تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله - الصفحة 62 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1094 - عددالزوار : 127893 )           »          أدركتني دعوة أمي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حقيقة الإسلام ومحاسنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          المرأة .. والتنمية الاقتصادية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أسباب الثبات على الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4797 )           »          مفاسد الغفلة وصفات أصحابها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          سفراء الدين والوطن .. الابتعاث فرص تعليمية وتحديات ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-09-2020, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (612)
تفسير السعدى
(سورة المدثر)
من (1)الى (31)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالمدثر
{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } 1 { قُمْ فَأَنذِرْ } 2 { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } 3 { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } 4 { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } 5 { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } 6 { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ }7


تقدم أن المزمل والمدثر بمعنى واحد، وأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بالاجتهاد في عبادة الله القاصرة والمتعدية، فتقدم هناك الأمر له بالعبادات الفاضلة القاصرة، والصبر على أذى قومه، وأمره هنا بإعلان الدعوة، والصدع بالإنذار، فقال: { قُمْ } [أي] بجد ونشاط { فَأَنذِرْ } الناس بالأقوال والأفعال، التي يحصل بها المقصود، وبيان حال المنذر عنه، ليكون ذلك أدعى لتركه، { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي: عظمه بالتوحيد، واجعل قصدك في إنذارك وجه الله، وأن يعظمه العباد ويقوموا بعبادته. { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } يحتمل أن المراد بثيابه، أعماله كلها، وبتطهيرها تخليصها والنصح بها، وإيقاعها على أكمل الوجوه، وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات، والمنقصات من شر ورياء، [ونفاق]، وعجب، وتكبر، وغفلة، وغير ذلك، مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته. ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصاً في الصلاة، التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة. ويحتمل أن المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمور بتطهيرها عن [جميع] النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصاً في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأموراً بتطهير الظاهر، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن. { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } يحتمل أن المراد بالرجز الأصنام والأوثان، التي عبدت مع الله، فأمره بتركها، والبراءة منها ومما نسب إليها من قول أو عمل. ويحتمل أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله، فيكون أمراً له بترك الذنوب، صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه. { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } أي: لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية، فتتكثر بتلك المنة، وترى لك [الفضل] عليهم بإحسانك المنة، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك، وَانْسَ [عندهم] إحسانك، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء. وقد قيل: إن معنى هذا، لا تعط أحداً شيئاً، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه، فيكون هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم. { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى، فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه، فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله من الأصنام وأهلها، والشر وأهله، وله المنة على الناس - بعد منة الله - من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاءً ولا شكوراً، وصبر لله أكمل صبر، فصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله المؤلمة، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
{ فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } 8 { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } 9 { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }10


أي: فإذا نفخ في الصور للقيام من القبور، وجمع الخلق للبعث والنشور. { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } لكثرة أهواله وشدائده { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } لأنهم قد أيسوا من كل خير، وأيقنوا بالهلاك والبوار. ومفهوم ذلك أنه على المؤمنين يسير، كما قال تعالى:{ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر: 8].
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } 11 { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } 12 { وَبَنِينَ شُهُوداً } 13 { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } 14 { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } 15 { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } 16 { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } 17 { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } 18 { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } 19 { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } 20 { ثُمَّ نَظَرَ } 21 { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } 22 { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } 23 { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } 24 { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } 25 { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } 26 { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } 27 { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } 28 { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } 29 { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } 30 { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُون َ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ }31


هذه الآيات، نزلت في الوليد بن المغيرة، معاند الحق، والمبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة، فذمه الله ذماً لم يذمه غيره، وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه، أن له الخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى، فقال: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } أي: خلقته منفرداً، بلا مال ولا أهل، ولا غيره، فلم أزل أنميه وأربيه، { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } أي: كثيراً { وَ } جعلت له { بَنِينَ } أي: ذكوراً { شُهُوداً } أي: دائماً حاضرين عنده، [على الدوام] يتمتع بهم، ويقضي بهم حوائجه، ويستنصر بهم. { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي: مكنته من الدنيا وأسبابها، حتى انقادت له مطالبه، وحصل على ما يشتهي ويريد، { ثُمَّ } مع هذه النعم والإمدادات { يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } أي: يطمع أن ينال نعيم الآخرة كما نال نعيم الدنيا. { كَلاَّ } أي: ليس الأمر كما طمع، بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه، وذلك لأنه { كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } أي: معانداً، عرفها ثم أنكرها، ودعته إلى الحق فلم ينقد لها ولم يكفه أنه أعرض وتولى عنها، بل جعل يحاربها ويسعى في إبطالها، ولهذا قال عنه: { إِنَّهُ فَكَّرَ } [أي:] في نفسه { وَقَدَّرَ } ما فكر فيه، ليقول قولاً يبطل به القرآن. { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } لأنه قدر أمراً ليس في طوره، وتَسَوَّر على ما لا يناله هو و [لا] أمثاله، { ثُمَّ نَظَرَ } ما يقول، { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } في وجهه، وظاهره نفرة عن الحق وبغضاً له، { ثُمَّ أَدْبَرَ } أي: تولى { وَٱسْتَكْبَرَ } نتيجة سعيه الفكري والعملي والقولي، أن قال: { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } أي: ما هذا كلام الله، بل كلام البشر، وليس أيضاً كلام البشر الأخيار، بل كلام الفجار منهم والأشرار، من كل كاذب سحار. فتبّاً له، ما أبعده من الصواب، وأحراه بالخسارة والتباب!! كيف يدور في الأذهان، أو يتصوره ضمير كل إنسان، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه، كلام الرب العظيم، الماجد الكريم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين؟! أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه كلام المبدئ المعيد. فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال، ولهذا قال تعالى: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } أي: لا تبقي من الشدة، ولا على المعذب شيئاً إلا وبلغته، { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } أي: تلوحهم [وتصليهم] في عذابها، وتقلقهم بشدة حرِّها وقَرِّها. { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } من الملائكة، خزنة لها، غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً } وذلك لشدتهم وقوتهم. { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } يحتمل أن المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة، ولزيادة نكالهم فيها، والعذاب يسمى فتنة، كما قال تعالى:
{ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13] ويحتمل أن المراد: أنا ما أخبرناكم بعدتهم، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذّب، ويدلّ على هذا، ما ذكر بعده في قوله: { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً } فإن أهل الكتاب، إذا وافق ما عندهم وطابقه، ازداد يقينهم بالحق، والمؤمنون كلما أنزل الله آية، فآمنوا بها وصدقوا، ازداد إيمانهم، { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُون َ } أي: ليزول عنهم الريب والشك، وهذه مقاصد جليلة، يعتني بها أولو الألباب، وهي السعي في اليقين، وزيادة الإيمان في كل وقت، وكل مسألة من مسائل الدين، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في مقابلة الحق، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلاً لهذه الفوائد الجليلة، ومميزاً للكاذبين من الصادقين، ولهذا قال: { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي: شك وشبهة ونفاق. { وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } وهذا على وجه الحيرة والشك، والكفر منهم بآيات الله، وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه، وإضلاله لمن يضل، ولهذا قال: { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } فمن هداه الله، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمةً في حقه، وزيادةً في إيمانه ودينه، ومن أضله، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة، وظلمة في حقه، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم، فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم { إِلاَّ هُوَ } فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب، { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي: وما هذه الموعظة والتذكار مقصوداً به العبث واللعب، وإنما المقصود به، أن يتذكر [به] البشر ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-09-2020, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (613)
تفسير السعدى
(سورة المدثر)
من (32)الى (56)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالمدثر
{ كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } 32 { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } 33 { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } 34 { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } 35 { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } 36 { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } 37 { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } 38 { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } 39 { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ } 40 { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } 41 { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } 42 { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } 43 { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } 44 { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } 45 { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } 46 { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } 47 { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } 48 { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } 49 { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } 50 { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } 51 { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } 52 { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } 53 { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } 54 { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } 55 { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ }56


{ كَلاَّ } هنا بمعنى: حقاً، أو بمعنى " ألا " الاستفتاحية، فأقسم تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره، والنهار وقت إسفاره، لاشتمال المذكورات على آيات الله العظيمة، الدالة على كمال قدرة الله وحكمته، وسعة سطانه، وعموم رحمته، وإحاطة علمه والمقسم عليه قوله: { إِنَّهَا } أي: النار { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي: لإحدى العظائم الطامة والأمور الهامة، فإذا أعلمناكم بها، وكنتم على بصيرة من أمرها، فمن شاء منكم أن يتقدم، فيعمل بما يقربه من ربه، ويدنيه من رضاه، ويزلفه من دار كرامته، أو يتأخر [عمّا خلق له و] عمّا يحبه الله [ويرضاه]، فيعمل بالمعاصي، ويتقرب إلى نار جهنم، كما قال تعالى:{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } الآية [الكهف: 29]. { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } من أعمال السوء وأفعال الشر، { رَهِينَةٌ } بها موثقة بسعيها، قد ألزم عنقها، وغل في رقبتها، واستوجبت به العذاب، { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم لم يرتهنوا، بل أطلقوا وفرحوا { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي: في جنات قد حصل لهم بها جميع مطلوباتهم، وتمت لهم الراحة والطمأنينة، حتى أقبلوا يتساءلون، فأفضت بهم المحادثة، أن سألوا عن المجرمين، أي: حال وصلوا إليها، وهل وجدوا ما وعدهم الله تعالى؟ فقال بعضهم لبعض: " هل أنتم مطلعون عليهم " ، فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون، فقالوا لهم: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } أي: أي شيء أدخلكم فيها؟ وبأي: ذنب استحققتموها؟ فـ { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } فلا إخلاص للمعبود، [ولا إحسان] ولا نفع للخلق المحتاجين. { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } أي: نخوض بالباطل، ونجادل به الحق، { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } هذا آثار الخوض بالباطل، [وهو] التكذيب بالحق، ومن أحق الحق، يوم الدين، الذي هو محل الجزاء على الأعمال، وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق. فاستمرينا على هذا المذهب الفاسد { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } أي: الموت، فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل، وانسّد في وجوههم باب الأمل، { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم. فلما بين الله مآل المخالفين، ورهب مما يفعل بهم، عطف على الموجودين بالعتاب واللوم، فقال: { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } أي: صادين غافلين عنها. { كَأَنَّهُمْ } في نفرتهم الشديدة منها { حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } أي: كأنهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضاً، فزاد عدوها، { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } أي: من صائد ورام يريدها، أو من أسد ونحوه، وهذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحق، ومع هذا الإعراض وهذا النفور، يدعون الدعاوى الكبار. فـ { يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } نازلة عليه من السماء، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك، وقد كذبوا، فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، فإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق وتوضحه، فلو كان فيهم خير لآمنوا، ولهذا قال: { كَلاَّ } أن نعطيهم ما طلبوا، وهم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز، { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } فلو كانوا يخافونها، لما جرى منهم ما جرى.
{ كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } الضمير إما أن يعود على هذه السورة، أو على ما اشتملت عليه [من] هذه الموعظة، { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } لأنه قد بين له السبيل، ووضح له الدليل. { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فإن مشيئته نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله، والجبرية، الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة، وإنما هو مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعباد مشيئةً حقيقة وفعلاً، وجعل ذلك تابعاً لمشيئته، { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } أي: هو أهل أن يتقى ويعبد، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأهل أن يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-09-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (614)
تفسير السعدى
(سورة القيامة)
من (1)الى (19)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالقيامة

{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } 1 { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } 2 { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } 3 { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } 4 { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } 5 { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ }6


ليست " لا " [ها] هنا نافية، [ولا زائدة] وإنما أتي بها للاستفتاح والاهتمام بما بعدها، ولكثرة الإتيان بها مع اليمين، لا يستغرب الاستفتاح بها، وإن لم تكن في الأصل موضوعة للاستفتاح. فالمقسم به في هذا الموضع، هو المقسم عليه، وهو البعث بعد الموت، وقيام الناس من قبورهم، ثم وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم، { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة، سُمِّيت " لوَّامة " لكثرة ترددها وتلومها، وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه، من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق، أو غفلة، فجمع بين الإقسام بالجزاء، وعلى الجزاء، وبين مستحق الجزاء. ثم أخبر مع هذا، أن بعض المعاندين يكذب بيوم القيامة، فقال: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } بعد الموت، كما قال في الآية الأخرى:{ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 78]؟ فاستبعد من جهله وعدوانه قدرة الله على خلق عظامه التي هي عماد البدن، فرد عليه بقوله: { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } أي: أطراف أصابعه وعظامه، المستلزم ذلك لخلق جميع أجزاء البدن، لأنها إذا وجدت الأنامل والبنان، فقد تمت خلقة الجسد، وليس إنكاره لقدرة الله تعالى قصوراً بالدليل الدال على ذلك، وإنما [وقع] ذلك منه أن قصده وإرادته أن يكذب بما أمامه من البعث. والفجور: الكذب مع التعمد. ثم ذكر أحوال القيامة فقال: { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ * وَخَسَفَ... }.
{ فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } 7 { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } 8 { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } 9 { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } 10 { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } 11 { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } 12 { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } 13 { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } 14 { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ }15


أي: إذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول العظيم، وشخصت فلا تطرف كما قال تعالى:{ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُم ْ هَوَآءٌ } [إبراهيم: 42-43] { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أي: ذهب نوره وسلطانه، { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى، فيجمع الله بينهما يوم القيامة، ويخسف القمر، وتكور الشمس، ثم يقذفان في النار، ليرى العباد أنهما عبدان مسخران، وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين. { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ } حين يرى تلك القلاقل المزعجات: { أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } أي: أين الخلاص والفرار مما طرقنا وأصابنا؟ { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } أي: لا ملجأ لأحد دون الله، { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } لسائر العباد، فليس في إمكان أحد أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع، بل لا بد من إيقافه ليجزى بعمله، ولهذا قال: { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أي: بجميع عمله الحسن والسيء، في أول وقته وآخره، وينبأ بخبر لا ينكره، { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } أي: شاهداً ومحاسباً، { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } فإنها معاذير لا تقبل، ولا تقابل ما يقرر به العبد، فَيُقُّر به، كما قال تعالى:{ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14]. فالعبد وإن أنكر، أو اعتذر عما عمله، فإنكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئاً، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره، وجميع جوارحه بما كان يعمل، ولأن استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه:{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [الروم: 57].
{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } 16 { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } 17 { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } 18 { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }19


كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالوحي، وشرع في تلاوته عليه، بادره النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص قبل أن يفرغ، وتلاه مع تلاوة جبريل إياه، فنهاه الله عن هذا، وقال:{ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114]. وقال هنا: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ثم ضمن له تعالى أنه لا بد أن يحفظه ويقرأه، ويجمعه الله في صدره، فقال: { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } فالحرص الذي في خاطرك، إنما الداعي له حذر الفوات والنسيان، فإذا ضمنه الله لك، فلا موجب لذلك. { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي: إذا كمّل جبريل قراءة ما أوحى الله إليك، فحينئذ اتبع ما قرأه وأقرأه. { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي: بيان معانيه، فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه، وهذا أعلى ما يكون، فامتثل صلى الله عليه وسلم لأدب ربه، فكان إذا تلا عليه جبريل القرآن بعد هذا، أنصت له، فإذا فرغ قرأه. وفي هذه الآية أدب لأخذ العلم، أن لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ من المسألة التي شرع فيها، فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه، وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان، أن لا يبادر برده أو قبوله، حتى يفرغ من ذلك الكلام، ليتبين ما فيه من حق أو باطل، وليفهمه فهماً يتمكن به من الكلام عليه. وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين للأمة ألفاظ الوحي، فإنه قد بين لهم معانيه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-09-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (615)
تفسير السعدى
(سورة القيامة)
من (20)الى (40)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالقيامة

{ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } 20 { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } 21 { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } 22 { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } 23 { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } 24 { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }25


أي: هذا الذي أوجب لكم الغفلة والإعراض عن وعظ الله وتذكيره أنكم { تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } وتسعون فيما يحصلها، وفي لذاتها وشهواتها، وتؤثرونها على الآخرة، فتذرون العمل لها، لأن الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة، والإنسان مولع بحب العاجل، والآخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم، فلذلك غفلتم عنها وتركتموها، كأنكم لم تخلقوا لها، وكأن هذه الدار هي دار القرار، التي تبذل فيها نفائس الأعمار، ويسعى لها آناء الليل والنهار، وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة، وحصل من الخسار ما حصل. فلو آثرتم الآخرة على الدنيا، ونظرتم للعواقب نظر البصير العاقل لأنجحتم، وربحتم ربحاً لا خسار معه، وفزتم فوزاً لا شقاء يصحبه. ثم ذكر ما يدعو إلى إيثار الآخرة، ببيان حال أهلها وتفاوتهم فيها، فقال في جزاء المؤثرين للآخرة على الدنيا: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم: منهم من ينظره كل يوم بكرةً وعشياً، ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم، وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالاً إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم. وقال في المؤثرين العاجلة على الآجلة: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } أي: معبسة ومكدرة، خاشعة ذليلة { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } أي: عقوبة شديدة، وعذاب أليم، فلذلك تغيرت وجوههم وعبست.
{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } 26 { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } 27 { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } 28 { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } 29 { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } 30 { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } 31 { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } 32 { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } 33 { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } 34 { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } 35 { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } 36 { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } 37 { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } 38 { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } 39 { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }40


يعظ تعالى عباده، بذكر حال المحتضر عند السياق، وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة، ولهذا قال: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي: من يرقيه، من الرقية، لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فلم يبق إلا الأسباب الإلهية. ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له، { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } للدنيا. { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } أي: اجتمعت الشدائد والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب، وأريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن ولم تزل معه، فتساق إلى الله تعالى، حتى يجازيها بأعمالها، ويقررها بفعالها. فهذا الزجر، [الذي ذكره الله] يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمراً على بغيه وكفره وعناده. { فَلاَ صَدَّقَ } أي: لا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره { وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ } بالحق في مقابلة التصديق، { وَتَوَلَّىٰ } عن الأمر والنهي، هذا وهو مطمئن قلبه، غير خائف من ربه، بل يذهب { إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي: ليس على باله شيء، توعده بقوله: { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } وهذه كلمات وعيد، كررها لتكرير وعيده، ثم ذكَّر الإنسان بخلقه الأول، فقال: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } أي: معطلاً، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يُعاقَب؟ هذا حسبان باطل، وظن بالله بغير ما يليق بحكمته. { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ } بعد المني { عَلَقَةً } أي: دماً، { فَخَلَقَ } الله منها الحيوان وسواه أي: أتقنه وأحكمه، { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَلِكَ } الذي خلق الإنسان [وطوره إلى] الأطوار المختلفة { بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } بلى إنه على كل شيء قدير.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-09-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (616)
تفسير السعدى
(سورة الإنسان)
من (1)الى (27)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالإنسان
{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } 1 { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } 2 { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }3


ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان ومبتدأها ومتوسطها ومنتهاها. فذكر أنه مرّ عليه دهر طويل، وهو الذي قبل وجوده، وهو معدوم بل ليس مذكوراً. ثم لما أراد الله تعالى خلقه، خلق [أباه] آدم من طين، ثم جعل نسله متسلسلاً { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } أي: ماء مهين مستقذر { نَّبْتَلِيهِ } بذلك، لنعلم هل يرى حاله الأولى، ويتفطن لها أم ينساها وتغره نفسه؟ فأنشأه الله، وخلق له القوى الباطنة والظاهرة، كالسمع والبصر، وسائر الأعضاء، فأتمها له وجعلها سالمة يتمكن بها من تحصيل مقاصده. ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة إلى الله، ورغَّبه فيها، وأخبره بما له عند الوصول إلى الله. ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك، ورهَّبه منها، وأخبره بما له إذا سلكها، وابتلاه بذلك، فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه، أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية، فردَّها، وكفر بربه، وسلك الطريق الموصلة إلى الهلاك. ثم ذكر تعالى حال الفريقين عند الجزاء فقال: { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً... }.
{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } 4 { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } 5 { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } 6 { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } 7 { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } 8 { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } 9 { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } 10 { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } 11 { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } 12 { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } 13 { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } 14 { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } 15 { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } 16 { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } 17 { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } 18 { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } 19 { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } 20 { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } 21 { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } 22 { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } 23 { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } 24 { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } 25 { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } 26 { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }27


{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً * إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } إلى آخر الثواب أي: إنا هيأنا وأرصدنا لمن كفر بالله، وكذب رسله، وتجرأ على المعاصي { سَلاَسِلاَ } في نار جهنم، كما قال تعالى:{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } [الحاقة: 32]. { وَأَغْلاَلاً } تغل بها أيديهم إلى أعناقهم ويوثقون بها. { وَسَعِيراً } أي: ناراً تستعر بها أجسامهم وتحرق بها أبدانهم،{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [النساء: 56] وهذا العذاب دائم لهم أبداً، مخلدون فيه سرمداً. وأما { ٱلأَبْرَارَ } وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم، واستعملوها بأعمال البر، أخبر أنهم { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي: خلط بكافور، ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور [في غاية اللذة] قد سلم من كل مكدر ومنغص، موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة. كما قال تعالى:{ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [الواقعة: 28-29]{ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [آل عمران: 15]{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ } [الأنعام: 127]{ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [الزخرف: 71]. { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } أي: ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، وهي عين دائمة الفيضان والجريان، يفجرها عباد الله تفجيراً، أنى شاؤوا، وكيف أرادوا، فإن شاؤوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض الناضرات، أو بين جوانب القصور والمساكن المزخرفات، أو إلى أي جهة يرونها من الجهات المونقات. وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى، { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } أي: منتشراً فاشياً، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك، { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } أي: وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم، { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }. ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى، ويقولون بلسان الحال: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } أي: لا جزاء مالياً، ولا ثناءً قولياً. { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً } أي: شديد الجهمة والشر { قَمْطَرِيراً } أي: ضنكاً ضيقاً، { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } فلا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة [هذا يومكم الذي كنتم توعدون]. { وَلَقَّاهُمْ } أي: أكرمهم وأعطاهم { نَضْرَةً } في وجوههم { وَسُرُوراً } في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن، { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } على طاعة الله، فعملوا ما أمكنهم منها، وعن معاصي الله، فتركوها، وعلى أقدار الله المؤلمة، فلم يتسخطوها، { جَنَّةً } جامعة لكل نعيم، سالمة من كل مكدر ومنغص، { وَحَرِيراً } كما قال [تعالى:]
{ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [الحج: 23] ولعل الله إنما خص الحرير، لأنه لباسهم الظاهر، الدال على حال صاحبه. { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } الاتكاء: التمكن من الجلوس، في حال الرفاهية والطمأنينة [الراحة]، والأرائك هي السرر التي عليها اللباس المزين، { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا } أي: في الجنة { شَمْساً } يضرهم حرها، { وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي: برداً شديداً، بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل، لا حر ولا برد، بحيث تلتذ به الأجساد، ولا تتألم من حر ولا برد. { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أي: قربت ثمراتها من مريدها تقريبا ينالها، وهو قائم، أو قاعد، أو مضطجع. ويطاف على أهل الجنة أي: يدور [عليهم] الخدم والولدان { بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } أي: مادتها من فضة، [وهي] على صفاء القوارير، وهذا من أعجب الأشياء، أن تكون الفضة الكثيفة، من صفاء جوهرها، وطيب معدنها، على صفاء القوارير. { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي: قدروا الأواني المذكورة على قدر رِيِهِّمْ، لا تزيد ولا تنقص، لأنها لو زادت نقصت لذتها، ولو نقصت لم تف بريهم. ويحتمل أن المراد: قدرها أهل الجنة بنفوسهم بمقدار يوافق لذاتهم، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم. { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا } أي: في الجنة، من كأس، وهو الإناء المملوء من خمر ورحيق، { كَانَ مِزَاجُهَا } أي: خلطها { زَنجَبِيلاً } ليطيب طعمه وريحه. { عَيْناً فِيهَا } أي: في الجنة، { تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } سميت بذلك لسلاستها ولذتها وحسنها. { وَيَطُوفُ } على أهل الجنة، في طعامهم وشرابهم وخدمتهم. { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي: خلقوا من الجنة للبقاء، لا يتغيرون ولا يكبرون، وهم في غاية الحسن، { إِذَا رَأَيْتَهُمْ } منتشرين في خدمتهم { حَسِبْتَهُمْ } من حسنهم { لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } وهذا من تمام لذة أهل الجنة، أن يكون خدامهم الولدان المخلدون، الذين تسر رؤيتهم، ويدخلون على مساكنهم، آمنين من تبعتهم، ويأتونهم بما يدعون وتطلبه نفوسهم، { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ } أي: هناك في الجنة، ورمقت ما هم فيه من النعيم { رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } فتجد الواحد منهم، عنده من القصور والمساكن والغرف المزينة المزخرفة، ما لا يدركه الوصف، ولديه من البساتين الزاهرة، والثمار الدانية، والفواكه اللذيذة، والأنهار الجارية، والرياض المعجبة، والطيور المطربة [المشجية]، ما يأخذ بالقلوب، ويفرح النفوس. وعنده من الزوجات. اللاتي هن في غاية الحسن والإحسان، الجامعات لجمال الظاهر والباطن، الخيرات الحسان، ما يملأ القلب سروراً، ولذةً وحبوراً، وحوله من الولدان المخلدين، والخدم المؤبدين، ما به تحصل الراحة والطمأنينة، وتتم لذة العيش، وتكمل الغبطة. ثم علاوة ذلك ومعظمه الفوز برؤية الرب الرحيم، وسماع خطابه، ولذة قربه، والابتهاج برضاه، والخلود الدائم، وتزايد ما هم فيه من النعيم كل وقت وحين، فسبحان الملك المالك، الحق المبين، الذي لا تنفد خزائنه، ولا يقل خيره، فكما لا نهاية لأوصافه فلا نهاية لبره وإحسانه، { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ } أي: قد جللتهم ثياب السندس والإستبرق الأخضران، اللذان هما أجل أنواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الديباج، والإستبرق: ما رق منه.
{ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } أي: حلوا في أيديهم أساور الفضة، ذكورهم وإناثهم، وهذا وعد وعدهم الله، وكان وعده مفعولاً، لأنه لا أصدق منه قيلاً ولا حديثاً. وقوله: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } أي: لا كدر فيه بوجه من الوجوه، مطهراً لما في بطونهم من كل أذى وقذى. { إِنَّ هَـٰذَا } الجزاء الجزيل والعطاء الجميل { كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } على ما أسلفتموه من الأعمال، { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُور } أي: القليل منه، يجعل الله لكم به من النعيم المقيم ما لا يمكن حصره. وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } فيه الوعد والوعيد، وبيان كل ما يحتاجه العباد، وفيه الأمر بالقيام بأوامره وشرائعه أتمّ القيام، والسعي في تنفيذها، والصبر على ذلك. ولهذا قال: { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } أي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، ولحكمه الديني، فامض عليه، ولا يعوقك عنه عائق. { وَلاَ تُطِعْ } من المعاندين، الذين يريدون أن يصدوك { ءَاثِماً } أي: فاعلاً إثماً ومعصيةً ولا { كَفُوراً } فإن طاعة الكفار والفجار والفساق، لا بد أن تكون في المعاصي، فلا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم. ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله، والإكثار من ذكره، أمره الله بذلك، فقال: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي: أول النهار وآخره، فدخل في ذلك، الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل، والذكر، والتسبيح، والتهليل، والتكبير في هذه الأوقات. { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } أي: أكثر [له] من السجود، ولا يكون ذلك إلا بالإكثار من الصلاة. { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله:{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } [المزمل: 1-2] الآية: [وقوله] { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } أي: المكذبين لك أيها الرسول بعد ما بينت لهم الآيات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئاً، بل لا يزالون يؤثرون { ٱلْعَاجِلَةَ } ويطمئنون إليها، { وَيَذَرُونَ } أي: يتركون العمل ويهملون { وَرَآءَهُمْ } أي: أمامهم { يَوْماً ثَقِيلاً } وهو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، وقال تعالى:{ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر: 8] فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا والإقامة فيها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-09-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (617)
تفسير السعدى
(سورة المرسلات)
من (1)الى (24)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالمرسلات
{ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } 28 { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } 29 { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } 30 { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }31


ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي، وهو دليل الابتداء، فقال: { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ } أي: أوجدناهم من العدم، { وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } أي: أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، والعروق، والأوتار، والقوى الظاهرة والباطنة، حتى تم الجسم واستكمل، وتمكن من كل ما يريده، فالذي أوجدهم على هذه الحالة، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار، لا يليق به أن يتركهم سدى، لا يؤمرون، ولا ينهون، ولا يثابون، ولا يعاقبون، ولهذا قال: { بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } أي: أنشأناكم للبعث نشأة أخرى، وأعدناكم بأعيانكم، وهم بأنفسهم أمثالهم. { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ } أي: يتذكر بها المؤمن، فينتفع بما فيها من التخويف والترغيب. { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } أي: طريقاً موصلاً إليه، فالله يبين الحق والهدى، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها أو النفور عنها، مع قيام الحجة عليهم، { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فإن مشيئة الله نافذة، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } فله الحكمة في هداية المهتدي، وإضلال الضال. { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } فيختصه بعنايته، ويوفقه لأسباب السعادة ويهديه لطرقها. { وَٱلظَّالِمِينَ } الذين اختاروا الشقاء على الهدى { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [بظلمهم وعدوانهم].

سورة المرسلات

{ وَٱلْمُرْسَلاَت ِ عُرْفاً } 1 { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } 2 { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } 3 { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } 4 { فَٱلْمُلْقِيَٰت ِ ذِكْراً } 5 { عُذْراً أَوْ نُذْراً } 6 { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ } 7 { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } 8 { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } 9 { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } 10 { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } 11 { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } 12 { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } 13 { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } 14 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }15


أقسم تعالى على البعث والجزاء بالأعمال، بالمرسلات عرفاً، وهي الملائكة التي يرسلها الله تعالى بشؤونه القدرية وتدبير العالم، وبشئونه الشرعية ووحيه إلى رسله. و { عُرْفاً } حال من المرسلات أي: أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة، لا بالنكر والعبث. { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } وهي [أيضاً] الملائكة التي يرسلها الله تعالى، وصفها بالمبادرة لأمره، وسرعة تنفيذ أوامره، كالريح العاصف، أو: أن العاصفات، الرياح الشديدة، التي يسرع هبوبها. { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } يحتمل أنها الملائكة، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها السحاب التي يُنشِر بها الله الأرض، فيحييها بعد موتها. { فَٱلْمُلْقِيَٰت ِ ذِكْراً } هي الملائكة، تلقي أشرف الأوامر، وهو الذكر الذي يرحم الله به عباده، ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم، تلقيه إلى الرسل، { عُذْراً أَوْ نُذْراً } أي: إعذاراً وإنذاراً للناس، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف، وتقطع معذرتهم، فلا يكون لهم حجة على الله. { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } من البعث والجزاء على الأعمال { لَوَٰقِعٌ } أي: متحتم وقوعه، من غير شك ولا ارتياب. فإذا وقع حصل من التغير للعالم والأهوال الشديدة ما يزعج القلوب، وتشتد له الكروب، فتنطمس النجوم أي: تتناثر وتزول عن أماكنها وتنسف الجبال، فتكون كالهباء المنثور، وتكون هي والأرض قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل، وأجلت للحكم بينها وبين أممها، ولهذا قال: { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } استفهام للتعظيم والتفخيم والتهويل. ثم أجاب بقوله: { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } [أي:] بين الخلائق، بعضهم لبعض، وحساب كل منهم منفرداً، ثم توعد المكذب بهذا اليوم، فقال: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } أي: يا حسرتهم، وشدة عذابهم، وسوء منقلبهم، أخبرهم الله، وأقسم لهم، فلم يصدقوه، فاستحقوا العقوبة البليغة.
{ أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } 16 { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } 17 { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِين َ } 18 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }19


أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين، وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لا بد من عذابه، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون؟ { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } بعدما شاهدوا من الآيات البينات، والعقوبات والمثلات.
{ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } 20 { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } 21 { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } 22 { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } 23 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }24


أي: أما خلقناكم أيها الآدميون { مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } أي: في غاية الحقارة، خرج من بين الصلب والترائب، حتى جعله الله { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } وهو الرحم، به يستقر وينمو. { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } ووقت مقدر. { فَقَدَرْنَا } أي: قدرنا ودبرنا ذلك الجنين، في تلك الظلمات، ونقلناه من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن جعله الله جسداً، ثم نفخ فيه الروح، ومنهم من يموت قبل ذلك. { فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } [يعني بذلك نفسه المقدسة] حيث كان قدراً تابعاً للحكمة، موافقاً للحمد. { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } بعدما بيّن الله لهم الآيات، وأراهم العبر والبيّنات.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-09-2020, 03:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (618)
تفسير السعدى
(سورة المرسلات)
من (25)الى (50)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالمرسلات
{ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } 25 { أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } 26 { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُ م مَّآءً فُرَاتاً } 27 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }28


أي: أما امتننا عليكم وأنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها { كِفَاتاً } لكم، { أَحْيَآءً } في الدور، { وَأَمْوٰتاً } في القبور، فكما أن الدور والقصور من نعم الله على عباده ومنته، فكذلك القبور، رحمة في حقهم، وستراً لهم، عن كون أجسادهم بادية للسباع وغيرها. { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } أي: جبالاً ترسي الأرض، لئلا تميد بأهلها، فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات أي: الطوال العراض، { وَأَسْقَيْنَاكُ م مَّآءً فُرَاتاً } أي: عذباً زلالاً قال تعالى:{ أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } [الواقعة: 68-70]. { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } مع ما أراهم الله من النعم، التي انفرد الله بها، واختصهم بها، فقابلوها بالتكذيب.
{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } 29 { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } 30 { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } 31 { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } 32 { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } 33 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }34


هذا من الويل الذي أعد [للمجرمين] للمكذبين، أن يقال لهم يوم القيامة: { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } ثم فسر ذلك بقوله: { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } أي: إلى ظل نار جهنم، التي تتمايز في خلاله ثلاث شعب أي: قطع من النار أي: تتعاوره وتتناوبه وتجتمع به. { لاَّ ظَلِيلٍ } ذلك الظل أي: لا راحة فيه ولا طمأنينة، { وَلاَ يُغْنِي } من مكث فيه { مِنَ ٱللَّهَبِ } بل اللهب قد أحاط به، يمنة ويسرة ومن كل جانب، كما قال تعالى:{ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16].{ لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [الأعراف: 41]. ثم ذكر عظم شرر النار، الدال على عظمها وفظاعتها وسوء منظرها، فقال: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } وهي السود التي تضرب إلى لون فيه صفرة، وهذا يدل على أن النار مظلمة، لهبها وجمرها وشررها، وأنها سوداء، كريهة المرأى، شديدة الحرارة، نسأل الله العافية منها [من الأعمال المقربة منها]. { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }
{ هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } 35 { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } 36 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } 37 { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } 38 { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } 39 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }40


أي: هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين، لا ينطقون فيه من الخوف والوجل الشديد، { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } أي: لا تقبل معذرتهم، ولو اعتذروا:{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [الروم: 57]. { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } لنفصل بينكم، ونحكم بين الخلائق، { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ } تقدرون على الخروج من ملكي، وتنجون به من عذابي، { فَكِيدُونِ } أي: ليس لكم قدرة ولا سلطان، كما قال تعالى:{ يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [الرحمن: 33]. ففي ذلك اليوم، تبطل حيل الظالمين، ويضمحل مكرهم وكيدهم، ويستسلمون لعذاب الله، ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }.
{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } 41 { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } 42 { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } 43 { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } 44 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ }45


لما ذكر عقوبة المكذبين، ذكر ثواب المحسنين، فقال: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [أي:] للتكذيب، المتصفين بالتصديق في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم، ولا يكونون كذلك إلا بأدائهم الواجبات، وتركهم المحرمات. { فِي ظِلاَلٍ } من كثرة الأشجار المتنوعة، الزاهية البهية. { وَعُيُونٍ } جارية من السلسبيل، والرحيق وغيرهما، { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } أي: من خيار الفواكه وطيبها، ويقال لهم: { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } من المآكل الشهية، والأشربة اللذيذة، { هَنِيـۤئاً } أي: من غير منغص ولا مكدر، ولا يتم هناؤه، حتى يسلم الطعام والشراب من كل آفة ونقص، وحتى يجزموا أنه غير منقطع ولا زائل، { ئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فأعمالكم هي السبب الموصل لكم إلى هذا النعيم المقيم، وهكذا كل من أحسن في عبادة الله وأحسن إلى عباد الله، ولهذا قال: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } ولو لم يكن لهم من هذا الويل إلا فوات هذا النعيم، لكفى به حرماناً وخسراناً.
{ كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } 46 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } 47 { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } 48 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } 49 { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }50


هذا تهديد ووعيد للمكذبين، أنهم وإن أكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا باللذات، وغفلوا عن القربات، فإنهم مجرمون، يستحقون ما يستحقه المجرمون، فستنقطع عنهم اللذات، وتبقى عليهم التبعات، ومن إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة التي هي أشرف العبادات، وقيل لهم: { ٱرْكَعُواْ } امتنعوا من ذلك. فأيُّ إجرام فوق هذا؟ وأيُّ تكذيب يزيد على هذا؟!! { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِي نَ } ومن الويل عليهم أنهم تنسد عليهم أبواب التوفيق، ويحرمون كل خير، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن الكريم، الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين على الإطلاق. { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } أبالباطل الذي هو كاسمه، لا يقوم عليه شبهة فضلاً عن الدليل؟ أم بكلام كل مشرك كذاب أفاك مبين؟ فليس بعد النور المبين إلا دياجي الظلمات، ولا بعد الصدق الذي قامت الأدلة والبراهين على صدقه إلا الكذب الصراح والإفك المبين، الذي لا يليق إلا بمن يناسبه. فتباً لهم ما أعماهم! وويحاً لهم، ما أخسرهم وأشقاهم!.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05-09-2020, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (619)
تفسير السعدى
(سورةالنبأ)
من (1)الى (30)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة النبأ

{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } 1 { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } 2 { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } 3 { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } 4 { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }5


أي: عن أي شيء يتساءل المكذبون بآيات الله؟ ثم بيَّن ما يتساءلون عنه، فقال: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ * ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } أي: عن الخبر العظيم، الذي طال فيه نزاعهم، وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد، وهو النبأ الذي لا يقبل الشك ولا يدخله الريب، ولكن المكذبون بلقاء ربهم لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم. ولهذا قال: { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعّا، ويقال لهم:{ هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [الطور: 14]. ثم بيّن تعالى النعم والأدلة الدالة على صدق ما أخبرت به الرسل، فقال: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً * وَٱلْجِبَالَ... }.
{ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } 6 { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } 7 { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } 8 { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } 9 { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } 10 { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } 11 { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } 12 { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } 13 { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } 14 { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } 15 { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً }16


أي: أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم { ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } أي: ممهدة مهيأة لكم ولمصالحكم، من الحروث والمساكن والسبل. { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم وتميد، { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } أي: ذكوراً وإناثاً من جنس واحد، ليسكن كل منهما إلى الآخر، فتكون المودة والرحمة، وتنشأ عنهما الذرية، وفي ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح. { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتا } أي: راحة لكم، وقطعاً لأشغالكم، التي متى تمادت بكم أضرت بأبدانكم، فجعل الله الليل والنوم يغشى الناس، لتنقطع حركاتهم الضارة، وتحصل راحتهم النافعة. { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } أي: سبع سماوات، في غاية القوة، والصلابة والشدة، وقد أمسكها الله بقدرته، وجعلها سقفاً للأرض، فيها عدة منافع لهم، ولهذا ذكر من منافعها الشمس فقال: { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } نبه بالسراج على النعمة بنورها، الذي صار كالضرورة للخلق، وبالوهاج الذي فيه الحرارة على حرارتها وما فيها من المصالح. { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ } أي: السحاب { مَآءً ثَجَّاجاً } أي: كثيراً جداً. { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً } من بُرٍّ وشعير وذرة وأرز، وغير ذلك مما يأكله الآدميون. { وَنَبَاتاً } يشمل سائر النبات، الذي جعله الله قوتاً لمواشيهم، { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } أي: بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة. فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها، كيف [تكفرون به و] تكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها؟!!
{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } 17 { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } 18 { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } 19 { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } 20 { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } 21 { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } 22 { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } 23 { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } 24 { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } 25 { جَزَآءً وِفَاقاً } 26 { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } 27 { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } 28 { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } 29 { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }30


ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، ويجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، وأن الله جعله { مِيقَاتاً } للخلق { يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب، فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، وتشقق السماء حتى تكون أبواباً، ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور، وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومآباً، وأنهم يلبثون فيها أحقاباً كثيرة، و " الحقب " على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة. وهم إذا وردوها { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } أي: لا ما يبرد جلودهم، ولا ما يدفع ظمأهم. { إِلاَّ حَمِيماً } أي: ماءً حاراً، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم، { وَغَسَّاقاً } وهو: صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، وكراهة المذاق، وإنما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاءً لهم، ووفاقاً على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم، ولهذا ذكر أعمالهم، التي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال: { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } أي: لا يؤمنون بالبعث، ولا أن الله يجازي الخلق بالخير والشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة. { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } أي: كذبوا بها تكذيباً واضحاً صريحاً وجاءتهم البينات فعاندوها. { وَكُلَّ شَيْءٍ } من قليل وكثير، وخير وشر { أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } أي: كتبناه في اللوح المحفوظ، فلا يخشى المجرمون أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شيء، أو ينسى منها مثقال ذرة، كما قال تعالى:{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف: 49]. { فَذُوقُواْ } أيها المكذبون هذا العذاب الأليم والخزي الدائم { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } وكل وقت وحين يزداد عذابهم [وهذه الآية أشد الآيات في شدة عذاب أهل النار أجارنا الله منها].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-09-2020, 03:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (620)
تفسير السعدى
(سورةالنازعات)
من (1)الى (14)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة النازعات
{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } 31 { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } 32 { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } 33 { وَكَأْساً دِهَاقاً } 34 { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } 35 { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً }36


لما ذكر حال المجرمين، ذكر مآل المتقين، فقال: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } أي: الذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، والانكفاف عما يكرهه فلهم مفاز ومنجى، وبُعْدٌ عن النار، وفي ذلك المفاز لهم { حَدَآئِقَ } وهي البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية، في الثمار التي تتفجر بين خلالها الأنهار، وخص الأعناب لشرفه وكثرته في تلك الحدائق. ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس { وَكَوَاعِبَ }: وهي: النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن. " والأتراب ": اللاتي على سن واحد متقارب، ومن عادة الأتراب أن يكن متآلفات متعاشرات، وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة، في أعدل سن الشباب. { وَكَأْساً دِهَاقاً } أي: مملوءة من رحيق، لذة للشاربين، { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } أي: كلاماً لا فائدة فيه { وَلاَ كِذَّاباً } أي: إثما. كما قال تعالى:{ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 25-26]. وإنما أعطاهم الله هذا الثواب الجزيل [من فضله وإحسانه] { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ } لهم { عَطَآءً حِسَاباً } أي: بسبب أعمالهم التي وفقهم الله لها، وجعلها ثمناً لجنته ونعيمها.
{ رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } 37 { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَة ُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } 38 { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } 39 { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }40


أي: الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } الذي خلقها ودبرها { ٱلرَّحْمَـٰنِ } الذي رحمته وسعت كل شيء، فرباهم ورحمهم، ولطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا. ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة، وأن جميع الخلق كلهم ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون، و { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن الله له في الكلام، وأن يكون ما تكلم به صواباً، لأن { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ } هو { ٱلْحَقُّ } الذي لا يروج فيه الباطل، ولا ينفع فيه الكذب، وفي ذلك اليوم { يَقُومُ ٱلرُّوحُ } وهو جبريل عليه السلام، الذي هو أشرف الملائكة، { وَٱلْمَلاَئِكَة ُ } [أيضاً يقوم الجميع] { صَفّاً } خاضعين لله { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } إلا بما أذن لهم الله به. فلما رغَّب ورهَّب، وبشَّر وأنذر، قال: { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } أي: عملاً، وقدم صدق يرجع إليه يوم القيامة. { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } لأنه قد أزف مقبلاً، وكل ما هو آت فهو قريب. { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي: هذا الذي يهمه ويفزع إليه، فلينظر في هذه الدنيا إليه، كما قال تعالى:{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الآيات [الحشر: 18]. فإن وجد خيراً فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم.
سورة النازعات

{ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } 1 { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } 2 { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } 3 { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } 4 { فَٱلْمُدَبِّرَا تِ أَمْراً } 5 { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } 6 { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } 7 { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } 8 { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } 9 { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } 10 { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } 11 { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } 12 { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } 13 { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }14


هذه الإقسامات بالملائكة الكرام، وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله، وإسراعهم في تنفيذ أمره، يحتمل أن المقسم عليه، الجزاء والبعث، بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك، ويحتمل أن المقسم عليه والمقسم به متحدان، وأنه أقسم على الملائكة، لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، ولأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة عند الموت وقبله وبعده، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً }: وهم الملائكة التي تنزع الأرواح بقوة، وتغرق في نزعها حتى تخرج الروح، فتجازى بعملها. { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً }: وهم الملائكة أيضاً، تجتذب الأرواح بقوة ونشاط، أو أن النزع يكون لأرواح المؤمنين، والنشط لأرواح الكفار. { وَٱلسَّابِحَاتِ } أي: المترددات في الهواء صعوداً ونزولاً { سَبْحاً } { فَٱلسَّابِقَاتِ } لغيرها { سَبْقاً } فتبادر لأمر الله، وتسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل الله حتى لا تسترقه. { فَٱلْمُدَبِّرَا تِ أَمْراً } الملائكة، الذين وكلهم الله أن يدبروا كثيراً من أمور العالم العلوي والسفلي، من الأمطار، والنبات، والأشجار، والرياح، والبحار، والأجنة، والحيوانات، والجنة، والنار [وغير ذلك] { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } وهي قيام الساعة، { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } أي: الرجفة الأخرى التي تردفها وتأتي تِلْوَها، { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } أي: موجفةٌ ومنزعجة من شدة ما ترى وتسمع. { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } أي: ذليلة حقيرة، قد ملك قلوبهم الخوف، وأذهل أفئدتهم الفزع، وغلب عليهم التأسف [واستولت عليهم] الحسرة. يقولون أي: الكفار في الدنيا، على وجه التكذيب: { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } أي: بالية فتاتاً. { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } أي: استبعدوا أن يبعثهم الله ويعيدهم بعدما كانوا عظاماً نخرة، جهلاً [منهم] بقدرة الله، وتجرُّؤا عليه. قال الله في بيان سهولة هذا الأمر عليه: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } ينفخ فيها في الصور. فإذا الخلائق كلهم { بِٱلسَّاهِرَةِ } أي: على وجه الأرض، قيام ينظرون، فيجمعهم الله ويقضي بينهم بحكمه العدل ويجازيهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19-09-2020, 05:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (630)
تفسير السعدى
(سورة الفجر)
من (6)الى (30)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الفجر


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
يقول تعالى: { أَلَمْ تَرَ } بقلبك وبصيرتك كيف فُعِلَ بهذه الأمم الطاغية، وهي { إِرَمَ } القبيلة المعروفة في اليمن { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } أي: القوة الشديدة، والعتو والتجبر، { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا } أي: مثل عاد { فِي ٱلْبِلاَدِ } أي: في جميع البلدان [في القوة والشدة]، كما قال لهم نبيهم هود عليه السلام:{ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأعراف: 69]. { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } أي: وادي القرى، نحتوا بقوتهم الصخور، فاتخذوها مساكن، { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } أي: [ذي] الجنود الذين ثبتوا ملكه، كما تثبت الأوتاد ما يراد إمساكه بها، { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ } هذا الوصف عائد إلى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم، فإنهم طغوا في بلاد الله، وآذوا عباد الله، في دينهم ودنياهم، ولهذا قال: { فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } وهو العمل بالكفر وشُعَبِه، من جميع أجناس المعاصي، وسعوا في محاربة الرسل وصد الناس عن سبيل الله، فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم، أرسل الله عليهم من عذابه ذنوباً وسوط عذاب، { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } لمن عصاه يمهله قليلاً، ثم يأخذه أخذ عزيزٍ مقتدر.
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا { قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } أي: ضيّقه، فصار يقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان: بقوله { كَلاَّ } أي: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليّ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لديّ، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاءً من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. وأيضاً، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط، من ضعف الهمة، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فقال: { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } الذي فقد أباه وكاسبه، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه. فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم، وعدم الرغبة في الخير. { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي: لا يحض بعضكم بعضاً على إطعام المحاويج من المساكين والفقراء، وذلك لأجل الشح على الدنيا ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب، ولهذا قال: { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } أي: المال المخلف { أَكْلاً لَّمّاً } أي: ذريعاً، لا تبقون على شيء منه. { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي: كثيراً شديداً، وهذا كقوله تعالى:{ بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [الأعلى: 16-17]{ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } [القيامة: 20-21].
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
{ كَلاَّ } أي: ليس [كل] ما أحببتم من الأموال، وتنافستم فيه من اللذات، بباقٍ لكم، بل أمامكم يوم عظيم، وهول جسيم، تدك فيه الأرض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعاً صفصفاً لا عوج فيه ولا أمت. ويجيء الله تعالى لفصل القضاء بين عباده في ظلل من الغمام، وتجيء الملائكة الكرام، أهل السماوات كلهم، صفاً صفاً أي: صفاً بعد صف، كل سماء يجيء ملائكتها صفاً، يحيطون بمن دونهم من الخلق، وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار، { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } تقودها الملائكة بالسلاسل. فإذا وقعت هذه الأمور فـ { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ } ما قدمه من خير وشر. { وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } فقد فات أوانها، وذهب زمانها، يقول متحسراً على ما فرط في جنب الله: { يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } الدائمة الباقية، عملاً صالحاً، كما قال تعالى:{ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } [الفرقان: 27-28]. وفي الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها، وفي تتميم لذّاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد والبقاء، { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } لمن أهمل ذلك اليوم ونسي العمل له، { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } فإنهم يقرنون بسلاسل من نار، ويسحبون على وجوههم في الحميم، ثم في النار يسجرون، فهذا جزاء المجرمين، وأما من اطمأن إلى الله وآمن به وصدق رسله، فيقال له: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } إلى ذكر الله، الساكنة [إلى] حبه، التي قرت عينها بالله. { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } الذي رباك بنعمته، وأسدى عليك من إحسانه ما صرت به من أوليائه وأحبابه { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } أي: راضية عن الله، وعن ما أكرمها به من الثواب، والله قد رضي عنها. { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة، وتخاطب به حال الموت [والحمد لله رب العالمين].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 373.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 367.65 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]