سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1094 - عددالزوار : 127594 )           »          أدركتني دعوة أمي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حقيقة الإسلام ومحاسنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المرأة .. والتنمية الاقتصادية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أسباب الثبات على الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4779 )           »          مفاسد الغفلة وصفات أصحابها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          سفراء الدين والوطن .. الابتعاث فرص تعليمية وتحديات ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-05-2023, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل



10: سيرة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)

أعماله وأخباره في زمن الخلفاء الراشدين
عاد أبو موسى إلى المدينة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم غزا مع من غزا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الشام، وشهد فتوح الشام، ومنها فتح بيت المقدس وشهد خطبة عمر بالجابية، وحضر وفاة أبي عبيدة بن الجراح بالأردن.
ثمّ في عام سبع عشرة للهجرة استقدمه عمر من الشام، وبعثه إلى الكوفة والبصرة أميراً عليهما، وقاضياً ومعلّماً لأهل البصرة يعلّمهم القرآن ويفقّههم في الدين، ويغزو بهم.
فأقرأ وعلّم وفقّه وقضى بينهم، وقاد جيوش المسلمين فافتتح كثيراً من بلاد فارس منها أصبهان وتستر والأهواز والسوس ونصيبين وهمذان وغيرها.
ثمّ إنّ عمر أمّر على الكوفة عمار بن ياسر، وأبقى أبا موسى أميراً على البصرة، فلم يزل أميراً عليها حتى عزله عثمان بعبد الله بن عامر بعد سنوات من خلافته.
- قال أحمد بن حنبل في المسند: حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كتب عمر في وصيته: «أن لا يقرَّ لي عاملٌ أكثر من سنة، وأقرّوا الأشعريَّ - يعني أبا موسى - أربع سنين».
فأقرّه عثمان ثم عزله سنة 29هـ بعبد الله بن عامر بن كُريز.
وولّى على الكوفة الوليد بن عقبة، ثمّ عزل الوليدَ بعد أن شكاه أهل الكوفة، وأمّر مكانه سعيد بن العاص؛ ثمّ إنّ أهل الكوفة خرجوا على سعيد وطردوه وأمّروا أبا موسى الأشعري؛ فأبى أبو موسى أن يقبل منهم إلا أن يجددوا البيعة لعثمان ثم يكتب له فيستأذنه؛ فجدّدوا البيعة لعثمان؛ وكتب أبو موسى لعثمان، فأعجبه ما صنع أبو موسى وأقرّه على إمرة الكوفة.
وكان شاعر أهل الكوفة عتبة بن الوعل التغلبي قد أرسل قصيدة إلى عثمان وفيها:
تصدّق علينا يا ابنَ عفّان واحتسب ... وأمّر علينا الأشعريّ لياليا
فقال عثمان: (نعم وشهورا وسنين إن بقيت). ذكره ابن سعد في الطبقات في خبر طويل.
ومات عثمان وأبو موسى أميرٌ على الكوفة.
ثمّ عزله عليّ وولّى قرظة بن كعب الأنصاري، وكان قرظة من المعلّمين الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة يقرئون الناس القرآن ويفقّهونهم في الدين.

- قال ضمرة بن ربيعة الفلسطيني عن عبد الله بن شوذب عن الحسن البصري قال: بعث عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وهو بالشام؛ فقدم عليه فلما قدم عليه قال له: أني إنما بعثت إليك لخير، لتؤثر حاجتي على حاجتك.
قال: (أما حاجتك فالجهاد في سبيل الله، وأما حاجتي فأبعثك إلى البصرة؛ فتعلّمهم كتاب ربهم وسنة نبيهم وتجاهد بهم عدوَّهم، وتقسم بينهم فيئَهم).
قال الحسن: (ففعل والله، لقد علَّمهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، وجاهد بهم عدوهم، وقسم بينهم فيئهم؛ فوالله ما قدم عليهم راكب كان خيرا لهم من أبي موسى).
قال ابن شوذب: (ودخل على جمل أورق وخرج عليه حين عزل). رواه ابن عساكر.
- وقال شعبة عن أبي عامر الخزاز عن الحسن عن أبي موسى قال: (إنَّ أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلّمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظّف لكم طرقكم). رواه ابن عساكر.
- وقال صالح بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: (أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس سكن الكوفة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه عمر إلى البصرة أميراً عليها؛ فأقرأهم القرآن وفقَّههم، وهو فتح تستر، ولم يكن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسن صوتا منه). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو القاسم البغوي: (أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري حليف سعيد بن العاص، سكن الكوفة، وابتنى بها دارا إلى جانب المسجد).
- وقال أبو نعيم الأصبهاني: (ولي لعمر بن الخطاب البصرة، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة بعد أن فتح الله به البلدان الكبيرة، وبنى بها دارا إلى جنب المسجد، وقتل عثمان وهو على الكوفة، وله بها عقب).
- وقال يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: بعثني عمر بن الخطاب وأبا موسى الأشعري إلى العراق، فجعل أبا موسى على الصلاة، وجعلني على الجباية، وقال: «إذا بلغ مال المسلم مائتي درهم، فخذ منها خمسة دراهم، وما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم»رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.
- وقال سهل بن يوسف، عن حميد، عن أنس، قال: «كان النعمان بن مقرّن على جند أهل الكوفة، وأبو موسى الأشعري على جند أهل البصرة» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو يوسف الفسوي: حدثني عمار عن سلمة عن ابن إسحاق قال: (سار أبو موسى في أهل البصرة من نهاوند؛ ففتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين). رواه ابن عساكر.
- وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا زهير، حدثنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك (أن الهرمزان نزل على حكم عمر أمير المؤمنين؛ فبعث به أبو موسى مع أنس إلى أمير المومنين؛ فقدمت عليه؛ فقال له عمر: تكلّمْ لا بأس عليك؛ فاستحياه فأسلم وفرض له). رواه ابن عساكر.
- وقال عرعرة بن البرند السامي: حدثنا زياد الجصاص، عن أبي إسحاق، عن كثير، قال: «غزونا مع أبي موسى الأشعري أصبهان وهمذان ففتحهما الله عز وجل» رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان.
- قال مرزوق بن عمرو: حدثني أبو فرقد قال: (كنا مع أبي موسى الأشعري يوم فتحنا سوق الأهواز) فذكر الخبر، رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عتاب بن زهير بن ثعلبة: حدثني مرداس بن نمير، عن أبيه، قال: (كنت من حرس عبد الله بن قيس حين قدم أصبهان، فقام على شرف الحصن علج، فرمى ابنه بسهم فغرز السهم في عجزه، فاستشهد وهو ساجد، وجزع عليه أبوه جزعا شديداً حتى أغمي عليه فأفاق، وظفرنا بالعلج فقتلناه، ثم نزع عن ابنه الخف، ودفنه بكلمه وثيابه، وسوى قبره، ووكل به جماعة يحفظون قبره حتى يأتيهم أمره). رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان.
- وقال سليمان بن مسلم اليشكري: حدثني خالي بشير بن أبي أمية، عن أبيه، (أن الأشعري نزل بأصبهان، فعرض عليهم الإسلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه على ذلك، فباتوا على صلح حتى إذا أصبحوا أصبحوا على غدر، فبارزهم القتال، فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم). رواه ابن سعد.
- وقال عفان بن مسلم: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري.
قال: فأصبنا دانيال بالسوس.
قال: فكان أهل السوس إذا أسنتوا أخرجوه فاستسقوا به، وأصبنا معه ستين جرة مختمة.
قال: ففتحنا جرَّة من أدناها، وجرَّة من أوسطها وجرَّة من أقصاها؛ فوجدنا في كل جرّة عشرة آلاف.
قال همام: ما أراه إلا قال: «عشرة آلاف».
قال: وأصبنا معه ريطتين من كتان، وأصبنا معه رَبْعَة فيها كتاب). ثم ساق الخبر بطوله، وهو في مصنّف ابن أبي شيبة.
والرَّبْعَة الصندوق الذي يوضع فيه الكتاب.
- وقال حسان بن عبد الله، عن السري بن يحيى، عن قتادة، قال: لما فتحت السوس، وعليهم أبو موسى الأشعري وجدوا دانيال في إيوان، وإذا إلى جنبه مال موضوع وكتاب فيه: من شاء أتى فاستقرض منه إلى أجل، فإن أتى به إلى ذلك الأجل وإلا برص، قال: فالتزمه أبو موسى، وقبله، وقال: دانيال ورب الكعبة، ثم كتب في شأنه إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن كفنه، وحنطه، وصل عليه وادفنه كما دفنت الأنبياء صلوات الله عليهم، وانظر ماله فاجعله في بيت مال المسلمين.
قال: (فكفنه في قباطي بيض، وصلى عليه، ودفنه). رواه أبو عبيد في كتاب "الأموال"، وابن زنجويه، وتمّام في فوائده.
وهو مرسل لأن قتادة إنما ولد بعد موت أبي موسى بنحو عشرين سنة، لكن يعضده ما قبله في أصل القصة.
- وقال أبو خلدة خالد بن دينار: حدثنا أبو العالية، قال: لما افتتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميّت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف، فحملناه إلى عمر بن الخطاب؛ فدعا له كعبا فنسخه بالعربية.
أنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا.
فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟
فقال: سيرتكم، وأموركم، ودينكم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد.
قلت: فما صنعتم بالرجل؟
قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان في الليل دفناه وسوينا القبور كلها، لنعمّيه على الناس لا ينبشونه). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال أبو بردة بن أبي موسى: حدثتني أمي، قالت: (خرج أبو موسى حين نُزع عن البصرة وما معه إلا ستمائة درهم، عطاء عياله). رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن المنتشر، عن مسروق بن الأجدع، قال: (كنت مع أبي موسى أيام الحكمين وفسطاطي إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى قال: إن الإمرة ما اؤتمر فيها، وإنَّ الملك ما غلب عليه بالسيف). رواه ابن سعد وابن عساكر.

صفاته وشمائله
كان أبو موسى رضي الله عنه خفيف الجسم قليل شعر الوجه، حيّياً كريماً، عظيم الأمانة، حسن الصوت بالقرآن، عالماً بالقرآن والقضاء والفتوى، حريصاً على اتّباع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معلّماً كيّساً، ومجاهداً مقداماً، وأميراً محبوباً، وخطيباً مسدّداً حتى شُبّه بالجزار الذي لا يخطئ المفصل من سداد قوله.
- قال أبو لبيد الجهضمي: (ما كنَّا نشبه كلام أبي موسى إلا بالجزار الذي لا يخطئ المفصل). رواه ابن سعد من طريق حماد بن زيد، عن الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد.
- وقال حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي مجلز، أن أبا موسى قال: (إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري حياء من ربي). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: (كان أبو موسى الأشعري إذا نام لبس ثيابا عند النوم مخافة أن تنكشف عورته). رواه ابن سعد.
- وقال القاسم بن مخيمرة: حدثني أبو بردة بن أبي موسى رضي الله عنه، قال: وجع أبو موسى وجعا شديدا، فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق، قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برئ من الصالقة والحالقة والشاقة» رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو عميس: سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد، وأبي بردة بن أبي موسى قالا: أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنّة، قالا: ثم أفاق، قال: ألم تعلمي وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق» رواه مسلم.
- وقال روح بن عبادة: حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة أنه وصف الأشعري، فقال: (رجل خفيف الجسم قصير أثط). رواه ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك.
والأثط قليل شعر الوجه.
- قال أبو غسان: حدثنا عباد، عن الشيباني قال: سمعت الشعبي، يقول: (القضاء في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة بالمدينة، وثلاثة بالكوفة فبالمدينة: عمر، وأبي، وزيد بن ثابت، وبالكوفة: علي، وعبد الله، وأبو موسى). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال أبو التياح: سمعت الحسن، يقول: «ما قدم البصرة راكب خير لأهلها من أبي موسى الأشعري» رواه البخاري في التاريخ الكبير والحاكم في المستدرك.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا زهير عن عبد الملك بن عمير قال: (رأيت أبا موسى داخلا من هذا الباب، وعليه مقطَّعة ومطرف حبري، يعني باب كندة). رواه أبو القاسم البغوي.

علمه وفقهه

- قال عباد بن العوام: أخبرنا [أبو إسحاق] الشيباني، عن الشعبي، قال: (كان يؤخذ العلم عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان عليّ وأبي والأشعريّ يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض).
قال: فقلت له: وكان الأشعري إلى هؤلاء؟
قال: (كان أحد الفقهاء). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، وابنه في تاريخه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن [ابن صالح] عن مطرف، عن عامر الشعبي، قال: (كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعلي وعبد الله وزيد وأبو موسى وأبي بن كعب). رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن مسروق قال: (كان القضاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى، وكان نصفهم لأهل الكوفة: علي وابن مسعود وأبو موسى). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.

عبادته وهديه
كان أبو موسى رضي الله عنه، عالماً فقيهاً، وعابداً زاهداً، حريصاً على التفقّه في الدين واتّباع السنّة، ثم لمّا تولّى الولايات لم تغيّره عمّا كان عليه من الزهد وطلب العلم، وقد تولّى إمارة البصرة والكوفة وهما من أغنى بلاد المسلمين في ذلك الزمان، ولم يخرج منها بعد عزله بشيء من مالها، إلا نحو ستمائة درهم عطاء أولاده كسائر رعيّته.
وكان صاحب ليلٍ وقرآن معروف بذلك، متقلّلاً من الدنيا، صادق الوعد، عظيم الأمانة، لا يخلف، ولا يخون.
- قال قتادة: حدَّث أبو بردة بن عبد الله بن قيس، عن أبيه قال: قال أبي: «لو شهدتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم، إذا أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن، إنما لباسنا الصوف» رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه.
- قال أبو عيسى الترمذي: (ومعنى هذا الحديث أنه كان ثيابهم الصوف، فإذا أصابهم المطر يجيء من ثيابهم ريح الضأن).
- وقال عاصم الأحول، عن أبي مجلزٍ قال: صلى أبو موسى بأصحابه وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين وسلَّم، ثم قام فقرأ مئةَ آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه.
فقال: (ما ألوتُ أن أضعَ قدمي حيثُ وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه، وأن أصنع مثلَ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال أبو غلاب يونس بن جبير الباهلي، عن أنس بن مالك، قال: قال الأشعري وهو على البصرة: (جهّزني فإني خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه، فجاء ذلك اليوم، وقد بقي من جهازه شيء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إني خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إني قد قلت لأهلي: إني خارج يوم كذا وكذا، وإني إن كذبت أهلي كذبوني، وإن خنتهم خانوني، وإن أخلفتهم أخلفوني. فخرج وقد بقي من حوائجه بعض شيء لم يفرغ منه). رواه ابن سعد.
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: كنا مع أبي موسى قال: فجئنا الليل إلى بستان خرب.
قال: فقام أبو موسى من الليل يصلي، فقرأ قراءة حسنة ثم قال: (اللهم أنت مؤمن تحب المؤمن، مهيمن تحب المهيمن، سلام تحب السلام، صادق تحب الصادق). رواه ابن أبي شيبة، وابن عساكر.
- وقال جعفر بن سليمان: حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: سمعت أبي، وهو بحضرة العدو، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف».
فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى، آنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟
قال: نعم
قال: " فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل). رواه أحمد ومسلم.
- وقال زيد بن الحباب: حدثنا صالح بن موسى الطلحي عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا؛ فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك بعض الرفق؛ فقال: (إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك).
قال: (فلم يزل على ذلك حتى مات). رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر.
- وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن انس( أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه بالليل إذا نام مخافة أن ينكشف). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو عمرو الشيباني قال: قال أبو موسى: (لأن يمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إليَّ من أن يمتلئ من ريح امرأة). رواه ابن سعد.

قراءته ورواياته

أخذ أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة ومعاذ وابن مسعود وجابر بن عبد الله.
وذكر أبو القاسم الهذلي في " الجامع " أنه جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

تعليمه القرآن
كان أبو موسى من كبار المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وزمن الخلفاء الراشدين، فعلَّم في اليمن حتى توفّي النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ علّم في البصرة في خلافة عمر، حتّى كثر القراء فيهم، وجمع مرةً الذين جمعوا القرآن في البصرة فكانوا نحو ثلاثمائة.
- قال أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: (أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة، كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها:[لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب]
وكنا نقرأ سورة، كنا نشبهها بإحدى المسبحات؛ فأنسيتها، غير أني حفظت منها: [يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة]). رواه مسلم في صحيحه.
- وقال النضر بن شميل: حدّثنا قرّة بن خالد، قال: أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ، قال: (كنا في المسجد الجامع، ومقرئنا أبو موسى الأشعري، كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين).
قال أبو رجاء: (عنه أخذت هذه السورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وكانت أوّل سورة نزلت على محمد). رواه ابن جرير في تفسيره.
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق أبي عامر العقدي عن قرة عن أبي رجاء قال: (تعلَّمنا القرآن في هذا المسجد - يعني مسجد البصرة - وكنا نجلس حلقاً حلقاً). ثم ذكر باقيه بمثل حديث النضر عن قرّة.
- وقال هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: (بعثني الأشعري إلى عمر، فقال عمر: كيف تركت الأشعري؟)
فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن.
فقال: (أما إنه كيّس، ولا تسمعها إياه). رواه ابن سعد.

مذهبه في كتابة العلم:
كان أبو موسى رضي الله عنه لا يرى كتابة العلم، يخشى دخول الغلط على الكاتب، وعلى من يقرأ الكتاب من بعده، وأن يُشتغل به عن القرآن، وهذا مذهب لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم.
ومنهم من كان يكتب أو يرخّص في الكتابة ومنهم: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وغيرهم.
ومنهم من يرخّص للخاصّة من أهل العلم دون العامّة لأنّهم أجدر أن يرعوا حدود الله، ويحفظوا أمانة ما كتبوه، وهو ظاهر صنيع عمر بن الخطاب وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر.
ومن التابعين من كان يرخّص في الكتابة لمن يخشى النسيان إلى أن يحفظ ثم يمحو كتابه، وهو قول سعيد بن المسيّب.
ومنهم من كان يكتب لنفسه ثمّ لا يخوّلها أحداً، وربما أتلفها عند موته، خشية أن تقع بيد من يقرأها وهو لا يفقه ما فيها فيدخل عليه الغلط ويخطئ في الرواية منها، وممن ذهب هذا المذهب عبيدة السلماني وابن سيرين وغيرهم.
ثمّ استقرّ القول على جواز كتابة العلم، ولم يعد يسع أهل العلم مع كثرة الأسانيد وتفاوت أحوال الرواة سوى ضبط العلم بالكتاب، ودراسة الأسانيد.
وإنما ذكرت الخلاف في هذه المسألة قبل ذكر ما روي عن أبي موسى من النهي عن كتابة العلم لئلا يُظنّ أنّ هذا قول قد أجمع عليه الصحابة.
- قال عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه «أنَّ بني إسرائيل كتبوا كتابا؛ فتبعوه، وتركوا التوراة» رواه الدارمي.
- وقال غيلان بن جرير: حدثني أبو بردة بن أبي موسى قال: (كتبت عن أبي أحاديث ففطن بي فقال: تكتب؟ فقلت: نعم، قال: فدعا بكتبي فمحاها بالماء وقال: خذ كما أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال أبو خيثمة: حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة قال: (كتبت عن أبي كتاباً فظهرَ عليَّ فأمر بمركَن؛ فقال بكتبي فيها فغسلها). رواه أبو القاسم البغوي.

- وقال حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد ويونس بن عبيد عن أبي بردة بن أبي موسى قال: كنت آتي أبي فكلما حدّث بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قمت فكتبته؛ ففطن لي، فقال: (أتكتب كلَّ ما أحدّث به؟)
فقلت: نعم.
قال: (فاذهب فجئ بكتابك).
فجئته؛ فدعا بماء فغسله فيه). رواه الروياني في مسنده، وابن عساكر في تاريخ دمشق.

الرواة عنه
ممن قرأ على أبي موسى من الأئمة القراء: حطان بن عبد الله الرقاشي وأبو رجاء العطاردي.
وممن له رواية عنه في كتب التفسير المسندة:
من الصحابة: عياض بن عمرو الأشعري رضي الله عنه.
ومن التابعين: ابنه أبو بردة، ومعاوية بن قرّة، وأبو عثمان النهدي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو تميمة الهجيمي، وسعيد بن المسيب، وقسامة بن زهير، وأبو العالية الرياحي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية.
وأرسل عنه: سعيد بن جبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة السدوسي.

وفاته
توفي أبو موسى رضي الله عنه في ذي الحجة من سنة 44هـ على أرجح الأقوال.
وفي سنة وفاته أقوال أخرى: فقيل سنة 42هـ، وقيل: سنة 51هـ، وقيل: سنة 52هـ، وقيل: سنة 55هـ.
- قال أبو نعيم الفضل بن دُكين: مات أبو موسى سنة أربع وأربعين.
- وكذلك قال محمد بن عبد الله بن نمير.
- وقال الهيثم بن عدي: مات سنة ثنتين وأربعين.
- وقال خليفة بن خياط: (مات سنة خمسين، ويقال: سنة إحدى وخمسين بالكوفة).
- وقال الواقدي: سنة 55هـ. وهو خطأ.
- وقال أبو القاسم البغوي: (بلغني أن أبا موسى توفي سنة ثنتين أو سنة أربع وأربعين وهو ابن نيف وستين سنة).
- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: (وهو ابن ثلاث وستين).

- قال غسان بن برزين: حدثنا سيار بن سلامة، قال: لما حضر أبا موسى الأشعري الموت دعا بنيه؛ فقال: (انظروا إذا أنا متّ، فلا تؤذننّ بي أحداً، ولا يتبعنّي صوت ولا نار، وليكن ممشى أحدكم بحذاء ركبتي من السرير). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا سعيد الجريري، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: (أعمقوا لي قبري). رواه ابن سعد.
- وقال معتمر بن سليمان التيمي: قرأت على الفضيل بن ميسرة في حديث أبي حَريز أن أبا بردة حدّثه قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت؛ فقال: (إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري بناء، وأشهدكم أني بريء من كلّ حالقة وسالقة وخارقة).
قالوا: وسمعت فيه شيء؟
قال: نعم، من رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن عساكر.
- وقال الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب الأشعري: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرته الوفاة، قال: اذهبوا فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا.
فجاءوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا.
فقال: (والله إنها لإحدى المنزلتين: إما ليوسّعن عليَّ قبري حتى تكونَ كلُّ زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحنَّ لي باب إلى الجنة؛ فلأنظرنَّ إلى أزاوجي ومنازلي وما أعدَّ الله لي من الكرامة، ثم لأكوننَّ أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبنّي من ريحها ورَوْحها حتى أبعث، وإن كانت الأخرى، ونعوذ بالله منها ليضيَّقنَّ عليَّ قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزجّ، ثم ليفتحنَّ لي باب من أبواب جهنم فلأنظرنَّ إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكوننَّ إلى مقعدي من جهنَّم أهدى مني اليوم إلي بيتي، ثمَّ ليصيبنّي من سمومها وحميمها حتى أبعث). رواه ابن عساكر.
قال أبو عيسى الترمذي: (والضحاك هو ابن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال ابن عرزم، وابن عرزم أصحّ).
وقال ابن حبان: (كنيته أبو زرعة، من صالحي أهل الشام، ومن قال: إنه عرزم بالميم؛ فقد وهم).
وابن عرزب كان والي دمشق زمن عمر بن عبد العزيز، وكان من خيرة الولاة، لكن روايته عن أبي موسى مختلف فيها؛ فأعلّها أبو حاتم الرازي بالإرسال، وقال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة ابن عرزب: سمع أبا موسى.
فيُحتمل أن يكون سمعه وهو صغير.

مواعظه ووصاياه:
- قال حميد الطويل، عن أبي رجاء، عن أبي المهلب قال: سمعت أبا موسى على منبره وهو يقول: (من علَّمه الله علماً فليعلمه، ولا يقولن ما ليس له به علم؛ *فيكون *من *المتكلفين، ويمرق من الدين). رواه ابن سعد.
- وقال أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن أبي موسى قال: (إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم، وهما مهلكاكم). رواه ابن أبي شيبة، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال معاذ بن معاذ العنبري، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: كتب أبو موسى إلى عامر [هو ابن عبد قيسٍ] من عبد الله بن قيس: أما بعد: (فإني عهدتك على أمرٍ وبلغني أنك تغيرت، فإن كنت على ما عهدت فاتق الله وَدُمْ، وإن كنت تغيرت فاتق الله وعُدْ). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال علي بن مسهر، عن عاصم [الأحول]، عن أبي كبشة [السدوسي] عن أبي موسى قال: (الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، ألا إن مثل الجليس الصالح كمثل العطر، إلا يحذك يعبق بك من ريحه، ألا وإن مثل جليس السوء كمثل الكير إلا يحرقك يعبق بك من ريحه، ألا وإنما سمي القلب من تقلبه، ألا وإن مثل القلب مثل ريشة متعلقة بشجرة في فضاء من الأرض فالريح تقلبها ظهرا وبطنا). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس قال: كنا مع أبي موسى في منزله؛ فسمع الناس يتكلمون فسمع فصاحة وبلاغة.
قال: فقال: (يا أنس! هلم فلنذكر الله ساعة، فإنَّ هؤلاء يكاد أحدهم أن يفريَ الأديم بلسانه).
ثم قال: (يا أنس! ما ثبّط الناس عن الآخرة؟ ما ثبطهم عنها؟).
قال: قلت: الدنيا والشهوات.
قال: (لا، ولكن غُيّبت الآخرة، وعُجّلت الدنيا، ولو عاينوا ما عدلوا بينهما ولا ميّلوا). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أبي موسى قال: (الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم أو تُضْحيهم). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبي موسى الأشعري رضي الله، عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الدنيا أضر بالآخرة، ومن أحب الآخرة أضر بالدنيا ألا فأضروا بالفاني للباقي». رواه البزار.


- وقال يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي بردة أن أبا موسى الأشعري قال لبنيه عند موته: (أي بني اذكروا صاحب الرغيف! إنَّ رجلاً كان يتعبَّد في صومعة له أربعين سنة ثم شيب أن زين الشيطان في عينه امرأة؛ فنزل، وكان معها سبع ليال ثم تركه فخرج تائبا فجعل يخطو ويبعد حتى أجنَّه الليل إلى دكّان عليه ثلاثة أو اثنا عشر مسكيناً، ورجل يعطي كل واحد منهم رغيفا كل ليلة).
قال: (فأعطاهم رغيفا رغيفا، وأعطاه رغيفا، وترك رجلاً منهم؛ فقال: "حبست عني الرغيف أما كان بك عنه غنا؟"
قال: "تراني حبسته عليك! لا والله لا أعطيك الليلة شيئا"
فدسَّ الرجل الرغيف إلى الرجل الذي لم يعط شيئا وصبح ميتاً).

قال: (فوُزنت الليالي بالسنين فربحت الليالي، ثم وزنت الليالي بالرغيف؛ فربح الرغيف). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.

مما رُوي عنه في التفسير:
- وقال حرملة بن قيس، عن محمد بن أبي أيوب، عن أبي موسى قال: «أمانان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رفع أحدهما، وبقي الآخر: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}» رواه أحمد في المسند.
- وقال الحسن بن الصباح البزار: حدثنا أبو بردة عن أبي موسى قال: (إنه كان فيكم أمانان قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}).
قال: (أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة). رواه ابن جرير.
ب: الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى: {فرت من قسورة} قال: الرماة. رواه ابن جرير.
ج: وقال الحسن بن مكرم: حدثنا علي بن عاصم، عن عاصم بن كليب عن أبي بردة، قال: كان أبو موسى إذا قرأ: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } قال: (يعني الجهل) ويبكي.
وإذا قرأ: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو} بكى). رواه ابن عساكر.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-04-2024, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


11: سيرة أبي سعيد زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري (ت:45هـ)



جهاده ومشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
ردّه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لصغر سنّه، وأوّل مشاهده يوم الخندق، ثم شهد ما بعدها من الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته.
- قال أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق فيمن شهد الخندق: (زيد بن ثابت بن الضحاك بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار، وكان فيمن ينقل التراب يومئذ مع المسلمين). رواه الحاكم في المستدرك.



علمه وفقهه
كان زيد بن ثابت ممن جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن مراراً، وكان من أصحاب الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعلمهم بالقرآن، والفرائض، والقضاء، والحساب، وأمهرهم بالكتابة، وكان صاحب فراسة صادقة.
- قال همام بن يحيى البصري: حدثنا قتادة، قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: ( أربعة، كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد). رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: (جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبيّ، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت).
قلت لأنس: من أبو زيد؟
قال: (أحد عمومتي). رواه البخاري.
- وقال خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي في الكبرى.
- وقال موسى بن عُلي بن رباح، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بالجابية فقال: «من أحبَّ أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أحب أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أحب أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني خازنا وقاسما، ألا وإني بادئ بالمهاجرين الأولين أنا وأصحابي فنعطيهم، ثم بادئ بالأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان فنعطيهم، ثم بادئ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فنعطيهنّ، فمن أسرعت به الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ به العطاء؛ فلا يلومنَّ أحدكم إلا مناخ راحلته». رواه ابن أبي شيبة في المصنف، البيهقي في السنن الكبرى، وهو منقطع.
- وقال جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة بن مقسم الضبي قال: قال ابن عباس: «لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت من الراسخين في العلم» رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، ومغيرة لم يدرك ابن عباس.
- وقال رزين بن حبيب الجهني، عن عامر بن شراحيل الشعبي قال: ذهب زيد بن ثابت ليركب ووضع رجله في الركاب؛ فأمسك ابن عباس بالركاب؛ فقال: (تنحَّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فقال: (لا هكذا نفعل بالعلماء والكبراء). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة، والحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخه.
- وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت فأخذ له بركابه، فقال له: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: (إنا هكذا نفعل بكبرائنا وعلمائنا). رواه محمد بن يحيى الذهلي في جزئه، وابنُ سعد في الطبقات، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال مطرف بن طريف الحارثي، عن عامر الشعبي، عن مسروق بن الأجدع قال: ( كان أصحاب الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: عمر، وعلي، وعبد الله [بن مسعود]، وأبيّ، وزيد، وأبو موسى). رواه ابن سعد في الطبقات، أبو نعيم في معرفة الصحابة، والبيهقي في المدخل إلى السنن، ووقع عندهما "القضاء" بدل "الفتوى".
- وقال وهيب بن خالد: أخبرنا داود، عن عامر [الشعبي] قال: (قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى الأشعري، ودهاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وزياد). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: (قدمت المدينة فوجدتُ زيد بن ثابت من الراسخين في العلم). رواه سعيد بن منصور، والدارمي، وأبو زرعة الدمشقي، وغيرهم.
- وقال أبو إسحاق الشيباني: سمعت مسروقاً يقول: (قدمت المدينة فنزلت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا زيد بن ثابت من الراسخين في العلم) رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في السنن الكبرى.
وروي ذلك عن مسروق من طرق متعددة.
- وقال منصور بن المعتمر عن عامر الشعبي عن مسروق، قال: (شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى هؤلاء الستة: عمر، وعلي، وأبيّ، وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم). رواه ابن سعد في الطبقات، والطبراني في المعجم الكبير، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي: حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن عامر الشعبي قال: (انتهى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري).رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال عباد بن العوام الواسطي: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن الشعبي قال: (كان يؤخذ العلم عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمر، وعبد الله، وزيد يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان علي، وأبي، والأشعري يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض). رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال عبد الله بن المبارك، عن عاصم الأحول عن الشعبي قال: (غلب زيد – يعني ابن ثابت - الناسَ على اثنتين الفرائض والقرآن). رواه ابن عساكر.
- وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: سمعت ابن شهاب الزهري يقول: (لو هلك عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض إلى يوم القيامة، ولقد جاء على الناس زمان وما يعلمها غيرهما). رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، والدارمي في سننه، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال جعفر بن بُرقان الكلابي: سمعت الزهري يقول: (لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنها ستذهب من الناس). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة، والبيهقي في السنن الكبرى.
وهذا الكتاب أصله رسالة بعث بها زيد بن ثابت إلى معاوية بن سفيان في مسائل سأله عنها؛ ولم أقف على نصّ الرسالة تاماً، لكن أخرج البخاري صدرها في الأدب المفرد من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن كبراء آل زيد بن ثابت.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن أبي الزناد بعض هذه الرسالة بما فهمه أبو الزناد وعبّر عنه وشرحه، لكنه لم يميّز كلامه من كلام زيد بن ثابت.
- وقال حميد بن الأسود عن مالك بن أنس الأصبحي قال: (كان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زيدُ بن ثابت، وكان إمام الناس بعد زيد ابنُ عمر). رواه يعقوب بن سفيان، وأبو القاسم البغوي.
- وقال محمد بن عبد الرحيم البغدادي المعروف بصاعقة: سمعت علي بن عبد الله [ابن المديني] يقول: ( لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد له أصحاب حفظوا عنه وقاموا بقوله في الفقه إلا ثلاثة: زيد وعبد الله وابن عباس؛ فأعلم الناس بزيد بن ثابت وقوله عشرة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وأبان بن عثمان، وقبيصة بن ذؤيب، وذكر آخر، وكان أعلم الناس بقولهم وحديثهم ابن شهاب ثم بعده مالك بن أنس ثم بعد مالك عبد الرحمن بن مهدي). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.



أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
كان لزيد بن ثابت أعمال جليلة في زمن الخلفاء الراشدين تقدّمت الإشارة إلى بعضها، وقد روي فيها جملة من الآثار.
- قال وهيب بن خالد: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار؛ فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين! إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان: أحدهما منكم والآخر منا.
قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك.
قال: فقام زيد بن ثابت، فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنَّ الإمام إنما يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنّا أنصارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم».
فقام أبو بكر؛ فقال: «جزاكم الله خيراً من حيٍّ يا معشر الأنصار، وثبَّت قائلكم».
ثم قال: «والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم». رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وأبو داوود الطيالسي، وغيرهم.
- وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد قال: «كان عمر رضي الله عنه كثيراً ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الأسفار، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيداً حديقة من نخل». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال خليفة بن خياط: (سنة سبع عشرة فيها خرج عمر بن الخطاب إلى سرغ واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وبها الطاعون فرجع).
وسَرْغ موضع بالشام بلغه عمر في قدمته إلى الشام بعد فتح المقدس بعام؛ فلما بلغه وقوع الطاعون بالشام استشار الصحابة في الرجوع بمن معه؛ فانتهى أمرهم إلى الرجوع، ثم أبلغه عبد الرحمن بن عوف بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
- وقال معتمر بن سليمان، عن داود، عن يوسف بن سعد، عن وهيب أن زيد بن ثابت كان في إمارة عثمان على بيت المال.
قال: فدخل عثمان وأبصر وهيباً يعينهم؛ فقال: «من هذا؟» فقال: مملوك لي.
فقال: «أراه يعينهم! افرض له ألفين».
قال: (ففرض له ألفاً). رواه ابن أبي شيبة، والبيهقي.
- وقال معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: دخل علينا زيد بن ثابت بيت المال فصلى بنا العصر، ثم قال: «إنَّ صلاة الجميع تفضل على صلاة الرجل وحده بضعاً وعشرين». رواه عبد الرزاق.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان؛ فقال: هذه الأنصار بالباب؛ قالوا: (إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين).
قال: «أما القتال فلا». رواه ابن أبي شيبة.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-04-2024, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


11: سيرة أبي سعيد زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري (ت:45هـ)


كتابته للمصاحف
وهو الذي عهد إليه أبو بكر بجمع المصحف؛ فاجتهد في جمعه وأحسن، وكان جمعه بنظر قراء الصحابة ومراجعتهم.
وهو الذي كتب المصحفَ الإمام في زمن عثمان، وكان رئيس الكتَبَة الذين كتبوا المصاحف العثمانية وبعث بها عثمان إلى الأمصار.
- قال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده.
قال أبو بكر رضي الله عنه: «إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن».
قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عمر: «هذا والله خير» فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: «إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه»
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: «هو والله خير»
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للَّذي شرَحَ له صدرَ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ واللخافِ وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، وابن حبان، والبيهقي.
- وقال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشأم في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق؛ فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة: «أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك».
فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: « إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم».
ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرَّق). رواه البخاري، والترمذي، وأبو يعلى.
- وقال إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد أن عثمان قال في خطبته: (فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به) وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم لسمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟
فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: (من أَكْتَبُ الناسِ؟)
قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت.
قال: (فأيّ الناسِ أعرب؟)
قالوا: سعيد بن العاص.
قال عثمان: (فليملَّ سعيدٌ وليكتب زيد).
فكتب زيد، وكتب مصاحف ففرّقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد يقول: (قد أحسن). رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.



إنفاقه في سبيل الله وأوقافه
- قال عبد الله بن وهب: حدثني مالك أنَّ زيدَ بن ثابت رضي الله عنه كان قد حبس داره التي في البقيع، وداره التي عند المسجد، وكتب في كتاب حبسه على ما حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال مالك: (وحبس زيد بن ثابت عندي).
قال: (وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يسكن منزلاً في داره التي حبس عند المسجد حتى مات فيه، وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه فعل ذلك، حبس داره وكان يسكن مسكنا فيها).رواه البيهقي في السنن الكبرى.



صفاته وشمائله وبعض أخباره
- قال الأعمش: حدثني ثابت بن عبيد قال: (ما رأيت أحداً أجلَّ إذا جلس مع القوم ولا أفكه في بيته من زيد بن ثابت). رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، أن زيد بن ثابت، أتى المسجد يوم الجمعة فلقي الناس منصرفين فدخل دارا فصلى فيها، فقيل له: «هلا أتيت المسجد؟».
قال: «إن من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله». رواه عبد الرزاق، وهناد بن السري في الزهد.

تعليمه العلم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر

- قال جرير بن حازم، عن أبي الزناد، عن عبيد بن حنين، عن عبد الله بن عمر، قال: ابتعت زيتا في السوق، فقال لي رجل: فأربحني حتى رضيت، فلما أخذت بيده لأضرب عليها أخذ بذراعي رجل من خلفي فأمسك بيدي، فالتفت إليه فإذا زيد بن ثابت، فقال: «لا تبعه حتى تحوزه إلى بيتك؛ فإنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الوليد بن كثير: حدثني شرحبيل أبو سعد أنه دخل الأسواف؛ فصاد بها نهساً يعني طائراً فدخل عليه زيد بن ثابت وهو معه فعرك أذنه وقال: (خل سبيله لا أم لك! أما علمت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم ما بين لابتيها». رواه أحمد وابن أبي شيبة.
- وقال علي بن الجعد: أخبرني ابن أبي ذئب، عن شرحبيل بن سعد قال: كنت بالأسواف فأخذوا طيراً، فدخل زيدٌ فدفعوه في يدي وفرّوا.
قال: فأخذ الطيرَ فأرسله، ثم ضرب في قفاي، فقال: (لا أم لك! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها). رواه ابن الجعد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، وأبو أحمد الحاكم في فوائده.
والأسواف موضع بالمدينة قرب البقيع.

عنايته بتأهيل أصحابه للإفتاء

- وقال ضمرة بن سعيد المازني، عن الحجاج بن عمرو بن غزية أنه كان جالساً عند زيد بن ثابت فجاءه ابن قهد رجل من أهل اليمن، فقال يا أبا سعيد إن عندي جواري لي، ليس نسائي اللاتي أكنّ بأعجبَ إليَّ منهن، وليس كلّهن يعجبني أن تحمل منّي أفأعزل؟
فقال زيد بن ثابت: «أفته يا حجاج».
قال فقلت: «يغفر الله لك! إنما نجلس عندك لنتعلم منك».
قال: أفته.
قال فقلت: «هو حرثك إن شئت سقيته، وإن شئت أعطشته».
قال: وكنت أسمع ذلك من زيد.
فقال زيد: «صدق». رواه مالك في الموطأ.

نهيه عن التكلف في مسائل العلم

- قال معمر بن راشد: أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، عن زيد بن ثابت قال: «إني لآكل الطحال، وما بي إليها حاجة، ولكن لأري أهلي أنه لا بأس بها». رواه عبد الرزاق.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا موسى بن علي عن أبيه قال: (كان زيد بن ثابت إذا سأله رجل عن شيء قال: آلله كان هذا؟! فإن قالوا: نعم؛ تكلم فيه وإلا لم يتكلم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال عبد الوهاب بن همام الصنعاني، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت، قال: سئل زيد بن ثابت، عن شيء فقال: «أكان هذا؟» فقيل: لا.
فقال: «دعه حتى يكون؛ فإنما هلك من كان قبلكم، بأنهم قاسوا ما لم يكن بما قد كان حتى تركوا دين الله». رواه ابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى.

فراسته

- قال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: (حجَّ بنا أبو الوليد ونحن سبعةٌ ولدُ سيرين؛ فمرَّ بنا على المدينة؛ فلما دخلنا على زيد بن ثابت، قيل له: هؤلاء بنو سيرين.
قال: فقال زيد: (هذان لأمّ، وهذان لأمّ، وهذان لأمّ، وهذا لأمّ، قال: فما أخطأ، وكان معبد أخا محمد لأمه).رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن عساكر في تاريخ دمشق.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-04-2024, 04:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


11: سيرة أبي سعيد زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري (ت:45هـ)


وفاته
- قال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو هريرة حين مات زيد بن ثابت: «اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً» رواه الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
- وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم: لما مات زيد جلسنا إلى ابن عباس في ظل قصر فقال: (هكذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم كثير). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في المعجم الكبير، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: شهدت جنازة زيد بن ثابت، فلما دلّي في قبره قال ابن عباس: «من سرَّه أن يعلم كيف ذهاب العلم؛ فهكذا ذهاب العلم، والله لقد دفن اليوم علم كثير» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
- وقال حماد بن زيد عن أيوب قال: قال ابن عباس وزيد يُدفن: (ألا من سرّه أن يعلم كيف يذهب العلم، ألا فهكذا يذهب العلم).
قال: وقال: (لقد فُقِدَ بك اليوم علم كبير). رواه يعقوب بن سفيان.
- وقال سفيان بن عيينة: حدثنا ابن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن عباس وهو قائم على قبر زيد بن ثابت: (هكذا يذهب العلم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.

وقد اختلف في سنة وفاته:

- فقال مصعب الزبيري ومحمد بن عبد الله ابن نمير ويحيى بن بكير: مات سنة 45هـ وصححه الذهبي.
- وقال علي بن المديني: مات سنة 54هـ، ولم يذكر البخاري في التاريخ الأوسط ولا الكبير قولاً غيره.
- وقال يحيى بن معين والهيثم بن عدي والمدائني وابن السكن: سنة 55هـ.
- وقال أحمد بن حنبل: «بلغني أنَّ زيد بن ثابت توفي سنة إحدى وخمسين» وبه قال أ
و حفص الفلاس.




مواعظه ووصاياه
- قال أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا زيد بن ثابت، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه؛ فحادت البغلة به؛ فكادت تلقيه، فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: «من يعرف صاحب هذه الأقبر؟»
فقال رجل: أنا
قال: «فمتى مات هؤلاء؟»
فقال: ماتوا في الإشراك.
فقال: «إنَّ هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه».
ثم أقبل علينا بوجهه؛ فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر».
فقلنا: نعوذ بالله من عذاب القبر.
فقال: «تعوذوا بالله من عذاب النار».
فقلنا: نعوذ بالله من عذاب النار.
قال: «تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن».
قلنا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قال: «تعوذوا بالله من فتنة الدجال».
فقلنا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
قال: « تعوذوا بالله من فتنة المحيا والممات ».
قلنا: نعوذ بالله من فتنة المحيا والممات). رواه أحمد وابن أبي شيبة، ومسلم.
- وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا عمر بن سليمان - من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه - عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان، عن أبيه، أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحواً من نصف النهار؛ فقلنا: ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه!! فقمتُ إليه فسألته؛ فقال: أجل! سألنا عن أشياء سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( نضّر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه ربَّ حامل فقهٍ ليس بفقيه، وربَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه)).
((ثلاث خصال لا يغلّ عليهن قلبُ مسلمٍ أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإنَّ دعوتهم تحيط من ورائهم)).
وقال: ((من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرَّق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)). رواه أحمد، والدارمي، وابن ماجة.




رواة القراءة والتفسير عن زيد بن ثابت رضي الله عنه
قرأ عليه أبو هريرة وابن عباس في قول، وقرأ عليه أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية الرياحي وغيرهما.
- قال أبو عمرو الداني: (عرض عليه ابن عباس، وأبو العالية، وأبو عبد الرحمن السلمي، وشهد الخندق وما بعدها. وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة. وهو الذي ندبه عثمان لكتابة المصاحف، وهو الذي تولى قسمة غنائم اليرموك). ذكره الذهبي.

وممن روى عنه في التفسير:
من الصحابة: ابن عمر، وابن عباس.
ومن التابعين: ابنه خارجة، وأبو العالية الرياحي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد بن السباق الثقفي، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الله بن يزيد الأنصاري وعطاء بن يسار، وسليمان بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي ثوبان، والقاسم بن حسان العامري.
وممن أرسل عنه: الحسن البصري، ومكحول، وأبو البختري الطائي، وأبو قلابة، وعامر الشعبي.


مما روي عنه في التفسير
- قال عدي بن ثابت الأنصاري: سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}، وقال: «إنها طيبة! تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الفضة». رواه البخاري، ومسلم، والترمذي.
- وقال أبو الزناد، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم: قال: (هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم). رواه ابن وهب وابن جرير.
- وقال حديج بن معاوية الكوفي: أخبرنا أبو إسحاق [السبيعي]، عن أبي الأحوص، عن زيد بن ثابتٍ، قال: «لو كان للوطٍ مثل أصحاب شعيبٍ لجاهد بهم قومه، ولكن لم يكن فيهم رجلٌ رشيدٌ». رواه ابن جرير.
- وقال أشهل بن حاتم البصري، عن عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: سأل رجل زيد بن ثابت عن هذه الآية: {الذين يجتنبون كبآئر الإثم والفواحش إلا اللمم}، قال زيد: (حرم الله عليك الفواحش ما ظهر منها وما بطن). رواه ابن وهب.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-05-2024, 11:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



بعض أخبارها في بيت النبوة
- قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه، فيسرّبهن إلي فيلعبن معي». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري: حدثني أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: (يا رسول الله! إنَّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة).
وأنا ساكتة.
قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟!» فقالت: بلى.
قال «فأحبّي هذه».
قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلن لها: ما نراك أغنيتِ عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إنَّ أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة؛ فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً.
قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأةً قطّ خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدَّق به، وتقرَّب به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرَةٍ من حدَّة كانت فيها، تسرع منها الفيئة.
قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مِرْطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت: يا رسول الله! إنَّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.
قالت: (ثم وقعت بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طَرْفَه، هل يأذن لي فيها).
قالت: (فلم تبرح زينب حتى عرفتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر).
قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتبسم إنها «ابنة أبي بكر». رواه مسلم والنسائي في السنن الكبرى، ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري؛ فذكر الحديث بنحوه.
- وقال إسرائيل بن يونس، عن جدّه أبي إسحاق السَّبيعي، عن العيزار بن حريث، عن النعمان بن بشير، قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأذن له فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان! وتناولها: أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها.
قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لها يترضَّاها: « ألا ترين أني قد حِلْتُ بين الرجل وبينك».
قال: ثم جاء أبو بكر، فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها.
قال: فأذن له فدخل؛ فقال له أبو بكر: (يا رسول الله! أشركاني في سِلْمِكما كما أشركتماني في حربكما). رواه أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الكبير، ورواه أبو داوود في سننه من طريق حجاج بن محمد المصيصي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه بنحوه.
- وقال ابن شهاب الزهري، عن يحيى بن سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر من عائشة، ولم يخش النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالها أبو بكر بالذي نالها، فرفع أبو بكر بيده فلطم في صدر عائشة، فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي بكر: «ما أنا بمستعذرك منها بعد فعلتك هذه!». رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه أحمد في فضائل الصحابة، وابن حبان في صحيحه.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى»
قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟
فقال: « أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت عليَّ غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم ».
قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك). رواه البخاري ومسلم.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة، قالت: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، «ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا، ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا، ثم قال: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك، وهو يقول: «هذه بتلك». رواه أحمد، وأبو داوود، والنسائي في السنن الكبرى، وغيرهم.

فضائلها ومناقبها
لعائشة رضي الله عنها فضائل كثيرة، ومناقب جليلة صحّت بها الأحاديث والآثار، فقد كانت أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زوجته في الدنيا والآخرة، نزل الملَك عليه بصورتها قبل أن يتزوجها، ولم يتزوّج بكراً غيرها، ورأت جبريلَ عليه السلام، وأقرأها السلام، ولها فضل امتازت به على سائر النساء حتى شبّه النبي صلى الله عليه وسلم فضلها على النساء بفضل الثريد على سائر الطعام، ولم ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلّم وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها، وبرَّأها الله مما قُذفت به بآيات من القرآن الكريم لا تزال تتلى إلى أن يأتي أمر الله، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مسندته على صدرها، في يومها، ودُفن في حجرتها.
- قال عبد العزيز بن المختار: حدثنا خالد الحذاء، حدثنا أبو عثمان، قال: حدثني عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
قال: «عائشة».
فقلت: من الرجال؟
فقال: «أبوها».
قلت: ثم من؟
قال: «ثم عمر بن الخطاب» فعدّ رجالاً). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن قيس بن أبي حازم قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل قال: قال عمرو بن العاص.
قلت: يا رسول الله! من أحبّ الناس إليك؟
قال: «عائشة».
قال: قلت: إنما أقول من الرجال؟
قال: «أبوها». رواه أحمد في فضائل الصحابة، والترمذي، وابن حبان، والحاكم في المستدرك.
- قال ابن شهاب الزهري: قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: «يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام».
فقلت: (وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبدة بن سليمان الكلابي، عن هشام بن عروة، عن صالح بن ربيعة بن هدير، عن عائشة قالت: أُوحيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه فقمت فأجفت الباب فلما رُفِّه عنه؛ قال: ((يا عائشة! إنَّ جبريل يقرئك السلام)). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإنَّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثني محمد بن جعفر [بن أبي كثير]، عن عبد الله بن عبد الرحمن [أبي طوالة]، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». رواه البخاري.
ورواه مسلم من طريق القعنبي عن سليمان بن بلال عن أبي طوالة به.
- وقال أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، ويومي، وبين سحري ونحري، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطبٌ، فنظر إليه، فظننتُ أنَّ له فيه حاجة، قالت: فأخذته فمضغته، ونفضته وطيَّبته، ثم دفعتُه إليه، فاستنَّ كأحسن ما رأيته مستناً قطّ، ثم ذهب يرفعه إليَّ فسقط من يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدعُ به في مرضه ذلك، فرفع بصره إلى السماء، وقال: « الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى»، يعني وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخرِ يومٍ من أيّام الدنيا). رواه أحمد، والبخاري.
- وقال وكيع بن الجراح، عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت عائشة في الجنة كأني أنظر إلى بياض كفيها ليهوَّن بذلك علي عند موتي». رواه أحمد في فضائل الصحابة، ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبي أسامة عن إسماعيل عن مصعب مرسلاً، ومصعب مجهول الحال، لكن للحديث طريق أخرى يُحسَّن بها.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنه ليهوّن عليَّ الموتُ أن أريتكِ زوجتي في الجنة)). رواه الحسين بن الحسن المروزي في زوائده على كتاب الزهد لابن المبارك، والطبراني في المعجم الكبير.
- وقال أسباط بن محمد الكوفي، عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: (إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد في الطبقات، والحاكم في المستدرك، الخرائطي في اعتلال القلوب.
- وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد: حدثنا ابن عون، عن القاسم بن محمد أنَّ عائشة اشتكت؛ فجاء ابن عباس فقال: «يا أمَّ المؤمنين! تقدمين على فَرَطِ صِدْق، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر». رواه البخاري.
- وقال محمد بن جعفر غندر: حدثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة قال: سمعت أبا وائلٍ قال: لما بعث عليٌّ عَمَّاراً والحسنَ إلى الكوفة ليستنفرَهم خطب عَمَّارٌ فقال: «إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكنَّ الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها». رواه أحمد، والبخاري، وأبو يعلى، والبيهقي.
- وقال وكيع بن الجراح، عن أبيه، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن عريب بن حميد قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ فوقع في عائشة فقام عمار فقال: «اخرج مقبوحاً منبوحاً، والله إنها لزوجة رسول الله في الدنيا والآخرة». رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال إسرائيل بن يونس، عن جدّه أبي إسحاق السبيعي، عن عريب بن حميد قال: رأى عمارٌ يومَ الجملِ جماعةً، فقال: ما هذا؟
فقالوا: رجلٌ يسبُّ عائشةَ ويقع فيها.
قال: فمشى إليه عمار، فقال: (اسكت مقبوحاً! أتقع في حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إنها لزوجته في الجنة). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة؛ فهلكت؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلَّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم فقال: أسيد بن حضير: (جزاك الله خيرا؛ فوالله ما نزل بك أمرٌ قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين فيه بركة). رواه البخاري، ومسلم.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا هشام، عن أبيه، قال: كان الناس يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة.
قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أمّ سلمة؛ فقلن: يا أم سلمة! والله إنَّ الناس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار.
قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذاك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: «يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحيُ وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها». رواه البخاري ، والترمذي، والنسائي.
- وقال هشام بن عروة، عن عوف بن الحارث، عن رميثة، عن أمّ سلمة أنَّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم كلمنها أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة وتقول له: «إنا نحبّ الخير كما تحب عائشة، فكلمته، فلم يجبها، فلما دار عليها، كلمته أيضاً، فلم يجبها».
وقلن: ما ردَّ عليك؟
قالت: «لم يجبني».
قلن: لا تدعيه حتى يردَّ عليك، تنظرين ما يقول.
فلما دار عليها الثالثة كلَّمته؛ فقال: «لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليَّ الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن إلا في لحاف عائشة».
فقلت: (أعوذ بالله أنْ أسوءَك في عائشة). رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى، وأبو يعلى في مسنده، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، وابن حبان، وعوف بن الحارث هو ابن الطفيل بن الحارث بن سخبرة الأزدي، والطفيل أخو عائشة لأمّها، ورُميثة أخت عوف.
- - قال أبو عبد الله الذهبي: (وهذا الجواب منه دالٌّ على أنَّ فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبّه لها، وأنَّ ذلك الأمرَ من أسباب حبّه لها).
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان في مرضه، جعل يدور في نسائه، ويقول: «أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟» حرصاً على بيت عائشة.
قالت عائشة: «فلما كان يومي سكن». رواه البخاري ومسلم، وزاد مسلم في رواية: (قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري).
- وقال محمد بن بكار بن الريان البغدادي: حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله! مَن أزواجك في الجنة؟
قال: ((أما إنَّك منهن)).
قالت: (فخُيِّلَ إليَّ أنَّ ذاكَ أنَّه لم يتزوج بكراً غيري). رواه الطبراني في المعجمين الكبير والأوسط، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك.
- وقال القاضي أبو يوسف، عن أبي حنيفة، عن عون بن عبد الله، عن عامر الشعبي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (في سبع خصال ليست في أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
= تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، ولم يتزوج أحداً من نسائه بكراً غيري.
= ونزل جبريل إليه بصورتي قبل أن يتزوجني، ولم ينزل صورة أحد من نسائه غيري.
= ورأيتُ جبريلَ، ولم يره أحد من أزواجه غيري.
= وكنت من أحبّهن إليه نفساً ووالداً.
= وكان جبريل ينزل عليه بالوحي وأنا معه في شعاره، ولم يكن يأتيه وهو مع أحد من أزواجه غيري.
= ونزل فيَّ آيات من القرآن، كاد يهلك فيها فئام من الناس.
= ومات في يومي وليلتي، وبين سحري ونحري). رواه أبو يوسف في الآثار.
- وقال عبد الله بن بُزيع قاضي تستر، عن أبي حنيفة، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُعطيت سبعاً لم يعطها نساء النبي صلى الله عليه وسلم:
= كنت من أحبّ الناس إليه نفساً.
= وأحبّ الناس إليه أباً.
= وتزوَّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً ولم يتزوج بكراً غيري.
= وكان جبريل ينزل عليه بالوحي وأنا معه في لحاف، ولم يفعل ذلك لغيري.
= وكان لي يومين وليلتين، وكان لنسائه يوم وليلة.
= وأنزل في عذر من السماء، كاد أن يهلك بي فئام من الناس.
= وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري). رواه الطبراني في الكبير.
وروى أبو يعلى في مسنده من طريق عمر بن حفص عن أبي إسحاق الشيباني، عن علي بن زيد ابن جدعان، عن جدته، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران..)، لكنّ عليّ بن زيد ابن جدعان ضعيف الحديث، وجدته لم أعرفها، إلا أن تكون العبارة قد تصحفت عن "عمّته" إلى "جدته"، وهي أمّ محمد، لها رواية، وقد اختلف فيها فقيل: عمّته، وقيل: امرأة أبيه.
ويحتمل أن تكون العبارة تصحّفت عن جدّه، وهو عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، له رواية عن عائشة.
ويقوّي هذا الاحتمال أنَّ الحافظ المزي تعقّب صاحب الأطراف لما ذكر حديثاً فيه رواية علي بن زيد ابن جدعان عن جدته؛ فقال: (ذلك وهم منه، والصواب: جده عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان).
- وقال شعيب بن الحبحاب البصري: سمعت الشعبيَّ يحدّث عن مسروقٍ قال: كان إذا حدّث عن عائشة أمّ المؤمنين يقول: (حدثتني الصادقة بنت الصديق المبرأة كذا وكذا). رواه ابن سعد.
- وقال الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: (حدثتني المبرَّأة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله). رواه ابن سعد في الطبقات، والطبراني في المعجم الكبير، ولحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية.

علمها وفقهها
كانت عائشة رضي الله عنها أفقه النساء، لما حباها الله من منبت صدق، ومثوى مبارك في بيت النبوة، مع زكاة نفس، وطهارة قلب، وذكاء حادّ، وفطنة ونباهة، ونهمة في طلب العلم؛ فقد كانت لا تدع شيئاً لا تعرفه إلا سألت عنه، فتعلّمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً غزيراً، وروت عنه فأكثرت وأطابت.
- قال داوود بن أبي هند، عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} قالت: فقلت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: " على الصراط " رواه الإمام أحمد ومسلم.
- وقال عفان بن مسلم الصفار: حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائشة: يا رسول الله! {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} أين الناس؟
قال: «إنَّ هذا لشيءٌ ما سألني عنه أحدٌ من أمّتي قبلَك، الناس على الصراط». رواه أحمد.
- وقال نافع بن عمر الجُمحي: حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسب عذب» قالت عائشة: فقلت أوليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} قالت: فقال: " إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب يهلك). رواه البخاري.
ورواه أبو داوود من طريق أبي عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! إني لأعلم أشدَّ آية في القرآن؟
قال: «أية آية يا عائشة؟»
قالت: قول الله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به}.
قال: «أما علمت يا عائشة أنَّ المؤمن تصيبه النكبة، أو الشوكة فيكافأ بأسوإ عمله، ومن حوسب عذب»
قالت: أليس الله يقول: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً}، قال: «ذاكم العرض، يا عائشة من نوقش الحساب عذب».
- وقال زياد بن الربيع اليحمدي البصري: حدثنا خالد بن سلمة المخزومي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً). رواه الترمذي.
- وقال محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة»رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن يوسف التنّيسي: حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: «ما رأيت امرأة كانت أعلم بطب، ولا بِفقهٍ، ولا بشعر من عائشة». رواه الطبراني في المعجم الكبير، ورواه أبو القاسم اللالكائي في السنة من طريق عمرو بن عبيد الله الأودي عن أبي معاوية به.
- وقال عبد الله بن معاوية الزبيري: حدثنا هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة: يا أمتاه! لا أعجب من فقهك أقول: زوجة نبي الله وابنة أبي بكر!! ولا أعجب من علمك بالشعر وأيّام الناس أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو؟!! ومن أين هو؟!! أو ما هو؟!!
قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عُريّة! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه؛ فتنعت له الأنعاتَ، وكنت أعالجها له فمن ثَم). رواه أحمد في المسند، وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
- وقال أبو مسعود أحمد بن الفرات الضبي: أخبرنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: ما رأيت أحداً أعلمَ بالطبِّ من عائشة رضي الله عنها؛ فقلت: يا خالة! ممن تعلمت الطب؟
قالت: (كنت أسمع الناسَ ينعَتُ بعضُهم لبعضٍ فأحفظه). رواه أبو بكر الآجري في الشريعة، وأبو نعيم الأصبهاني في الطبّ النبوي.
- وقال سعيد بن سليمان الضبّي، عن أبي أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لقد صحبت عائشة رحمها الله حتى قلت قبل وفاتها بأربع سنين أو خمس سنين: لو توفيت اليوم ما ندمت على شيء فاتني منها؛ فما رأيت أحدا قطّ كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا أعلم بشعر ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طبٍّ منها!!
فقلت لها: يا خالة! الطب من أين علمته؟
فقالت: (كنت أمرضُ فيُنعت لي الشيء، ويمرض المريض فيُنعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه).
قال عروة: (فلقد ذهب عامة علمها لم أسأل عنه). رواه أبو بكر الآجري في الشريعة.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟
فقال:(إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك وغيرهم، ورواه الدارمي من طريق عقبة بن خالد السكوني عن الأعمش بنحوه.
ورواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ من طريق عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش بنحوه.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا المعافى بن عمران، قال: حدثنا المغيرة بن زياد، عن عطاء [بن أبي رباح] قال: «كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامّة». رواه الحاكم في المستدرك، وفيه المغيرة بن زياد البجلي وثّقه يحيى بن معين، وضعّفه الإمام أحمد.
يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-05-2024, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



فصاحتها ونبوغها
كانت عائشة رضي الله عنها فصيحة بليغة، صاحبة منطق سديد، وحجة قوية، وبراعة في الخطاب بما يقتضيه المقام، وكانت مع ذلك حافظة لكثير من أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم، وكانت ربما حدَّثت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وآنسته ببعض طرائف أخبار العرب؛ كما حدثته بحديث أمّ زرع المشهور في الصحيحين وغيرهما.
- قال معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: قال معاوية: (تالله ما رأيتُ خطيباً أبلغ ولا أفضل من عائشة رضي الله عنها). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
- وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، أنَّ معاوية دخل على عائشة رضي الله عنهما فلما خرج قام متكئا على ذكوان فقال: (والله ما رأيتُ خطيباً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغَ ولا أفطنَ من عائشة رضي الله عنها). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والطبراني في المعجم الكبير.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني جابر بن إسماعيل، وغيره، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: الشعر منه حسن ومنه قبيح، خذ بالحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا، منها القصيدة فيها أربعون بيتا، ودون ذلك). رواه البخاري في الأدب المفرد.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة!!
فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله!!
فقال: (وما روايتي من رواية عائشة!! ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدَتْ فيه شعراً). رواه ابن عساكر.
- وقال إبراهيم بن سعد الزهري: أخبرني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، قال: كانت عائشة أروى الناس للشعر، وكانت تنشد قول لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب



يتغايرون خيانة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب


ثم تقول: كيف بلبيد لو أدرك من نحن بين ظهرانيه؟
قال عروة: كيف بعائشة لو أدركت من نحن بين ظهرانيه). رواه أبو داوود في الزهد، والبيهقي في الزهد الكبير.
يتغايرون: أي يغير بعضهم على بعض.
- وقال معاوية بن عمرو ابن الكرماني، عن زائدة [بن قدامة الثقفي]، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، قال: «ما رأيتُ أحداً أفصحَ من عائشة». رواه أحمد في فضائل الصحابة، والترمذي في جامعه، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، عن الأحنف بن قيس، قال: «سمعت خطبة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم والخلفاء هلم جرا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة رضي الله عنها». رواه الحاكم في المستدرك.


صبرُها وعفّتها
صبرت عائشة رضي الله عنها صبراً حسناً على ما أصابها من الابتلاء في بيت النبوة، ونالها نصيب مما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح أن أشدّ الناس ابتلاء الأنبياء؛ فصبرت على قلة الزاد حتى كان ربما مرّ بها الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيتها نار لصنع طعام، وابتليت بحادثة الإفك فصبرت حتى أنزل الله براءتها، وأوذيت بالسحر مرتين؛ مرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه حُبس عنها سنة، ومرة بعد وفاته فمرضت منه مرضاً اشتدّ عليها حتى فرّج الله عنها، وحُلَّ عنها السحر، وأصابها أنواع من الابتلاء غير ذلك فصبرت صبراً جميلاً، ورفع الله شأنها.
- قال عاصم بن أبي النجود: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟
فقال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل علي حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلي على حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك)).
قال: ((فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة)). رواه أحمد والدارمي وابن ماجه والترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهم، وبوّب البخاري في صحيحه (باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).
- قال معمر بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر قال: (حُبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة، فبينا هو نائم أتاه ملكان؛ فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه؛ فقال أحدهما لصاحبه: سحر محمد؟
فقال الآخر: أجل، وسحره في بئر أبي فلان.
فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك السحر فأخرج من تلك البئر). رواه عبد الرزاق، لكنّه مرسل، وعطاء الخراساني يُضعَّف في الحديث.
- وقال أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري، عن أمّه عمرة بنت عبد الرحمن قالت: مرضت عائشة فطال مرضها؛ فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا مرضها؛ فقال: إنكم لتخبروني خبر امرأة مطبوبة.
قال: فذهبوا ينظرون، فإذا جارية لها سحرتها، وكانت قد دبَّرتها، فسألتها فقالت: ما أردت مني؟
فقالت: أردت أن تموتي حتى أعتق.
قالت: فإنَّ لله عليَّ أن تباعي من أشد العرب ملكة؛ فباعتها وأمرت بثمنها أن يجعل في غيرها). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والبخاري في الأدب المفرد، والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى.
ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الرجال مختصراً.
- وقال عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة: « ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار!!».
فقلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟
قالت: (الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا). رواه البخاري، ومسلم.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني أبو صخر، عن ابن قسيط، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: «لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز، وزيت في يوم واحد مرتين». رواه مسلم.
- وقال يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم، قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً، يقول: (والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأهله، ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا). رواه مسلم.
- وقال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام [بن عروة]، عن أبيه، عن عائشة قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شَطْرَ شعير في رفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، فكلته ففني». رواه البخاري ومسلم.
- وقال ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: (يا ابن أختي! كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة، وايم الله يا ابن أختي! إن كان ليمرّ على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر، ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من نارٍ إلا أن يكون اللُّحيم، وما هو إلا الأسودان: الماء والتمر، إلا أنَّ حولنا أهل دور من الأنصار جزاهم الله خيراً في الحديث والقديم، فكلَّ يومٍ يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزيرة شاتهم، يعني: فينال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اللبن، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في رفّي من طعام يأكله ذو كبد إلا قريب من شطر شعير، فأكلت منه حتى طالَ عليَّ لا يفنى، فَكِلْتُه ففني، فليتني لم أكن كِلْته، وايم الله لئن كان ضِجَاعه من أدم حشوه ليف). رواه أحمد.
- وقال منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام برٍّ ثلاث ليالٍ تباعاً حتى قُبض». رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدّث عن الأسود، عن عائشة، أنها قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم، من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه أحمد، ومسلم.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنْ كنَّا آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهراً ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء». رواه مسلم، وابن أبي شيبة.

زهدها وورعها
كانت عائشة رضي الله عنها على مرتبة عالية من الزهد والورع، ولم يغيّرها ما فتح لها من الرزق الكثير في زمن الخلفاء الراشدين وما بعده؛ فكانت ربما تصدّقت بما يأتيها من مالٍ، وبقيت على حالها ترقَع قميصها وتأكل مما يتيسّر لها من يسير الطعام.
- قال وكيع بن الجراح: حدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: «كانت عائشة تقسم سبعين ألفاً، وهي تَرْقَع دِرْعَها ». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة قال: (رأيتُها تصدَّق بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها). رواه ابن سعد.
ورواه أبو داوود في الزهد من طريق أبي أمامة عن الأعمش بنحوه، وزاد: (لترقع جانب درعها أو تنكّسه).
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا هشام بن عروة، عن محمد بن المنكدر، عن أمّ ذرة قالت: بعث ابنُ الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين يكون مائة ألف فدعت بطبق، وهي يومئذ صائمة؛ فجعلت تقسم في الناس.
قال: فلما أمست قالت: (يا جارية! هاتي فطري).
فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين! أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟!!
فقالت: (لا تعنفيني، لو كنتِ أذكرتِني لفعلت). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى عائشة، رضي الله عنها بمائة ألف، فقسمتها حتى لم تترك منها شيئا، فقالت بريرة: أنت صائمة، فهلا ابتعت لنا بدرهم لحما؟
فقالت عائشة: «لو أني ذكرت لفعلت». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال شعيب بن الحبحاب، عن أبي سعيد كثير بن عبيد رضيع عائشة، أنَّ داخلاً دخل على عائشة وهي تخيط نقبة لها؛ فقال: يا أمَّ المؤمنين! أليس قد أكثر الله الخير؟
قالت: (دعنا منك، لا جديد لمن لا خَلَقَ له). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا ابن عون، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: (كانت أمُّ المؤمنين إذا تعوَّدَت خَلَقا لم تحبَّ أن تدعه). رواه ابن سعد.

سَمْتها وهديها
كانت عائشة رضي الله عنها على قدرٍ عالٍ من التعبّد، والمداومة على كثرة الصلاة، والصيام، والذكر، وتلاوة القرآن، والمسارعة في الخيرات، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامّتهم، والتفقيه في الدين، وإفتاء المستفتين، وإنكار المنكر، وتعليم الخير، ورعاية الأيتام، وكانت قدوة صالحة للنساء في زمانها؛ ومعلّمة للرجال والنساء، فنفع الله بها الأمة نفعاً عظيماً.
- قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قطّ، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس؛ فيفرض عليهم). رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة، قالت: أصبحت عند عائشة فلما أصبحنا قامت فاغتسلت، ثم دخلت بيتا لها فأجافت الباب، قلت: يا أم المؤمنين! ما أصبحت عندك إلا لهذه الساعة.
قالت: فادخلي.
قالت: فدخلت؛ فقامت؛ فصلَّت ثماني ركعات، لا أدري أقيامهنّ أطول أم ركوعهن أم سجودهن؟
ثم التفتت إليَّ فضربت فخذي، فقالت: (يا رميثة! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها، ولو نشر لي أبواي على تركها ما تركتها). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وعن زيد بن أسلم، عن عائشة أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: «لو نشر لي أبواي ما تركتهن». رواه مالك في الموطأ.
- وقال شعبة بن الحجاج: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه (أنَّ عائشة كانت تصوم الدهر). رواه ابن سعد في الطبقات، والفريابي في كتاب الصيام.
- وقال حيوة بن شريح، عن أبي الأسود يتيم عروة، عن عروة (أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم الدهر في السفر والحضر). رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، أن عبد الرحمن بن القاسم حدَّثه أنَّ أباه حدَّثه أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت «تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر». رواه الفريابي في كتاب الصيام.
- وقال وكيع، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها «كانت تقرأ في رمضان في المصحف بعد الفجر؛ فإذا طلعت الشمس نامت». رواه الفريابي في فضائل القرآن.
- وقال ابن جريج: أخبرني عطاء [بن أبي رباح] حين منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، فأخبرني وقال: كيف تمنعهن الطواف؟
وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال.
قلت: أبعد الحجاب؟
قال: إي لعمري! أدركت لعمري بعد الحجاب.
قلت: كيف يخالطن الرجال؟
قال: لم يكن يفعلن، كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم؛ فقالت امرأة معها: انطلقي بنا يا أم المؤمنين نستلم؛ فجذبتها، وقالت: «انطلقي عنك» وأبت أن تستلم.
وكنَّ يخرجن مستترات بالليل، فيطفن مع الرجال لا يخالطنهم.
قال: ولكنهنَّ إذا دخلن البيت سُترن حين يدخلن، ثم أُخرج عنه الرجال.
قال: وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير.
قلت: فما حجابها حينئذ؟
قال: هي في قبة لها تركية عليها غشاء لها، بيننا وبينها.
قال: (ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً وأنا صبي). رواه عبد الرزاق في مصنفه.
ورواه الفاكهي في أخبار مكة من طريق محمد ابن جعشم الصنعاني عن ابن جريج بنحوه.
- وقال حجاج بن محمد المصيصي، عن ابن جريج قال: قال عطاء: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير.
قال: قلت: وما حجابها يومئذ؟
قال: (هي حينئذ في قبة لها تركية عليها غشاؤها بيننا وبينها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً وأنا صبي). رواه ابن سعد.
- وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وأبوه، وعبيد بن عمير، والمسور بن مخرمة، وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة، وأبو عمرو غلامها لم يعتق، فكان إمامَ أهلها محمد بن أبي بكر، وعروة، وأهلهما، إلا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، كان يستأخر عنه أبو عمرو.
قالت عائشة: «إذا غيبني أبو عمرو ودلاني في حفرتي فهو حر». رواه عبد الرزاق.
- وقال أبو معاوية: حدثنا يزيد بن زياد، عن عبيد بن أبي الجعد، عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقال: «اقسميها».
قال: وكانت عائشة إذا رجعت الخادم قالت: ما قالوا لك؟
فتقول: يقولون: بارك الله فيكم.
فتقول عائشة: (وفيهم بارك الله، نردّ عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وقال سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري: أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ».
قال: (وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته). رواه مسلم.
- وقال القاسم بن الفضل الحدّاني: حدثنا محمد بن علي قال: كانت عائشة تدَّان، فقيل لها: ما لك وللدَّين؟!
قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد كانت له نيّة في أداء دينه إلا كان له من الله عز وجل عونٌ» فأنا ألتمس ذلك العون). رواه أحمد، والبيهقي.
وفيه انقطاع لكن له شاهد.
- وقال طلحة بن شجاع الأزدي: حدثتني ورقاء بنت هداب، أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا خرج من منزله مرَّ على أمهات المؤمنين؛ فيسلّم عليهنَّ قبل أن يأتي مجلسه؛ فإذا انصرف إلى منزله مرَّ عليهن، وكان كلما مرَّ وجد على باب عائشة رجلاً جالساً؛ فقال له: «ما لي أراك هاهنا جالسا؟»
قال: حقّ لي أطلب به أم المؤمنين! فدخل عليها عمر.
فقال: لها: يا أم المؤمنين! ما لك في سبعة آلاف كفاية في كل سنة؟
قالت: بلى، ولكن عليَّ فيها حقوق، وقد سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان عليه دين يهمّه قضاؤه أو همّ بقضائه لم يزل معه من الله حارس؛ فأنا أحب أن لا يزال معي من الله حارس». رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
- وقال ابن جريج: أخبرني عمرو بن يحيى، قال: حدثتني مريم بنت إياس، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عندك ذريرة؟»
فقالت: نعم.
فدعا بها فوضعها على بثرة بين إصبعين من أصابع رجله، ثم قال: «اللهم مطفئ الكبيرة، ومكبّر الصغيرة، أطفئها عني» فطفئت). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- - قال أبو الوليد الباجي في المنتقى: (وكانت عائشة - رضي الله عنها - كثيرة الاسترقاء، قال مالك في العتبية: بلغني أنها كانت ترى البثرة الصغيرة في يدها فتلح عليها بالتعويذ فيقال لها: إنها صغيرة فتقول إن الله عز وجل يعظم ما يشاء من صغير ويصغر ما يشاء من عظيم).
- - وقال أبو منصور الأزهري: (الذريرة فُتاتٌ من قَصَب الطِّيبِ الذي يـُجَاء به من بلاد الهند، يشبه قَصَب النُّشَّاب).

خوفها وخشيتها
كانت عائشة رضي الله عنها مع بلوغها مرتبة عالية في العلم، والتقوى، والتعبّد، والأعمال الصالحة الكثير عظيمة الخشية لله تعالى، بعيدة عن تزكية نفسها، بل كانت تكره أن يُثنى عليها وإذا سًلت عن حالها قالت: بخير إن اتّقيت.
- وقال هشام بن عروة: كان أبي يحدّث عن عائشة أنها قالت: (لوددت أني إذا متُّ كنت نسيا منسيا). رواه ابن وهب في جامعه، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن المغيرة، حدثني يحيى بن عمرو [الهمداني]، عن أبيه عمرو بن سلمة أن عائشة قالت: (والله لوددتُ أني كنت شجرة، والله لوددت أني كنت مدرة، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا قط). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين.
- وقال محمد بن عبد الله الأسدي: حدثنا مسعر، عن حماد، عن إبراهيم قال: قالت عائشة: (يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال يحيى بن سعيد القطان، عن عمر بن سعيد النوفلي قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: استأذن ابن عباس على عائشة قبيل موتها وهي مغلوبة؛ فقالت: إني أخشى أن يُثني عليَّ!
فقيل لها: ابن عم رسول الله ومن وجوه المسلمين.
قالت: ائذنوا له.
فقال: «كيف تجدينك يا أمَّه؟»
قالت: بخير إن اتقيت.
قال: «فإنك بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء».
ودخل ابن الزبير خلافه، فقالت: (دخل ابن عباس فأثنى، وددت أني كنت نسياً منسياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، والبخاري في صحيحه.
- وقال معمر بن راشد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته، فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله، فأذني له ليسلم عليك، وليودعك.
قالت: فأذن له إن شئت.
قال: فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلَّم وجلس؛ فقال: (أبشري يا أمَّ المؤمنين! فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب - أو قال: وصب - وتلقي الأحبّة محمداً وحزبه، - أو قال: أصحابه- إلا أن يفارق روحك جسدك.
فقالت: وأيضاً؟
فقال ابن عباس: (كنتِ أحبَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن ليحبّ إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سموات؛ فليس في الأرض مسجدٌ إلا هو يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها، أو قال: في طلبها حتى أصبح القوم من غير ماء، فأنزل الله عز وجل {فتيمموا صعيدا طيبا} الآية؛ فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك؛ فوالله إنك لمباركة.
فقالت: (دعني يا ابن عباس من هذا! فوالله لوددت لو أني كنت نسياً منسياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وفي المسند.
- قال وكيع بن الجراح: حدثنا هارون بن أبي إبراهيم، عن عبد الله بن عبيد قال: استأذن ابن عباس على عائشة في مرضها الذي ماتت فيه؛ فأبت أن تأذن له فلم يزل بها حتى أذنت له فسمعها وهي تقول: «أعوذ بالله من النار».
قال: « يا أم المؤمنين! إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعاذكِ من النار، كنتِ أوَّل امرأة نزل عذرها من السماء». رواه أحمد في فضائل الصحابة.





يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13-05-2024, 11:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



حادثة الإفك
- قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا، وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدّق بعضاً، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أنَّ عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً، لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب؛ فأممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطفَ الذي كنتُ أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم؟» ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشرّ حتى خرجتُ بعدما نقهت، فخرجَتْ معي أم مسطح قِبَل المناصع، وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأَمْرُنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنّا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح.
فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلا شهد بدرا؟
قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟
قالت: قلت: وما قال؟
فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني سلَّم -، ثم قال: «كيف تيكم؟»
فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟
قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما.
قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويَّ فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟
قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها.
قالت: فقلت: سبحان الله!! أولقد تحدث الناس بهذا؟!!
قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله.
قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ؛ فقال: يا رسول الله! أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله! لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك؟».
قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إنْ رأيتُ عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجلٍ قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي».
فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله! أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبتَ لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبتَ لعمر الله لنقتلنَّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت: فبكيتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، يظنّان أنَّ البكاءَ فالقٌ كبدي.
قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي.
قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يوحَى إليه في شأني.
قالت: فتشهَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: «أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنَّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه».
قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة؛ فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال!
قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم!
فقلت لأمّي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم!
قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم!
قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيراً من القرآن: (إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدَّقتم به فلئن قلت لكم: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدّقني، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف، قال:{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}).
قالت: ثم تحوَّلت فاضطجعت على فراشي.
قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأنَّ الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقرَ من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العَرَق وهو في يوم شاتٍ، من ثقل القول الذي ينزل عليه.
قالت: فلما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُرّي عنه وهو يضحك، فكانت أوَّل كلمةٍ تكلَّم بها: «أبشري يا عائشة! أما الله عز وجل فقد برَّأك».
فقالت أمي: قومي إليه!
قالت: فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، فأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه} العشر الآيات كلّها.
فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال؛ فأنزل الله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}.
قال أبو بكر: بلى والله إني أحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: «يا زينب! ماذا علمت أو رأيت؟».
فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً.
قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك).
قال ابن شهاب: «فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط». رواه أحمد، والبخاري ومسلم.
- وقال صالح بن كيسان، عن الزهري قال: قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسبَّ عندها حسان، وتقول: (فإنه قال:

فإنَّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء).

قال عروة: قالت عائشة: والله إنَّ الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: (سبحان الله! فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط).
قالت: (ثم قتل بعد ذلك شهيدا في سبيل الله). رواه البخاري ومسلم.
- وقال وكيع بن الجراح، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: كانت تقرأ: [إذ تَلِقُونه بألسنتكم] وتقول: (الولق: الكذب).
قال ابن أبي مليكة: «وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها». رواه البخاري. - وقال عبد الله بن أبي بكر ابن حزم، عن عمرة، عن عائشة قالت: «لما أنزل الله براءتها حد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء النفر الذين قالوا فيها ما قالوا». رواه عبد الرزاق. - قال أبو عبد الله الذهبي: (شأن الإفك كان في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة، وعمرها رضي الله عنها يومئذ اثنتا عشرة سنة).


خروجها يوم الجمل
خرجت عائشة رضي الله عنها مع طلحة والزبير إلى العراق لتصلح بين المسلمين بعد فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، لكن جرت الأمور على غير ما خرجت له؛ ووقعت وقعة الجمل، وقتل حولها خلق كثير، وندمت ندامة شديدة على خروجها، وكان خروجها قدراً مقدوراً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها وأخبر بعض أصحابه بما سيكون من ذلك، ولمّا حمل هودجها إلى عليّ بن أبي طالب عاتبها على خروجها، ثم أحسن إليها، وجهّزها إلى المدينة.
- قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أيّ ماء هذا؟
قالوا: ماء الحوأب.
قالت: ما أظنني إلا أني راجعة
فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم.
قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟». رواه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي، وابن حبان، والحاكم.
- قال وكيع بن الجراح، عن عصام بن قدامة البجلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيتكنَّ صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثيرة، تنجو بعدما كادت)). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبزار في مسنده، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، والبيهقي في دلائل النبوة.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم سلمة، قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين فضحكت عائشة؛ فقال: «انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت!».
ثم التفت إلى عليٍّ؛ فقال: «يا علي! إن وليتَ من أمرها شيئاً فارفق بها». رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال الفضيل بن سليمان النميري: حدثنا محمد بن أبي يحيى، عن أبي أسماء، عن أبي جعفر، عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: ((إنه سيكون بينك وبين عائشة شيء)).
قال: أنا يا رسول الله؟!!
قال: ((نعم)).
قال: أنا من بين أصحابي؟
قال: ((نعم)).
قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟!
قال: ((لا، فإذا كان ذلك، فأبلغها إلى مأمنها)). رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار.
- وقال معمر بن راشد، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، سمع حذيفة بن اليمان، يقول: «لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم أتصدقوني؟»
قالوا: أوحق ذلك؟
قال: «حق». رواه نعيم بن حماد في الفتن، وقد مات حذيفة بعد عثمان بأربعين ليلة، قبل وقعة الجمل.
- وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، قال: قالت لي عائشة، رضي الله عنها: «إني رأيتني على تلٍّ، وحولي بقر تُنحر».
فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة.
قالت: «أعوذ بالله من شرّك! بئس ما قلت!».
فقلت لها: فلعلَّه إن كان أمراً سيسوءك!
فقالت: «والله لأن أخرّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أفعل ذلك». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال وكيع، عن جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: قالت عائشة: (وددت أني كنت غصنا رطبا ولم أسر مسيري هذا). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال جعفر بن عون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة، قالت: «وددت أني ثكلت عشرةً مثل ولد الحارث بن هشام، وأني لم أسر مسيري الذي سرت». رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال سليمان بن عمر الرقي: أخبرنا إسماعيل بن علية، عن أبي سفيان بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مرَّ ابن عمر فأرونيه.
فلما مرَّ ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر!
فقالت: (يا أبا عبد الرحمن! ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟!)
قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك، وظننت أنك لا تخالفينه يعني ابن الزبير.
قالت: (أما إنَّك لو نهيتني ما خرجت). رواه ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها).
- قال أبو عبد الله الذهبي: (ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ).
- وقال: (قد سقت وقعة الجمل ملخصة في مناقب علي، وإن عليا وقف على خباء عائشة يلومها على مسيرها.
فقالت: يا ابن أبي طالب، ملكت فأسجح؛ فجهزها إلى المدينة، وأعطاها اثني عشر ألفا، فرضي الله عنه وعنها).
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأمثال: (من أمثالهم في هذا قولهم: ملكت فأسجح.
وهذا يروى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالته لعلي أبن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل حين ظهر على الناس، فدنا من هودجها، ثم كلمها بكلام، فأجابته: " ملكت فأسجح " أي ظفرت فأحسن، فجهزها عند ذلك بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة، وقال بعضهم: سبعين، حتى قدمت المدينة).
- وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى قال: حدثنا من سمع عائشة تقرأ: {وقرن في بيوتكن} فتبكي حتى تبل خمارها). رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في حلية الأولياء.
- وقال يوسف بن أسباط: حدثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ما ذكرت عائشة مسيرها قطّ إلا بَكَتْ حتى تبلَّ خمارها، وتقول: (يا ليتني كنتُ نسياً منسياً). رواه الخطيب البغدادي.

يتبع









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-05-2024, 11:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



مرضها ووفاتها
مرضت عائشة رضي الله عنها في آخر حياتها حتى أثقلها المرض، وماتت في رمضان من سنة 57هـ على الصحيح، ولها من العمر خمس وستون، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنها وعنه، ودفنت في البقيع، رضي الله عنها وأرضاها.
- قال مصعب بن عبد الله الزبيري: حدثني عبد الله بن معاوية، عن هشام بن عروة، أنَّ عروة كتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان: « وماتت عائشة أم المؤمنين ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر، ودفنت من ليلتها بالبقيع لخمس عشرة ليلة خلت من رمضان، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وكان مروان غائباً، وكان أبو هريرة يخلفه». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال أبو محمد هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (أوصت عائشة أن لا تتبعوا سريري بنار، ولا تجعلوا تحتي قطيفة حمراء). رواه ابن سعد.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت لعبد الله بن الزبير: «ادفني مع صواحبي، ولا تدفني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت، فإني أكره أن أزكَّى». رواه البخاري.
- وقال علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها أوصت عبد الله بن الزبير، فقالت: «لا تدفنني معهم، وادفني مع صواحبي بالبقيع ألا أزكَّى أبدا». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: (قالت عائشة رضي الله عنها وكانت تحدّث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقالت: «إني أحدثتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَثاً، ادفنوني مع أزواجه» فدفنت بالبقيع). رواه ابن أبي شيبة، والحاكم في المستدرك.
- - قال أبو عبد الله الذهبي: (تعني بالحَدَثِ مسيرَها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأوّلة، قاصدةً للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع).
- وقال عفان بن مسلم الصفار: حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا هشام بن عروة، عن عروة قال: (ماتت عائشة؛ فدفنها عبد الله بن الزبير ليلاً). رواه أحمد، وابن سعد.

- وقال أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة، عن موسى بن ميسرة، عن سالم سبلان قال: (ماتت عائشة ليلة سبع عشرة من شهر رمضان بعد الوتر؛ فأمرت أن تدفن من ليلتها؛ فاجتمع الناس وحضروا؛ فلم نرَ ليلةً أكثرَ ناسا منها، نزلَ أهل العوالي؛ فدفنت بالبقيع). رواه ابن سعد.

- وقال أبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب: (ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر؛ فالله أعلم، ذكر ذلك صالح بن الوجيه، والزبير، وجماعة من أهل السير والخبر).
- وقال حفص بن غياث: حدثنا إسماعيل [بن أبي خالد]، عن أبي إسحاق [السبيعي] قال: قال مسروق: (لولا بعض الأمر لأقمت المناحة على أم المؤمنين). رواه ابن سعد.
- وقال أبو محمد هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قدم رجلٌ فسأله أبي: كيف كان وجد الناس على عائشة؟
فقال: كان فيهم وكان.
قال: (أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه). رواه ابن سعد.
واختلف في سنة وفاتها على أقوال:
القول الأول: توفيت سنة سبع وخمسين، وهو قول هشام بن عروة، وخليفة بن خياط، وأحمد بن حنبل، وصححه الذهبي.
- قال محمد بن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن هشام بن عروة قال: (توفيت عائشة سنة سبع وخمسين). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق.
- وقال مطيَّن محمد بن عبد الله الحضرمي: حدثنا يحيى بن حسان الكوفي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، قال: «ماتت عائشة سنة سبع وخمسين». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال خليفة بن خياط: (سنة سبع وخمسين .. وفيها ماتت عائشة أم المؤمنين وأبو هريرة).
- قال أبو عبد الله الذهبي: (توفيت على الصحيح سنة سبع وخمسين بالمدينة؛ قاله هشام بن عروة، وأحمد بن حنبل، وشَبَاب).
القول الثاني: توفيت سنة ثمان وخمسين، وهو قول الواقدي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي بكر ابن أبي شيبة، ويعقوب بن سفيان، والمفضل بن غسان الغلابي.
- قال محمد بن عمر الواقدي: (توفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ودفنت من ليلتها بعد الوتر وهي يومئذ بنت ست وستين سنة). رواه ابن سعد.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن، عن أسامة بن حفص، عن يونس، عن ابن شهاب قال: «توفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من رمضان بعد الوتر سنة ثمان وخمسين، ودفنت من ليلتها». رواه الطبراني في المعجم الكبير، ومحمد بن حسن بن زبالة أخباريّ متروك الحديث من بابة الواقدي.
- وقال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الصيرفي: (حدثني أبي قال حدثني أبو عبيد قال سنة ثمان وخمسين فيها توفيت عائشة أم المؤمنين في شهر رمضان، وصلى عليها أبو هريرة بالمدينة، وكان استخلفه الوليد بن عتبة ومروان بن الحكم عليها). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن أبي عاصم: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: «توفيت عائشة رضي الله عنها سنة ثمان وخمسين».
- وقال يعقوب بن سفيان: (وفيها [ أي سنة ثمان وخمسين] ماتت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم).
- وقال الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي: حدثنا أبي قال: (وماتت عائشة سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
القول الثالث: توفيت سنة ستٍّ وخمسين، وهو قول الهيثم بن عديّ الطائي.
- قال الهيثم بن عديّ: (توفيت عائشة سنة ستّ وخمسين). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق. - قال أبو عبد الله الذهبي: (ومدة عمرها: ثلاث وستون سنة وأشهر).
- قلت: (قد بلغت الخامسة والستين أو قاربتها، فقد ثبت أنها كانت بنت ثمان عشرة لما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عاشت بعده ستاً وأربعين سنة ونصف).

مواعظها ووصاياها
كانت عائشة رضي الله عنها عالمة فقيهة، وفصيحة بليغة، ولها مواعظ حسان جديرة بالجمع والتقريب، وسأسوق طائفة منها:
- قال سفيان الثوري: أخبرنا زكريا، عن الشعبي، قال: كتب معاوية إلى عائشة: أخبريني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينك وبينه أحد؛ فكتبت إليه: إني سمعته يقول: (من يعمل بشيء من معصية الله يعود حامده له من الناس ذاماً). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال عبد الله بن عروة، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية بن أبي سفيان: (إنك إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا؛ فاتق الله). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن واقد بن محمد العُمَري، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، قالت: (من أسخط الناس برضى الله كفاه الله عز وجل الناس، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا سفيان الثوري، عن حمّاد، عن إبراهيم النخعي، قال: قالت عائشة: «أقلّوا الذنوب؛ فإنكم لن تلقوا الله عزّ وجلّ بشيء أفضلَ من قلّة الذنوب». رواه وكيع في الزهد، والإمام أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
- وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة قالت: «من سرَّه أن يسبق الدائبَ المجتهد فليكفَّ نفسه عن الذنوب؛ فإنكم لن تلقوا الله بشيء خير لكم من قلة الذنوب». رواه ابن المبارك في الزهد، ورواه هناد بن السري من طريق قبيصة بن عقبة عن سفيان بنحوه، ورواه أبو داوود في الزهد من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان بنحوه.
- وقال أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: «من نوقش الحساب يوم القيامة لم يغفر له». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو عقيل الكوفي: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: حدثني أبو السفر، قال: قالت عائشة: « إنَّ الناسَ قد ضيعوا أعظم دينهم: الورع». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال مسعر بن كدام، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن الأسود، عن عائشة قالت: «إنكم لتدعون أفضل العبادة التواضع». رواه ابن أبي شيبة، وأبو داوود في الزهد.
- وقال عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: « إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو أسامة الكوفي: حدثني جرير بن حازم، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة، قال: سمعت عائشة، تقول: «يُسَلَّط على الكافر في قبره شجاع أقرع فيأكل لحمه من رأسه إلى رجليه، ثم يكسى اللحم فيأكل من رجليه إلى رأسه، ثم يكسى اللحم فيأكل من رأسه إلى رجليه فهو كذلك». رواه ابن شيبة.
- وقال يحيى بن بكير: حدّثني عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وذكرت الذي كان من شأن عثمان بن عفان: « ووددت أني كنت نسياً منسياً، فواللهِ ما أحببتُ أن ينتهك من عثمان أمرٌ قطّ إلا قد انتهك مني مثله، حتى والله لو أحببت قَتْلَه لقُتلت، يا عبيد الله بن عدي! لا يغرنَّك أحدٌ بعد الذي تعلم، فوالله ما احتقرتُ أعمالَ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا على عثمان؛ فقالوا قولاً لا يُحسنُ مثلُه، وقرأوا قراءةً لا يُقرأ مثلُها، وصلوا صلاةً لا يُصلَّى مثلُها، فما تدبَّرتُ الصنيعَ إذا هم والله ما يقاربون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أعجبك حسنُ قول امرئ فقل: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنَّك أحد ». رواه البخاري في خلق أفعال العباد من هذا الطريق، ورواه أبو داوود في الزهد من طريق ابن المبارك عن معمر ويونس عن الزهري بنحوه، والطبراني في مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عن شعيب عن الزهري بنحوه.
- وقال عبد الله بن وهب: حدثنا يونس، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ عائشة كانت تقول: (احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجم القرّاء الذين طعنوا على عثمان؛ فقالوا قولاً لا يُحسن مثلُه، وقرأوا قراءةً لا يُقرأ مثلُها، وصلوا صلاةً لا يُصلَّى مثلُها؛ فلما تذكرتُ إذا هم والله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله؛ فإذا أعجبك حسنُ عمل امرئ منهم فقل: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنَّك أحد). رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وعلّق البخاري آخره في صحيحه عن عائشة.
- وقال معلى بن أسد: حدثنا المعلى بن زياد القطعي، قال: حدثتنا بكرة بنت عقبة أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء؛ فقالت: (شجرة طيبة، وماء طهور).
وسألتها عن الحِفَاف؛ فقالت لها: (إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتصنعيهما أحسنَ مما هما فافعلي). رواه ابن سعد.
-- قال أبو عبد الله الذهبي: (المعليان ثقتان).
-- قلت: (لكن بكرة بنت عقبة مجهولة الحال).
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت: من هذا؟
فقال: أنا عبيد بن عمير.
قالت: قاصّ أهل مكة؟
قال: نعم.
قالت «خفّف؛ فإنَّ الذكر ثقيل». رواه ابن سعد.

رواة التفسير عن عائشة رضي الله عنها
روى عنها:
من الصحابة: أبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وغيرهم.
ومن التابعين: عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وابن أبي مليكة، وعبيد بن عمير، وأبو العالية الرياحي، والأسود بن يزيد، وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وعبيد بن عبد الله بن عتبة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
وأرسل عنها: عبد الله بن بريدة، وميمون بن أبي شبيب، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن يعمر، والحسن البصري، وعكرمة، وابن سيرين.

مما روي عنها في التفسير
- قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: {والذي تولى كبره} قالت: «عبد الله بن أبي ابن سلول». رواه البخاري في صحيحه.
- وقال الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} قال: قلت: أكُذِبوا أم كُذّبوا؟
قالت عائشة: «كُذّبوا»
قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن؟
قالت: «أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك»
فقلت لها: وظنوا أنهم قد كُذِبوا؟
قالت: «معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها».
قلت: فما هذه الآية؟
قالت: «هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم، وصدقوهم فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسلُ ممن كذَّبهم من قومهم، وظنّت الرسل أن أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك». رواه البخاري.
- وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}
قال: ذهب هاهنا - وأشار إلى السماء - قال ابن أبي مليكة: وتلا ابن عباس {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
قال ابن أبي مليكة: فذكرتُ لعروة بن الزبير قال: قالت عائشة: (معاذ الله! والله ما حدّث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن نزل بالأنبياء البلاء حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم، وكانت تقرأ: [كذّبوا] مثقلة). رواه البخاري، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال مالكٌ بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنّه قال: قلت لعائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنا يومئذٍ حديث السّنّ: أرأيت قول اللّه تبارك وتعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر، فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} فما أرى على أحدٍ شيئاً أن لا يطّوّف بهما؟
فقالت عائشة: (كلّا، لو كانت كما تقول كانت: "فلا جناح عليه أن لا يطّوّف بهما"، إنّما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلّون لمناة، وكانت مناة حذو قديدٍ، وكانوا يتحرّجون أن يطوفوا بين الصّفا والمروة، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل اللّه: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}). رواه البخاري.
- وقال أبو معاوية، عن محمّد بن شريكٍ المكّيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال لها رجلٌ: إنّي أريد أن أوصي.
قالت: «كم مالك؟»
قال: ثلاثة آلافٍ.
قالت: «كم عيالك؟».
قال: أربعةٌ.
قالت: (قال الله عزّ وجلّ: {إن ترك خيرًا}، وإنّ هذا الشّيء يسيرٌ، فاتركه لعيالك، فهو أفضل). رواه سعيد بن منصور.
- وقال أيّوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، قال: رحلت إلى عائشة رضي الله عنها في هذه الآية {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قالت: (هو ما يصيبكم في الدّنيا). رواه ابن جرير الطبري، والحاكم في المستدرك.
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا أبو عامر الخزاز قال، حدثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله! إني لأعلم أشد آية في القرآن!
فقال: ما هي يا عائشة؟
قلت: هي هذه الآية يا رسول الله: {من يعمل سوءا يجز به..}، فقال: (هو ما يصيب العبد المؤمن، حتى النكبة ينكبها). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22-05-2024, 07:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل





13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)


حرصه على العلم والحديث
- قال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه)).رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى.
- وقال محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: (كان أبو هريرة جريئاً على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياءَ لا نسأله عنها). رواه ابن حبان.

حفظه وضبطه
- قال سفيان بن عيينة: حدثني الزهري، أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنتُ رجلاً مسكيناً، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وقال: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؛ فلن ينسى شيئا سمعه مني؟!».
فبسطت بُردةً كانت عليّ؛ فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه). رواه البخاري ومسلم.
- وقال محمد بن إبراهيم بن دينار، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه؟
قال: «ابسط رداءك» فبسطته.
قال: فغرف بيديه، ثم قال: «ضمَّه» فضممته، فما نسيت شيئاً بعده. رواه البخاري.
- وقال عثمان بن عمر العبدي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! أسمع منك أشياء فلا أحفظها!
قال: ((ابسط رداءَك فبسطتُ، فحدّثَ حديثاً كثيراً، فما نسيتُ شيئاً حدّثني به)). رواه الترمذي.
- وقال مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة، قال: (إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}إلى قوله {الرحيم}إنَّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون). رواه أحمد والبخاري، وروى مسلم نحوه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
- وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال يا أبا محمد! أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟!! نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟!!
قال: (أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه، وذاك أنه كان مسكيناً لا شيءَ له، ضيفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنّا نحن أهلَ بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، لا أشك إلا أنَّه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والترمذي في سننه واللفظ له من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به، ثم قال: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير، وغيره عن محمد بن إسحاق).
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث: ((من شهد جنازة فله قيراط)).
فقال ابن عمر: (انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي).
فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة فقال: (أخبريه كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
يقول: فصدَّقت أبا هريرة.
فقال أبو هريرة: (يا أبا عبد الرحمن! والله ما كان يشغلني عن النبي صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا الصفق بالأسواق!).
فقال ابن عمر: (أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه). رواه ابن سعد بهذا السياق، ورواه الترمذي في جامعه من هذا الطريق مختصراً إلا أنه قال: (يا أبا هريرة! أنتَ كنتَ ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه).
- وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة أنه قال: إن الناس قد قالوا: قد أكثر أبو هريرة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فلقيت رجلاً فقلت: أيَّة سورةٍ قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟
فقال: لا أدري!
فقلت: ألم تشهدها؟
قال: بلى.
قال: قلت: (ولكني أدري! قرأ سورة كذا وكذا). رواه ابن سعد.
قلت: وهذا إن كان محفوظاً بهذا السياق؛ فقد كان الإنكار عليه في كثرة التحديث من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر أن إنكار من أنكر عليه كان الحامل عليه التعجب والاستغراب من كثرة حديثه؛ فلما تبيّن لهم حفظه وضبطه لم يُنكروا عليه، بل أقرّوا له بالحفظ والضبط.
- وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده سعيد بن عمرو، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ما سمعته منه.
فقال أبو هريرة: (يا أمَّه! طلبتُها وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء!). رواه ابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة.
- وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً؛ فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه؛ فيعرفه بعضهم، ثم يحدّثهم ولا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه بعض، حتى فعل ذلك مراراً؛ فعرفتُ يومئذٍ أنَّ أبا هريرة أحفظَ الناسِ عن النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا عمرو بن عبيد، قال: حدثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أنَّ مروان«دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر». رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح: (كان أبو هريرة رضى الله عنه من أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي رحمه الله: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره).

صبره وتعفُّفّه
- قال محمد بن فضيل بن غزوان الضبي: حدثني أبي، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (*كنت *في *سبعين من أصحاب *الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إنما كانوا يربطون أُزُرَهم في أعناقهم؛ فمنهم من يبلغ نصف الساقين، ومنهم ما يبلغ الكعبين، يقول بيده كراهية أن تُرى عورته).رواه البزار، وابن خزيمة، وأبو نعيم في الحلية، وأصله في صحيح البخاري من حديث *يوسف بن عيسى قال: حدثنا *ابن فضيل، عن *أبيه، عن *أبي حازم، عن *أبي *هريرة قال: «رأيت *سبعين من أصحاب *الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته».
- وقال *حماد بن زيد، عن *أيوب، عن *محمد [بن سيرين] قال: «كنا عند أبي *هريرة، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط، فقال: بخ بخ، أبو *هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتُني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون، وما بي من *جنون، ما بي إلا *الجوع». رواه البخاري، والترمذي، والبيهقي في شعب الإيمان، والبغوي في شرح السنة.
- وقال أبو هلال الراسبي: حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: (لقد رأيتني أُصرعُ بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، فيقول الناس: إنه مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال عبد الرزاق قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة قال: كنا عنده وعليه ثوبان ممشقان، فتمخط ثم مسح أنفه بثوبه قال: « الحمد لله يمتخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة مغشيا علي من الجوع، فيجيء الرجل فيقعد على صدري، فأقول ليس بي ذلك إنما هو من الجوع».
قال: وقال: «إني كنت أجيراً لابن عفان، وابنة غزوان على عقبة رجلي وشبع بطني - أو قال: بطعام بطني - أخدمهم إذا نزلوا، وأسوق بهم إذا ارتحلوا».
قال: « فقالت يوماً: لتركبنه قائماً، ولتردنه حافياً».
قال: « فزوَّجنيها الله تعالى؛ فقلت: لتردنه حافية، ولتركبنه وهو قائم».
قال: (وكانت فيه مزاحة، يعني أبا هريرة).رواه عبد الرزاق في المصنف.
- وقال هوذة بن خليفة البكراوي: أخبرنا ابن عون، عن محمد [بن سيرين]، عن أبي هريرة قال: (أكريتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي).
قال: (فكانت تكلّفني أن أركبَ قائماً، وأن أردي أو أورد حافياً؛ فلما كان بعد ذلك زوَّجنيها الله فكلفتُها أن تركبَ قائمةً، وأن ترد أو تردي حافية). رواه ابن سعد.
- وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة أنه قال: كنت أجيرَ ابن عفان، وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوقُ بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا؛ فقالت لي يوماً: لتردنَّه حافياً، ولتركبنّه قائماً.
فزوَّجنيها الله بعدُ فقلتُ: (لتردنّه حافية، ولتركبنه قائمة).رواه ابن سعد.
- وقال عارم بن الفضل: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: تمخّط أبو هريرة وعليه ثوبٌ من كتان ممشق؛ فتمخط فيه؛ فقال: (بخ بخ!! يتمخّط أبو هريرة في الكتان!! لقد رأيتني أخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يرى أنَّ بي جنوناً، وما بي إلا الجوع، ولقد رأيتني وإني لأجيرٌ لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ارتحلوا، وأخدمهم إذا نزلوا.
فقالت يوما: لتردنّه حافياً، ولتركبنه قائماً.
قال: (فزوّجنيها الله بعد ذلك؛ فقلت لها: لتردنه حافية ولتركبنه قائمة). رواه ابن سعد.
- وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن مضارب بن حزن قال: بينا أنا أسير من الليل إذا رجل يكبّر فألحقته بعيري؛ فقلت: مَن هذا المكبر؟
قال: أبو هريرة.
قلت: ما هذا التكبير؟
قال: شكراً.
قلت: على مَهْ؟
قال: على أني كنت أجيراً لبسرةَ بنت غزوان بعُقْبَةِ رجلي وطعام بطني؛ فكان القوم إذا ركبوا سُقْتُ لهم، وإذا نزلوا خدمتُهم؛ فزوَّجنيها الله؛ فهي امرأتي اليوم؛ فإذا ركب القوم ركبتُ، وإذا نزلوا خُدِمت). رواه ابن حبان، وأبو نعيم في الحلية.

بعض أخباره في زمان النبوة

- قال أبو نعيم الأصبهاني: (وهو أشهر من سكن الصفة واستوطنها طولَ عمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينتقل عنها، وكان عريفَ من سكن الصفة من القاطنين، ومن نزلها من الطارقين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أهل الصفة لطعام حضره تقدّم إلى أبي هريرة ليدعوهم ويجمعهم، لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم).
- وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عامر، عن أبي هريرة قال: (كنت في الصفَّة - يعني من أصحاب الصفة - فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة؛ فكنّا نقرن التمرتين من الجوع؛ فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن هلال بن أبي هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرجت من بيتي يوماً ما أخرجني إلا الجوع؛ فجئتُ المسجد فوجدتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: ما أخرجك هذه الساعة؟
فقلت: أخرجني الجوع.
قالوا: ونحن ما أخرجنا إلا الجوع؛ فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((ما أخرجكم هذه الساعة؟)).
قلنا: أخرجنا الجوع؛ فدعا بطبق فيه تمر؛ فأعطى كلَّ رجلٍ تمرتين؛ فقال: ((كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليه من الماء؛ فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا)).
قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرة وخبأت تمرة في حجري؛ فرآني لما رفعت التمرة فسألني؛ فقلت: رفعتُها لأمّي.
قال: ((كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين)). رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عمر بن ذر الهمداني: حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة قال: حدثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشدّ الحجرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «الحقْ» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟»
قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة.
قال: «أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي».
قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءَني ذلك؛ فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحقَّ أنا أن أصيب من هذا اللبن شربةً أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت.
قال: «يا أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «خذ فأعطهم».
قال: فأخذتُ القدح، فجعلتُ أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسَّم، فقال: «أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «بقيتُ أنا وأنت».
قلت: صدقت يا رسول الله.
قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت.
فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً.
قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، ووقع في رواية أحمد والترمذي: (إلا ليستتبعني) مكان ( إلا ليُشبعني).
- وقال حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهنَّ بالبركة، فضمهنّ، ثم دعا لي فيهنّ بالبركة.
فقال: ((خذهنَّ، واجعلهنّ في مِزوَدك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أنْ تأخذ منه شيئاً فأدخل فيه يدك؛ فخُذه ولا تنثره نثراً)).
فقد حملتُ من ذلك التمرِ كذا وكذا من وَسْقٍ في سبيل الله، فكنَّا نأكل منه ونُطْعِم، وكان لا يفارق حِقْوِي حتى كان يوم قُتل عثمان فإنّه انقطع). رواه الترمذي.
- وقال أبو زياد سهيل بن زياد: حدثنا أيوب السَّخْتياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عَوَز من الطعام، فقال: ((يا أبا هريرة عندك شيء؟!!)).
قلت: شيء من تمر في مزود لي.
قال: ((جئ به)).
قال: فجئت بالمزود.
قال: ((هاتِ نطعاً)).
فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، ثم قال: ((بسم الله)).
فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر؛ فقال به هكذا؛ فجمعه؛، فقال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادع فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي: ((اقعد))؛ فقعدت.
فأكلَ وأكلتُ، وفضلَ تمرٌ؛ فأخذه فأدخله في المزود، فقال لي: ((يا أبا هريرة! إذا أردتَ شيئاً فأدخل يدك فخُذْ، ولا تَكفأ فيُكفأ عليك)).
قال: (فما كنتُ أريد تمراً إلا أدخلتُ يدي، فأخذتُ منه خمسين وَسْقاً في سبيل الله، وكان معلقاً خلف رجلي؛ فوقع في زمانِ عثمان بن عفان فذهب). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال يزيد بن أبي منصور البصري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: (أصبت بثلاث مصائب في الإسلام، لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود.
قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فقال:
يا أبا هريرة! هل معك شيء؟
قلت: نعم، تمر في مزود معي.
قال: ((جئ به)).
قال: فأخرجت منه تمراً، فأتيته به، فمسَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيه، وقال: ((ادع عشرة)) فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: ((ادع لي عشرة))؛ فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكلَ الجيش كلهم، وبقيَ من تمر المزود، فقال: ((يا أبا هريرة! خذه فأعده في المزود، فإذا أردت أنْ تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه)).
قال: (فأكلت منه حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلتُ منه حياة أبي بكر كلها، وأكلتُ منه حياة عمر كلها، وأكلتُ منه حياة عثمان، فلما قُتل عثمان انتُهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلتُ منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وَسْق). رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وتمام في فوائده، والبيهقي في دلائل النبوة، وأبو منصور البصري مجهول الحال، لكن يشهد له ما قبله.

أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان من أجلّ أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كلفه النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك بأعمال.
منها: أنه كان يكل إليه حفظ الصدقات أحياناً.
ومنها: أنه بعثه مع أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم للحجّ عام تسعة للهجرة يؤذنون في مكة ألا يحجّ بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان.
ومنها: أنه بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين؛ فكان يؤذن له، ويعينه على أعماله.
- قال أبو عمرو عثمان بن الهيثم العبدي: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة.
قال: فخلَّيت عنه، فأصبحت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟».
قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخلّيت سبيله.
قال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود».
فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال لا أعود، فرحمته، فخلَّيت سبيله، فأصبحت؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟».
قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخلّيت سبيله.
قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود» فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود.
قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها!
قلت: ما هو؟
قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختم الآية، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح، فخلَّيت سبيله؛ فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟».
قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها؛ فخلَّيت سبيله.
قال: «ما هي؟».
قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟!!».
قال: لا.
قال: «ذاك شيطان». رواه البخاري.

- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: "أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فأمره أن يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: « لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان». رواه البخاري.
- وقال جرير بن عبد الحميد الضبي، عن مغيرة، عن الشعبي، عن محرَّر بن أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: (كنتُ أنادي مع عليّ حين أذّن للمشركين، وكان إذا صَحَل صوتُه، أو اشتكى حلقَه، أو عيي مما ينادي دعوت مكانه).
قال: فقلت: يا أبه! بأي شيء كنتم تقولون؟
قال: (كنا نقول: لا يحجنَّ بعد عامنا هذا مشرك - فما حج بعد عامنا ذاك مشرك - ولا يطوفنَّ بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة؛ فإنَّ أجله إلى أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فإنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله).
قال: (فكان المشركون يقولون: بل شهر، يضحكون بذلك).رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه بأن لا يسبقه بآمين». رواه عبد الرزاق.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا كثير بن يزيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان مؤذناً بالبحرين، فقال للإمام: «لا تسبقني بآمين». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين؛ فقال للإمام: (لا تسبقني بآمين). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة، أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي، فقال له أبو هريرة: «لتنظرني بآمين أو لا أؤذن لك» رواه عبد الرزاق.


يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22-05-2024, 07:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)




أعماله في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم
ولاه عمر إمرة البحرين مدّة، وكان في دار عثمان يوم حوصر، وناصره بما استطاع.
ثمّ كان من أهل الإفتاء في المدينة بعد مقتل عثمان.
وولاَّه معاوية إمارة المدينة مدة، وكان مروان بن الحكم يستنيبه على إمرة المدينة أحياناً؛ فكان وهو أمير على حاله التي يعهدونها من التواضع، يداعب الصبيان، ويركب حماره، ويحمل الحطب على رأسه، حتى ربمّا مرّ بالناس في السوق وهو كذلك؛ فيقول ممازحاً لهم: أفسحوا لأميركم.
- قال معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، أن عمر بن الخطاب استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرتَ بهذه الأموال يا عدو الله! وعدو كتابه!
قال أبو هريرة: « لستُ عدوَّ الله، ولا عدوَّ كتابه، ولكني عدوّ من عاداهما».
قال: فمن أين هي لك؟
قال: «خيلٌ لي تناتجت، وغلّة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي».
فنظروه، فوجدوه كما قال.
قال: فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له.
فقال: أتكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك يوسف؟
قال: «إنَّ يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة أخشى ثلاثا واثنين» ، قال له عمر: أفلا قلت: خمسا؟
قال: «لا، أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، ويضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي».رواه معمر بن راشد في جامعه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: يا أمير المؤمنين أمَا ضراب؟
فقال لي: «يا أبا هريرة! أيسرّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟».
فقلت: لا.
فقال: «والله لئن قتلتَ رجلاً واحداً، لكأنَّما قتلتَ الناس جميعاً» فرجعت فلم أقاتل). رواه سعيد بن منصور، ونعيم بن حماد في الفتن، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة ولفظه: (طاب أم ضرب) أي طاب القتال.
- وقال يحيى بن آدم: حدثنا ابن إدريس، عن أبي معشر المدني، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنتُ مع عثمان رضي الله عنه في الدار فجاء سهمٌ عائر فأصابَ إنساناً فقتله، فقلت: طاب أم ضراب؟
فقال: «أعزم عليك؛ فإنما يُراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي».رواه ابن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن زياد القرظي، أن ثعلبة بن أبي مالك القرظي حدثه أنَّ أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: « أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك! ».
فقلت له: أصلحك الله، يكفي هذا.
فقال: « أوسع الطريق للأمير يابن أبي مالك».
قال: (والحزمة عليه). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا محمد بن زياد، قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة؛ فكان إذا رأى إنساناً يجرّ إزاره ضرب برجله، ويقول: قد جاء الأمير! قد جاء الأمير!
ثم يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: « لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطراً». رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال محمد بن جعفر، عن شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة - ورأى رجلاً يجرّ إزاره - فجعل يضرب الأرض برجله وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا». رواه مسلم.
- وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة؛ فصلّى بنا أبو هريرة الجمعة؛ فقرأ بسورة الجمعة في السجدة الأولى، وفي الآخرة {إذا جاءك المنافقون}.
قال عبيد الله: فأدركتُ أبا هريرة حين انصرف؛ فقلت: إنك قرأتَ بسورتين كان عليٌّ رحمه الله يقرأ بهما في الكوفة!
فقال أبو هريرة: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما). رواه ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وابن ماجة.
- وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، «أن مروان كان يستخلف أبا هريرة، فكان يتم التكبير». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب، قال: قال نافع:(كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة؛ فكان أبو هريرة يكبر في صلاة الفطر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، ويكبر في الآخرة خمس تكبيرات قبل أن يقرأ، والأضحى بتلك المنزلة، وهي السنة». رواه البيهقي في كتاب السنن الصغير.
- وقال يحيى بن عباد الضبعي: حدثنا فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث قال: (كان مروان يستخلف أبا هريرة إذا حج أو غاب). رواه ابن سعد.

سعة علمه

- قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: (ليس أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب). رواه الدارمي، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان، والحاكم في المستدرك.
- وقال ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم).رواه البخاري.
- وقال جعفر بن برقان الكلابي: سمعت يزيد بن الأصم يقول: قال أبو هريرة: يقولون: أكثرت يا أبا هريرة!
والذي نفسي بيده لو أني حدثتكم بكل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرميتموني بالقشع - يعني المزابل - ثم ما ناظرتموني). رواه ابن سعد في الطبقات، وأحمد في المسند، وأبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال أبو هلال الراسبي، عن الحسن البصري، قال: قال أبو هريرة: (لو حدَّثتكم بكل ما في كيسي هذا لرميتموني بالبعر).
قال الحسن: (وصدق والله! لو قال: إن بيت الله يهدم ويحرق ما صدقه الناس!). رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان، ولفظ ابن سعد: (بكل ما في جوفي).
- وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: حدثنا محمد بن راشد، عن مكحول، أنَّ أبا هريرة كان يقول: (رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه؛ يعني: من العلم). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال محمد بن هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (لو أنبأتكم بكلّ ما أعلم لرماني الناس بالخرق، وقالوا: أبو هريرة مجنون!).رواه ابن سعد.

نشره للعلم
- وقال الأوزاعي، عن أبي كثير الغُبْري، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: «إن أبا هريرة لا يكتم، ولا يكتب».رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة، وابن عساكر.
- وقال معاذ بن معاذ العنبري، عن شعبة، عن علي بن مدرك، سمع أبا زرعة [البجلي] (أنَّ أبا هريرة كان إذا حدّث بالحديث أعاده ثلاث مرات). رواه ابن أبي خيثمة.

مذهبه في كتابة العلم

كان أبو هريرة في أوّل الأمر ينهى عن الكتابة، ولا يكتب، ولا يُملي الأحاديث، ثم إنه أقرّ بعض أصحابه على كتابتهم؛ فكتب عنه محمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وبشير بن نهيك، وغيرهم، وأذن لبعضهم برواية ما كتبوه عنه.
- قال الأوزاعي: سمعت أبا كثير قال: سمعت أبا هريرة يقول: «نحن لا نَكْتُب، ولا نُكْتِب، ولا نَكْتُم». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال هوذة بن خليفة البكراوي: حدثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّ مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كلَّه فأبي، وقال: اروِ كما روينا؛ فلما أبي عليه تغفَّله وأقعد له كاتباً لَقِنا ثقفا ودعاه؛ فجعل أبو هريرة يحدّثه فيكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع.
قال: ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع.
قال: وقد فعلت؟
قال: نعم.
قال: فاقرأه عليَّ فقرأوه، فقال أبو هريرة: (أما إنكم قد حفظتم، وإن تطع تمحه).
قال: (فمحاه). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عمران بن حدير: حدثنا أبو مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي؛ فقرأته عليه، وقلت له: هذا ما سمعتُ منك؟
قال: (نعم). رواه أبو محمد الدارمي، وأبو خيثمة في كتاب العلم، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي خيثمة في تاريخه، والبيهقي في السنن الكبرى كلهم من طرق عن أبي مجلز.
- وقال وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كتبت كتاباً عن أبى هريرة فلما أردت أن أفارقه قلت: يا أبا هريرة! إني كتبت عنك كتاباً؛ فأرويه عنك؟
قال: (نعم، اروه عني). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، والترمذي في سننه.

أسفاره ورحلاته
رحل أبو هريرة إلى مكة مراراً، والبحرين مرتين، والعراق، وروي أنه رحل إلى الشام، وكان له في كل بلد رحل إليه أصحاب يحفظون حديثه ويروونه عنه.
أما البحرين فرحل إليها مرتين:
الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي.
والأخرى: في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميراً على البحرين.
وأما العراق فقد روي ذهابه إليه من طرق.
- قال عباد بن عباد، عن مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قدم علينا أبو هريرة فقال: (لقد صحبت رسول الله سنوات، ما كنت قطّ أكملَ عقلاً مني السنوات التي صحبته). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال سفيان بن عيينة: قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس [بن أبي حازم] قال: نزل علينا أبو هريرة بالكوفة، قال: وكان بينه وبين مولانا قرابة - قال سفيان: وهم موالي الأحمس - فاجتمعت أحمس قال: فأتيناه نسلم عليه - وقال سفيان مرة: فأتاه الحي – فقال له أبي: يا أبا هريرة! هؤلاء أنسباؤك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!
قال: مرحبا بهم وأهلاً، صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعيَ الحديث مني فيهن... الحديث). رواه أحمد، وابن عساكر.
- وقال عبد الواحد بن زياد العبدي: حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة رضي الله عنه في مسجد الكوفة؛ فأتاه رجلٌ فقال: أأنت القائلُ تصلّي مع عيسى ابن مريم؟!!
قال: يا أهل العراق! إني قد علمتُ أن سيكذبوني، ولا يمنعني ذلك أن أحدّث بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق أنَّ الدجالَ يخرج من المشرق في حين فرقة من الناس...)ثم ذكر الحديث بطوله، وقد رواه إسحاق بن راهويه في مسنده.
- وقال ابن جوصا: سمعت ابن سميع يقول: (أبو هريرة قدم دمشق وحفظوا عنه). رواه ابن عساكر.
- وفي مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي عن مكحول قال: «تواعد المسلمون ليلة بالجابية، فقام أبو هريرة يحدثهم حتى أصبح»

عبادته وهديه
- قال شعبة بن الحجاج: حدثنا عباس بن فروخ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال عبد الوارث بن سعيد العنبري: حدثنا أبو التياح، حدثني أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: «بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد». رواه البخاري ومسلم.
- وقال حماد بن زيد، عن عباس بن فروخ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً، وكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يقوم هذا وينام هذا، ويقوم هذا وينام هذا.
وسمعت أبا هريرة يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم [بين أصحابه] تمراً فأصابني سبع تمرات، فكان فيه حشفة، ما كان شيء أحب إليَّ منها شدت في مضاغي.
قال: فقلت يا أبا هريرة! فكيف تصوم الشهر؟
فقال: أصوم من أول الشهر ثلاثا، فإن حدث بي حدثٌ كان لي أجر شهري). رواه إسحاق بن راهويه واللفظ له، وأحمد.
وروى البخاري أوّله من هذا الطريق، وخبر التمر من طريق إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرا، فأصابني منه خمس: أربع تمرات وحشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدّهن لضرسي).
وقال سليمان بن حرب في قوله: (شدّت في مضاغي): (أي كان لها قوة).
- وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: حدثنا حماد، قال: أخبرنا العباس الجريري، عن أبي عثمان النهدي، قال: (كان أبو هريرة يصلي ثلث الليل، وامرأته ثلثا وابنته ثلثا). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال قتيبة بن مهران الأصبهاني: حدثنا سليمان بن مسلم بن جماز الزهري: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في {إذا الشمس كورت}يحزّنها شبه الرثاء). رواه ابن مجاهد وابن عساكر.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان النهدي أنَّ أبا هريرة كان في سفر؛ فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال: إني صائم.
فلما كادوا يفرغون جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم، فقال: ما تنظرون؟!! قد والله أخبرني أنه صائم.
فقال أبو هريرة: (صدق، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم شهر رمضان، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر».
وقد صمت ثلاثة أيام من أوَّل الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله). رواه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، والبيهقي، وأبو نعيم في الحلية.
- وقال وكيع، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل الناجي قال: «كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد في الزهد، وزاد: قالوا: «نطهر صيامنا».
- وقال يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل، قال: إنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا صام جلس في المسجد وقال: (نُعِفُّ صيامنا). رواه مسدد كما في المطالب العالية، وإتحاف الخيرة.
- وقال أبو عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي: حدثنا إسماعيل، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة أنه كان وأصحابه إذا صاموا قعدوا في المسجد، وقالوا: «نطهر صيامنا». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
- وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن نجيح، عن سعيد بن المسيب، قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول: «هل عندكم من شيء».
فإن قالوا: لا.
قال: «فإني صائم». رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال إسماعيل ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: قال أبو هريرة: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه كلَّ يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر دِيته، - أو قال: دِيَتي».رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن إسماعيل ابن علية به ولفظه: «إني لأسبح كلَّ يوم اثنتي عشرة مرة ألف تسبيحة، قدر ديتي أو قدر ديته».
- وقال عبد الوارث بن سعيد البصري: حدثنا خالد، عن عكرمة، أنَّ أبا هريرة، قال: (إني لأسبح كلَّ يوم قدر ديتي اثني عشر ألفا). رواه أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى.
- وقال ابن جريج لعطاء بن أبي رباح: أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أمّ القرآن؟
قال: (نعم، ويؤمّن مَن وراؤُه حتى إنَّ للمسجد للجَّة).
ثم قال: (إنما آمين دعاء، وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام قبله فيقول: لا تسبقني بآمين). رواه عبد الرزاق والشافعي وابن المنذر، وعلّقه البخاري في صحيحه.
- وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة دخل المسجد [وقد قام] الإمام فناداه أبو هريرة: (لا تسبقني بآمين). رواه عبد الرزاق، وما بين المعكوفين مما نقله ابن حجر في فتح الباري، ولعله سقط من بعض نسخ المصنف.
- وقال أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي: حدثنا إسماعيل - يعني العبدي - عن أبي المتوكل، أنَّ أبا هريرة، كانت له زنجية قد غمّتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً فقال: « لولا القصاص لأغشيتُك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله عزّ وجلّ». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
- وقال روح بن عبادة القيسي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه، فأبى أن يأكل، وقال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير».رواه البخاري.
- وقال عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي: سمعت أبا يزيد المديني، قال: قام أبو هريرة على منبر رسول الله فقام دون مقام النبي بعتيبة فقال: (الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علَّم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي منَّ على أبي هريرة بمحمد صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال أبو أسامة الكوفي: خبرنا المجالد، أنا عامر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أنه أتى عائشة فقال: إنَّ أبا هريرة يفتينا أنَّ من أصبح جنباً فلا صوم له؛ فقالت عائشة: « إنَّ أبا هريرة لا يقول في هذا شيئاً، كان بلال يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب يؤذنه فيقوم فيغتسل ثم يخرج إلى المسجد وإني لأرى رأسه ينحدر بين كتفيه لصلاة الفجر ثم يصوم ذلك اليوم».
قال: فبلغ أبا هريرة فقال: (عائشة أمّي، وهي أعلم). رواه إسحاق بن راهويه في مسنده بهذا اللفظ، والحديث رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنهما دون آخره، وإنما ذكرت هذه الرواية لما فيها من سرعة رجوعه عن رأيه إلى ما سمع.
- وقال معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة، يقول لابنته: «قولي يا أبي إن تحلني الذهب تخش علي حر اللهب».رواه عبد الرزاق.
- وقال معمر عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول لابنته: «لا تلبسي الذهب؛ فإني أخاف عليك حرّ اللهب». رواه عبد الرزاق.
- وقال سفيان بن عيينة: سمعت ابن طاووس، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة، يقول لابنته: قولي: «أبي أبى أن يحليني الذهب، يخشى عليَّ حرّ اللهب». رواه أبو نعيم في الحلية.



يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 352.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 346.69 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]