بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح، وقبل التعوذ والقراءة - سبع تكبيرات، يرفع يديه إلى حذو المنكبين في كل تكبيرة؛ ويسن أن يفضل بين كل تكبيرتين منها بقدر آية معتدلة، ويستحب أن يقول في هذا الفصل سراً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كل تكبيرتين، ويزيد في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات يفصل بين كل اثنتين منها، ويضع يمناه على يسراه حال الفصل، كما تقدم في الركعة الأولى، وهذه التكبيرات الزائدة سنة، وتسمى: هيئة، فلو ترك شيئاً منها فلا يسجد للسهو؛ وإن كره تركها؛ ولو شك في العدد بنى على الأقل، وتقديم هذه التكبيرات على التعوذ مستحب، وعلى القراءة شرط في الاعتداد بها، فلو شرع في القراءة ولو ناسياً فلا يأتي بالتكبيرات لفوات محله. والمأموم والإمام في كل ما ذكر سواء، غير أن المأموم إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية فإنه يكبر معه خمساً غير تكبيرة الإحرام؛ فإن زاد لا يتابعه، ثم يكبر في الركعة الثانية التي يقضيها بعد سلام الإمام خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، وإذا ترك الإمام تكبيرات الزوائد تابعة المأموم في تركها، فإن فعلها بطلب صلاته إذا رفع ليديه معها ثلاث مرات متوالية، لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل، أما إذا اقتدى بإمام يكبر أقل من ذلك العدد فإنه يتابعه، والقراءة في صلاة العيدين تكون جهراً لغير الموأموم، أما التكبير فيسن الجهر فيه للجميع، ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة "ق" أو "الأعلى" أو "الكافرون" وفي الثانية "القمر" أو "الإخلاص". الحنابلة قالوا: إذا أراد أن يصلي صلاة العيد نوى صلاة ركعتين فرضاً كفائياً. ثميقرأ دعاء الاستفتاح ندبا، ثم يكبر ست تكبيرات ندباً يرفع يديه مع كل تكبيرة، سواء كان إماماً، ويندب أن يقول بين كل تكبيرتين سرأ: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليماً، ولا يتعين ذلك، بل له أن يأتي بأي ذكر شاء؛ لأن المدوب مطلق الذكر؛ ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة من تكبيرات الزوائد المذكورة؛ ثم يتعوذ؛ ثم يبسمل ويقرأ فاتحة الكتاب وسورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع ويتم الركعة؛ ثم يقوم إلى الثانية فيكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويقول بين كل تكبيرتين منها ما تقدم ذكره في الركعة الأولى، ولا يشرع بعد التكبيرة الأخيرة من هذه التكبيرات الزوائد ذكر، ثم يبسمل ندباً؛ ويقرأ الفاتحة ثم سورة "الغاشية" ثم يركع ويتم صلاته، وإن أدرك المأموم إمامه بعد تكبيرات الزوائد أو بعد بعضها لم يأت به، لأنه سنة فات محلها، وإن نسي المصلي التكبير الزائدأو بعضه حتى قرأ، ثم تذكره لم يأت به لفوات محله كما لو ترك الاستفتاح أو التعوذ حتى قرأ الفاتحة، فإنه لا يعود له. المالكية قالوا: صلاة العيد ركعتان كالنوافل. سوى أنه يسن أن يراد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام؛ وقبل القراءة ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام. وقبل القراءة خمس تكبيرات، وتقديم هذا التكبير على القراءة مندوب، فلو أخره على القراءة صح وخالف المندوب، وإذا اقتدى شخص بإمام يزيد أو ينقص في عدد التكبير الذي ذكر، أو يؤخره عن القراءة فلا يتبعه في شيء من ذلك، ويندب موالاة التكبير إلا الإمام. فيندب له الانتظار لعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به؛ ويكون في هذا الفصل ساكتاً، ويكره أن يقول شيئاً من تسبيح أو تهليل أو غيرهما، وكل تكبيرة من هذه التكبيرات الزائدة سنة مؤكدة؛ فلو نسي شيئاً منها؛ فإن تذكره قبل أن يركع أتى به؛ وأعاد غير المأموم القراءة ندباً وسجد بعد السلام لزيادة القراءة الأولى، وإن تذكره بعد أن ركع فلا يرجع له ولا يأتي به في ركوعه، فإن رجع بطلت الصلاة، وإذا لم يرجع سجد قيل السلام لنقص التكبير: ولو كان المتروك تكبيرة واحدة؛ إلا إذا كان التارك له مقتدياً فلا يسجد؛ لأن الإمام يحمله عنه، وإذا لم يسمع المقتدي تكبيرة الإمام تحرى تكبيره وكبر وإذا دخل مع الإمام أثناء التكبير كبر معه ما بقي منه، ثم كمل بعد فراغ الإمام منه، ولا يكبر ما فاته، سواء دخل في الركعة الأولى أو الثانية، فإن كان في الأولى أتى بست تكبيرات؛ وإن كان في الثاني كبر خمساً، ثم بعد سلام الإمام يكبر في الركعة التي يقضيها ستاً غير تكبيرة القيام، أما إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة فإنه يقوم للقضاء بعد سلامه، ثم يكبر ستاً في الأولى بعد تكبير القيام ويكره رفع اليدين في هذه التكبيرات الزائدة. إنما يرفعهما عند تكبيرة الإحرام ندباً. كما في غيرها من الصلوات. ويندب الجهر بالقراءة في صلاة العيدين. كما يندب أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سروة "الأعلى" أو نحوها. وفي الركعة الثانية سورة "الشمس" أو نحوها (3) الحنفية قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، فإن فاتته مع الإمام فلا يطالب بقضائها لا في الوقت ولا بعده، فإن أحب قضاءها صلى أربع ركعات بدون تكبيرات الزوائد، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى"، وفي الثانية "الضحى" وفي الثالثة "الانشراح" وفي الرابعة "التين". الحنابلة قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، إلا أنه يسن لمن فاتته مع الإمام أن يقضيها في أي وقت شاء على صفتها المتقدمة. الشافعية قالوا: الجماعة فيها سنة لغير الحاج، ويسن لمن فاتته مع الإمام أن يصليها على صفتها في أي وقت شاء، فإن كان فعله لها بعد الزوال فقضاء، وإن كان قبله فأداء. المالكية قالوا: الجماعة شرط لكونها سنة، فلا تكون صلاة العيدين سنة إلا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلى الزوال، ولا تقضى بعد الزوال (4) المالكية والشافعية قالوا: يندب تأخير الأكل في عيد الأضحى مطلقاً ضحى أم لا (5) المالكية قالوا: يندب لغير الإمام أن يخرج بعد طلوع الشمس إن كان منزله قريباً من المصلى، وإلا خرج بقدر ما يدرك الصلاة مع الإمام (6) الحنابلة قالوا: يندب ذلك لكل مطالب بالصلاة، وإن لم تكن صلاة العيد (7) الحنفية قالوا: إن السنة تحصل بالتكبير مطلقاً، سواء كان سراً أو جهراً، إلا أن الأفضل يكبر سراً على المعتمد (8) المالكية قالوا: يندب فعلها بالصحراء ولا يسن، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر إلا بمكة، فالأفضل فعلها بالمسجد الحرام لشرف البقعة، ومشاهدة البيت. الحنابلة قالوا: تسن صلاة العيد بالصحراء بشرط أن تكون قريبة من البنيان عرفاً، فإن بعدت عن البنيان عرفاً، فلا تصح صلاة العيد فيها رأساً، ويكره صلاتها في المسجد بدون عذر إلا لمن بمكة، فإنهم يصلونها في المسجد الحرام، كما يقول المالكية. الشافعية قالوا: فعلها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر كضيفه؛ فيكره فيه للزحام، وحينئذ يسن الخروج للصحراء. الحنفية: لم يستثنوا مسجد مكة من المساجد التي يكره فعلها فيها؛ ووافقوا الحنابلة والمالكية فيما عدا ذلك (9) المالكية قالوا: لا يندب أن يستخلف الإمام من يصلي بالضعفاء؛ ولهم أن يصلوا، ولكن لا يجهرون بالقراءة، ولا يخطبون بعدها، بل يصلونها سراً من غير خطبة، وصلاة العيدين كالجمعة تؤدي في موضع واحد، وهو المصلى مع الإمام متى كان الشخص قادراً على الخروج لها. فمن فعلها قبل الإمام لم يأت بالسنة على الظاهر، ويسن له فعلها معه. نعم إن فاتته مع الإمام ندب له فعلها، كما تقدم (10) المالكية قالوا: يكره التنفل قبلها وبعدها إن أديت بالصحراء كما هو السنة، وأما إذا أديت بالمسجد على خلاف السنة فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها. الحنابلة قالوا: يكره التنفل قبلها بالموضع الذي تؤدي فيه، سواء المسجد أو الصحراء. الشافعية قالوا: يكره للإمام أن يتنفل قبلها بعدها، سواء كان في الصحراء أو غيرها، وأما المأموم فلا يكره له التنفل قبلها مطلقاً ولا بعدها إن كان ممن لم يسمع الخطبة لصمم أو بعد وإلا كره. الحنفية قالوا: يكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى وغيرها. ويكره التنفل بعدها في المصلى فقط، وأما في البيت فلا يكره (11) المالكية قالوا: يندب الجلوس في أو الخطبتين وبينهما في العيد وأما في خطبة الجمعة فيسن، ولو أحدث في أثناء خطبتي العيدين فإنه يستمر فيهما ولا يستخلف، بخلاف خطبتي الجمعة، فإنه إن أحدث فيهما يستخلف. الشافعية قالوا: إن خطبتي الجمعة يشترط لها القيام والطهارة وستر العورة، وأن يجلس بينهما قليلاً؛ بخلاف خطبتي العيدين، فلا يشترط فيهما ذلك، بل يستحب. الحنفية قالوا: يكره أن يجلس قبل الشروع في خطبة العيد الأولى، بل يشرع في الخطبة بعد الصعود، ولا يجلس، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يسن أن يجلس قبل الأولى قليلاً (12) الحنفية قالوا: خطبة العيدين كخطبة الجمعة، لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقيق الخطبة المذكورة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، ولا تشترط عندهم الخطبة الثانية، بل هي سنة كما يأتي في الجمعة. المالكية قالوا: خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة، لهما ركن واحد، وهو أن يكونا مشتملتين على تحذير أو تبشير، كما يأتي في "الجمعة". الحنابلة قالوا: أركان خطبة العيدين ثلاثة: أحدها. الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة، ثانيها: قراءة آية من كتاب الله تعالى، يلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو تكون مشتملة على حكم من الأحكام، فلا يكفي قوله تعالى: {مدها متان} ، ثالثها: الوصية بتقوى الله تعالى، وأقلها أن يقول: اتقوا الله، واحذروا مخالفة أمره، أو نحو ذلك. أما التكبير في افتتاح خطبة العيد فهو سنة بخلاف الجمعة، فإن افتتاحها بالحمد لله ركن من أركان الخطبة، كما يأتي. الشافعية قالوا: أركان خطبة العيدين أربعة: أحدها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الطاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد؛ ثانيها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين ولو بغير لفظها، فيكفي نحو وأطيعوا الله، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك، بل لا بد من أن يحثهم الخطيب على الطاعة، ثالثها: قراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين، والأولى أن تكون في الخطبة الأولى، ويشترط أن تكون آية كاملة إذا كانت الآية قصيرة، أما الآية الطويلة فتكفي قراءة بعضها، وأن تكون الآية مشتملة على وعد أو وعيد أو حكم، أو تكون مشتملة على قصة أو مثل أو خبر، فلا يكفي في أداء ركن الخطبة أن يقول: "ثم نظر"، رابعها: أن يدعو الخطيب للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي كالغفران، فإن لم يحفظ فيكفي أن يدعو لهم بالأمر الدنيوي، كأن يقول: اللهم ارزق المؤمنين والمؤمنات ونحو ذلك، وأن يكون الدعاء مشتملاً على الحاضرين في نية الخطيب بأن يقصدهم مع غيرهم، فلو قصد غيرهم بالدعاء بطلت الخطبة، أما افتتاح خطبة العيدين فيسن أن تكون بالتكبير المذكور في كيفية صلاة العيدين، بخلاف افتتاح خطبة الجمعة، فلا بد أن تكون من مادة الحمد، نحو الحمد لله أو أحمد الله أو نحو ذلك، وذلك ركن من أركان خطبة الجمعة، كما ستعرفه (13) المالكية قالوا: يشترط في خطبتي العيدين أن تكونا باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها، فإن لم يوجد فيهم أحد يحسن الخطبة سقطت عنهم الجمعة، وأن تكون الخطبتان بعد الصلاة؛ فإذا خطب قبل الصلاة فإنه يسن إعادتهما بعد الصلاة إن لم يطل الزمن عرفاً. الحنفية قالوا: يشترط لصحة الخطبة أن يحضر شخص واحد على الأقل لسماعها؛ بشرط أن يكون ممن تنعقد بهم الجمعة؛ كما يأتي بيانه في مباحث "صلاة الجمعة"، ولا يشترط أن يسمع الخطبة، فلو كان بعيداً عن الخطيب أو أصم فإن الخطبة تصح؛ ويكفي حضور المريض والمسافر؛ بخلاف الصبي والمرأة، ولا يشترط أن تكون باللغة العربية عند الحنفية؛ وكذا لا يشترط أن يخطب بعد الصلاة، وإنما يسن تأخيرهما عن الصلاة، فإن قدمهما على الصلاة، فقد خالف السنة. ولا يعيدهما بعد الصلاة أصلاً. الشافعية قالوا: يشترط لصحة الخطبة في العيدين والجمعة أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة وحد الجهر المطلوب أن يسمع صوته أربعون شخصاً: وهم الذين لا تنعقد الجمعة بأقل منهم؛ ولا يشترط أن يسمعوا بالفعل؛ بل الشرط أن يكونوا جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه لصمم أو نوم أو بعيدين عنه فإن الخطبتين لا تصح لعدم السماع بالقوة؛ وكذا يشترط أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، فإن قدمها على الصلاة فإنه لا يعتد بهما؛ ويندب له إعادتهما بعد الصلاة؛ وإن طال الزمن؛ وهذا هو رأي الحنابلة أيضاً. الحنابلة قالوا: يشترط لصحة خطبتي العيدين والجمعة أن يجهر بهما الخطيب؛ بحيث يسمعه العدد الذي تصح به الجمعة؛ وهو أربعون؛ كما يقول الشافعية، فإن لم يسمعوا أركان الخطبتين بلا مانع من نوم أو غفلة أو صمم بطلتا. أما إذا لم يسمع الأربعون بسبب خفض الصوت، أو بعدهم عنه فإنه الخطبة لا تصح، وكذا يشترط أن تكونا قبل الصلاة، كما ذكرنا آنفاً
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 364 الى صــــــــ376 الحلقة (56) أما من لا تجب عليه الجمعة كالمريض ونحوه صلاة الظهر منه، ولو حال اشتغال الإمام بصلاة الجمعة، ويندب له تأخير الظهر إذا رجال زوال عذره، أما إذا لم يرج ذلك فيندب له تعجيلها في أول وقتها، ولا ينتظر سلام الإمام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . [هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؟] من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره جاز له أن يصلي الظهر جماعة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . [من أدرك الإمام في ركعة أو أقل من صلاة الجمعة] من أدرك الإمام في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة. فعليه أن يأتي بركعة ثانية ويسلم باتفاق أما إذا أدركه في الجلوس الأخير فقط فإنه يلزمه أن يصلي أربع ركعات ظهراً، بأن يقف بعد سلام الإمام، ويصلي أربع ركعات؛ ولا يكون مدركاً للجمعة باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . [مندوبات الجمعة] تحسين الهيئة - قراءة سورة الكهف - المبادرة بالذهاب للمسجد، وغير ذلك.وأما مندوبات الجمعة، فمنها تحسين الهيئة، بأن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطه ونحو ذلك ومنها التطيب والاغتسال، وهو سنة باتفاق ثلاثة. وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة. والأمر في ذلك سهل، ذكرناه قبلاً، ومنها قراءة سورة الكهف يومها وليلتها، فيندب لمن يحفظها أو يمكنه قراءتها. في المصحف أن يفعل ذلك؛ أما قراءتها في المساجد فإن ترتب عليها تهويش أو إخلال بحرمة المسجد برفع الأصوات، والكلام الممنوع، فإنه لا يجوز باتفاق، وقد تقدم في مبحث "ما يجوز فعله في المساجد. وما لا يجوز" فارجع إليه إن شئت: ومنها الاكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الاكثار من الدعاء يومها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها، رواه مسلم، ومنها المبادرة بالذهاب إلى موضع إقامتها لغير الإمام؛ أما هو فلا يندب له التكبير، وليس للمبادرة وقت معين، فله أن يذهب قبل الأذان. ومنها المشي بسكينة إلى موضعها بساعتين أو أكثر أو أقل، عند ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ومنها أن يتزين بأحسن ثيابه، والأفضل ما كان أبيض؛ باتفاق الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (5) . [مباحث الإمامة في الصلاة] يتعلق بها مباحث: الأول: تعريفها، وبيان العدد الذي تتحقق به، الثاني: حكمها، ودليله، الثالث: شروطها، ويتعلق بالشروط أمور: منها حكم إمامة النساء، ومنها حكم إمامه الصبي المميز، ومنها حكم إمامة الأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومنها حكم إمامة المحدث الذي نسي حدثه، ومنها حكم إمامة الألثغ ونحوه، ومنها نية المأموم الاقتداء، ومنها نية الإمام الإمامة، ومنها اقتداء الذي يصلي فرضاً بإمام يصلي نفلاً؛ ومنها متابعة المأموم لإمامه، ومنها اتحاد فرض المأموم والإمام، فلا تصح صلاة الظهر خلف عصر مثلاً؛ فكل هذه المباحث تتعلق بمبحث واحد من مباحث الإمامة، وهو المبحث الثالث، وبقي من مباحثها المبحث الرابع: أعني الأعذار التي تسقط بها صلاة الجماعة، الخامس: مبحث من له حَق التقدم في الإمامة، السادس: مبحث مكروهات الإمامة، السابع: مبحث كيف يقف المأموم مع إمامه،؟ وكيف يقف الإمام مع المأمومين،؟ ومن أحق بالوقوف في الصف الأول، الثامن: تراص الصفوف وتسويتها، التاسع: يصح لمن صلى فرضاً جماعة أن يصلي مع جماعة أخرى، العاشر: تكرار الجماعة في المسجد الواحد، الحادي عشر: مبحث بيان القدر الذي تدرك به الجماعة، الثاني عشر: مبحث إذا فات المقتدي أداء بعض الركعات أو كلها مع إمامه لعذر، كزحمة ونحوها، الثالث عشر: مبحث الاستخلاف. وإليك بيانها بالعناوين الآتية. [تعريف الإمامة في الصلاة، وبيان العدد الذي تتحقق به] الإمامة في الصلاة معروفة، وهي أن يربط الإنسان صلاته بصلاة إمام مستكمل للشروط الآتي بيانها، فيتبعه في قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه ونحو ذلك، مما تقدم بيانه في "أحكام الصلاة" فهذا الربط يقال له: إمامة، ولا يخفى أن هذا الربط واقع من المأموم: لأنه كناية عن اتباع المأموم الإمام في أفعال الصلاة. بحيث لو بطلت صلاة المأموم لا تبطل صلاة الإمام، أما إذا بطلت صلاة الإمام فإن صلاة المأموم تبطل، لأنه قد ربط صلاته بصلاة الإمام، وتتحقق الإمامة في الصلاة بواحد مع الإمام فأكثر، لا فرق بين أن يكون الواحد المذكور رجلاً أو امرأة، باتفاق، فإن كان صبياً مميزاً فإن الإمامة تتحقق به عند الحنفية، والشافعية: وخالف المالكية، والحنابلة، فقالوا: لا تتحقق صلاة الجماعة بصبي مميز مع الإمام وحدهما. [حكم الإمامة في الصلوات الخمس، ودليله] اتفقت المذاهب على أن الإمامة مطلوبة في الصلوات المفروضة فلا ينبغي للمكلف أن يصلي منفرداً بدون عذر من الأعذار الآتي بيانها؛ على أن الحنابلة قالوا: إنها فرض عين في كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، ولم يوافقهم على ذلك أحد من الأئمة الثلاثة، كما ستعرفه في التفصيل الآتي؛ وقد استدل الحنابلة، ومن وافقهم من العلماء على ذلك بما رواه البخاري عن أبي هيرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب. ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجدب عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء "العرق" - بفتح العين، وسكون الراء - قطعة لحم على عظم، "والمرماتين" بكسر الميم - تثنية مرماة: وهي سهم دقيق يتعلم عليه الرمي ليصطاد به ما يملأ به بطنه، فهذا الحديث يدل على أن الجماعة فرض، لأن عقوبة التحريق بالنار لا تكون إلا على ترك الفرض، وارتكاب المحرم الغليظ، ولا يلزم في الدلالة على ذلك أن يحرقهم بالفعل، بل يكفي أن يعلم الناس عظيم قدر الجماعة، واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها، وهذا وجيه، ولكن مما لا شك فيه أن هذا الحديث لم تذكر فيه سوى صلاة العشاء، فإذا كان للحنابلة ومن معهم وجه في الاستدلال به، فإنما يكون في صلاة العشاء وحدها، أما باقي الصلوات الخمس فلا تؤخذ من هذا الحديث؛ على أن علماء المذاهب الأخرى قد أجابوا عن هذا بأجوبة كثيرة: منها أن هذا الحديث كان في بدء الإسلام، حيث كان المسلمون في قلة، وكانت الجماعة لازمة في صلاة العشاء بخصوصها، لأنها وقت الفراغ من الأعمال، فلما كثر المسلمون نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماع تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، فإن الأفضلية تقتضي الاشتراك في الفضل، ويلزم من كون صلاة الفذ فاضلة أنها جائزة، وأيضاً فقد ثبت نسخ التحريق بالنار في الحنفية قالوا: المتخلفين باتفاق؛ فالاستدلال به على الفرضية ضعيف، وقد استدل الحنابلة على فرضية الصلاة جماعة أيضاً بقوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} ، ووجه الإستدلال أن الله تعالى قد كلفهم بصلاة الجماعة في وقت الشدة والحرج، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما كلفهم بأن يصلوها على هذا الوجه، ولكن علماء المذاهب الأخرى قالوا: إن الآية تدل على أن الإمامة مشروعة، لا على أنها فرض عين؛ أما قولهم: إن هذا الوقت وقت خوف وشدة فذلك صحيح، ولكن تعليمهم للصلاة بهذه الكيفية قد يكون فيه حذر أكثر من صلاتهم فرادى، لأن الفئة الواقفة إزاء العدو حارسة للأخرين، فإذا وجدت فرصة للعدو للهجوم عليهم بغتة نبهتهم الفرقة الحارسة ليقطعوا صلاتهم، ويقاوموا عدوهم، وذلك منتهى الدقة والحذر؛ نعم تدل الآية على عظم قدر الصلاة جماعة عند المسلمين الأولين الذين كانوا يشعرون بعظمة خالف الكائنات الحي الدائم الذي لا يفنى حقاً، ويعرفون أن الصلاة تذلل لخالقهم، وخضوع لا ينبغي إهماله حتى في أحرج المواقف وأخطرها، ومما لا شك فيه أن صلاة الجماعة مطلوبة باتفاق، إنما الكلام في أنها فرض عين في جميع الصلوات الخمس، وجمهور أئمة المسلمين على أنها ليست كذلك.وبعد فحكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة مبين في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (6) . [حكم الإمامة في صلاة الجمعة والجنازة والنوافل] قد عرفت حكم الإمامة في الصلوات الخمس المفروضة، وبقي حكمها في غير ذلك من الصلوات الأخرى، كصلاة الجنازة والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء، وباقي النوافل، فانظره مفصلاً في كل مذهب تحت الخط (7) . [شروط الإمامة: الإسلام] يشترط لصحة الجماعة شروط: منها الإسلام، فلا تصح إمامة غير المسلم باتفاق، فمن صلى خلف رجل يدعي الإسلام، ثم تبين له أنه كافر. فإن صلاته الذي صلاها خلفه تكون باطلة، وتجب عليه إعادتها؛ وقد نظر بعضهم أن هذه الصورة نادرة الوقوع، ولكن الواقع غير ذلك، فإن كثيراً ما يتزيا غير المسلم بزي المسلم لأغراض مادية، ويظهر الورع والتقوى ليظفر ببغيته، وهو في الواقع غير مسلم. [البلوغ، وهل تصح إمامة الصبي المميز؟] ومن شروط صحة الإمامة البلوغ، فلا يصح أن يقتدي بالغ بصبي مميز في صلاة مفروضة، باتفاق ثلاثة من الأئمة: وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) . هذا في الصلاة المفروضة، أما صلاة النافلة فيصح للبالغ أن يقتدي بالصبي المميز فيها، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) . هذا، ويصح للصبي المميز أن يصلي إماماً بصبي مثله باتفاق. [إمامة النساء] ومن شروط الإمامة - الذكورة المحققة - فلا تصح إمامة النساء، وإمامة الخنثى المشكل إذا كان المقتدي به رجال، أما إذا كان المقتدي به نساء فلا تشترط الذكورة في إمامتهن، بل يصح أن تكون المرأة إماماً لا مرأة مثلها، أو الخنثى. باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . [العقل] ومن شروط صحة الإمامة العقل، فلا تصح إمامة المجنون إذا كان لا يفيق من جنونه، أما إذا كان يفيق أحياناً ويجن أحياناً، فإن إمامته تصح حال إفاقته، وتبطل حال جنونه باتفاق. [اقتداء القارئ بالأمي] اشترطوا لصحة الإمامة أن يكون الإمام قارئاً إذا كان المأموم قارئاً، فلا تصح إمامة أمي بقارئ، والشرط هو أن يحسن الإمام قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فلو كان إمام قرية مثلاً يحسن قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فإنه يجوز للمتعلم أن يصلي خلفه، أما إذا كان أميّاً، فإنه لا تصح إمامته إلا بأمي مثله، سواء وجد قارئ يصلي بهما أولا، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) . [سلامة الإمام من الأعذار كسلس البول] ويشترط أيضاً لصحة الإمامة أن يكون الإمام سليماً من الأعذار، كسلس البول، والإسهال المستمر، وانفلات الريح، والرعاف، ونحو ذلك، فمن كان مريضاً بمرض من هذه فإن إمامته لا تصح بالسليم منها، وتصح بمريض مثله إن اتحد مرضهما، أما إن اختلف، كأن كان أحدهما مريضاً بسلس البول، والآخر بالرعاف الدائم، فإن إمامتهما لبعضهما لا تصح، وهذا القدر متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . [طهارة الإمام من الحدث والخبث] ومن شروط صحة الإمامة المتفق عليها أن يكون الإمام طاهراً من الحدث والخبث؛ فإذا صلى شخص خلف رجل محدث أو على بدنه نجاسة، فإن صلاته تكون باطلة، كصلاة إمامه، بشرط أن يكون الإمام عالماً بذلك الحدث، ويتعمد الصلاة. وإلا فلا تبطل، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (13) . [إمامة من بلسانه لثغ ونحوه] من شروط صحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً لا يتحول في النطق عن حرف إلى غيره، كأن يبدل الراء غيناً، أو السين ثاء، أو الذال زاياً، أو الشين سيناً، أو غير ذلك من حروف الهجاء. وهذا ما يقال له: ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حروف الهجاء. وهذا يقال له ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حرف، ومثل هذا يجب عليه تقويم لسانه، ويحاول النطق بالحرف صحيحاً بكل ما في وسعه، فإن عجز بعد ذلك فإن إمامته، لا تصح إلا لمثله، أما إذا قصر، ولم يحاول إصلاح لسانه فإن صلاته تبطل من أصلها، فضلاً عن إمامته، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنفية يقولون: إن مثل هذا إذا كان يمكنه أن يقرأ موضعاً من القرآن صحيحاً غير الفاتحة وقرأه فإن صلاته لا تبطل، لأن قراءة الفاتحة غير فرض عندهم، وخالف في ذلك كله المالكية، فقالوا: إن إمامته صحيحة مطلقاً، كما هو موضح في مذهبم الآتي، ومثل الألثغ في هذا التفصيل من يدعم حرفاً في آخر خطأ، كأن يقلب السين تاء، ويدغمها في تاء بعدها، فيقول مثلاً المتقيم بدل "المستقيم"؛ فمثل هذا يجب عليه أن جتهد في إصلاح لسانه، فإن عجز صحت إمامته لمثله، وإن قصر بطلت صلاته وإمامته.أما الفأفأء، وهو الذي يكرر الفاء في كلامه، والتمتام وهو الذي يكرر التاء فإن إمامته تصح لمن كان مثله، ومن لم يكن، مع الكراهة عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية قالوا: إنها تصح بدون كراهة مطلقاً، والحنفية قالوا: إن إمامتهما كإمامة الألثغ، فلا تصح إلا لمثلهما بالشرط المتقدم، وقد ذكرنا مذهب المالكية في ذلك كله تحت الخط (14) . [إمامة المقتدي بإمام آخر] من شروط صحة الإمامة أن لا يكون الإمام مقتدياً بإمام غيره، مثلاً إذا أدرك شخص إمام المسجد في الركعتين الأخيرتين من صلاة العصر، ثم سلم الإمام، وقام ذلك الشخص ليقضي الركعتين، فجاء شخص آخر ونوى صلاة العصر مقتدياً بذلك الشخص الذي يقضي ما فاته، فهل تصح صلاة المقتدي الثاني أو لا؟ وأيضاً إذا كان المسجد مزدحماً بالمصلين، وجاء شخص في آخر الصفوف، ولم يسمع حركات الإمام، فاقتدى بأحد المصلين الذين يصلون خلفه، فهل يصح اقتداؤه أو لا؟ في ذلك كله تفصيل، فانظره تحت الخط (15) . (1) الحنفية قالوا: يسن للمعذور تأخير صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، أما صلاته قبل ذلك فمكروهة تنزيهاً، سواء رجا زوال عذره أو لا (2) الحنفية قالوا: من فاتته صلاة الجمعة لعذر أو لغيره يكره له صلاة ظهر الجمعة بالمصر بجماعة، أما أهل البوادي الذين لا تصح منهم الجمعة فيجوز لهم صلاة ظهر الجمعة بجماعة من غير كراهة، لأن يوم الجمعة بالنسبة لهم كغيره من باقي الأيام. الشافعية قالوا: من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره سن له أن يصلي الظهر في جماعة، ولكن إن كان عذره ظاهراً كالسفر ونحوه سن له أيضاً إظهار الجماعة، وإن كان عذره خفياً، كالجوع الشديد، سن إخفاء الجماعة، ويجب على من ترك الجمعة بلا عذر أن يصلي عقب سلام الإمام فوراً. الحنابلة قالوا: من فاتته الجمعة لغير عذر أو لم يفعلها لعدم وجوبها عليه، فالأفضل له أن يصلي الظهر في جماعة مع إظهاره، ما لم يخش الفتنة من إظهار جماعتها؛ وإلا طلب إخفاءها. المالكية قالوا: تطلب الجماعة في صلاة الظهر يوم الجمعة من معذور يمنعه عذره من حضور الجمعة، كالمريض الذي لا يستطيع السعي لها والمسجون؛ ويندب له إخفاء الجماعة لئلا يتهم بالإعراض عن الجمعة؛ كما يندب له تأخيرها عن صلاة الجمعة، أما من ترك الجمعة بغير عذر أو لعذر لا يمنعه من حضورها، كخوف على ماله لو ذهب للجمعة، فهذا يكره له الجماعة في الظهر (3) الحنفية قالوا: من أدرك الإمام في أي جزء من صلاته فقد أدرك الجمعة ولو تشهد سجود السهو، وأتمها جمعة على الصحيح. الحنابلة قالوا: من أدرك مع إمام الجمعة ركعة واحدة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً إن كان يصلي الجمعة في وقت الظهر؛ بشرط أن ينويه، وإلا أتمها نفلاً، ووجبت عليه صلاة الظهر (4) المالكية قالوا: يندب الذهاب للجمعة وقت الهاجرة، ويبتدئ بقدر ساعة قبل الزوال، وأما التكبير، وهو الذهاب قبل ذلك؛ فمكروه (5) المالكية قالوا: المندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فإن وافق يوم الجمعة يوم العيد لبس الجديد أو النهار، ولو كان أسود، لما عرفت أن السنة يوم العيد هي أن يلبس الجديد مطلقاً أبيض أو أسود فإذا خرج لصلاة الجمعة فإنه يندب له أن يلبس الأبيض، وبذلك يكون قد أدى حَق العيد وحَق الجمعة. الحنابلة قالوا: المندوب يوم الجمعة هو الأبيض لا غير (6) المالكية قالوا: في حكم الجماعة في الصلوات الخمس قولان: أحدهما مشهور، والثاني أقرب إلى التحقيق، فأما الأول فهو أنها سنة مؤكدة بالنسبة لكل مصل، وفي كل مسجد، وفي البلد الذي يقيم به المكلف، على أنه إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، وإلا قوتلوا لاستهانتهم بالسنة، وأما الثاني فهو أنه فرض كفاية في البلد، فإن تركها جميع أهل البلد قوتلوا؛ وإن قام بها بعضهم سقط الفرض عن الباقين، وسنة في كل مسجد للرجال، ومندوبة لكل مصل في خاصة نفسه، وللمالكي أن يعمل بأحد الرأيين، فإذا قال: إنها سنة عين مؤكدة يطلب اداؤها من كل مصل وفي كل مسجد؛ فقوله صحيح عندهم، على أنها وإن كانت سنة عين مؤكدة بالنسبة لكل مصل. ولكن إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، فالبلد الذي فيها مسجد تقام فيه الجماعة يكفي في رفع القتال عن الباقين، ومن قال إنها فرض كفاية فإنه يقول إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وقد وافقهم الشافعية في هذا القول، وإن خالفوهم في التفصيل الذي بعده. الحنفية قالوا: صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة سنة عين مؤكدة، وإن شئت قلت هي واجبة، لأن السنة المؤكدة هي الواجب على الأصح؛ وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وأن تارك الواجب يأثم إثماً أقل من إثم تارك الفرض، وهذا القول متفق مع الرأي الأول للمالكية الذين يقولون: إنها سنة عين مؤكدة: ولكنهم يخالفونهم في مسألة قتال أهل البلدة من أجل تركها، وإنما تسن في الصلاة المفروضة للرجال العقلاء الأحرار، غير المعذورين بعذر من الأعذار الآتية. إذا لم يكونوا عراة، وسيأتي بيان الجماعة في حَق النساء والصبيان، وباقي شروط الإمامة. الشافعية قالوا: في حكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة أقوال عندهم: الراجح منها أنها فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، فإذا أقيمت الجماعة في مسجد من مساجد البلدة سقطت عن باقي سكان البلدة، وكذا إذا أقامها جماعة في جهة من الجهات، فإنها تسقط عن باقي أهل الجهة. وبعض الشافعية يقول: إنها سنة عين مؤكدة، وهو مشهور عندهم، ومثل الصلوات الخمس في ذلك الحكم صلاة الجنازة، على أنهم قالوا: إن صلاة الجنازة تسقط إذا صلاها رجل واحد أو صبي مميز، بخلاف ما إذا صلتها امرأة واحدة، كما سيأتي في مباحث "صلاة الجنازة". الحنابلة قالوا: الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة، فرض عين بالشرائط الآتي بيانها، وقد عرفت استدلالهم (7) المالكية قالوا: الجماعة في صلاة الجمعة شرط لصحتها، فلا تصح إلا بها، والجماعة في صلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين شرط لتحقق سنيتها، فلا يحصل له ثواب السنة إلا إذا صلاها جماعة، والجماعة في صلاة التراويح مستحبة. أما باقي النوافل فإن صلاتها جماعة تارة يكون مكروهاً، وتارة يكون جائزاً، فيكون مكروهاً إذا صليت بالمسجد، أو صليت بجماعة كثيرين، أو كانت بمكان يكثر تردد الناس عليه، وتكون جائزة إذا كانت بجماعة قليلة، ووقعت في المنزل ونحوه في الأمكنة التي لا يتردد عليها الناس. الحنفية قالوا: تشترط الجماعة لصحة الجمعة والعيدين، وتكون سنة كفاية في صلاة التراويح والجنازة، وتكون مكروهة في صلاة النوافل مطلقاً، والوتر في غير رمضا؛ وإنما تكره الجماعة في ذلك إذا زاد المقتدون عن ثلاثة، أما الجماعة في وتر رمضان ففيها قولان مصححان: أحدهما: أنها مستحبة؛ ثانيهما: أنها غير مستحبة، ولكنها جائزة، وهذا القول أرجح. الشافعية قالوا: الجماعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة فرض عين، وفي الركعة الثانية من صلاة الجمعة سنة، فلو أدرك الإمام في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، ثم نوى مفارقته في الركعة الثانية وصلاها وحده صحت صلاته: وكذلك تكون فرض عين في خمسة مواضع أخرى: الأول: في كل صلاة أعيدت ثانياً في الوقت، فلو صلى الظهر مثلاً منفرداً أو في جماعة، ثم أراد أن يعيد صلاته مرة أحرى، فإنه لا يجوز له ذلك، إلا إذا صلاه جماعة؛ الثاني: تفترض الجماعة في الصلاة المجموعة جمع تقديم في حالة المطر، وإنما تفترض الجماعة في الصلاة الثانية فإذا وجد مطر شديد بعد دخول وقت الظهر مثلاً، فإن له أن يصلي الظهر منفرداً، ويصلي العصر مع الظهر لشدة المطر، بشرط أن يصلي العصر جماعة، فلو صلاه منفرداً فلا تصح صلاته؛ الثالث: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يفترض عليه أن يصليها كذلك، بحيث لو صلاها منفردا، فإنها لا تصح؛ الرابع: الصلاة المفروضة التي لم يوجد أحد يصليها جماعة إلا اثنان: فإذا فرض ولم يوجد في جهة إلا اثنان، فإن الجماعة تكون فرضاً عليهما، وذلك لأنك عرفت أن الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة فرض كفاية في الأصح، فإذا لم يوجد أحد يصليها إلا اثناء تعينتت عليهما؛ الخامس: تكون الجماعة فرض عين إذا وجد الإمام راكعاً، وعلم أنه اقتدى به أدرك ركعة في الوقت، ولو صلى منفرداً فاتته الركعة. أما الجماعة في صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان فهي مندوبة عند الشافعية، ومثل ذلك الصلاة التي يقضيها خلف إمام يصلي مثلها، كما إذا كان عليه ظهر قضاء، فإنه يندب أن يصليه خلف إمام يصلي ظهراً مثله، وكذلك تندب الجماعة لمن فاتته الجمعة لعذر من الأعذار، فإنه يندب له أن يصلي الظهر بدلاً عن الجمعة في جماعة وتباح الجماعة في الصلاة المنذورة وتكره في صلاة أداء خلف قضاء وعكسه، وفي فرض خلف نفل وعكسه، وفي وتر خلف تراويح وعكسه. الحنابلة قالوا: تشترط الجماعة لصلاة الجمعة، وتسن الرجال الأحرار القادرين في الصلوات المفروضة إذا كانت قضاء، كما تسن لصلاة الجنازة؛ أما النوافل فمنها ما تسن فيه الجماعة وذلك كصلاة الاستسقاء والتراويح والعيدين ومنها ما تباح فيه الجماعة، كصلاة التهجد ورواتب الصلوات المفروضة (8) الشافعية قالوا: يجوز اقتداء البالغ بالصبي المميز في الفرض إلا في الجمعة، فيشترط أن يكون بالغاً إذا كان الإمام من ضمن العدد الذي لا يصح إلا به، فإن كان زائداً عنهم صح أن يكون صبياً مميزاً (9) الحنفية قالوا: لا يصح اقتداء البالغ بالصبي مطلقاً، لا في فرض، ولا في نفل على الصحيح (10) المالكية قالوا: لا يصح أن تكون المرأة ولا الخنثى المشكل إماماً لرجال أو نساء، لا في فرض، ولا في نفل، فالذكورة شرط في الإمام مطلقاً مهما كان المأموم (11) المالكية قالوا: لا يصح اقتداء أمي عاجز عن قراءة الفاتحة بمثله إن وجد قارئ ويجب عليهما معاً أن يقتديا به، وإلا بطلت صلاتهما، أما القادر على قراءة الفاتحة، ولكنه لا يحسنها، فالصحيح أنه يمنع ابتداء من الاقتداء بمثله إن وجد من يحسن القراءة، فإن اقتدى بمثله صحت، إما إذا لم يوجد قارئ فيصح اقتداء الأمي بمثله على الأصح (12) المالكية قالوا: لا يشترط في صحة الإمامة سلامة الإمام من الأعذار المعفو عنها في حقه فإذا كان الإمام به سلس بول معفو عنه لملازمته ولو نصف الزمن، كما تقدم، صحت إمامته، وكذا إذا كان به انفلات ريح أو غير ذلك مما لا ينقض الوضوء، ولا يبطل الصلاة، فإمامته صحيحة نعم يكره أن يكون إماماً لصحيح ليس به عذر. الشافعية قالوا: إذا كان العذر القائم بالإمام لا تجب معه إعادة الصلاة، فإمامته صحيحة، ولو كان المقتدي سليماً (13) المالكية قالوا: لا تصح إمامة المحدث إن تعمد المحدث، وتبطل صلاة من اقتدى به؛ أما إذا لم يتعمد، كأن دخل في الصلاة ناسياً الحدث أو غلبه الحدث، وهو فيها، فإن عمل بالمأمومين عملاً من أعمال الصلاة بعد علمه بحدثه أو بعد أن غلبة بطلت صلاتهم، كما تبطل صلاتهم إذا اقتدوا به بعد عملهم بحدثه وإن لم يعلم الإمام، أما إذا لم يعلموا بحدثه ولم يعلم الإمام أيضاً إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاتهم صحيحة، وأما صلاة الإمام فباطلة في جميع الصور، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وحكم صلاة الإمام والمأموم إذا علق بالإمام نجاسه، كالحكم إذا كان محدثاً في هذا التفصيل، إلا أن صلاته هو تصح إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة، لأن الطهارة من الخبث شرك لصحة الصلاة مع العلم، كما تقدم. الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمحدث إذا علم المأموم به ابتداء، فإن علم بذلك في أثناء الصلاة وجبت عليه نية المفارقة، وأتم صلاته وصحت، وكفاه ذلك، وإن علم المأموم بحدث إمامه بعد فراغ الصلاة فصلاته صحيحة؛ وله ثواب الجماعة؛ أما صلاة الإمام فباطلة في جميع الأحوال لفقد الطهارة التي هي شرط للصلاة، ويجب عليه إعادتها؛ ولا يصح الاقتداء أيضاً بمن به نجاسة خفية، كبول جف مع علم المقتدي بذلك، بخلاف ما إذا جهله، فإن صلاته صحيحة في غير الجمعة، وكذا في الجمعة إذا تم العدد بغيره، وإلا فلا تصح للجميع لنقص العدد المشترط في صحة الجمعة؛ أما إذا كان على الإمام نجاسة ظاهرة، بحيث لو تأملها أدركها، فإنه لا يصح الاقتدار به مطلقاً، ولو مع الجهل بحاله. الحنابلة قالوا: لا تصح إمامة المحدث حدثاً أصغر أو أكبر، ولا إمامة من به نجاسة إذا كان يعلم بذلك. فإن جهل ذلك المقتدي أيضاً حتى الصلاة صحت صلاة المأموم وحده، سواء كانت صلاة جمعة أو غيرها، إلا أنه يشترط في الجمعة أن يتم العدد المعتبر فيها، وهو - أربعون - بغير هذا الإمام وإلا كانت باطلة على الجميع، كما تبطل عليهم أيضاً إذا كان بأحد المأمومين حدث أو خبث إن كان لا يتم العدد إلا به. الحنفية قالوا: لا تصح إمامة المحدث ولا من به نجاسة لبطلان صلاته، أما صلاة المقتدين به فصحيحة إن لم يعلموا بفساد علمون بشهادة عدول، أو بإخبار الإمام العدل عن نفسه بطلب صلاتهم ولزمهم وإعادتها؛ فإن لم يكون الثي أخبر بفساد صلاته عدلاً فلا يقبل قوله ولكنيستحب لهم إعادتها احتياطاً (14) المالكية قالوا: الألثغ، والتمتام والفأفاء، والأرت، وهو الذي يدغم حرفاً في آخر خطأً، ونحوهم من كل ما لا يستطيع النطق ببعض الحروف. تصح إمامته وصلاته لمثله ولغير مثله من الأصحاء الذين لا اعوجاج في ألسنتهم، ولو وجد من يعلمه، وقبل التعليم، واتسع الوقت له، ولا يجب عليه الاجتهاد في إصلاح لسانه على الراجح، ومن هذا تعلم أن المالكية لا يشترطون لصحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً (15) المالكية قالوا: من اقتدى بمسبوق أدرك مع إمامه ركعة بطلت صلاته، سواء كان المقتدي مسبوقاً مثله أو لا. أما إذا حاكى المسبوق مسبوقاً آخر في صورة إتمام الصلاة بعد سلام الإمام من غير أن ينوي الاقتداء به، فصلاته صحيحة، وكذا إن كان المسبوق لم يدرك مع إمامه ركعة كأن دخل مع الإمام في التشهد الأخير، فيصح الاقتداء به، لأنه منفرد لم يثبت له حكم الاقتدار. الحنفية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمسبوق، سواء أدرك مع إمامه ركعة أو أقل منها، فلو اقتدى اثنان بالإمام، وكانا مسبوقين، وبعد سلام الإمام نوى أحدهما الاقتداء بالآخر بطلت صلاة المقتدي، أما إن تابع أحدهما الآخر ليتذكر ما سبقه من غير نية الاقتداء، فإن صلاتهما صحيحة لارتباطهما بإمامهما السابق. الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن اقتدى به بعد أن سلم الإمام أو بعد أن نوى مفارقته - ونية المفارقة جائزة عندهم صح الاقتداء به، وذلك في غير الجمعة؛ أما في صلاتها، فلا يصح الاقتداء. الحنابلة قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن سلم إمامه، وكان مسبوقاً صح اقتداء مسبوق مثله به، إلا في صلاة الجمعة، فإنه لا يصح اقتداء المسبوق بمثله
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة (1) المالكية قالوا: يجب على من كان بمكة أو قريباً منها أن يستقبل القبلة بناء الكعبة، بحيث يكون مسامتاً لها بجميع بدنه، ولا يكفيه استقبال هوائها، على أنهم قالوا: إن من صلى على جبل أبي قبيس فصلاته صحيحة، بناءً على القول المرجوح من أن استقبال الهواء كاف المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 171 الى صــــــــ178 الحلقة (33) [مبحث ستر العورة في الصلاة] الشرط الثاني من شروط الصلاة: ستر العورة. فلا تصح الصلاة من مكشوف العورة التي أمر الشارع بسترها في الصلاة، الا إذا كان عاجزاً عن ساتر يستر له عورته (1) ، ويختلف حد العورة بالنسبة للرجل، والمرأة الحرة، والأمة؛ وحد العورة (2) للرجل والأمة، والحرة مفصل في المذاهب. (1) المالكية: زادوا الذكر على الراجح. فلو كشف عورته ناسياً صحت صلاته (2) الحنفية قالوا: حد عورة الرجل بالنسبة للصلاة هو من السرة إلى الركبة: والركبة عندهم من العورة؛ بخلاف السرة؛ والأمة كالرجل؛ وتزيد عنه أن بطنها كلها وظهرها عورة؛ أما جنباها فتبع للظهر والبطن؛ وحد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة"، ويستثنى من ذلك باطن الكفين، فإنه ليس بعورة، بخلاف ظاهرهما، وكذلك يستثنى ظاهر القدمين، فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما، فإنه عورة، عكس الكفين. الشافعية قالوا: حد العورة من الرجل والأمة وما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليستا من العورة، وإنما العورة ما بينهما، ولكن لا بدّ من ستر جزء منهما ليتحقق من ستر الجزء المجاور لهما من العورة، وحد العورة من المرأة الحرة جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها؛ ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط ظاهرهما وباطنهما. الحنابلة قالوا: في حد العورة، كما قال الشافعية، الا أنهم استثنوا من الحرة الوجه فقط، وما عداه منها فهو عورة. المالكية قالوا: إن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلاة تنقسم إلى قسمين: مغلظة؛ ومخففة، ولكل منهما حكم، فالمغلظة للرجل السوءتان، وهما القبل والخصيتان، وحلقة الدبر لا غير والمخففة له ما زاد على السوءتين مما بين السرة والركبة، وما حاذى ذلك من الخلف، والمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر، وما حاذاه من الظهر، والمخففة لها هي الصدر، وما حاذاة من الظهر والذراعين والعنق والرأس، ومن الركبة إلى آخر القدم، أما الوجه والكفان ظهراً وبطناً فهما ليستا من العورة مطلقاً، والعورة المخففة من الأمة مثل المخففة من الرجل الا الأليتان وما بينهما من المؤخر، فإنهما من المغلظة للأمة، وكذلك الفرج والعانة من المقدم، فهما عورة مغلظة للأمة. فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلها أو بعضها، ولو قليلاً، مع القدرة على الستر ولو بشراء ساتر أو استعارته، أو قبول إعارته، لا هبته، بطلت صلاته إن كان قادراً ذاكراً، وأعادها وجوباً أبداً، أي سواء أبقي وقتها أم خرج، أما العورة المخففة، فإن كشفها كلاً أو بعضاً لا يبطل الصلاة، وإن كان كشفها حراماً، أو مكروهاً في الصلاة، ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة، أن يعيد الصلاة في الوقت مستوراً على التفصيل، وهو أن تعيد الحرة في الوقت إن صلت مكشوفة الرأس، أو العنق، أو الكتف، أو الذراع، أو النهد، أو الصدر، أو ما حاذاه من الظهر، أو الركبة، أو الساق إلى آخر القدم، ظهراً لا بطناً. وإن كان بطن القدم من العورة المخففة؛ وأما الرجل فإنه يعيد في الوقت إن صلى مكشوف العانة أو الأليتين، أو ما بينهما حول حلقة الدبر، ولا يعيد بكشف فخذيه، ولا بكشف ما فوق عانته إلى السرة، وما حاذى ذلك من خلفه فوق الأليتين ************************************ ولا بد من دوام ستر العورة (1) ، (1) الحنابلة قالوا: إذا انكشف شيء من العورة من غير قصد، فإن كان يسيراً لا تبطل به الصلاة، وإن طال زمن الانكشاف، وإن كان كثيراً، كما لو كشفها ريح ونحوه، ولو كلها، فإن سترها في الحال بدون عمل كثير لم تبطل؛ وإن طال كشفها عرفاً بطلبت؛ أما إن كشفها بقصد، فإنها تبطل مطلقاً. الحنفية قالوا: إذا انكشف ربع العضو من العورة المغلظة، وهي القبل والدبر وما حولهما أو المخففة، وهي ما عدا ذلك من الرجل والمرأة في أثناء الصلاة بمقدار أداء ركن، بلا عمل منه، كأن هبت ريح رفعت ثوبه فسدت الصلاة، أما إن انكشف ذلك؛ أو أقل منه بعمله فإنها تفسد في الحال مطلقاً. ولو كان زمن انكشافها أقل من أداء ركن، أما إذا انكشف ربع العضو قبل الدخول في الصلاة فإنه يمنع من انعقادها. المالكية قالوا: إن انكشاف العورة المغلظة في الصلاة مبطل لها مطلقاً، فلو دخلها مستوراً فسقط الساتر في أثنائها بطلت ويعيد الصلاة أبداً على المشهور. الشافعية قالوا: متى انكشفت عورته في أثناء الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته، الا إن كشفها الريح فسترها حالاً من غير عمل كثير، فإنها لا تبطل، كما لو كشفت سهواً وسترها حالاً. أما لو كشفت بسبب غير الريح، ولو بسبب بهيمة، أو غير مميز، فإنها تبطل ********************************* ولا يضر التصاقه بالعورة، بحيث يحدد جرمها، ومن فقد ما يستر (1) به عورته، بأن لم يجد شيئاً أصلاً صلى عرياناً، وصحت صلاته (2) ، وإن وجد ساتراً، الا أنه نجس العين، كجلد خنزير، أو متنجس، كثوب أصابته نجاسة غير معفوِّ عنها، فإنه يصلي عرياناً أيضاً، ولا يجوز له لبسه في الصلاة (3) وإن وجد ساتراً يحرم عليه استعماله، (1) المالكية قالوا: الساتر المحدد للعورة تحديداً محرماً أو مكروهاً بغير بلل أو ريح يوجب إعادة الصلاة في الوقت. أما إذا خرج وقت الصلاة فلا إعادة، وأما الساتر الذي يحدد العورة بسبب هبوب ريح، أو بلل مطر مثلاً؛ فلا كراهة فيه ولا إعادة (2) الحنفية، والحنابلة قالوا: إن الأفضل أن يصلي في هذه الحالة قاعداً مومياً بالركوع والسجود، ويضم إحدى فخذيه إلى الأخرى، وزاد الحنفية في ذلك أن يمد رجليه إلى القبلة مبالغة في الستر (3) المالكية قالوا: يصلي في الثوب النجس أو المتنجس، ولا يعيد الصلاة وجوباً، وإنما يعيدها ندباً في الوقت عند وجود ثوب طاهر، ومثل ذلك ما إذا صلى في الثوب الحرير. الحنابلة قالوا: يصلي في المتنجس، وتجب عليه الإعادة بخلاف نجس العين، فإنه يصلي معه عرياناً ولا يعيد ********************************* كثوب من حرير، فإنه يلبسه ويصلي فيه للضرورة، ولا يعيد الصلاة، أما إن وجد ما يستر به بعض العورة فقط، فإنه يجب استعماله فيما يستره، ويقدم القبل والدبر، ولا يجب عليه أن يستتر بالظلمة إن لم يجد (1) ساتراً غيرها. وإذا كان فاقداً لساتر يرجو الحصول عليه قبل خروج الوقت فإنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت (2) ندباً؛ ويشترط ستر العورة من الأعلى والجوانب، لا من الأسفل، عن نفسه (3) ، وعن غيره، فلو كان ثوبه مشقوقاً من أعلاه أو جانبه، بحيث يمكن له أو لغيره أن يراها منها بطلت صلاته، وإن لم تُرَ بالفعل؛ أما إن رئيت من أسفل الثوب، فإنه لا يضر. [ستر العورة خارج الصلاة] يجب على المكلف (4) ستر عورته خارج الصلاة عن نفسه وعن غيره ممن لا يحل له النظر إلى عورته الا لضرورة، كالتداوي، فإنه يجوز له كشفها بقدر الضرورة، كما يجوز له كشف العورة للاستنداء والاغتسال، وقضاء الحاجة، ونحو ذلك إذا كان في خلوة، بحيث لا يراه غيره، وحد العورة من المرأة الحرة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة إذا كانت في خلوة، أو في حضرة محارمها (5) ، أو في حضرة نساء مسلمات (6) ، فيحل لها كشف ما عدا ذلك (1) المالكية قالوا: يجب عليه أن يستتر بها. لأنهم يعتبرون الظلمة كالساتر عند فقده، فإن ترك ذلك بأن صلى في الضوء مع وجودها أثم وصحت صلاته، ويعيدها في الوقت ندباً (2) الشافعية قالوا: يؤخرها وجوباً (3) الحنفية، والمالكية قالوا: لا يشترط سترها عن نفسه، فلو رآها من طوق ثوبه لا تبطل صلاته؛ وإن كره له ذلك (4) المالكية قالوا: إذا كان المكلف بخلوة كره له كشف العورة لغير حاجة، والمراد بالعورة في الخلوة بخصوصها خصوص السوءتين والأليتين والعانة فلا يكره كشف الفخذ من رجل أو امرأة، ولا كشف البطن من المرأة (5) المالكية قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنهاما عدا الوجه والأطراف، وهي: الرأس، والعنق، واليدان والرجلان. الحنابلة قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنها ما عدا الوجه، والرقبة، والرأس، واليدين، والقدم، والساق (6) الحنابلة: لم يفرقوا بين المرأة المسلمة والكافرة. فلا يحرم أن تكشف المرأة المسلمة أمامها بدنها الا ما بين السرة والركبة، فإنه لا يحل كشفه أمامها ********************************** من بدنها بحضرة هؤلاء، أو في الخلوة، أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي، أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها، ما عدا الوجه والكفين، فإنهما ليسا بعورة، فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة (1) .أما عورة الرجل خارج الصلاة فهي ما بين سرته وركبته فيحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقاً عند أمن الفتنة (2) ؛ ويحرم النظر إلى عورة الرجل والمرأة، متصلة كانت، أو منفصلة، فلو قص شعر امرأة، أو شعر عانة رجل، أو قطع ذراعها، أو فخذه: حرم النظر إلى شيء من ذلك بعد انفصاله (3) ، وصوت المرأة ليس بعورة: لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يكلمن بتلاوة القرآن، ويحرم النظر إلى الغلام الأمرد إن كان صبيحاً - بحسب طبع النظر - بقصد التلذذ، وتمتع البصر بمحاسنه، أما النظر إليه بغير قصد اللذة فجائز إن أمنت الفتنة، وأما حد العورة من الصغير فمفصلة في المذاهب (4) . وكل ما حرم النظر إليه حرم لمسه بلا حائل، ولو بدون شهوة. (1) الشافعية قالوا: إن وجه المرأة وكفيها عورة بالنسبة للرجل الأجنبي، أما بالنسبة للكافرة، فإنهما ليستا بعورة، وكذلك ما يظهر من المرأة المسلمة عند الخدمة في بيتها، كالعنق، والذراعين. ومثل الكافرة كل امرأة فاسدة الأخلاق (2) المالكية، والشافعية قالوا: إن عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر إليه، فبالنسبة للمحارم والرجال هي ما بين سرته وركبته، وبالنسبة للأجنبية منه هي جميع بدنه، الا أن المالكية استثنوا الوجه والأطراف، وهي الرأس، واليدان، والرجلان، فيجوز للأجنبية النظر إليها عند أمن التلذذ وإلا منع، خلافاً للشافعية، فإنهم قالوا: يحرم النظر إلى ذلك مطلقاً (3) الحنابلة قالوا: إن العورة المنفصلة لا يحرم النظر إليها لزوال حرمتها بالانفصال. المالكية قالوا: إن العورة المنفصلة حال الحياة يجوز النظر إليها. أما المنفصلة بعد الموت فهي كالمتصلة في حرمة النظر إليها (4) الشافعية قالوا: إن عورة الصغير في الصلاة، ذكراً كان، أو أنثى، مراهقاً، أو غير مراهق، كعورة المكلف في الصلاة، أما خارج الصلاة فعولة الصغير المراهق ذكراً كان أو أنثى كعورة البالغ خارجها في الأصح، وعورة الصغير غير المراهق إن كان ذكراً كعورة المحارم إن كان ذلك الصغير يحسن وصف ما يراه من العورة بدون شهوة، فإنه أحسنه بشهوة، فالعورة بالنسبة له كالبالغ، وإن لم يحسن الوصف فعورته كالعدم، الا أنه يحرم النظر إلى قبله ودبره، لغير من يتولى تربيته؛ أما إن كان غير المراهق أنثى فإن كانت مشتهاة عند ذوي الطباع السليمة فعورتها عورة البالغة. وإلا فلا، لكن يحرم النظر إلى فرجها لغير القائم بتربيتها. المالكية قالوا: إن عورة الصغير خارج الصلاة تختلف باختلاف الذكورة والأنوثة والسن، فابن ثمان سنينن فأقل لا عورة له فيجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدنه حياً وأن تغسله ميتاً، وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة يجوز لها النظر إلى جميع بدنه ولكن لا يجوز لها تغسيله، وأما ابن ثلاث عشرة سنة فما فوق فعورته كعورة الرجل وبنت سنتين وثمانية أشهر لا عورة لها وبنت ثلاث سنين إلى أربع لا عورة لها بالنسبة للنظر. فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنها، وعورتها بالنسبة للمس كعورة المرأة، فليس للرجل أن يغسلها، أما المشتهاة كبنت ست فهي كالمرأة فلا يجوز للرجل النظر إلى عورتها ولا تغسيلها؛ وعورة الصغير في الصلاة - إن كان ذكراً - السوءتان والعانة والأليتان فيندب له سترها وإن كانت أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة. ولكن يجب على وليها أن يأمرها بسترها في الصلاة كما يأمرها بالصلاة وما زاد على ذلك مما يجب ستره على الحرة فيندب لها فقط. الحنفية قالوا: لا عورة للصغير ذكراً كان أو أنثى. وحددوا ذلك بأربع سنين. فما دونها فيباح النظر إلى بدنه ومسه. ثم ما دام لم يشته فعورته القبل والدبر. فإن بلغ حد الشهوة فعورته كعورة البالغ ذكراً أو أنثى. في الصلاة وخارجها. الحنابلة قالوا: إن الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين لا حكم لعورته. فيباح مس جميع بدنه والنظر إليه؛ ومن زاد عن ذلك إلى ما قبل تسع سنين فإن كان ذكراً فعورته القبل والدبر في الصلاة وخارجها، وإن كان أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة بالنسبة للصلاة؛ وأما خارجها فعورتها بالنسبة للمحارم هي ما بين السرة والركبة، وبالنسبة للأجانب من الرجال جميع بدنها الا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم ********************************* [مباحث استقبال القبلة] لعلك على ذكر من شرائط الصلاة التي ذكرناها في "أول كتاب الصلاة" ومن بينها دخول الوقت، وستر العورة، واستقبال القبلة؛ وقد بينا الأحكام المتعلقة بدخول الوقت. وستر العورة، ونريد أن نبين هنا الأحكام المتعلقة باستقبال القبلة؛ ويتعلق بها مباحث؛ أحدها: تعريف القبلة؛ ثانيها: دليل اشتراطها؛ ثالثها: بيان ما تعرف به القبلة؛ رابعها: بيان الأحوال التي تصح فيها الصلاة مع عدم استقبال القبلة؛ خامسها: حكم الصلاة في جوف الكعبة، وإليك بيانها على هذا الترتيب: [تعريف القبلة] القبلة هي جهة الكعبة، أو عين الكعبة، فمن كان مقيماً بمكة أو قريباً منها فإن صلاته لا تصح الا إذا استقبل عين الكعبة يقيناً ما دام ذلك ممكناً، فإذا لم يمكنه ذلك، فإن عليه أن يجتهد في الاتجاه إلى عين الكعبة، إذ لا يكفيه الاتجاه إلى جهتها ما دام بمكة، على أنه يصح أن يستقبل هواءها المحاذي لها من أعلاها، أو من أسفلها، فإذا كان شخص بمكة على جبل مرتفع عن الكعبة. أو كان في دار عالية البناء ولم يتيسر له استقبال عين الكعبة، فإنه يكفي أن يكون مستقبلاً لهوائها المتصل بها، ومثل ذلك ما إذا كان في منحدر أسفل منها، فاستقبال هواء الكعبة المتصل بها من أعلى أو أسفل. كاستقبال بنائها عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الجدول (1) . ومن كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه أن يتجه إلى نفس محراب المسجد النبوي. وذلك لأن استقبال عين محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو استقبال لعين الكعبة، لأنه وضع بالوحي، فكان مسامتاً لعين الكعبة، ولا يلزمه أن يستقبل عين الكعبة، بل يصح أن ينتقل عن عين الكعبة إلى يمينها أو شمالها، ولا يضر الانحراف اليسير عن نفس الجهة أيضاً، لأن الشرط هو
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 195 الى صــــــــ206 الحلقة (36) [حكم استحضار الصلاة المنوية وشروط النية] قد عرفت مما تقدم في "مبحث كيفية النية" أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن استحضار الصلاة من قيام. وقراءة. وركوع. وسجود عند النية ليس بشرط لصحة الصلاة. وخالف في ذلك الشافعية. فقالوا: لا بد من استحضار بعض أجزاء الصلاة عند النية إن لم يستطع استحضار جميع الأركان، وقد تقدم بيان مذهبهم موضحاً؛ أما استمرار النية إلى آخر الصلاة بحيث لو نوى الخروج من الصلاة. وأبطل نية الدخول فيها، فإن الصلاة تبطل، ولو استمر في صلاته. لأن في هذه الحالة يكون قد صلى بدون نية، مثلاً إذا دخل شخص في الصلاة بنية صحيحة ثم ناداه شخص آخر فنوى الخروج من الصلاة تلبية لندائه. فإن صلاته تبطل بذلك. ولو لم يقطع الصلاة بالفعل، لأن من شرائط صحة النية أن لا يأتي المصلي بما ينافيها، وظاهر أن نية الخروج من الصلاة يناقض نية الدخول فيها، وقد تقدمت شروط النية في صحيفة 54 - وهي: الإسلام: والتمييز، والجزم، بأن لا يتردد في النية أو يرفضها، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، الا أنك قد عرفت أن الشافعية زادوا على ذلك في نية الصلاة قصد أفعال الصلاة، ونية كون الصلاة فرضاً؛ وزادوا في نية الوضوء أن تكون مقارنة لغسل أول عضو مفروض، أما الإسلام فهو شرط من شروط صحة النية في الصلاة باتفاق، وذلك لأن الصلاة لا تصح من غير المسلم، كما تقدم في "شروط الصلاة". [حكم التلفظ بالنية، ونية الأداء أو القضاء أو نحو ذلك] يسن أن يتلفظ بلسانه بالنية، كأن يقول بلسانه أصلي فرض الظهر مثلاً، لأن في ذلك تنبيهاً للقلب، فلو نوى بقلبه صلاة الظهر، ولكن سبق لسانه فقال: نويت أصلي العصر فإنه لا يضر، لأنك قد عرفت أن المعتبر في النية إنما هو القلب، النطق باللسان ليس بنية، وإنما هو مساعد على تنبيه القلب، فخطأ اللسان لا يضر ما دامت نية القلب صحيحة، وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية والحنابلة، أما المالكية، والحنفية فانظر مذهبهما تحت الخط (1) ، أما نية الأداء أو القضاء أو عدد الركعات فسنبينه مفصلاً بعد هذا:[نية الأداء والقضاء]لا يلزم المصلي أن ينوي الأداء والقضاء، فإذا صلى الظهر مثلاً في وقتها، فإنه لا يلزم أن ينوي الصلاة أداء، وكذلك إذا صلاها بعد خروج وقتها فإنه لا يلزمه أن ينويها قضاء، فإذا نواه تصح، وإن لم تطابق الواقع. كما إذا نوى صلاة الظهر أداء بعد خروج الوقت، فإن كان عالماً بخروج الوقت وتعمد المخالفة بطلت صلاته؛ لأن في هذا تلاعباً ظاهراً، أما إذا لم يكن عالماً بخروج الوقت، فإن صلاته تكون صحيحة.هذا، وإذا نوى أن يصلي المغرب أربع ركعات أو العشاء خمس ركعات، فإن صلاته تكون باطلة، ولو كان غالطاً؛ وهذا هو رأي الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، فانظر مذهبهما تحت الخط (2) .(1) المالكية، والحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية ليس مروعاً في الصلاة، الا إذا كان المصلي موسوساً، على أن المالكية قالوا: إن التلفظ بالنية خلاف الأولى لغير الموسوس، ويندب للموسوس. الحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية بدعة، ويستحسن لدفع الوسوسة (2) الحنفية قالوا: إذا نوى الظهر خمس ركعات أو ثلاثاً مثلاً، فإن قعد على رأس الرابعة ثم خرج من الصلاة أجزأه، وتكون نية الخمس ملغاة. ************************** [حكم النية في الصلاة غير المفروضة وكيفيتها] في حكم النية في الصلاة النافلة تفصيل في المذاهب (1) . [وقت النية في الصلاة] اتفق ثلاثة من الأئمة، وهم المالكية، والحنفية؛ والحنابلة: على أن يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، وخالف الشافعية، فقالوا: لا بد من أن تكون النية مقارنة المالكية قالوا: لا تبطل صلاته الا إذا كان متعمداً، فلو نوى الظهر خمس ركعات غلطاً صحت صلاته (1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعيين صلاة النافلة، سواء كانت سنناً أو لا، بل يكفي أن ينوي مطلق الصلاة، الا أن الأحوط في السنن أن ينوي الصلاة متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما أن الأحوط في صلاة التراويح أن ينوي التراويح، أو سنة الوقت، أو قيام الليل وإذا وجد جماعة يصلون ولا يدري أهم في صلاة التراويح أم في صلاة الفرض، وأراد أن يصلي معهم، فلينو صلاة الفرض، فإن تبين أنهم في صلاة الفرض أجزأه، وإن تبين أنهم في التراويح انعقدت صلاته. الحنابلة قالوا: لا يشترط تعيين السنة الراتبة بأن ينوي سنة عصر، أو ظهر، كما يشترط تعيين سنة التراويح، وأما النفل المطلق فلا يلزم أن ينوي تعيينه، بل يكفي فيه نية مطلق الصلاة. الشافعية قالوا: صلاة النافلة إما أن يكون لها وقت معين؛ كالسنن الراتبة، وصلاة الضحى، وإما أن لا يكون لها وقت معين، ولكن لها سبب، كصلاة الاستسقاء؛ وإما أن تكون نفلاً مطلقاً، فإن كان لها وقت معين، أو سبب، فإنه يلزم أن يقصدها ويعينها، بأن ينوي سنة الظهر مثلاً، وأنها قبلية أو بعدية؛ كما يلزم أن يكون القصد والتعيين مقارنين لأي جزء من أجزاء التكبير، وهذا هو المراد بالمقارنة والاستحضار العرفيين، وقد تقدم مثله في صلاة الفرض، ولا يلزم فيها نية النفلية، بل يستحب، أما إن كانت نفلاً مطلقاً، فإنه يكفي فيها مطلق قصد الصلاة حال النطق بأي جزء من أجزاء التكبير، ولا يلزم فيها التعيين، ولا نية النفليه، ويلحق بالنفل المطلق في ذلك كل نافلة لها سبب. ولكن يغني عنها غيرها؛ كتحية المسجد، فإنها سنة لها سبب وهو دخول المسجد، ولكن تحصل في ضمن أي صلاة يشرع فيها عقب دخوله المسجد. المالكية قالوا: الصلاة غير المفروضة إما أن تكون سنة مؤكدة؛ وهي صلاة الوتر والعيدين والكسوف والاستسقاء، وهذه يلزم تعيينها في النية بأن ينوي صلاة الوتر أو العيد، وهكذا؛ وإما أن تكون رغيبة؛ وهي صلاة الفجر لا غير، ويشترط فيها التعيين أيضاً، بأن ينوي صلاة الفجر، وإما أن تكون مندوبة كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد، وهذه يكفي فيها نية مطلقة الصلاة، ولا يشترط تعيينها، لأن الوقت كاف في تعيينها **************************** لتكبيرة الإحرام، بحيث لو فرغ من تكبيرة الإحرام بدون نية بطلت، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في وقت النية تحت الخط (1) . (1) الحنفية قالوا: يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بشرط أن لا يفصل بينهما فاصل أجنبي عن الصلاة، كالأكل والشرب والكلام الذي تبطل به الصلاة؛ أما الفاصل المتعلق بالصلاة، كالمشي لها؛ والوضوء، فإنه لا يضر، فلو نوى صلاة الظهر مثلاً، ثم شرع في الوضوء، وبعد الفراغ منه مشى إلى المسجد، وشرع في الصلاة ولم تحضره النية؛ فإن صلاته تصح، وقد عرفت مما تقدم أن النية هي إرادة الصلاة لله تعالى وحده؛ بدون أن يشرك معه في ذلك أمراً من الأمور الدنيوية مطلقاً، فمتى نوى هذا، وشرع في الصلاة بدون أن يفصل بين نيته وبينه بعمل أجنبي، فإنه يكون قد أتى بالمطلوب منه، فإذا شرع في الصلاة بهذه النية الصحيحة، ثم دخل عليه شخص، فأطال الصلاة لميدح عنده، فإن ذلك لا يبطل الصلاة ولكن ليس له ثواب هذه الإطالة وإنما له ثواب أصل الصلاة، وذلك لأن نيته كانت خالصة الله تعالى وهذا معنى قول بعض الحنفية؛ إن الصلاة لا يدخلها رياء؛ فإنهم يريدون به أن النية الخالصة تكفي في صحة الصلاة؛ ولا يضر الرياء العارض، على أنه شر لا فائدة منه باتفاق. وهل تصح نية الصلاة قبل وقتها، كأن ينوي الصلاة، ويتوضأ قبل دخول الوقت بزمن يسير، ثم يمشي إلى المسجد بدون أن يتكلم بكلام أجنبي، ويجلس فيه إلى أن يدخل الوقت فيصلي؟ والجواب: أن المنقول عن أبي حنيفة أن النية لا تصح قبل دخول الوقت، وبعضهم يقول: بل تصح لأن النية شرط والشرط يتقدم على المشروط، فتقدم النية طبيعي. هذا، وقد اتفق علماء الحنفية على أن الأفضل أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام بدون فاصل، فعلى مقلدي الحنفية أن يراعوا ذلك، ولا يفصلوا بين التكبيرة وبين النية، لأنه أفضل، ويرفع الخلف. الحنابلة قالوا: إن النية يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، بشرط أن ينوي بعد دخول الوقت، كما نقل عن أبي حنيفة، فإذا نوى الصلاة قبل دخول وقتها فإن نيته لا تصح، وذلك لأن النية شرط، فلا يضر أن تتقدم على الصلاة، كما يقول الحنفية، ولكن الحنابلة يقولون: إن الكلام الأجنبي لا يقطع النية، فلو نوى الصلاة، ثم تكلم بكلام خارج عن الصلاة، ثم كبر، فإن صلاته تكون صحيحة، وإنما اشترطوا اللنية دخول الوقت، مراعات لخلاف من يقول: إنها ركن. هذا، والأفضل عندهم أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، كما يقول الحنفية. المالكية قالوا: إن النية يصح أن تتقدم على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفاً، كما إذا نوى في محل قريب من المسجد، ثم كبر في المسجد ناسياً للنية، وبعض المالكية يقول: إن النية لا يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام مطلقاً، فإن تقدمت بطلت الصلاة، ولكن الظاهر عندهم هو القول الأول؛ على أنهم اتفقوا على أن النية إذا تقدمت بزمن طويل في العرف فإنها تبطل، وإنما ذكرنا هذا الخلاف ليعلم الناظر في هذا أن مقارنة النية لتكبيرة الإحرام عند المالكية له منزلة، فلا يصح إهماله بدون ضرورة: من نسيان، ونحوه. الشافعية قالوا: إن النية لا بد أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، بحيث لو تقدمت عليها أو تأخرت بزمن ما، فإن الصلاة لا تصح، كما بيناه في مذهبهم في "مبحث كيفية النية" ******************************* [نية الإمام ونية المأموم] يشترط في صح صلاة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام، بأن ينوي متابعته في أول الصلاة فلو أحرم شخص بالصلاة منفرداً، ثم وجد إماماً فنوى الاقتداء به فإن صلاته لا تصح عند الحنفية، والمالكية؛ أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ أما الإمام فإنه لا يشترط أن ينوي الإمامة الا في أمور مبينة في المذاهب(2) . (1) الشافعية قالوا: إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة صحت الا في صلاة الجمعة والصلاة التي جمعت جمع تقديم للمطر، والصلاة المعادة، فإنه لا بد أن ينوي الاقتداء فيهما أول صلاته، وإلا لم تصح. الحنابلة قالوا: يشترط في صحة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام أو الصلاة، الا إذا كان المأموم مسبوقاً، فله أنيقتدي بعد سلام إمامه بمسبوق مثله في غير الجمعة؛ ومثل ذلك إذا ما اقتدى مقيم بمسافر يقصر الصلاة فإن للمقيم أن يقتدي بمثله في بقية الصلاة بعد فراغ الإمام (2) الحنابلة قالوا: يشترط أن ينوي الإمامة في كل صلاة، وتكون نية الإمامة في أول الصلاة الا في الصورتين المتقدمتين في الحكم الذي ذكر قبل هذا مباشرة. المالكية قالوا: يشترط نية الإمامة في كل صلاة تتوقف صحتها على الجماعة، وهي الجمعة والمغرب، والعشاء المجموعتان ليلة المطر تقديماً، وصلاة الخوف، وصلاة الاستخلاف، فلو ترك الإمام نية الإمامة في الجمعة بطلت عليه وعلى المأمومين، ولو تركها في الصلاتين المجموعتين بطلت الثانية. وأما إذا تركها في صلاة الخوف فإنها تبطل على الطائفة الأولى من المأمومين فقط، لأنها فارقت في غير محل المفارقة، وتصح للإمام وللطائفة الثانية. أما صلاة الاستخلاف فإن نوى الخليفة فيها الإمامة صحت له وللمأمومين الذين سبقوه، وإن تركها صحت له، وبطلت على المأمومين. الحنفية قالوا: تلزم نية الإمامة في صورة واحدة، وهي ما إذا كان الرجل يصلي إماماً لنساء، فإنه يشترط لصحة اقتدائهن به أن ينوي الإمامة، لما يلزم من الفساد فيمسألة المحاذاة، وسيأتي تفصيلها. الشافعية قالوا: يجب على الإمام أن ينوي الإمامة في أربع مسائل: إحداها: الجمعة؛ ثانيها: الصلاة التي جمعت للمطر جمع تقديم، كالعصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب، فإنه يجب عليه أن ينوي الإمامة في الصلاة الثانية منهما فقط، بخلاف الأولى، لأنها وقعت في وقتها؛ ثالثها: الصلاة المعادة في الوقت جماعة؛ فلا بد للإمام فيها أ، ينوي الإمامة؛ رابعها: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يجب عليه أن ينوي فيها الإمامة للخروج من الإثم، فإن لم ينو الإمامة فيها صحت، ولكنه لا يزال آثماً حتى يعيدها جماعة وينوي الإمامة ************************** [الفرض الثاني من فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام] [حكمها - تعريفها] يتعلق بتكبيرة الإحرام مباحث: أحدها: حكمها، وتعريفها: ثانيها: دليل فرضيتها؛ ثالثها: صفتها؛ رابعها: شروطها فأما حكم تكبيرة الإحرام فهي فرض من فرائض الصلاة باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنها شرط لا فرض، وعلى كل حال فإن الصلاة بدونها لا تصح باتفاق الجميع، لأنك قد عرفت أن الشرط لازم كالفرض، وقد بينا مذهب الحنفية تحت الخط (الحنفية قالوا: إن تكبيرة الإحرام ليست ركناً على الصحيح، وإنما هي شرط من شروط صحة الصلاة، وقد يقال: إن التكبيرة يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة، وستر عورة، الخ. فلو كانت شرطاً لم يلزم لها ذلك، ألا ترى أن نية الصلاة تصح من غير المتوضئ، ومن مكشوف العورة، عند من يقول: إنها شرط؛ والجواب على ذلك أن تكبيرة الإحرام متصلة بالقيام الذي هو ركن من أركان الصلاة، فلذا اشترط لها ما اشترط للصلاة من طهارة ونحوها؛ وقد عرفت أن هذا فلسفة فقهية لا يترتب عليها فائدة عملية الا لطلبة العلم الذين قد يبنون على هذا أحكاماً دقيقة في الطلاق ونحوه، وإلا فتكبيرة الإحرام أمر لازم لا بد منه باتفاق الجميع، كما كررنا غير مرة) ، وأما تعريف تكبيرة الإحرام فهو الدخول في حرمات الصلاة، بحيث يحرم عليه أن يأتي بعمل ينافي الصلاة، يقال: أحرم الرجل إحراماً إذا دخل في حرمة لا تهتك، فلما دخل الرجل بهذه التكبيرة في الصلاة التي يحرم عليه أن يأتي بغير أعمالها سميت تكبيرة إحرام، ويقالها أيضاً تكبيرة تحرّم، وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن تكبيرة الإحرام هي أن يقول المصلي في افتتاح صلاته: الله أكبر، بشرائط خاصة ستعرفها قريباً، وخالف الحنفية، فقالوا: إن تكبيرة الإحرام لا يشترط أن تكون بهذا اللفظ، وسيأتي مذهبهم في "صفة التكبيرة". [دليل فرضية تكبيرة الإحرام] أجمع المسلمون على أن افتتاح الصلاة بذكر اسم الله تعالى أمر لازم لا بد منه، فلا تصح صلاة الا به، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ذلك الإجماع: منها ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، وهذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن. وقد استدل بعضهم على فرضية تكبيرة الإحرام بقوله تعالى: {وربك فكبر} ووجه الاستدلال أن لفظ: "فكبر" أمر وكل أمر للوجوب، ولم يجب التكبير الا في الصلاة بإجماع المسلمين فدل ذلك على أن تكبيرة الإحرام فرض.وعلى كل حال فلم يخالف أحد من العلماء المسلمين في أن تكبيرة الإحرام أمر لازم لا تصح الصلاة بدونها، سواء كانت فرضاً أو شرطاً. [صفة تكبيرة الإحرام] قد عرفت أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن تكبيرة الإحرام مركبة من لفظين، وهما: الله أكبر، بخصوصهما، بحيث لو افتتح الصلاة بغير هذه الجملة، فإنه صلاته لا تصح وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . (1) الحنفية قالوا: لا يشترط افتتاح الصلاة بلفظة: الله أكبر، إنما الافتتاح بهذا اللفظ واجب لا يترتب على تركه بطلان الصلاة في ذاتها، بل يترتب عليه إثم تارك الواجب، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وأن تاركه يأثم إثماً لا يوجب العذاب بالنار، وإنما يوجب الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وكفى بذلك زجراً للمؤمنين؛ ومن هذا تعلم أن افتتاح الصلاة بهذه الصفة مطلوب عند الحنفية، كما هو مطلوب عند غيرهم؛ الا أن الحنفية قالوا: لا تبطل الصلاة بتركه، ولكن تركه يوجب إعادة الصلاة. فإن لم يعدها سقط عنه الفرض، وأثم ذلك الإثم الذي لا يوجب العذاب. أما الصيغة التي تتوقف عليها صحة الصلاة عندهم فهي الصيغة التي تدل على تعظيم الله عز وجل وحده بدون أن تشتمل على دعاء ونحوه؛ فكل صيغة تدل على ذلك يصح افتتاح الصلاة بها، كأن يقول: سبحان الله، أو يقول: الحمد لله، أو لا إله الا الله، أو يقول: الله رحيم، أو الله كريم. ونحو ذلك من الصيغ التي تدل على تعظيم الإله جل وعز خاصة، فلو قال: استغفر الله، أو أعوذ بالله، أولا حول ولا قوة الا بالله، فإن صلاته لا تصح بذلك، لأن هذه الكلمات قد اشتملت على شيء آخر سوى التعظيم الخالص، وهو طلب المغفرة والاستعاذة، ونحو ذلك. هذا، ولا بد أن يقرن هذه الأوصاف بلفظ الجلالة: فلو قال: كريم، أو رحيم، أو نحو ذلك فإنه لا يصح، ولو ذكر الاسم الدال على الذات دون الصفة، كأن يقول: الله، أو الرحمن، أو الرب، ولم يزد عليه شيئاً، فقال أبو حنيفة: إنه يصح، وقال صاحباه: لا. أما الأدلة التي تقدم ذكرها، فإنها لا تدل الا على ذلك، فقوله تعالى: {وربك فكبر} ليس معناه الإتيان بخصوص التكبير، بل معناه: عظم ربك بكل ما يفيد تعظيمه، وكذلك التكبير الوارد في الحديث؛ وإنما قلنا: إن الإتيان بخصوص التكبير واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الإتيان به ولم يتركه. *********************** [شروط تكبيرة الإحرام] ينبغي أن تحفظ شروط تكبيرة احرام في كل مذهب على حدة، لما في ذلك التسهيل على طلاب كل مذهب، فانظرها تحت الخط (1) . هذا هو رأي الحنفية، وقد عرفت أن الأئمة الثلاثة اتفقوا على أن تكون بلفظ: الله أكبر، كما هو الظاهر من هذه الأدلة، وقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم بعمله (1) الشافعية قالوا: شروط صحة تكبيرة الإحرام خمسة عشر شرطاً، إن اختل واحد منها لم تنعقد الصلاة: أحدها: أن تكون باللغة العربية إن كان قادراً عليها، فإن عجز عنها، ولم يستطع أن يتعلمها فإنه يصح له أن يكبر باللغة التي يقدر عليها؛ ثانيها: أن يأتي بها وهو قائم إن كان في صلاة مفروضة، وكان قادراً على القيام، أما في صلاة النفل فإن الإحرام يصح من قعود، كما تصح الصلاة من قعود، فإن أتى بالإحرام في صلاة الفرض حال الانحناء، فإن كان إلى القيام أقرب، فإنها تصح، وإن كان الركوع أقرب، فإنها لا تصح، وفاقاً للحنفية؛ والحنابلة، وخلافاً للمالكية الذين قالوا: إن الإتيان بها حال الانحناء لا يصح الا في صورة واحدة؛ وهي ما إذا كان مقتدياً بإمام سبقه، ولكن الشافعية لا يلزم عندهم أن يدرك الإمام حال ركوعه، بل لو سبقه الإمام بالركوع ثم كبر المأموم وركع وحده فإنه يصح، وسيأتي إيضاح ذلك، ثالثها: أن يأتي بلفظ الجلالة، ولفظ أكبر، رابعها: أن لا يمد همزة لفظ الجلالة، فلا يقول: الله أكبر، لأن معنى هذا الاستفهام، فكأنه يستفهم عن الله، خامسها: أن لا يمد الباء، من لفظ أكبر، فلا يصح أن يقول: الله أكبار، فلو قال ذلك لم تصح صلاته، سواء فتح همزة أكبار، أو كسرها. لأن أكبار - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو اسم للطبل الكبير. وإكبار - بكسر الهمزة - اسم للحيض، ومن قال ذلك متعمداً، فإنه يكون ساباً لإلهه، فيرتد عن دينه، سادسها؛ أن لا يشدد الباء من أكبر، فلو قال: الله أكبر لم تنعقد صلاته، سابعها: أن لا يزيد واواً ساكنة أو متحركة بين الكلمتين. فلو قال: والله أكبر، أو قال: الله وأكبر. لم تنعقد صلاته، ثامنها: أن لا يأتي بواو قبل لفظ الجلالة، فلو قال: والله أكبر لم تنعقد صلاته، تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بوقف طويل أو قصير على المعتمد، فلو قال: الله، ثم سكت قليلاً، وقال: أكبر. لم تنعقد صلاته، ومن باب أولى إذا سكت طويلاً، ولا يضر إدخال لام التعريف على لفظ: أكبر، فلو قال: الله الأكبر صحت، وكذا إذا زاد الوصف عن كلمتين فإنه يبطل التكبيرة، فإذا قال: الله العظيم الكريم الرحيم أكبر لم تنعقد صلاته، ولو فصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بضمير، أو نداء فإنه لا يصح، كما إذا قال: الله هو أكبر، أو قال: الله يا رحمن أكبر. عاشرها: أن يسمع بها نفسه، بحيث لو نطق بها في سره بدون أن يسمعها هو فإنها لا تصح، الا إذا كان أخرس، أو أصم، أو كانت بالمكان جلبة أو ضوضاء، فإنه لا يلزم في هذه الحالة أن يسمع نفسه، على أن الأخرس ونحوه يجب عليه أن يأتي بما يمكنه. بحيث لو كان الخرس عارضاً وأمكنه أن يحرك لسانه أو شفتيه بالتكبير، فإنه يجب عليه أن يفعل، الحادي عشر: دخول الوقت إن كان يصلي فرضاً أو نفلاً مؤقتاً، أو نفلاً له سبب، كما تقدم، الثاني عشر: أن يوقع التكبيرة وهو مستقبل القبلة إن لم يسقط عنه استقبال القبلة، كما تقدم في مبحث "استقبال القبلة" الثالث عشر: أن تتأخر التكبيرة عن تكبيرة الإمام إن كان يصلي مقتدياً بإمام، الرابع عشر: أن يأتي بالتكبير في المكان الذي يصح فيه القراءة، وسيأتي في بيان شروط القراءة. الحنفية قالوا: شروط تكبيرة الإحرام عشرون، وإليك بيانها: -1 - دخول وقت الصلاة المكتوبة وإن كانت التحريمة لها، فلو كبر قبل دخول الوقت بطلت تكبيرته. -2 - أن يعتقد المصلي أن الوقت قد دخل، أو يترجح عنده دخوله، فلو شك في دخوله وكبر للإحرام فإن تكبيرته لا تصح حتى ولو تبين أن الوقت قد دخل. -3 - أن تكون عورته مستورة، وقد تقدم بيان العورة في الصلاة، فلو كبر عورته مكشوفة ثم سترها، فإن صلاته لا تصح. -4 - أن يكون المصلي متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ومتطهراً من النجاسة فلا تصح منه التكبيرة إذا كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة غير معفّو عنها، وقد تقدم بيان النجاسة المعفو عنها في مبحث الطهارة، فلو كبر، وهو يظن أن به نجاسة بطلت تكبيرته، ولو تبين له أنه طاهر. -5 - أن يأتي بالتكبيرة وهو قائم إذا كان يصلي فرضاً أو واجباً أو سنة فجر، أما باقي النوافل فإنه لا يشترط لها القيام، بل يصح الإتيان بها وهو قاعد، فإن أتى بها منحنياً. فإن كان انحناؤه إلى القيام أقرب، فإنه لا يضر، وإن كان إلى الركوع أقرب فإنه يضر، ومحل ذلك ما إذا كان قادراً على القيام، كما هو ظاهر، وإذا أدرك الإمام، وهو راكع، فكبر للإحرام خلفه، فإن أتى بالتكبيرة كلها وهو قائم، فإنه يصح، أما إذا قال: الله، وهو قائم، وقال: أكبر، وهو راكع، فإن صلاته لا تصح، ولو أدرك الإمام من أول الصلاة، فنطق بقول: الله، قبل أن يفرغ منها الإمام فإنها لا تصح. -6 - نية أصل الصلاة. كأن ينوي صلاة الفرض. -7 - تعيين الفرض من أنه ظهر أو عصر مثلاً، فإذا كبر من غير تعيين؛ فإن تكبيرته لا تصح. -8 - تعيين الصلاة الواجبة، كركعتي الطواف، وصلاة العيدين والوتر، والمنذور، وقضاء نفل أفسده، فإن كل هذا واجب يجب تعيينه عند التكبيرة، أما باقي النوافل فإنه لا يجب تعيينها، كما تقدم. -9 - أن ينطق بالتكبيرة بحيث يسمع بها نفسه، فمن همس بها، أو أجراها على قلبه، فإنها لا تصح، ومثل ذلك جميع أقوال الصلاة من ثناء، وتعوّذ؛ وبسملة؛ وقراءة، وتسبيح، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الطلاق واليمين وغير ذلك فإنها لا تعتبر عند الحنفية، الا إذا نطق بها وسمعها، فلا تصح، ولا يترتب عليها أثر إذا همس بها أو أجراها على قلبه. -10 - أن يأتي بجملة ذكر، كأن يقول: الله أكبر، أو سبحان الله، أو الحمد لله، فلو أتى بلفظ واحد، فإنه لا يصح، وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً في صفة التحريمة قريباً. -11 - أن يكون الذكر خالصاً لله، فلا تصح تكبيرة الإحرام إذا كان الذكر مشتملاً على حاجة للمصلي؛ كاستغفار، ونحوه كما تقدم تقريباً. -12 - أن لا يكون الذكر بسملة، فلا يصح افتتاح الصلاة بها على الصحيح. -13 - أن لا يحذف الهاء من لفظ الجلالة، فإن حذفها بطلت صلاته. -14 - أن يمد اللام الثانية من لفظ الجلالة فإذا لم يمدها اختلف في صحة تكبيرته، وفي حال ذبيحته؛ فينبغي الإتيان بذلك المد احتياطاً. -15 - أن لا يمد همزة الله، وهمزة أكبر فلو قال: الله أكبر، بالمد، لم تصح صلاته، لأن المد معناه الاستفهام، ومن يستفهم عن وجود إلهه فلا تصح صلاته. وإن تعمد هذا المعنى يكفر، فالذين يذكرون الله - بمد الهمزة - مخطئون خطئاً فاحشاً، لما فيه من الإيهام، وإن كان غرضهم النداء؛ أما إذا كان غرضهم الاستفهام؛ فإنهم يرتدون عن الإسلام، وعلى كل حال فإن المد في الصلاة مبطلها، وقد عرفت أن الشافعية موافقون على هذا. -16 - أن لا يمد باء أكبر، فإذا قال: الله أكبار بطلت صلاته، لأنه - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو الطبل - وبكسرها - اسم للحيض، ومن قصد هذا فإنه يكفر، وعلى كل حال فهو مبطل للصلاة. -17 - أن لا يفصل بين النية وبين التحريمة بفاصل أجنبي عن الصلاة فلو نوى، ثم أتى بعمل خارج عن الصلاة من كلام أو أكل، ولو كان بين أسنانه من قبل (بشرط أن يكون قدر الحمصة) أو شرب أو تكلم، أو تنحنح بلا عذر، ثم كبر فلإحرام بعد ذلك بدون نية جديدة، فإن صلاته لا تصح، أما إذا فصل بين النية وبين التكبيرة بالمشي إلى المسجد بدون كلام، أو فعل، فإنه يصح، كما تقدم في مبحث "النية" قريباً. -18 - أن لا تتقدم التكبيرة على النية، فلو كبر، ثم نوى الصلاة، فإن تكبيرته لا تصح، ومتى فسدت تكبيرة الإحرام فقد قسدت الصلاة كلها، لما علمت من أنها شرط. -19 - أن يميز الفرض. -20 - أن يعتقد الطهارة من الحدث والخبث. ولم يشترط الحنفية أن تكون تكبيرة الإحرام باللغة العربية، فلو نطق بها بلغة أخرى، فإن صلاته تصح، سواء كان قادراً على النطق بالعربية أو عاجزاً، الا أنه كان قادراً يكره له تحريماً أن ينطق بها بغير العربية. المالكية قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون باللغة العربية إذا كان قادراً عليها، أما إن عجز بأن كان أعجمياً، وتعذر عليه النطق بها، فإنها لا تجب عليه، ويدخل الصلاة بالنية، فإن ترجمها باللغة التي يعرفها، فلا تبطل صلاته، على الأظهر. أما إن كان قادراً على العربية فيتعين عليه أن يأتي بلفظ: الله أكبر بخصوصه، ولا يجزئ لفظ آخر بمعناه، ولو كان عربياً، وبذلك خالفوا الشافعية، والحنفية، لأن الشافعية أجازوا الفصل بين لفظ: الله، ولفظ: أكبر، بفاصل؛ كما إذا قال: الله الرحمن أكبر، وأجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على النطق بالعربية، بخلاف المالكية؛ أما الحنفية فقد أجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على العربية بلا كراهة، أما القادر على النطق بالعربية فقالوا إن: صلاته تصح إذا نطق بها بغير العربية مع كراهة التحريم. ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم متى كان قادراً على القيام في الفرض، فإذا أتى بها حال انحنائه فإنها تبطل، لا فرق بين أن يكون الانحناء إلى الركوع أقرب أو إلى القيام أقرب، الا في حالة واحدة؛ وهي ما إذا أراد شخص أن يقتدي بإمام سبقه بالقراءة وركع، فأراد ذلك الشخص أن يدرك الإمام فكبر منحنياً، وركع قبل أن يرفع الإمام، فإن تكبيرة ذلك الشخص المأموم تكون صحيحة، ولكن لا تحتسب له تلك الركعة، وعليه إعادتها بعد سلام الإمام. أما إذا ابتدأ التكبير وهو قائم قبل أن يرفع الإمام، ثم أتم التكبير وهو راكع، أو حال الانحناء للركوع فإن الركعة تحتسب على أحد قولين راجحين، ويشترط في هذه الحالة أن ينوي بالتكبيرة الإحرام وحده، أو ينوي الإحرام مع الركوع أما إذا نوى الركوع وحده فإن صلاته لا تنعقد. ولكن لا يصح له أن يقطع صلاته، بل ينبغي أن يستمر فيها مع الإمام احتراماً للإمام، ثم يعبدها بعد ذلك. ثالثها: أن يقدم لفظ الجلالة على لفظ أكبر، فيقول: الله أكبر، أما إذا قال: أكبر الله فإنه لا يصح، وهذا متفق عليه. رابعها: أن لا يمد همزة الله قاصداً بذلك الاستفهام، أما إذا لم يقصد الاستفهام بأن قصد النداء أو لم يقصد شيئاً، فإنه لا يضر عندهم. خامسها: أن لا يمد باء أكبر قاصداً به جمع كبر، وهو الطبل الكبير، ومن يقصد ذلك كان سابّاً لإلهه، أما إذا لم يقصد ذلك فإن مد الباء لا يضر؛ وهذا الأمران قد خالف فيهما المالكية الأئمة الثلاثة؛ لأنهم اتفقوا على أن التكبيرة تبطل بهما، سواء قصد معناه اللغوي أو لا، كما أوضحناه في مذاهبهم. سادسها: أن يمد لفظ الجلالة مداً طبيعياً، وهذا متفق عليه في المذاهب. سابعها: أن لا يحذف هاء لفظ الجلالة، بأن يقول: الله أكبر، بدون هاء، وهذا متفق عليه أيضاً. أما إذا مد الهاء من لفظ الجلالة حتى ينشأ عنها واو، فإنه لا يضر عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فقال الشافعية: إذا كان المصلي عامياً فإنه يغتفر له ذلك، أما غير العامي فإنه لا يغتفر له، ولو فعله تبطل التكبيرة، أما الحنابلة قالوا: إن ذلك يضر، وتبطل به التكبيرة على أي حال. ثامنها: أن لا يفصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بسكوت، بأن يقول: الله، ثم يسكت، ويقول: أكبر، بشرط أن يكون هذا السكوت طويلاً في العرف، أما إذا كان قصيراً عرفاً، فإنه لا يضر، وقد اتفقت المذاهب على أن الفصل بين لفظ الجلالة ولفظ أكبر ضار، الا إذا كان يسيراً، فأما المالكية فقد وكلوا تقدير اليسير للعرف، وأما الشافعية فقد قالوا: اليسير الذي يغتفر هو ما كان بقدر سكتة التنفس أو سكتة العيّ، وأما الحنفية؛ والحنابلة قالوا: إن السكوت الذي يضر هو السكوت الذي يمكنه أن يتكلم فيه ولو بكلام يسير. تاسعها: أن لا يفصل بين الله؛ وبين أكبر بكلام؛ قليلاً كان؛ أو كثيراً؛ حتى ولو كان الفصل بحرف، فلو قال، الله أكبر، فإنه لا يصح، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنابلة، والمالكية، أما الحنفية فقد أجازوا الفصل بأل، فلو قال: الله الأكبر: أو قال: الله الكبير، فإنه يصح، كما يصح إذ قال: الله كبير، وأما الشافعية فقد عرفت أنهم أجازوا الفصل بوصف من أوصاف الله تعالى، بشرط أن لا يزيد على كلمتين، فلو قال: الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه يصح، كما تقدم موضحاً في مذهبهم. عاشرها: أن يحرك لسانه بالتكبيرة، فلو أتى بها في نفسه بدون أن يحرك لسانه، فإنه لا تصح، أما النطق بها بصوت يسمعه، فإنه ليس بشرط عندهم، فإن كان أخرس، فإن التكبيرة تسقط عنه، ويكتفي منه بالنية؛ وقد خالف في ذلك المذاهب الثلاثة، فقد اشترطوا النطق بها بصوت يمسعه فلو حرك بها لسانه فقط، فإن صلاته تكون باطلة، الا إذا كان أخرس، فإنه يعفى عنه، عند الحنابلة، والحنفية؛ أما الشافعية قالوا: يأتي بما يمكنه من تحريك لسانه وشفتيه. هذا، وكل ما كان شرطاً لصحة الصلاة من استقبال القبلة، وستر العورة، والطهارة، ونحو ذلك مما تقدم، فهو شرط للتكبيرة. الحنابلة قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون مركبة من لفظ الجلالة، ولفظ أكبر: الله أكبر، فلو قال غير ذلك فإن صلاته تبطل؛ فالحنابلة، والمالكية متفقون على أن الإحرام لا يحصل الا بهذا اللفظ المترتب، فلو قال: أكبر الله، أو قال: الله الأكبر، أو الله الكبير، أو الجليل، أو غير ذلك من ألفاظ التعظيم، بطلت تحريمته، وكذا لو قال: الله فقط، أما إذا قال: الله أكبكر، ثم زاد عليه صفة من صفات الله، كأن قال: الله أكبر، وأعظم، أو الله أكبر وأجل، فإن صلاته تصح مع الكراهة، ومثل ذلك ما إذا قال: الله أكبر كبيراً، وقد عرفت أن الشافعية قالوا: إن الفصل بين الله وأكبر بكلمة أو كلمتين من أوصاف الله، نحو الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه لا يضر، وأن الحنفية قالوا: إن الفصل بأل لا يضر، كما إذا قال الله الأكبر، وكذا إذا قال: الله كبير، فإنه لا يضر عند الحنفية. ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم، متى كان قادراً على القيام، ولا يشترط أن تكون قامته منتصبة حال التكبير، فلو كبر منحنياً، فإن تكبيرته تصح، الا إذا كان إلى الركوع أقرب، فإن أتى بالتكبير كله راكعاً أو قاعداً، أو أتى ببعضه من قيام. وبالبعض الآخر من قعود أو ركوع، فإن صلاته تنعقد نفلاً، فيصليها على أنها نفل إن اتسع الوقت، وإلا وجب أن يقطع الصلاة ويستأنف التكبيرة من قيام، وقد عرفت رأي المذاهب في ذلك قبل هذا. ثالثها: أن لا يمد همزة الله. رابعها: أن لا يمد باء أكبر، فيقول: أكبار، وقد عرفت معنى هذا، والخلاف فيه في مذهب المالكية. خامسها: أن تكون بالعربية، فإن عجز عن تعلمها، كبر باللغة التي يعرفها، كما قال الشافعية ولو ترك التكبير باللغة التي يعرفها لم تصح صلاته، لأنه ترك ما هو مطلوب منه، خلافاً للمالكية فإن عجز عن التكبير بالعربية وغيرها من اللغات فإن تكبيرة الإحرام تسقط عنه؛ كما تسقط عن الأخرس، وإذا أمكنه أن ينطق بلفظ الله، دون أكبر، أو بلفظ أكبر دون الله، فإنه يأتي بما يستطيع؛ ولا يجب على الأخر أن يحرك لسانه، لأن الشارع لم يكلفه بذلك، فتكون محاولته عبثاً، خلافاً للشافعية. سادسها: أن لا يشبع هاء الله، حتى يتولد منها واو، فإن فعل ذلك بطلت تكبيرته. سابعها: أن لا يحذف هاء الله. فلا يقول: الله أكبر. ثامنها: أن لا يأتي بواو بين الكلمتين، بأن يقول: الله وأكبر، فإن فعل ذلك لا تصح تكبيرته. تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بسكوت يسع كلاماً. ولو يسيراً. وكذا يشترط للتكبيرة كل ما يشترط للصلاة: من استقبال، وستر عورة، وطهارة وغير ذلك ***************************
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |