تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131417 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-02-2025, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الحجرات
المجلد الخامس عشر
صـ 5456 الى صـ 5465
الحلقة (558)







قال القاشاني: بين تعالى أن الإيمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل، يقتضي الأخوة الحقيقية بين المؤمنين، للمناسبة الأصلية، والقرابة الفطرية، التي تزيد على القرابة الصورية، والنسبة الولادية، بما لا يقاس، لاقضائه المحبة القلبية، لا المحبة النفسانية، المسببة عن التناسب في اللحمة. فلا أقل من الإصلاح الذي هو من لوازم العدالة، وأحد خصالها، إذ لو لم يعدوا عن الفطرة، ولم يتكدروا بغواشي النشأة، لم يتقاتلوا، ولم يتخالفوا. فوجب على أهل الصفاء، بمقتضى الرحمة والرأفة والشفقة اللازمة للأخوة الحقيقية، الإصلاح بينهما، وإعادتهما إلى الصفاء. انتهى.
تنبيه:
وضع الظاهر موضع المضمر مضافا إلى المأمورين، للمبالغة في التقرير والتخصيص. وتخصيص الاثنين بالذكر دون الجمع، لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان. فإذا لزمت المصالحة بين الأقل، كانت بين الأكثر ألزم، لأن الفساد في شقاق الجمع، أكثر منه في شقاق الاثنين- أفاده القاضي والزمخشري-.
وفي معنى الآية أحاديث كثيرة:
كحديث «1»
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه
(1)
أخرجه البخاري في: المظالم والغصب، 3- باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، حديث 1202، عن ابن عمر. []

ولا يسلمه) .
وحديث «1»
(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) .
وحديث «2»
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) .
وحديث «3»
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم
-
وكلها في الصحاح-.

واتقوا الله لعلكم ترحمون أي خافوا مخالفة حكمه، والإهمال فيه، ليرحمكم فيفصح عن سالف آثامكم، ويثيبك رضوانه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 11]
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون (11)
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم أي لا يهزأ رجال من رجال، فيروا أنفسهم خيرا من المسخور منهم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن أي الساخرات.
قال أبو السعود: فإن مناط الخيرية في الفريقين، ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا. بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب، فلا يجترئ أحد على استحقار أحد، فلعله أجمع منه، لما نيط به من الخيرية عند الله تعالى، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى، والاستهانة بمن عظمه الله تعالى. ومن أهل التأويل من خص السخرية بما يقع من الغني للفقير.
وآخرون بما يعثر من أحد على زلة أو هفوة، فيسخر به من أجلها.
قال الطبري: والصواب أن يقال إن الله عم، بنهيه المؤمنين من أن يسخر بعضهم من بعض، جميع معاني السخرية. فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك.
(1)
أخرجه مسلم في: الذكر، حيث رقم 38، عن أبي هريرة.

(2)
أخرجه البخاري في الأدب، 27- باب رحمة الناس والبهائم، حديث 2322، عن النعمان بن بشير.

(3)
أخرجه البخاري في: الصلاة، 88- باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، حديث رقم 319، عن أبي موسى.

وقد عد الغزالي في (الإحياء) السخرية من آفات اللسان، وأوضح معناها بما لا مطلب وراءه فننقله هنا تتميما للفائدة، قال رحمه الله.
الآفة الحادية عشرة- السخرية والاستهزاء: وهذا محرم مهما كان مؤذيا، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ... الآية. ومعنى السخرية:
الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه. وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء. وإذا كان بحضرة المستهزأ به لم يسم ذلك غيبة، وفيه معنى الغيبة.
وقالت عائشة رضي الله عنها: حاكيت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أحب أني حاكيت إنسانا، ولي كذا وكذا.
وقال ابن عباس في قوله تعالى يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف: 49] ، إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة الذنوب الكبائر.
وقال معاذ بن جبل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من عير أخاه بذنب قد تاب منه، لم يمت حتى يعمله.
وكل هذا يرجع إلى استحقار الغير، والضحك عليه، والاستهانة به، والاستصغار له. وعليه نبه قوله تعالى: عسى أن يكونوا خيرا منهم. أي لا تستحقره استصغارا، فلعله خير منك. وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به. فأما من جعل نفسه مسخرة، وربما فرح من أن يسخر به، كانت السخرية في حقه من جملة المزح. ومنه ما يذم وما يمدح. وإنما المحرم استصغار يتأذى به المستهزأ به، لما فيه من التحقير والتهاون، وذلك تارة بأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه ولم ينتظم، أو على أفعاله إذا كانت مشوشة، كالضحك على حفظه وعلى صنعته أو على صورته وخلقته، إذا كان قصيرا أو ناقصا، لعيب من العيوب، فالضحك من جميع ذلك داخل في السخرية المنهي عنها. انتهى.
لطيفة:
قال أبو السعود: القوم مختص بالرجال، لأنهم القوام على النساء (والأحسن المهمات) وهو في الأصل إما جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر. أو مصدر
نعت به فشاع في الجمع. وأما تعميمه للفريقين في مثل قوم عاد وقوم فرعون، فإما للتغليب، أو لأنهن توابع. واختيار الجمع لغلبة وقوع السخرية في المجامع. والتنكير إما لتعميم أو للقصد إلى نهي بعضهم عن سخرية بعض، لما أنها مما يجري بين بعض وبعض.
ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يعيب بعضكم على بعض ولا يطعن.
قال الشهاب: ضمير تلمزوا للجمع بتقدير مضاف فيه. وأنفسكم عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين، وهم المؤمنون، فجعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم، كما في قوله: لقد جاءكم رسول من أنفسكم [التوبة: 128] ، وقوله: ولا تقتلوا أنفسكم [النساء: 29] ، فأطلق الأنفس على الجنس استعارة.
ففي اللفظ الكريم تجوز، وتقدير مضاف. والنهي على هذا مخصوص بالمؤمنين، وهو مغاير لما قبله، وإن كان مخصوصا بالمؤمنين أيضا بحسب المفهوم، لتغاير الطعن والسخرية، فلا يقال إن الأول مغن عنه، إذ السخرية ذكره بما يكره على وجه مضحك بحضرته، وهذا ذكره بما يكره مطلقا. أو هو تعميم بعد التخصيص، كما يعطف العام على الخاص، لإفادة الشمول. وقيل: إنه من عطف العلة على المعلول، أو اللمز مخصوص بما كان على وجه الخفية، كالإشارة. أو هو من عطف الخاص على العام لجعل الخاص كجنس آخر مبالغة. انتهى.
وقيل: معنى الآية: لا تفعلوا ما تلمزون به، فإن من فعل ما استحق به اللمز، فقد لمز نفسه.
قال الشهاب: ف أنفسكم على ظاهره والتجوز في قوله تلمزوا. فهو مجاز ذكر فيه المسبب، وأريد السبب. والمراد: لا ترتكبوا أمرا تعابون به. وضعف بأنه بعيد من السياق، وغير مناسب لقوله ولا تنابزوا، كما في (الكشف) ، وكونه من التجوز في الإسناد، إذ أسند فيه ما للمسبب إلى السبب، تكلف ظاهر. وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق، لا يدفع كونه مخالفا للظاهر. وكذا كون المراد به لا تتسببوا في الطعن فيكم، بالطعن على غيركم، كما في الحديث «1» (من الكبائر أن يشتم الرجل والديه) ، إذ فسر بأنه إذا شتم والدي غيره، شتم الغير والديه أيضا.
ولا تنابزوا بالألقاب أي ولا تداعوا بالألقاب التي يكره النبز بها الملقب فقد
(1)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم 146، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

روي أنه عنى بها قوم كانت لهم أسماء في الجاهلية، فلما أسلموا كانوا يغضبون من الدعاء بها رواه أحمد «1» وأبو داود. وفسره بعض السلف بقول الرجل للرجل: يا فاسق، يا منافق!، وبعض بتسمية الرجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسوق بعد التوبة. والآية- كما قال ابن جرير-: تشمل ذلك كله قال: لأن التنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة.
بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان قال الزمخشري: الاسم هاهنا بمعنى الذكر. من قولهم: طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم، كما يقال: طار ثناؤه وصيته.
وحقيقته ما سما ذكره، وارتفع بين الناس. ألا ترى إلى قولهم: أشاد بذكره؟ كأنه قيل بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائر، أن يذكروا بالفسق. وفي قوله: بعد الإيمان ثلاثة أوجه:
أحدها- استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسق الذي يأباه الإيمان ويحظره، كما تقول: بئس الشأن بعد الكبرة، الصبوة.
والثاني- أنه كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود: يا يهودي! يا فاسق! فنهوا عنه، وقيل لهم: بئس الذكر، أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه.
والجملة على هذا التفسير متعلقة بالنهي عن التنابز.
والثالث- أن يجعل من فسق غير مؤمن، كما تقول للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة، الفلاحة بعد التجارة. انتهى.
واختار ابن جرير الثالث، لا ذهابا لرأي المعتزلة من أن الفاسق غير مؤمن، كما أنه غير كافر، فهو في منزلة بين المنزلتين بل لأن السياق يقتضي ختم الكلام بالوعيد، فإن التقليب بما يكرهه الناس أمر مذموم لا يجتمع مع الإيمان، فإن شعار الجاهلية. وعبارته: يقول تعالى ذكره: ومن فعل ما نهينا عنه، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه، فسخر من المؤمنين، ولمز أخاه المؤمن، ونبزه بالألقاب، فهو فاسق بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا، إن فعلتموه، أن تسموا فساقا، بئس الاسم الفسوق. وترك ذكر ما وصفنا من الكلام، اكتفاء بدلالة قوله بئس الاسم الفسوق عليه. ثم ضعف القول الثاني وقال: وغير ذلك من التأويل أولى بالكلام، وذلك أن الله تقدم بالنهي عما تقدم النهي عنه في أول هذه الآية،
(1)
أخرجه في المسند 4/ 260.

فالذي هو أولى أن يختمها بالوعيد لمن تقدم على بغيه، أو بقبيح ركوبه ما ركب مما نهي عنه، لا أن يخبر عن قبح ما كان التائب أتاه من قبل توبته، إذ كانت الآية لم تفتتح بالخبر عن ركوبه ما كان ركب قبل التوبة من القبيح، فيختم آخرها بالوعيد عليه، أو بالقبيح. انتهى.
ومن لم يتب أي من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب، أو لمزه إياه، أو سخريته منه فأولئك هم الظالمون أي الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها العقاب بركوبهم ما نهوا عنه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 12]
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم (12)
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أي كونوا على جانب منه. وذلك بأن تظنوا بالناس سوءا، فإن الظان غير محقق. وإبهام (الكثير) لإيجاب الاحتياط والتورع فيما يخالج الأفئدة من هواجسه، إذ لا داعية تدعو المؤمن للمشي وراءه، أو صرف الذهن فيه، بل من مقتضى الإيمان ظن المؤمنين بأنفسهم الحسن. قال تعالى:
لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين [النور: 12] . نعم! من أظهر فسقه، وهتك ستره، فقد أباح عرضه للناس. ومنه ما روي: من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له. ولذا قال الزمخشري: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة، وسبب ظاهر، كان حراما واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد من الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد والخيانة به محرم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب، والمجاهرة بالخبائث.
إن بعض الظن وهو ظن المؤمن بالمؤمن الشر، لا الخير إثم أي مكسب للعقاب، لأن فيه ارتكاب ما نهي عنه.
قال حجة الإسلام الغزالي في (الإحياء) في بيان تحريم الغيبة بالقلب: اعلم أن سوء الظن حرام، مثل سوء القول. فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك، وتسيء الظن بأخيك. قال: ولست
أعني به إلا عقد القلب، وحكمه على غيره بسوء الظن. فأما الخواطر وحديث النفس، فهو معفو عنه، بل الشك أيضا معفو عنه. ولكن المنهي عنه أن يظن. والظن عبارة عما تركن إليه النفس، ويميل إليه القلب. فقد قال تعالى يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم. قال: وسبب تحريمه أن أسرار القلوب، لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل. فعند ذلك لا يمكنك أن لا تعتقد ما علمته وشاهدته. وما لم تشاهده بعينك، ولم تسمعه بأذنك، ثم وقع في قلبك، فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه فإن أفسق الفساق. إلى أن قال: فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به المال، وهو بعين مشاهدة، أو بينة عادلة. انتهى.
ولما كان من ثمرات سوء الظن التجسس، فإن القلب لا يقنع بالظن، ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس، ذكر سبحانه النهي عنه، إثر سوء الظن لذلك، فقال تعالى: ولا تجسسوا قال ابن جرير: أي لا يتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما تعلمونه من سرائره.
يقال: تجسس الأمر إذا تطلبه، وبحث عنه، كتلمس. قال الشهاب: الجس (بالجيم) كاللمس، فيه معنى الطلب، لأن من يطلب الشيء يمسه ويجسه، فأريد به ما يلزمه. واستعمل التفعل للمبالغة فيه.
قال الغزالي: ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله. فيتوصل إلى الاطلاع، وهتك الستر، حتى ينكشف له ما لو كان مستورا عنه، كان أسلم لقلبه ودينه.
وقد روي في معنى الآية أحاديث كثيرة. منها
حديث «1»
أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهن، فقال: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه! لا تتبعوا عورات المسلمين، فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه، ولو في جوف بيته» .
وفي الصحيح» عنه صلى الله عليه وسلم: «لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» .
(1)
أخرجه الترمذي في: البر والصلة، 85- باب ما جاء في تعظيم المؤمن، عن ابن عمر.

(2)
أخرجه البخاري في: النكاح، 45- باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، حديث رقم 2125، عن أبي هريرة.

وروى أبو داود «1» أن ابن مسعود رضي الله عنه أتى برجل، فقيل له: هذا فلان، تقطر لحيته خمرا! فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به- والرجل سماه ابن أبي حاتم في روايته: الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
وروى أبو داود «2» عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» .
فقال أبو الدرداء رضي الله عنه:
كلمة سمعها معاوية من رسول الله، نفعه الله بها.
وروى الإمام أحمد «3» عن دجين، كاتب عقبة، قال: قلت لعقبة: إنا لنا جيرانا يشربون الخمر، وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم! قال: لا تفعل، ولكن عظهم وتهددهم! قال: ففعل فلم ينتهوا. قال: فجاءه دجين فقال: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وإني داع لهم الشرط فتأخذهم! فقال له عقبة: ويحك! لا تفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها» !.
وروى أبو داود «4» عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم» .
قال الأوزاعي: ويدخل في التجسس استماع قوم وهم له كارهون.
ولا يغتب بعضكم بعضا أي لا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب، ما يكره المقول فيه ذلك، أن يقال له في وجهه. يقال: غابه واغتابه، كغاله واغتاله، إذا ذكره بسوء في غيبته. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه؟ أي فلو عرض عليكم، نفرت عنه نفوسكم، وكرهتموه. فلذا ينبغي أن تكرهوا الغيبة. وفيه استعارة تمثيلية، مثل اغتياب الإنسان لآخر بأكل لحم الأخ ميتا.
لطائف:
الأولى- قال الزمخشري: أيحب أحدكم إلخ تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه، وفيه مبالغات شتى: منها- الاستفهام الذي معناه التقرير (وهو يفيد المبالغة من حيث إنه لا يقع في كلام مسلم
(1)
أخرجه أبو داود في: الأدب، 37- باب في النهي عن التجسس، حديث رقم 4890.

(2)
أخرجه أبو داود في: الأدب، 37- باب في النهي عن التجسس، حديث 4888.

(3)
أخرجه في المسند 4/ 147.

(4)
أخرجه في: الأدب، 37- باب في النهي عن التجسس، حديث رقم 4889.

عند كل سامع، حقيقة أو ادعاء) ومنها- جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة. ومنها- إسناد الفعل إلى (أحدكم) والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك.
ومنها- أن لم يقتصر تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخا.
ومنها- أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ، حتى جعل ميتا. انتهى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 153.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 151.49 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.11%)]