درس من تجربة قريبة

[mahmoud eysa]

محمود سلطان : بتاريخ 2 - 2 - 2007لا يظن من يقرأ هذا المقال أني أريد النيل من الانطباع السائد الآن عن أن العهد الناصري، كان عهد حماية لبكورة المجتمع المصري من الاختراق المالي الغربي في مشاريع وأجندات مشبوهة.
فالجدل بشأن هذا الموضوع لن نجني منه أية فائدة إلا الشوشرة على عصر بات في ذمة التاريخ، وإنما ما اريده بحق وصدق هو الاستفادة من التجرية ، ومن توصيفها وتشريحها بطريقة تتميز بالعمق والشفافية، كتلك التي كتب عنها مفكرنا الكبير د. محمد محمد حسين ـ رحمه الله ـ في كتابه "الاتجاهات الوطنبة في الأدب المعاصر"
والحقيقة أن ثمة تجارب شهدتها الخبرة الثقافية المصرية الحديثة ، تضع العديد من علامات الاستفهام حول قدرة المال الأجنبي على "استغفال" المثقف المصري و استدراجه ـ هذا إذا افترضنا أنه اخذ من غفلته ـ للعمل لصالح مؤسسات أجنبية مشبوهة ، ولعلنا نتذكر هنا كيف قبل د طه حسين رئاسة تحرير مجلة "الكاتب المصري" ، التي تأسست عام 1946 بتمويل يهودي ، بل إن هذه الظاهرة انخرط فيها بعض مجموعات النفوذ بالمؤسسات التربوية المصرية : ففي عام 1954 أصدرت مؤسسة "فرانكلين" الامريكية سلسلة عنوانها "كيف نفهم الاطفال ـ سلسلة دراسات سيكولوجية" ، وكانت موجهة إلى الاباء و المدرسين حسب ما هو مبين على غلاف كل عدد ، تضمنت توصيات وتعاليم وطرائق لكيفية تقبل الأطفال ممارسة الشذوذ والإباحية والحرية الجنسية ، على أنها أمور طبيعية ، و طريقة عرض هذه الطرائق أعدت بشكل فائق الذكاء والحرفية ، إذ يعلق د مجمد محمد حسين على هذه السلسلة بقوله : .. والذي ينشرونه ليس باطلا كله ، بل إن فيه حقا كثيرا ، بل إن الباطل فيه يلبس ثوب الحق فيصعب على غير الخبير الاهتداء إلى موضع الخطر فيه .
والعدد الأول الذي تضمن كل هذه "السموم الأمريكية" ، نال حظا كبيرا من الرواج حتى أنه أعيد طبعه مرة أخرى في أكتوبر عام 1955 ، وكان من اللافت أن الذي أشرف على هذه السلسلة و قدم لكل كتاب من كتبها ، واحد من كبار رجال التربية والتعليم في مصر ، وهو الدكتور عبد العزيز القوصي المستشار الفني لوزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت .
ويتساءل د محمد محمد حسين على ذلك بقوله : " فالمشرف على هذه السلسة ـ وهو واحد من كبار رجال التربية في مصر ـ يعرف أن المؤسسة الامريكية تهدف إلى توجيه الاباء و المدرسين . و هو يقر هذا الهدف و ترضى نفسه أن يعين الاموال الامريكية عليه ، و هو يعرف ـ كما يعرف كل عاقل أن الناس لا يصدرون فيما يأتون من أعمال إلا عن دوافع تدفعهم إلى العمل ، و أن هذه الدوافع مهما تختلف وتتنوع فهي تشترك في أنها تحقق نفع أو الجماعة التي تنتمي إليها ، فمن الواضح أن الفرد أو الجماعة لا تبذل الجهد والمال إلا فيما يعود عليها بالمنفعة . فليت شعري ألم يرد على خاطر الأذكياء الذين يشاركون في هذه الأعمال . .. هذا السؤال الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال : ما النفع الذي يعود على هذه المؤسسة ، والذي يدفعها إلى بذل ما تبذله من جهد ومال ؟ "
ويتابع " إذا لم يكن هذا السؤال قد ورد على أذهان هؤلاء الاذكياء فقد ورد على ذهني ، و أظنه ورد على أذهان الكثير من الاذكياء و غير الاذكياء . وقد تكون الاجابة على هذا السؤال طويلة ، و قد لا تكون واضحة في أذهان الذين يتساءلون . ولكن من الاهداف الواضحة التي لا تخفى أن مثل هذه المشروعات تحقق أول ما تحققه توثيق الصلات بنفر من ذوي النفوذ و كسب ودهم و ولائهم بالبذل السخي الذي يقدم في صورة مهذبة مؤدبة جدا . فهو لا يعدو أن يكون أجرا على مجهود قد بذل ، و قد لا يكون هناك مجهود ، و قد يكون المجهود تافها و صوريا . وقد يكون الاجر مضاعفا أضعافا كثيرة . ولكن المأجور لا يقول عادة أن الاجر كبير ، صاحب العمل مهذب رقيق يقدم عطاءه السخي في أدب جم و حياء ". انتهى الدرس.
[email protected]

[منيبة الى الله]

أخي الكريم بارك الله فيك ..
سيتم نقل الموضوعلقسم المواضيع العامة لأنه ليس له علاقة بقسم القرأن والسيرة..