وداع عام واستقبال آخر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 195 - عددالزوار : 17328 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 4440 )           »          الاحتلال الهندي لكشمير وأثره في الصراع الباكستاني الهندي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4872 - عددالزوار : 1858572 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4439 - عددالزوار : 1197021 )           »          القلب لا القالب! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 26081 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 16146 )           »          وإعجاب كل ذي رأي برأيه! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 148 )           »          هلموا إلى منهج السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-03-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,340
الدولة : Egypt
افتراضي وداع عام واستقبال آخر

وداع عام واستقبال آخر

الشيخ عبدالله بن محمد البصري




أَمَّا بَعدُ، فَـ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نَحنُ اليَومَ في آخِرِ جُمُعَةٍ مِن عَامٍ هَجرِيٍّ، عَامٌ كَامِلٌ مَضَى وَانقَضَى، وَذَهَبَت أَيَّامُهُ بِحُلوِهَا وَمُرِّهَا، وَتَصَرَّمَت لَيَالِيهِ بِزَينِهَا وَشَينِهَا، وُلِدَ أُنَاسٌ وَمَاتَ آخَرُونَ، وَشُفِيَ مَرضَى وَابتُلِيَ مُعَافَونَ، وَقَامَت حُرُوبٌ وَسَقَطَت حُكُومَاتٌ، وَحَدَثَت مُتَغَيِّرَاتٌ وَبَرَزَت مُستَجِدَّاتٌ.



لَيسَ مِنَ السُّنَّةِ أَن نَقُولَ اختُمُوا هَذَا العَامَ بِاستِغفَارٍ أَو دُعَاءٍ أَو صَلاةٍ أَو صِيَامٍ، أَو تَوبَةٍ أَو صَدَقَةٍ أَو عُمرَةٍ أَو قِيَامٍ، وَلَن نَزعُمَ أَنَّ صَحَائِفَ هَذَا العَامِ سَتُطوَى هَذِهِ اللَّيلَةَ أَو غَدًا، فَعَمَلُ المُؤمِنِ مُستَمِرٌّ مَا دَامَ حَيًّا، وَقَلَمُ التَّكلِيفِ جَارٍ عَلَيهِ مَا بَقِيَتِ الرُّوحُ في الجَسَدِ، وَلَيسَ لِخِتَامِ عَامٍ وَبِدَايَةِ آخَرَ عِبَادَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَلا ذِكرٌ خَاصُّ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَنبَغِي أَن نَستَفِيدَهُ في نِهَايَةِ عَامٍ وَبِدَايَةِ آخَرَ، هُوَ التَّفَكُّرُ الجَادُّ وَالتَّأَمُّلُ الصَّادِقُ، في سُرعَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ وَتَصَرُّمِ الأَعوَامِ، وَتَلاحُقِ الشُّهُورِ وَتَتَابُعِ الدُّهُورِ، وَانتِقَالِ الإِنسَانِ مِن مَرحَلَةٍ إِلى أُخرَى في مِثلِ لَمحِ البَصرِ، فَطِفلُ الأَمسِ قَد غَدَا اليَومَ شَابًّا يَافِعًا، وَشَابُّ العِقدِ المَاضِي قَد أَصبَحَ اليَومَ كَهلاً وَقُورًا، وَالَّذِي كَانَ قَبلُ كَهلاً قَد صَارَ اليَومَ شَيخًا جَلِيلاً، أَو طَاعِنًا في السِّنِّ عَلِيلاً، وَكَم نَفقِدُ في غُضُونِ كُلِّ خَمسِ سَنَوَاتٍ أَو عَشرٍ، مِن أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَأُختٍ، وَقَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَجَارٍ وَصَدِيقٍ. وَانظُرْ - يَا رَعَاكَ اللهُ - لِمَن عِشتَ مَعَهُم سَنَوَاتٍ، وَكَانُوا مِنكَ مِلءَ السَّمعِ وَالبَصَرِ، هَل تُحِسُّ مِنهُم مِن أَحَدٍ أَو تَسمَعُ لَهُم رِكزًا؟!



أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمرٌ لا عَزَاءَ لَهُ *** حَتَّى قَضَوا فَكَأَنَّ القَومَ مَا كَانُوا


بَل تَأَمَّلْ مَا فَاتَ مِن عُمُرِكَ أَنتَ، كَيفَ مَضَى وَكَأَنَّهُ أَحلامُ نَائِمٍ أَو خَيَالُ يَقظَانَ، حَتى أَمسُكَ القَرِيبُ، تَأَمَّلْ كَيفَ مَضَى وَكَأَنَّهُ لم يَمُرَّ بِكَ، فَإِذَا تَصَوَّرتَ كُلَّ هَذَا وَتَيَقَّنتَ مِنهُ، فَاعلَمْ أَن مَا تَستَقبِلُ مِن دُنيَاكَ كَذَلِكَ، سَيَأتي سَرِيعًا ثم يَرحَلُ عَاجِلاً، فَكَيفَ إِذَا عَلِمتَ أَنَّ مَا مَضَى لا يَعُودُ، وَأَنَّ مَا فَاتَ لا يُستَدرَكُ، وَأَنَّ أَعمَارَ هَذِهِ الأُمَّةِ قَصِيرَةٌ، وَبَقَاءَهُم في هَذِهِ الدَّارِ قَلِيلٌ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ: " أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ، وَأَقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذلِكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبانيُّ. أَجَلْ يَا عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الدُّنيَا مَرحَلَةٌ قَصِيرَةٌ، سَرِيعٌ مُرُورُهَا، قَرِيبٌ زَوَالُهَا، قَلِيلٌ مَتَاعُهَا، شَدِيدٌ تَقَلُّبُهَا، وَالمَرءُ فِيهَا مُسَافِرٌ مُرتَحِلٌ، وَالمُسَافِرُ عَائِدٌ إِلى دَارِهِ يَومًا مَا...




أَلا إِنَّمَا الدُّنيَا غَضَارَةُ أَيكَةٍ إِذَا اخضَرَّ مِنهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إِلاَّ فَجَائِعٌ عَلَيهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلاَّ مَصَائِبُ
فَكَم سَخَنَت بِالأَمسِ عَينٌ قَرِيرَةٌ وَقَرَّت عُيُونٌ دَمعُهَا الآنَ سَاكِبُ
فَلا تَكتَحِلْ عَينَاكَ مِنهَا بِعَبرَةٍ عَلَى ذَاهِبٍ مِنهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ



رَوَى البُخَارِيُّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِمَنكِبي فَقَالَ: " كُنْ في الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ " وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمسَيتَ فَلَا تَنتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصبَحتَ فَلَا تَنتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِن حَيَاتِكَ لِمَوتِكَ. هَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ وَالوَصِيَّةُ الجَلِيلَةُ، أَصلٌ فِيمَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ عَلَيهِ المُسلِمُ في هَذِهِ الدُّنيَا، مِن قِلَّةِ مُخَالَطَةٍ لِلنَّاسِ فِيمَا لا فَائِدَةَ فِيهِ، وَقِلَّةِ اقتِنَاءِ الأَموَالِ الَّتي لا تُقضَى بها حَاجَةٌ وَلا تُدفَعُ بها ضَرُورَةٌ، وَزُهدٍ في الدُّنيَا وَتَقَلُّلٍ مِنهَا وَتَخَفُّفٍ مِن أَعبَائِهَا، وَذَلِكُم أَنَّ المَرءَ إِذَا كَانَ في دَارِ غُربَةٍ، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ قَلِيلَ الانبِسَاطِ إِلى النَّاسِ، بَل لا تَرَاهُ إِلاَّ مُستَوحِشًا مِنهُم، ذَلِيلاً في نَفسِهِ خَائِفًا مِمَّا حَولَهُ، وَكَذَلِكُم عَابِرُ السَّبِيلِ وَالمُسَافِرُ، لا يُبعِدُ في سَفَرِهِ إِلاَّ بِقَدرِ مَا يَقوَى عَلَيهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا خَفِيفٌ مِنَ الأَحمَالِ وَالأَثقَالِ، غَيرُ مُتَسَبِّبٍ وَلا مُشتَغِلٍ بما يَمنَعُهُ مِن إِتمَامِ سَفَرِهِ، لَيسَ مَعَهُ إِلاَّ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ يُبَلِّغَانِهِ إِلى بُغيَتِهِ وَقَصدِهِ، وَهَكَذَا فَإِنَّ المُؤمِنَ في الدُّنيَا لَيسَ في حَاجَةٍ إِلى شَيءٍ مِنهَا، كَحَاجَتِهِ إِلى عَمَلٍ صَالِحٍ يُوصِلُهُ مَحَلَّهُ المَقصُودَ وَيُبَلِّغُهُ الأَمَلَ المَنشُودَ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185] وَأَمَّا قَولُ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: " إِذَا أَمسَيتَ فَلا تَنتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصبَحتَ فَلَا تَنتَظِرِ المَسَاءَ " فَمَقصُودُهُ أَن يَجعَلَ المَرءُ المَوتَ نُصبَ عَينَيهِ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ، فَيَستَعِدَّ لَهُ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَإِحسَانِ عَمَلِهِ وَتَقصِيرِ أَمَلِهِ، وَتَركِ المَيلِ إِلى غُرُورِ الدُّنيَا وَمَتَاعِهَا القَلِيلِ. وَقَولُهُ: " وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ " فِيهِ حَضٌّ عَلَى اغتِنَامِ أَيَّامِ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، خَوفًا مِن أَن يَحِلَّ بِهِ مَرَضٌ يَمنَعُهُ العَمَلَ، وَيُقعِدُهُ عَنِ اكتِسَابِ مَا فِيهِ نَجَاتُهُ، وَكَذَلِكَ قَولُهُ: " وَمِن حَيَاتِكَ لِمَوتِكَ " فِيهِ تَنبِيهٌ عَلَى اغتِنَامِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ القَصِيرَةِ، وَإِشَارَةٌ إِلى أَنَّ المَوتَ قَطعٌ لِلعَمَلِ وَفَوتٌ لِلأَمَلِ، وَقَولُ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - هُوَ نَفسُهُ عَينُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَيثُ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ.




وَالمَقصُودُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَلاَّ يَركَنَ المُسلِمُ إِلى الدُّنيَا وَلا يَتَّخِذَهَا وَطَنًا، وَأَلاَّ تُحَدِّثَهُ نَفسُهُ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا وَلا بِالاعتِنَاءِ الشَّدِيدِ بها، وَأَلاَّ يَتَعَلَّقَ مِنهَا إِلاَّ بِمِثلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الغَرِيبُ في غَيرِ وَطَنِهِ، وَأَلاَّ يَشتَغِلَ فِيهَا إِلاَّ بِقَدرِ مَا يَشتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلى أَهلِهِ. فَهَل نَحنُ كَذَلِكَ اليَومَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ -؟! هَل عِشنَا في دُنيَانَا عَيشَ الغُرَبَاءِ المُسَافِرِينَ؟! مَن رَأَى حَالَنَا وَتَأَمَّلَ وَاقِعَنَا وَسَبَرَ تَصَرُّفَاتِنَا، وَجَدَ أَنَّنَا إِلى الدُّنيَا رَاكِنُونَ، بها رَاضُونَ وَإِلَيهَا مُطمَئِنُّونَ، كَأَنَّمَا قَد ضُمِنَ لأَحَدِنَا العَيشُ فِيهَا خَالِدًا مُخَلَّدًا، سَلِ المَسَاجِدَ عَن صَلاةِ الفَجرِ مَا حَالُهَا؟! وَتَأَمَّلْ أَدَاءَنَا بَقِيَّةَ الصَّلَوَاتِ وَحُضُورَنَا الجَمَاعَاتِ! وَانظُرْ في المُقَابِلِ إِلى لَهَثِنَا عَلَى جَمعِ المَالِ وَالحُطَامِ، وَهَل نَحنُ نَتَحَرَّى فِيهِ الحَلالَ وَنَتَّقِي الحَرَامَ؟! هَل أَعطَينَا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؟! هَل أَحبَبنَا في اللهِ وَأَبغَضنَا فِيهِ، وَأَعطَينَا لَهُ وَمَنَعنَا مِن أَجلِهِ؟! غَضَبُنَا وَرِضَانَا، وَتَقَدُّمُنَا وَتَرَاجُعُنَا، وَسَائِرُ حَرَكَاتِنَا وَسَكَنَاتِنَا، هَل هِيَ بِصِدقِ الخَائِفِينَ الَّذِينَ يَتَوَقَّعُونَ المَوتَ في كُلِّ لَحظَةٍ؟ أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَلْيَكُنْ لَنَا أُسوَةٌ في رَسُولِ اللهِ، رَوَى التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَد أَثَّرَ في جَنبِهِ، قُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذنَا لَكَ وِطَاءً!! فَقَالَ: " مَا لي وَلِلدُّنيَا، مَا أَنَا في الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا " فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ - عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّا إِلى اللهِ صَائِرُونَ، وَعَمَّا عَمِلنَاهُ مَسؤُولُونَ، وَعَلَى مَا قَدَّمنَا مُحَاسَبُونَ وَمَجزِيُّونَ ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227] قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ؟ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 14، 17].



أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَيسَ بِطُولِ المُكثِ في الدُّنيَا تُقَاسُ الأَعمَارُ، وَلا بِكَثرَةِ مُرُورُ السَّنَوَاتِ يَكُونُ الفَرَحُ وَالاستِبشَارُ، وَإِنَّمَا عُمرُ المُؤمِنِ الحَقِيقِيُّ وَفَرَحُهُ وَسُرُورُهُ، أَن يُمضِيَ وَقتَهُ في طَاعَةِ رَبِّهِ وَإِصلاحِ قَلبِهِ، وَنَفعِ عِبَادِ اللهِ وَالإِحسَانِ إِلى الخَلقِ قَدرَ استِطَاعَتِهِ، فَإِذَا طَالَ بِذَلِكَ عُمُرُهُ، فَهُوَ لَهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ، وَإِلاَّ فَمَا لَهُ مِن طُولِ العُمُرِ إِلاَّ الهَرَمُ وَالهَمُّ وَالأَلَمُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاحرِصُوا عَلَى مَا يُبَارِكُ اللهُ بِهِ في الأَعمَارِ مِن صَالِحِ الأَعمَالِ، وَخَاصَّةً مَا يَتَضَاعَفُ أَجرُهُ، أَو مَا يَتَعَدَّى لِلآخَرِينَ نَفعُهُ، وَيَستَمِرُّ بَعدَ المَمَاتِ ثَوَابُهُ، وَاحذَرُوا التَّعَدِّيَ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ صَغُرَت أَو كَبُرَت، فَإِنَّ لها طَالِبًا وَعَلَيهَا مُحَاسِبًا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِن صَلاةِ الفَذِّ بِسَبعٍ وَعِشرِينَ دَرَجَةً " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابتَكَرَ، وَمَشَى وَلم يَركَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاستَمَعَ وَلَم يَلغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " يُصبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ: فَكُلُّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيَجزِي مِن ذَلِكَ رَكعَتَانِ تَركَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَن جُوَيرِيَةَ بِنتِ الحَارِثِ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِن عِندِهَا بُكرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبحَ وَهِي في مَسجِدِهَا، ثم رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: " مَا زِلتِ عَلَى الحَالِ الَّتي فَارَقتُكِ عَلَيهَا؟ " قَالَت: نَعَم. فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَو وُزِنَت بِمَا قُلتِ مُنذُ اليَومَ لَوَزَنَتهُنَّ: سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، عَدَدَ خَلقِهِ، وَرِضَا نَفسِهِ، وَزِنَةَ عَرشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ وَيُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّهُ مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ خَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الخُلُقِ وَحُسنُ الجِوَارِ، يَعمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ في الأَعمَارِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٌ صَالِحٌ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ: عِلمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصحَفًا وَرَّثَهُ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ، أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَو نَهَرًا أَجرَاهُ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَتَدرُونَ مَنِ المُفلِسُ؟ " قَالُوا: المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ: " المُفلِسُ مِن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأتي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ، فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَي مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثم طُرِحَ في النَّارِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.27 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]