
25-05-2025, 11:38 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة :
|
|
رد: بيان أسباب النصر والتمكين من القرآن الكريم
- الصبـر في الجهاد، والثبات عند اللقاء: قـال الله تعالى: {وَإن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عـمــران: 120]، وقال سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وقــال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُــوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِــحُونَ} [آل عمران: 200]، وقــال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل (2803) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)).
- إقامة الصلاة والإكـثـار مـــن ذكر الله واستغفاره ودعـائـه والاستغاثة به: لا بد أن تكون صلة المجاهدين بالله عظيمة لتحقيق النصر؛ ولذلك أمرهم الله بالمحافظة على الصلاة وإقامتها، ولم يرخص لهم في تركها حتى في حال الخوف والقتال، قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، فمن أسباب النصر:إقامة الصلاة، فهي عمود الدين، ومن أسباب النصر: الإكـثـار مـــن ذكر الله واستغفاره ودعـائـه والاستغاثة به، قـــال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]، وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 - 148]، وقال عز وجل: {أَمَّن يُجِيبُ الْـمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} [النمل: 62]، وقال سبحانه مثنيا على نبيه وأصحابه يوم بدر: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْـمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، فالنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يستغيثون بالله يوم بدر استغاثة عظيمة مع وعد الله لهم بالنصر في تلك الغزوة بعينها، فعلى غيرهم الاستغاثة العظيمة بالله من باب أولى.
- التوكل على الله: يجب على المسلمين أن تتعلق قلوبهم بالله وحده في طلب تحقيق النصر، ويتبرءوا من حولهم وقوتهم، قال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]، وقال سبحانه: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]، فالتوكل من أعظم أسباب النصر؛ لأن المتوكلين يفوضون أمورهم إلى الله القادر على كل شيء، فيعتمدون على الله وحده في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم، مع أخذهم بالأسباب الشرعية المتيسرة لهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، وقال عز وجل: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 49]، وحكى الله قول الرجلين اللذين نصحا بني إسرائيل بالتوكل فقالا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].
وإن من الواجبات الشرعية على الأمة أن تتوكل على الله في جلب ما ينفعها في دينها ودنياها، وفي دفع ما يضرها في دينها ودنياها، وأن تسعى في إصلاح أمورها كلها، الاقتصادية والزراعية والصناعية والتجارية والاجتماعية والطبية والسياسية والحربية وغير ذلك.
- وضوح الغاية من الجهاد: من أسباب النصر أن يكون هدف المسلمين من الجهاد واضحا، وهو إعلاء كلمة الله، وإنقاذ الكافرين من عذاب الله في جهاد الغزو، والدفاع عن المسلمين وحماية دينهم ومقدساتهم وأعراضهم وأموالهم وأرضهم في جهاد الدفع، فالجهاد في الإسلام ليس لأطماع دنيوية، ولا لمنافع مادية، وإنما هو لإعلاء كلمة الله، ولإنقاذ الكافرين من عذاب الله؛ ولذلك كان الجهاد من أساليب الدعوة إلى الله، وعلى المسلمين أن يحثوا أعداءهم على التوبة إلى الله، ويقبلوا توبة التائبين منهم، قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 38، 39]، وقال سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11]، وكان من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أمَّر أميراً قال له: ((إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم))، وهذه الثلاث الخصال التي يُدعى إليها الكفار قبل القتال هي:
- الإسلام، فيكونوا مسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.
- الجزية، وهي مال يدفعونه للمسلمين مع بقائهم على دينهم.
- القتال، فيقاتلهم المسلمون إن استكبروا عن قبول دين الله، وأبوا أن يدفعوا الجزية.
- موالاة المؤمنين، والبراءة من الكافرين والظالمين: قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، وقال سبحانه: {وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [هود: 113]، فمن أعظم أسباب النصر: الولاء للمؤمنين المتقين، أينما كانوا، من غير تعصب لبعضهم على بعض، والبراءة من الكافرين والظالمين، قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]، فإن لم يحقق المسلمون الولاء والبراء كما أمرهم الله، وصاروا أحزابا متفرقين، وصارت لهم ولاءات ضيقة، فستكون فتنة في الأرض وفساد كبير، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].
- الحكمة في الجهاد: قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269]، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، والإسلام دين القوة والحكمة، والحكمة في الجهاد لها صور كثيرة:
- فمن الحكمة في الجهاد: التثبت، والمشاورة، والرجوع إلى المتخصصين في كل أمر، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94]، وقال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وقال عز وجل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وأولو الأمر هم الأمراء والعلماء، ويدخل في العلماء كل متخصص في أي علم نافع، من العلوم العسكرية والهندسية والسياسية والطبية وغيرها.
- ومن الحكمة: التعامل بحكمة وحزم في قضايا النوازل، بلا عنف ولا ضعف، والرجوع في حل كل خلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرضا بحكم الشرع، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
- ومن الحكمة: المحافظة على سيادة الدولة المسلمة وعزتها، وعدم الرضا بالذلة والمهانة، وترك التبعية في السياسة لأي دولة من الدول الكافرة، وعدم اتخاذ أولياء من غير المسلمين، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].
- ومن الحكمة في الجهاد: الحذر من كيد الكافرين ومكرهم، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].
- ومن الحكمة في الجهاد: الكيد بالكافرين في الحرب، فالحرب خدعة كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الآيات التي فيها دلالة على الكيد في الحرب قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنفال: 16]، وقوله سبحانه: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5].
- ومن الحكمة في الجهاد: قبول الصلح والهدنة مع الكفار إن كان في ذلك مصلحة راجحة للمسلمين، قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61].
- ومن الحكمة في الجهاد: تحييد الأعداء، وترك من لم يقاتل المسلمين، كما قال تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90].
- ومن الحكمة: مدافعة الغزو الثقافي والفكري، وصد الشائعات، وكشف الشبهات، وتسمية الأشياء بأسمائها الشرعية، وتبيين المصطلحات على حقيقتها، فمن كيد أعداء الدين تلاعبهم بالمصطلحات لتلبيس الحق بالباطل، فحرب المصطلحات معركة خطيرة، شديدة الفاعلية، قوية التأثير، تتسلل كالخلية السرطانية إلى عقول الناس لتسكنها، وتبدأ في تخريب ما حولها، وذلك بعد أن يمكَّن لها عن طريق الإلحاح الإعلامي، والمتأمل في القرآن الكريم يجد كثيرا من الآيات في إبطال دعاوى المشركين في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وكشف شبهاتهم، وتسمية الأشياء على حقيقتها بوضوح كالإيمان والكفر والنفاق، وتصنيف الناس بحسب عقائدهم وأعمالهم إلى مؤمنين ويهود ونصارى ومجوس ومشركين، وذكر حقيقة الجهاد والمجاهدين ونحو ذلك من المصطلحات.
- ومن الحكمة: تحريض المؤمنين على الجهاد، والاهتمام الكبير بالتوجيه المعنوي، والإعلام الحربي، والحرب النفسية على الأعداء، قال الله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 84]، وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 65، 66]، وقال تبارك وتعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} [الأنفال: 12 - 14]، وقال عز وجل: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ * إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 17 - 19].
- ومن الحكمة في الجهاد: وجود البيئة الحاضنة للمجاهدين في سبيل الله، فالله آوى نبيه صلى الله عليه وسلم والمهاجرين في المدينة، ثم أيدهم بنصره في غزوة بدر الكبرى، ثم ما تلاها من فتوحات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26]، فالمأوى المناسب للمجاهدين أمر مهم في قواعد الحرب والسلم، في الماضي والحاضر والمستقبل.
- ومن الحكمة: تنقية صف المجاهدين من المرجفين والمخذلين والمنافقين والمفسدين، قال الله عن المنافقين: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47]، وقال سبحانه: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 60 - 62]، وقال الله عن طالوت: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249]، فاختبر جيشه ليعلم من يصبر ومن لا يصبر، ومن يطيعه ومن يعصيه، ولم يبق معه بعد هذا الاختبار إلا ثلاثمائة وبضعة عشر كما في الحديث، فنصرهم الله بقدرته، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
- ومن الحكمة: تشجيع من خلط عملا صالحا وآخر سيئا على التوبة، وقبول توبة التائبين، واحتضانهم، وعدم الاستغناء عنهم، قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102]، وقال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110].
- ومن الحكمة: عذر من أخطأ الطريق من العاملين للإسلام في بعض الأمور من غير قصد للمخالفة، أو باجتهاد خاطئ أو تقدير مصلحة مرجوحة، والثناء على كل من عمل للإسلام فيما أصاب فيه، والاستغفار له فيما أخطأ فيه، وإلى هذا هدى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أصحابه الذين أخطأوا في غزوة أحد، وتسببوا في هزيمة المسلمين، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، فهذه سنة نبي الرحمة، ونبي التوبة، وليس من سنته التنفير والتعسير، وقد أمر الله بالعدل والإحسان في معاملة الخلق، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، وما أحسن قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض رده على بعض أهل البدع: "ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ... والله يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]". ((درء تعارض العقل والنقل)) (2/102 - 103).
فمن غلب خيره شره فهو على خير، سواء كان سلطانا أو أميرا أو وزيرا أو عالما أو مفتيا أو مصنفا أو عابدا أو مجاهدا أو طبيبا أو جماعة أو دولة أو غير ذلك، قال ابن القيم رحمه الله: "من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر؛ فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويُعفى عنه ما لا يُعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث". ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 176). فكل مسلم تحرى الحق بقدر استطاعته، واجتهد فيما يقربه إلى الله، ثم أخطأ فينبغي عذره، والاستغفار له، مع التناصح والتواصي بالحق، قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]، قال الله: ((قد فعلت)) كما في الحديث الصحيح، وقد أمر الله بالاستغفار لأهل الإسلام المذنبين فقال سبحانه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، فمن حق المسلم على جميع المسلمين أن يستغفروا الله له، فمن باب أولى من أخطأ من غير تعمد للخطأ، قال الله سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وهذا من رحمة الله بعباده. وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على أن من أقدم على أمر مفسِّقٍ متأولا لشبهة عنده أنه لا يأثم، وأنه عدل لا تُجرح عدالته بوقوعه في ذلك الفسق ما دام تأويله سائغا. يُنظر: ((الأحكام)) للآمدي (2/ 118)، ((المسودة في الأصول)) لابن تيمية (ص: 265)، ((حاشية العطار على شرح جمع الجوامع)) (2/178)، ((شرح روضة الناظر)) لعبد الكريم النملة (3/ 212). والخطأ المرفوع عن هذه الأمة المرحومة يعم الخطأ في العلم والخطأ في العمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن المتأول الذي قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُكفَّر ولا يُفسَّق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفّر المخطئين فيها، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويُكفِّرون من خالفهم". ((منهاج السنة النبوية)) (5/239). وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: "من فعل فعلا يظنه قربة أو مباحا وهو من المفاسد المحرمة في نفس الأمر؛ كالحاكم إذا حكم بما يظنه حقا بناء على الحجج الشرعية، وكالمصلي صلى على ظن أنه متطهر، أو كمن يصلي على مرتد يعتقده مسلما، وكالشاهد يشهد بحق عرفه بناء على استصحاب بقائه فظهر كذب الظن في ذلك كله؛ فهذا خطأ معفو عنه، ويثاب فاعله على قصده دون فعله". ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)) (1/ 27).
- حسن الأخلاق: الإسلام دين الأخلاق الكريمة، فهو يأمر بكل خلق حسن، وينهى عن كل خلق سيء، وقد قال الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده (8951) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق))، وإن من أسباب النصر: التحلي بالأخلاق الفاضلة مع الأعداء، وهذا مما يدعوهم إلى الإسلام، ويرغبهم في التوبة إلى الله. واعلم أن الكفار أربعة أقسام:
- محاربون: وهم الذين يقاتِلون المسلمين.
- مستأمَنون: والمستأمن هو: الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الاستيطان بها.
- معاهِدون: والمعاهد هو الذي له عهد مع المسلمين إما بأمان من مسلم أو هدنة من حاكم أو عقد جزية.
- ذميون: والذمي هو: المعاهد الذي أُعطي عهداً يأمن به على ماله وعرضه ودينه.
فالذين يقاتلهم المسلمون هم المحاربون فقط الذي يصدون عن سبيل الله، ويمنعون المسلمين عن تبليغ دين الله، أما من عداهم من المعاهدين والمستأمنين والذميين فلا يجوز قتالهم، قال الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4]، وقال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]، وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]، فالأصل في الكفار غير المحاربين أن يعاملوا بالحسنى، قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، فالإسلام دين الأخلاق والسماحة والرحمة، حتى في حال قتال الكفار المحاربين، كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وفي صحيح مسلم (1731) عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: ((اغزوا، ولا تغُلُّوا [أي: لا تأخذوا من الغنيمة قبل قسمتها]، ولا تغدروا، ولا تُمثِّلوا [أي: بجثث قتلى المشركين]، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)).
هذه أهم أسباب النصر والتمكين كما بينها الله لنا في القرآن الكريم، فإذا اتقى اللهَ المسلمون فأخذوا بها بقدر استطاعتهم؛ فسينصرهم الله، ولن يخلف الله وعده، وإن ظلموا أنفسم فقصَّروا في الأخذ بها؛ فلا يلوموا إلا أنفسهم، وسينصر الله دينه بغيرهم، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقال عز وجل: {وَإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|