الخليل عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5086 - عددالزوار : 2328549 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4672 - عددالزوار : 1621607 )           »          غزة في ذاكرة التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 14794 )           »          الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني.. راوٍ ماجنٌ وليس بمؤرخ مدقق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أثر العربية في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 16423 )           »          العقيدة اليهودية والسيطرة على العالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 2260 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 43585 )           »          من أخطاء المصلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 621 )           »          فوائد من حديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 826 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 6811 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #2  
قديم 19-09-2021, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخليل عليه السلام

الخليل عليه السلام (2)









﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ﴾


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل




الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، لَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ؛ فَحَرَفَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ إِلَى الْجُحُودِ وَالتَّنْدِيدِ، لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛ بَعَثَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ فَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.



أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ فِي أَعْمَالِكُمْ؛ فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّحَابُبَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِقَامَةِ الدِّينِ، وَإِنَّ الِاخْتِلَافَ وَالتَّبَاغُضَ يَقَعُ بِتَفْرِقَةِ الدِّينِ ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الرُّومِ: 30 - 32].



أَيُّهَا النَّاسُ: سِيَرُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ هِيَ سِيَرُ أَفَاضِلِ الْخَلْقِ، وَخِيَارِ الْبَشَرِ، مِمَّنِ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَالَمِينَ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَاخْتَصَّهُمْ بِرِسَالَاتِهِ، وَكَلَّفَهُمْ بِتَبْلِيغِ دِينِهِ، فَمَنْ تَبِعَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَمَنْ عَارَضَهُمْ سَخِطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَأَرْدَاهُ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 35- 36]، وَيُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَعَارَضُوهُمْ: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزُّمَرِ: 71- 72].



وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ نَسْلِهِ، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ وَصَبْرِهِ، وَلِنُصْحِهِ فِي دَعْوَةِ قَوْمِهِ، وَمَا زَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْتَلِيهِ حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلَةَ الْخُلَّةِ، وَهِيَ أَعْلَى مَنَازِلِ الْمَحَبَّةِ، فَكَانَ خَلِيلًا لِلرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125]، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: «أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125]، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ، فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.



وَهِيَ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ سِوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ شَارَكَ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.



فَاللَّهُ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا خَلِيلَيْنِ «وَالْخَلِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الصَّاحِبُ الْمُلَازِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ صَاحِبِهِ».



وَيُرَادُ بِالْخُلَّةِ نِهَايَةُ الْمَحَبَّةِ، «فَيُطْلَقُ الْخَلِيلُ بِمَعْنَى الْحَبِيبِ أَوِ الْمُحِبِّ لِمَنْ يُحِبُّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ خَالِصَةً مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ، بِحَيْثُ لَمْ تَدَعْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا مَوْضِعًا لِحُبٍّ آخَرَ، فهي الْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ الَّتِي تَتَخَلَّلُ النَّفْسَ وَتُمَازِجُهَا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْأَصْفِيَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَيُحِبُّونَهُ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ كَامِلَ الْحُبِّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَلِكَ عَادَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ وَجَمِيعَ النَّاسِ فِي حُبِّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ».



وَلَمَّا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْوَلَدَ رَزَقَهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى كِبَرٍ؛ فَابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِ وَلَدِهِ بِمَكَّةَ طِفْلًا رَضِيعًا مَعَ أُمِّهِ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَامْتَثَلَ الْخَلِيلُ أَمْرَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَمَّا شَبَّ الْوَلَدُ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ، وَأَحَبَّهُ إِبْرَاهِيمُ كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ وَالِدٌ وَلَدَهُ؛ اقْتَضَتِ الْخُلَّةُ أَنْ يُبْتَلَى بِذَبْحِهِ فِي رُؤْيَا مَنَامٍ -وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ- لِيَكُونَ أَشَدَّ بَلَاءً، وَأَعْسَرَ امْتِحَانًا، فَأُمِرَ بِذَبْحِهِ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِمُجَرَّدِ قَتْلِهِ، وَذَلِكَ أَشُدُّ عَلَى الْأَبِ الْمُحِبِّ لِوَلَدِهِ، فَامْتَثَلَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَضْجَعَ وَلَدَهُ لِلذَّبْحِ، فَفَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذِبْحٍ عَظِيمٍ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ فِي ابْتِلَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَيْسَتْ فِي ذَبْحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا ثَبَتَ فِي الِابْتِلَاءِ كَانَ الْفِدَاءُ ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 103-111]، فَبَرْهَنَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ حُبَّهُ لِوَلَدِهِ مَهْمَا بَلَغَ لَنْ يَكُونَ أَشَدَّ مِنْ حُبِّهِ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَنَّ حُبَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُزَاحِمُهُ حُبٌّ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدًا جَاءَهُ عَلَى كِبَرٍ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، فَبَعْدَ هَذَا أَيَعْجَبُ أَحَدٌ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّحْمَنُ سُبْحَانَهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا؟!



وممَا كَانَ سَبَبًا فِي بُلُوغِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْزِلَةَ الْخُلَّةِ، أنه كَانَ يَنْسُبُ لِلَّهِ تَعَالَى كُلَّ نِعْمَةٍ، وَيُنْزِلُ بِهِ كُلَّ فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ، وَلَا يَسْأَلُ الْمَخْلُوقِينَ شَيْئًا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مُجَادَلَتِهِ لِقَوْمِهِ: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 75 - 82]، وَلَمَّا قُذِفَ فِي النَّارِ بَعْدَ أَنْ حَطَّمَ الْأَصْنَامَ قَالَ: «حَسْبِيَ اللَّهُ»، أَيْ: يَكْفِينِي، وَلَمْ يَطْلُبْ عَوْنَ أَحَدٍ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، وَفِي الْآثَارِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَهُ وَهُوَ يُقْذَفُ فِي النَّارِ فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا» فَاسْتَحَقَّ بِإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ عَنْ أَيِّ مَخْلُوقٍ مَنْزِلَةَ الْخُلَّةِ؛ تَكْرِيمًا لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.



فَذَلِكُمْ جَدُّكُمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، اجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَاصْطَفَاهُ، وَجَعَلَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ كَرَامَةً لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَقِبِهِ.



بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...



الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.



أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].



أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْخُلَّةُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ اخْتُصَّ بِهَا النَّبِيَّانِ الْكَرِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «وَالْخُلَّةُ هِيَ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ مِنَ الْعَبْدِ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَمَالَ الرُّبُوبِيَّةِ لِعِبَادِهِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ».



وَكُلُّ مَنِ ادَّعَى وَصْلًا بِالْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَزِمَهُ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ عَلَى مِلَّتِهِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَإِلَّا كَانَتْ دَعْوَاهُ كَاذِبَةً، وَكَانَ انْتِسَابُهُ لِلْخَلِيلِ زَائِفًا، وَقَدِ ادَّعَى الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ أَنَّهُمْ عَلَى إِرْثِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَغْمَ أَنَّهُمْ بَدَّلُوهُ وَغَيَّرُوهُ، فَكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى ادِّعَاءَهُمْ مُبَيِّنًا حَقِيقَةَ دِينِ الْخَلِيلِ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 120]. وَادَّعَى الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ أَتْبَاعُ الْخَلِيلِ رَغْمَ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا دِينَهُ، وَبَدَّلُوا مِلَّتَهُ، كَمَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ، فَكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَاهُمْ، وَبَرَّأَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُمْ وَمِنْ شِرْكِهِمْ: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 135]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67]، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِ هُمْ مَنْ حَقَّقَ دِينَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاتَّبَعَ مِلَّتَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثَتِهِ قَدْ جَدَّدَ دِينَ الْخَلِيلِ، وَأَزَالَ عَنْهُ أَوْضَارَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، الَّتِي أَلْصَقَهَا بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِالْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَمِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 68]. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِخَلْطِ الْحَنِيفِيَّةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّةِ الصَّافِيَةِ بِأَوْضَارِ شِرْكِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ تَحْرِيفَاتِ أَحْبَارِ الْيَهُودِ وَرُهْبَانِ النَّصَارَى فَهِيَ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحَيْدَةِ عَنْ مِلَّتِهِ إِلَى الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ لَا يَتَّحِدُ مَعَ الشِّرْكِ، وَلِأَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ لَا تَقْبَلُ أَنْ يُخْلَطَ بِهَا غَيْرُهَا، وَلَا أَنْ يُدْخَلَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَهَذَا مِنَ التَّلْبِيسِ عَلَى النَّاسِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 71]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 42].




وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 124.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 122.59 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]