شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131267 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-02-2022, 06:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [053]
الحلقة (84)


شرح سنن أبي داود [053]


لقد حض الشرع على الاغتسال والتطيب والتجمل للجمعة، وما ذلك إلا لأهمية ذلك اليوم ومكانته وفضله، وقد اختلف العلماء في حكم الاغتسال ليوم الجمعة، فالجمهور على أنه غير واجب بل هو مستحب، وقال بعض العلماء: إن الاغتسال للجمعة واجب، وعلى هذا فالغسل للجمعة متأكد استحبابه عند الجميع، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليه.

الغسل يوم الجمعة


شرح حديث: (... إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغسل يوم الجمعة. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، أخبرنا معاوية ، عن يحيى ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة أخبره: ( أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر : أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت، فقال عمر : والوضوء أيضاً؟ أولم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل؟) ]. أورد المصنف رحمه الله باباً في الغسل يوم الجمعة، هذه الترجمة معقودة لغسل من الأغسال وهو غسل يوم الجمعة، وكان المناسب أن يكون هذا الباب تابعاً للأبواب المتعلقة بالغسل من الجنابة؛ لأنه نوع من الأغسال، ولأن صلته أو تعلقه بأبواب الغسل أولى من مجيئه بعد أبواب التيمم، كما أن هناك تراجم أخرى أيضاً يناسبها أبواب تقدمت كما ستأتي الإشارة إلى ذلك. وغسل يوم الجمعة جاء فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في حكمه، فبعض العلماء قال:
إنه واجب. وجمهور العلماء قالوا: إنه مستحب، والذين قالوا بالوجوب استدلوا بالأحاديث التي فيها الأمر بالغسل يوم الجمعة، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم). والذين قالوا بالاستحباب جعلوا هذه الأوامر محمولة على الندب، وجعلوا الصارف لها عدة أمور منها: ما جاء في الحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، وكذلك أيضاً ما جاء في حديث عمر رضي الله تعالى عنه (أنه كان يخطب وأنه دخل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فقطع عمر خطبته وحدثه وتكلم معه، وقال له: أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال:
إنني لما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت) معناه: أنه توضأ وجاء ليدرك الصلاة، فقال: (والوضوء أيضاً؟) يعني: أنه مع التأخر لم يغتسل، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قالوا: وهذا الحديث يدل على أنه مستحب؛ لأنه لو كان واجباً لما كان يليق بعثمان رضي الله عنه وأرضاه أن يأتي دون أن يؤدي ذلك الواجب، وأيضاً عمر رضي الله عنه لم يأمره بأن يرجع وأن يغتسل وأن يأتي بذلك الواجب، وكذلك أيضاً ما جاء أن أصل الأمر بالغسل يوم الجمعة أنهم كانوا أصحاب مهن وأصحاب بساتين وكانوا يعملون لأنفسهم وليس لهم خدم، فكان الواحد منهم إذا جاء يوم الجمعة وإذا فيه رائحة غير طيبة؛ بسبب الأوساخ وإجهاد العمل لهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأنهم إذا أتوا الجمعة أن يغتسلوا، فيكون في ذلك إزالة تلك الروائح التي يكون فيها أذى للناس، وأيضاً كونه جاء في بعض الأحاديث التي فيها الاغتسال يوم الجمعة مقروناً بالسواك، ومقروناً بأمور أخرى،
فمجموع هذه الأمور المتعددة جعلت الجمهور يقولون: إنما جاء من الأوامر في الاغتسال يوم الجمعة إنما هو للاستحباب. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، أولها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (أنه كان يخطب يوم الجمعة، فدخل رجل) هنا أبهم الرجل فلم يسمه، ولكن جاءت تسميته وأنه عثمان في صحيح مسلم : (وأنه دخل و عمر يخطب فقال له عمر : أي ساعة هذه -يعني: أنك متأخر- ثم قال له ما قال، وقال: والوضوء أيضاً؟) يعني: أيضاً تركت الاغتسال. ولهذا لما جاء زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه رأى أن المصلحة في أن يكون هناك أذان ثالث بالنسبة للإقامة؛ لأن الإقامة أذان، ولهذا جاء عنه في بعض الأحاديث ذكر أذان عثمان بأنه الأذان الثالث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة)، والمقصود بأحد الأذانين هو الإقامة، وكذلك الحديث الذي قال فيه أحد الصحابة: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة،
قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟) يعني: بين أذان الإقامة والسحور؛ لأن الأذان الذي يكون عند دخول الوقت يمسك الإنسان عنده عن الأكل وغيره من المفطرات. (كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) يعني: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية من انتهاء السحور إلى الأذان الذي هو الإقامة، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الأذان يوم الجمعة بأنه الأذان الثالث، والأذان الثالث الذي أتى به عثمان حتى يتنبه الناس ويستعدوا ويتهيئوا للجمعة. ومحل الشاهد منه: أن عمر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قوله: (فليغتسل) هذا أمر، وبعض أهل العلم حمله على الوجوب، وبعضهم قال: إنه مصروف من الوجوب إلى الاستحباب للأمور التي أشرت إليها آنفاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].
هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ أخبرنا معاوية ]. هو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا هريرة أخبره ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
[ أن عمر بن الخطاب ].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما سلكتَ فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك) يعني: ما سلكت طريقاً إلا ويهرب الشيطان من ذلك الطريق.

شرح حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، عن مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ]. أورد المصنف رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) الذين قالوا بوجوب غسل الجمعة استدلوا بهذا الحديث، بالإضافة إلى الأوامر التي وردت في الحديث السابق: (فليغتسل) وقال الجمهور: إن هذا كغيره مصروف عن الوجوب بالأحاديث الأخرى التي وردت في ذلك، والوجوب هنا متأكد، لكن قالوا: هو نظير ما يقول الإنسان لصاحبه: حقك واجب علي، أي: أنه متأكد علي. والمحتلم هو البالغ المكلف، وعبر بالاحتلام؛ لأن الاحتلام إذا وجد حصل البلوغ؛ سواء بلغ خمس عشرة سنة أو لم يبلغ؛ لأن الاحتلام إذا وجد فقد وجد البلوغ ولو كان في سن مبكرة دون الخامسة عشرة، لكن إذا لم يحصل احتلام وبلغ الخامسة عشرة، فإنه يكون قد بلغ وإن لم يحصل منه احتلام، لكن حيث يوجد الاحتلام قبل الخامسة عشرة أو الحيض بالنسبة للمرأة قبل الخامسة عشرة يحصل بذلك البلوغ. ويذكر أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قد ولد له ابنه عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة، معناه أنه قد بلغ في زمن مبكر وتزوج وولد له وعمره ثلاث عشرة سنة.
وكذلك قالوا عن المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي : إنه احتلم وعمره ثلاث عشرة سنة أو اثنا عشرة سنة. وكذلك ذكر عن الشافعي أنه رأى جدة عمرها واحد وعشرون سنة، يعني: بنتها ولدت وعمرها هي ليس بنتها واحد وعشرون سنة، ومعنى ذلك أنه حصل احتلام الواحدة منهن في سن العاشرة. إذاً قوله: (على كل محتلم) أي: أن الاحتلام دليل على البلوغ، ويحصل به البلوغ وإن لم يبلغ خمس عشرة سنة.

تراجم رجال إسناد حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن صفوان بن سليم ].
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ].
عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (... وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي ، أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة - عن عياش بن عباس ، عن بكير ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل) ]. قوله: (على كل محتلم رواح الجمعة) يعني: على كل بالغ أن يذهب لأداء صلاة الجمعة؛ لأن الرواح والذهاب إلى الجمعة واجب ومطلوب من كل محتلم. قوله: (وعلى من راح إلى الجمعة أن يغتسل) يعني: قبل أن يذهب إلى الجمعة عليه أن يغتسل. فإذاً: رتب واحداً على الآخر، أولاً المحتلم عليه أن يذهب إلى الجمعة وعليه قبل أن يذهب إلى الجمعة أن يغتسل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي ].
يزيد بن خالد الرملي هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة ].
المفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عياش بن عباس ].
هو عياش بن عباس القتباني المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن بكير ].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. [ عن حفصة ]. هي حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

حكم غسل الجمعة على الصبي والمرأة إن حضرا الجمعة
أما من لا تجب عليه الجمعة أصلاً كالمرأة فلو حضرت الجمعة فهل عليها غسل؟ الذي يبدو أن غسل الإتيان إلى الجمعة المقصود منه كما جاء في أصل مشروعيته هو دفع الروائح الكريهة، فمن جاء إلى الجمعة وفيه شيء مما يستكرهه الناس فعليه أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة. أما قوله: (وعلى كل من راح) فلا يشمل الصغير؛ لأنه قال (على كل محتلم رواح الجمعة) فيكون المعنى أن الذين يلزمهم الغسل هم المحتلمون، لكن يعوَّد الصغير على هذه الأخلاق والآداب وعلى الأحكام الشرعية مثلما يعود على الصلاة ويعود على الصيام، لكن الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف غير مكلف؛ لأن التكليف إنما هو للمحتلم، والجمهور على أن من أتى الجمعة يستحب له أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة.

إجزاء غسل الجنابة بعد طلوع الفجر عن غسل الجمعة
[ قال أبو داود : إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه من غسل الجمعة وإن أجنب ]. يعني: وإن كان اغتساله جاء عن جنابة، كما لو جامع الرجل أهله في الليل ثم طلع الفجر ليوم الجمعة وهو لم يغتسل واغتسل فإنه يجزئ عن الجمعة، لكن لو أنه اغتسل قبل طلوع الفجر لا يجزئ عن الجمعة؛ لأن اليوم لا يدخل إلا بطلوع الفجر.
إذاً: من اغتسل قبل طلوع الفجر فيعتبر أنه اغتسل قبل أن يأتي يوم الجمعة، لكن من كان اغتساله بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فإن ذلك يجزئه عن اغتسال الجمعة ولو كان اغتساله عن جنابة. وجمهور أهل العلم على أن الاغتسال للجنابة يجزئ عن الجمعة؛ لأن المقصود بغسل الجمعة أن يكون نظيفاً في ذلك اليوم. إذاً: أول الوقت الذي يحصل به الغسل للجمعة هو طلوع الفجر الذي هو أول النهار؛ لأن النهار حده من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو الذي يصوم فيه الناس، وحد الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لكن المناسب والمستحب في اغتساله للجمعة أن يكون قريباً من ذهابه، لكنه يجزئ لو حصل بعد طلوع الفجر ولو كان اغتساله عن جنابة.

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ح وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد وهذا حديث محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن . قال أبو داود : قال يزيد و عبد العزيز في حديثهما: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها -قال: ويقول أبو هريرة -: وزيادة ثلاثة أيام، ويقول: إن الحسنة بعشر أمثالها) . قال أبو داود : وحديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة ].
قوله: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه) ذكر الاغتسال وأموراً أخرى ورتب عليها حكماً وفضلاً وثواباً. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن الثياب) أن المرء المسلم يلبس ثياباً حسنة للجمعة؛ وذلك لأن الجمعة هي عيد الأسبوع، وقد جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : (أنه خطب الناس يوم عيد وكان يوم جمعة فقال قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان) يعني: عيد سنوي، وعيد أسبوعي، ويدل على التجمل ليوم الجمعة بالثياب ما جاء أن عمر عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم شراء ثوب ليلبسه للجمعة وللوفود، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له)؛ لأنه حرير، أو فيه شيء من الحرير. إذاً: لبس أحسن الثياب والتجمل للجمعة جاء ما يدل عليه، وهو قوله: (ولبس من أحسن ثيابه). قوله: (ومس من طيب إن كان عنده) يعني:
إن تيسر له أن يمس من الطيب فليتطيب، وهذا فيه زيادة في التجمل، وأيضاً فيه الابتعاد عن الروائح غير الطيبة وتحصيل الرائحة الطيبة، حتى يكون ذلك أحسن في حقه وفي حق غيره ممن يلقاه ومن يكون بجواره. قوله: [ (ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس) ]. يعني: أنه جاء في وقت مبكر بحيث لا يحصل منه الوقوع في مثل هذا المحذور، من تخطي أعناق الناس، ويمكن الإنسان ألا يقع في هذا المحذور الذي هو تخطي رقاب الناس؛ بحيث أنه يجلس حيث ينتهي به الصف، ولكن بعض الناس يأتي متأخراً ثم يريد أن يحصل الأماكن المتقدمة، ولا يتأتى ذلك إلا بارتكاب أمر محرم وهو كونه يؤذي الناس بأن يتخطى رقابهم. قوله: (ثم صلى ما كتب الله له)] وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا جاء يوم الجمعة فإن له أن يصلي ما أمكنه وما كتب الله له، وليس هناك تحديد، ويدل أيضاً على أنه ليس للجمعة سنة قبلها لا ركعتين ولا أربعاً ولا ستاً بل الإنسان يصلي ما كتب الله له، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة صلوا ما أرادوا أن يصلوا ثم جلسوا ولا يقومون إلا للصلاة، فهذا يدل على أنه ليس لها سنة راتبة قبلها كالصلوات التي لها سنة راتبة. قوله: [ (ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته) ] يعني: على الإنسان أن يكون على استعداد وتهيؤ لسماع الخطبة، وعدم انشغال عنها أو انصراف عنها بأي شيء.
والمقصود بخروج الإمام خروجه للخطبة، لكن إذا كان الإنسان بحاجة إلى أن ينبه أحداً فلا مانع من ذلك قبل بدء الخطيب بالخطبة؛ لأن المقصود هو ألا ينشغل عن سماع الخطبة والخطيب يخطب؛ لأن الأحاديث التي وردت في النهي عن الكلام والإمام يخطب. إذاً: على المرء المسلم أن يكون على استعداد لسماع الخطبة وعدم الانشغال عنها. قوله: (كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها)] يعني: من الجمعة إلى الجمعة سبعة أيام كاملة وزيادة ثلاثة أيام كما جاء عن أبي هريرة : (وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها).

تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ...)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ].
يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني شيخه المذكور في الإسناد قبل هذا؛ فهو هنا أطال في نسبته، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ ح وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ].
ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد. وعبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي .
[ قالا: حدثنا محمد بن سلمة ].
أي: يزيد بن خالد و عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة و محمد بن سلمة هو الحراني . كما قلت: إذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو الحراني وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخه فهو المصري والذي معنا هو في طبقة شيوخ شيوخه؛ لأن أبا داود يروي عنه هنا بواسطة شيخين، ومحمد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
[ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[وهذا حديث محمد بن سلمة ]. شيخ شيخي أبي داود في الإسنادين السابقين؛ لأن أبا داود له في هذا الحديث ثلاثة شيوخ الشيخ الأول: يزيد بن خالد ، والشيخ الثاني: هو عبد العزيز بن يحيى والشيخ الثالث: موسى بن إسماعيل ثم الشيخان الأولان يرويان عن محمد بن سلمة ، والشيخ الثاني يروي عن حماد بن سلمة ، ثم إنه قال: وهذا حديث محمد بن سلمة ، يعني: الذي سيسوقه هو لفظ محمد بن سلمة وليس لفظ حماد بن سلمة .
[ عن محمد بن إسحاق ].
يعني: محمد بن سلمة و حماد بن سلمة يرويان هذا الحديث عن محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره.
[ قال أبو داود : قال يزيد و عبد العزيز في حديثهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و أبي أمامة بن سهل ].
يعني: أن الشيخين الأولين قالا في حديثهما وفي إسنادهما: إن محمد بن إبراهيم يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف . و أبو أمامة هو أسعد بن سهل بن حنيف له رؤية أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة ]. أبو سعيد الخدري و أبو هريرة مر ذكرهما.
[قال أبو داود : وحديث محمد بن سلمة أتم ]. أي: حديث محمد بن سلمة أتم من حديث حماد بن سلمة . قوله: [ ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة ].
أي: أن حماد بن سلمة الذي رواه عنه بواسطة موسى بن إسماعيل التبوذكي لم يذكر كلام أبي هريرة فيما يتعلق بثلاثة أيام وفيما يتعلق بأن الحسنة بعشر أمثالها. وكلام أبي هريرة له حكم المرفوع؛ لأن الأشياء التي تتعلق بفضائل الأعمال هي من قبيل المرفوع حكماً.

شرح حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال و بكير بن عبد الله بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم الزرقي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له)، إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب: (ولو من طيب المرأة) ].
أورد المصنف رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له ولو من طيب المرأة) يعني: طيب الرجال كما سبق أن ذكرنا تظهر رائحته ويخفى لونه، وطيب النساء بالعكس يظهر لونه وتخفى رائحته. معنى الحديث: أن الإنسان يحرص على الطيب ولو لم يجد إلا الطيب الذي هو من خصائص النساء، فالرجل لا يترك الطيب ولو كان عن طريق التطيب بطيب المرأة الذي يظهر لونه وتخفى رائحته. وفيه ذكر الجمع بين الاغتسال وبين السواك وبين الطيب، وهذا مما استدلوا به على أن الغسل ليس بواجب، لكن كما هو معلوم قد يأتي في بعض النصوص الجمع بين أشياء منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، مثل: الجمع بين خصال الفطرة، ففيها واجب وفيها مستحب.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-02-2022, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [056]
الحلقة (87)

شرح سنن أبي داود [056]

من الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين: حكم صلاة الرجل في ثياب أهله من اللحف والشُعُر، وكذلك صلاته في ثوب وقع فيه مني، وكيفية إزالة القذر الحاصل من المني، وغير ذلك من الأحكام التي ينبغي للمسلم علمها ومعرفتها.

الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه


شرح حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي يجامع فيه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه. حدثنا عيسى بن حماد المصري ، أخبرنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس عن معاوية بن خديج ، عن معاوية بن أبي سفيان (أنه سأل أخته أم حبيبة رضي الله عنهم أجمعين زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى) ]. ذكر في السند معاوية بن خديج بالخاء والصواب أنه معاوية بن حديج بالحاء المهملة. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه]. أي صلاة الرجل في الثوب الذي يجامع أهله فيه هل يسوغ ذلك أو لا يسوغ؟ ومقتضى هذه الترجمة أنه إن كان هناك أذى في ذلك الثوب الذي يجامع المرء أهله فيه من نجاسة فإنه يجب غسل النجاسة، وإن كان فيه مني فإن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يذهب المنظر غير الحسن، وليس ذلك الغسل للنجاسة، وإنما لذهاب المنظر الذي يستساغ كالبصاق، فإن البصاق طاهر ولكن وجوده على الثوب غير حسن، فإنه يزال حتى لا يبقى له أثر. والحاصل أن الثوب الذي يجامع الرجل أهله فيه إن كان فيه نجاسة فإنه يجب إزالتها، وإن كان الذي فيه منياً فإن كان يابساً فإنه يفرك ويكفي ذلك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يزول ذلك الذي يرى، ورؤيته غير مستساغة، هذا هو الذي يدخل تحت الترجمة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن أخاها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سألها:
(هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم. إذا لم يكن به أذى). يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه إذا لم يكن به أذى، والأذى يحتمل النجاسة ويحتمل أن يكون منياً، والمني يفرك إن كان يابساً ويغسل إن كان رطباً، وأما إذا كان عليه شيء غير ذلك مما يجب غسله فإنه لابد من الغسل. والحاصل أن كلمة الأذى هذه التي في الحديث إن كان المراد بها شيئاً غير المني مما يجب التطهر منه، فإنه يجب غسله، أما إن كان منياً فإنه إن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل، لا لنجاسته، ولكن لإزالة المنظر الذي لا يحسن النظر إليه، والذي هو نظير البصاق والمخاط الذي يكون على ثوب الرجل، فإن تركه على هذه الهيئة غير مستساغ، بل عليه أن يزيله وأن يغسل ذلك الذي على ثوبه من المني، فالحكم في ذلك أن الرجل إذا جامع أهله في ثوب فإن كان ذلك الثوب لا نجاسة فيه فإنه لا يجب غسله.
تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي يجامع فيه

قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري ].
هو عيسى بن حماد المصري التجيبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ أخبرنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن أبي حبيب ].
هو يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سويد بن قيس ].
هو سويد بن قيس المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن معاوية بن حديج ].
معاوية بن حديج صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن معاوية بن أبي سفيان ].
هو معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سأل أخته أم حبيبة ].
هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
مكانة وفضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

هذا الإسناد فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض: معاوية بن حديج، وهو صحابي صغير يروي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، و معاوية يروي عن أخته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه هو أحد الأئمة الاثني عشر الذين قال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر الإسلام عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة) أو (لا يزال الإسلام عزيزاً ما ولي الناس اثنا عشر خليفة)، فهو أحد الخلفاء الذين يدخلون تحت هذا الحديث، وهؤلاء الخلفاء الاثنى عشر هم من قريش، وللعلماء كلام في الثناء عليه وبيان منزلته وأنه لا يجوز التعرض له بسوء، وقد قيل لعبد الله بن المبارك : ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام في الصلاة: (سمع الله لمن حمده)، فقال معاوية وراءه: (ربنا ولك الحمد). فهذا شيء ما حصل إلا للصحابة، و(سمع) بمعنى (استجاب)، فهذا ثناء على معاوية رضي الله عنه وأرضاه لكونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو -أيضاً- ممن كتبوا الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن يدعو له معاوية ، فذهب إليه فوجده يأكل، ثم أرسله إليه مرة أخرى فجاء وأخبره بأنه يأكل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا أشبع الله بطنه)، وهذا الدعاء هو في الحقيقة دعاء له وليس دعاء عليه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اللهم! من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له رحمة وزكاء). والإمام مسلم رحمه الله أورد هذا الحديث بعد الأحاديث التي هي من هذا القبيل، والتي تتعلق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أشخاص لا يريد الدعاء عليهم وإنما هو دعاء لهم، ومن تلك الأحاديث التي أوردها الحديث الذي فيه: (أن أم سليم أرسلت يتيمة عندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رآها وهي صغيرة، ثم إنه رآها تلك المرة وقد كبرت، فلما رآها قال: أنت هي؟ لا كبرت سنك. فانطلقت تلك اليتيمة إلى أم سليم تبكي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليها وقال فيها هذه المقالة، فجاءت أم سليم مسرعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك يا أم سليم ؟ قالت:
إنك دعوت على يتيمتي فقلت كذا. فقال عليه الصلاة والسلام: أما علمت يا أم سليم -أنني اشترطت على ربي وقلت: اللهم! من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له رحمة وزكاء)، ولما ذكر مسلم رحمه الله هذا الحديث عقبه مباشرة بحديث: (لا أشبع الله بطنه). فيكون من هذا القبيل، وعلى هذا فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان كان دعاءً له وليس دعاء عليه، وهذا من حسن تنظيم مسلم وترتيبه لصحيحه، وأنه يضع الحديث في مكانه المناسب، ولهذا فقد وضع هذا الحديث في هذا المكان المناسب الذي هو في الحقيقة يعتبر دعاء لمعاوية وليس دعاء عليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الصلاة في شعر النساء


شرح حديث: (كان رسول الله لا يصلي في شعرنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في شعر النساء. حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شُعُرنا أو في لُحُفنا) قال عبيد الله : شك أبي ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الصلاة في شُعُر النساء، والشُعُر: جمع شعار، وهي الثياب التي تلي الجسد، والدثار هو الثوب الذي وراءه. إذاً: الشعار يكون بين الجسد وبين الدثار، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما توفيت ابنته زينب أعطى من يغسلنها شعاره وقال: (أشعرنها إياه) فأعطاهن ثوبه الذي كان يلي جسده ليجعلنه مما يلي جسدها. وفي الحديث: (أن الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم في غزوة حنين لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ولم يعطهم شيئاً من الغنائم وجدوا في أنفسهم، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم فيهم وأثنى عليهم، وكان مما قاله عليه الصلاة والسلام:
لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار) قوله: (الأنصار شعار) يعني: أنهم في قربهم منه كقرب الشعار من جسد الإنسان. وقوله: (والناس دثار) يعني الثوب الذي وراء الشعار. والحاصل أن شُعُر النساء جمع شعار، ككتب وكتاب، فالمفرد شعار والجمع شُعُر، كالكتاب والكتب، فالكتاب مفرد والكتب جمع. والترجمة معقودة في عدم الصلاة في شعر النساء؛ لأن الأحاديث التي أوردها أنه لا يصلى فيها، حيث قالت عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو في لحفنا) والشك هو من معاذ والد عبيد الله في الإسناد، حيث قال:
(شعرنا، أو لحفنا) واللحاف هو الذي يكون فوق الشعار غالباً، أي: ما يلتحف به ويكون فوق الشعار، وقد يلتحف الإنسان بالشعار الذي يلي جسده. والجمع بين أحاديث النهي عن الصلاة في شعر النساء وأحاديث الجواز هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في شعر نسائه إذا كان فيها شيء من الأذى، بأن يكون فيها شيء من دم الحيض أو شيء من النجاسة، فعدم الصلاة فيها لما قد يكون فيها من أذى، أما إذا تحقق من أنها نظيفة وأنه ليس فيها شيء من النجاسات فإنه يصلى فيها؛ لأنه سيأتي في بعض الأحاديث في الترجمة التي بعدها ما يدل على جواز ذلك، وعلى هذا فيجمع بين الأحاديث التي فيها الصلاة في اللحف والشعر بأنه لم يكن فيها شيء من النجاسة، والنهي والامتناع من الصلاة فيها إذا كان فيها شيء من النجاسة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله لا يصلي في شعرنا)
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[ حدثنا أبي ]. أبوه هو معاذ بن معاذ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأشعث ].
هو الأشعث بن عبد الله . وقيل: هو الأشعث بن عبد الملك الحمراني ، لكني رأيت في تهذيب التهذيب في ترجمة أشعث بن عبد الله الحداني أنه روى عنه معاذ بن معاذ وروى هو عن محمد بن سيرين ، فإذا كان الحمراني أيضاً روى عنه معاذ بن معاذ فإنه يحتمل الاثنين. فيحتمل أن يكون المراد أشعث بن عبد الله الحداني الذي روى عنه معاذ بن معاذ ، وروى هو عن محمد بن سيرين ، ويحتمل أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني، والحمراني ثقة، وأشعث بن عبد الله الحداني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن شقيق ].
هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وهي من حفظة السنة وأوعيتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، عن هشام ، عن ابن سيرين عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) والملاحف هي اللحف التي يلتحف بها في النوم على الفراش، فكان لا يصلي إذا كان فيها شيء، أما إذا لم يكن فيها شيء فإنه يصلي فيها كما سيأتي.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن زيد ؛ لأن حماد بن زيد هو الذي روى عن سعيد بن أبي صدقة ، وحماد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام ]
هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن سيرين ] ابن سيرين مر ذكره.
[ عن عائشة ].
قد مر ذكرها. إذاً: فهشام بن حسان روى عن محمد بن سيرين ، وحماد بن زيد و حماد بن سلمة كلاهما يرويان عن هشام بن حسان، ويروي عنهما سليمان بن حرب ، ولكن سعيد بن أبي صدقة الذي سيأتي في كلام أبي داود بعد ذلك لم يرو عنه إلا حماد بن زيد . إذاً: هذا الرجل المبهم هو حماد بن زيد، و حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

رواية سعيد بن أبي صدقة لحديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال حماد : وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا، فسلوا عنه. ]. ثم قال حماد : وسمعت سعيد بن أبي صدقة يقول: سألت محمداً عنه يعني محمد بن سيرين ؛ لأن حماد بن زيد رواه في الطريق الأولى عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، وأن محمد بن سيرين رواه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقول سعيد بن أبي صدقة : سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا، فسلوا عنه. أي: سلوا عن هذا الحديث غيري. ومعناه أنه من طريق سعيد بن أبي صدقة لا يذكر شيئاً، ولكنه من طريق هشام بن حسان -وهو من أخص أصحاب محمد بن سيرين- رواه عنه مسنداً. وقوله:
[ وسمعت سعيد بن أبي صدقة ].
هو سعيد بن أبي صدقة، ثقة، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة في التفسير.
الرخصة في الصلاة في شعر النساء


شرح حديث: (أن النبي صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ذلك. حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق الشيباني ، سمعه من عبد الله بن شداد يحدثه عن ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب: في الرخصة في ذلك]. يعني: في جواز الصلاة في شُعُر النساء؛ لأن ذلك يرجع إلى الترجمة السابقة، وهي الصلاة في شعر النساء، وأورد حديثين في الترجمة السابقة في أنه كان لا يصلي فيها، ثم أورد أحاديث في هذه الترجمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الشيء الذي يمس جسد المرأة وهي حائض، فأورد فيه حديث ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط) والمرط هو ثوب يكون للرجل ويكون للمرأة.
وقولها: (وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه ) معناه أنه إذا سجد يكون على جسدها وهي حائض شيء من ذلك الثوب الذي يصلي فيه، فهذا يدل على أن الشيء إذا علم أنه لا نجاسة فيه فإنه يصلى فيه حتى ولو وقع ذلك الثوب على جسد المرأة الحائض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقع جزء من المرط الذي يصلي فيه على جسد امرأته وهي حائض، فدل على أن ملامسة الثياب لجسد المرأة وهي حائض لا يؤثر؛ لأنها طاهرة، والحيضة في فرجها وليست في يدها وليست في جسدها، فغير مكان النجاسة طاهر، إلا إذا وقع عليه نجاسة، وإلا فالأصل طهارته، ولهذا سبق أن مر في أحاديث المضاجعة والمخالطة والمباشرة للحائض أن ذلك لا يضر، فكونه يتصل جسده بجسدها لا مانع منه،
وإنما الممنوع هو الجماع للحائض في فرجها، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). فكونه صلى الله عليه وسلم يصلي في ذلك الثوب ومنه جزء على جسد المرأة وهي بجواره فهذا يدل على أن الممنوع ما إذا كان هناك نجاسة في الثوب الذي يكون على جسد المرأة، سواء أكان شعاراً أم لحافاً، وأنه إذا لم يكن فيه نجاسة فإنه يكون طاهراً ويصلى فيه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ].
محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق الشيباني ].
أبو إسحاق الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعه من عبد الله بن شداد ].
هو عبد الله بن شداد الليثي، وهو ثقة، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ميمونة ].
هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 196.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 194.44 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (1.10%)]