|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() محاسبة النفس الشيخ ندا أبو أحمد الدار الآخرة أول ليلة في القبر وأهوال القبور (6) فهيا أخي الحبيب.. يا من فرَّطْتَ وضيَّعتَ! حاسب نفسك وقل لها: إلى متى التفريط والتضييع والتقصير، حاسب نفسك واعلم أن محاسبة النفس هي طريق السالكين إلى ربهم، وزاد المؤمنين في آخرتهم، ورأس مال الفائزين في دنياهم ومعادهم، فما نجا من نجا يوم القيامة إلا بمحاسبة النفس ومخالفة الهوى، فمَن حاسب نفسه قبل أن يحاسب، خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه. ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراتُه، وطالت في عرصات القيامة وقفاتُه، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاتُه. ولقد حثنا ربُّنا - سبحانه وتعالى - على محاسبة النفس، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾؛ أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وانظروا ماذا ادَّخَرْتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم! قال ابن القيم - رحمه الله -: فإذا كان العبد مسؤولاً ومُحاسَبًا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. فهو حقيق أن يحاسِب نفسه قبل أن يُناقَش الحساب. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيؤوا للعرض الأكبر، يومئذ تُعرضُون لا تخفى منكم خافية". فَبادِرْ إلى الخَيْراتِ قَبل فَواتِها ![]() وخالِف مُرادَ النَّفسِ قبل مَماتِها ![]() سَتَبكِي نُفوسٌ في القِيامَة حَسرةً ![]() على فَوْتِ أَوقاتٍ زَمانَ حَياتِها ![]() فَلا تَغتَررْ بالعِزِّ والمالِ والمُنَى ![]() فكم قد بُلينا بانقِلابِ صِفاتِها ![]() فهيا، هيا أخي! قِف مِن نفسك وقفةَ صِدق وقل لها: يا نفس، كيف أنتِ مني غدًا؟! وقد رأيتِ ركابَ أهل الجَنَّة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. كيف بكِ وقد حيل بينك وبينهم؟! هل سينفع الندم؟! هل ستغني الحسرات؟! أم هل سينفع طلب الرجوع بعد الممات؟! ويحك يا نفس.. تنشغلين بعِمارة دنياك مع كثرة خطاياكِ، كأنَّك من المُخلَّدين، أما تَنظُرين إلى أهل القبور، كيف جمعوا كثيرًا فصار جمعهم بورًا؟! وكيف أمَّلوا بعيدًا فصار أملُهم زُورًا، وكيف بنوا مشيدًا فصار بنيانهم قبورًا!! ويحك يا نفس.. أما لكِ بهم عبرة، أما لكِ إليهم نظرة؟! أتظُنِّين أنهم دُعوا إلى الآخرة، وأنتِ من المخلَّدين؟! هيهات.. هيهات!! ساء ما تتوهمين، ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك. ويحك يا نفس.. تُعرضين عن الآخرة وهي مُقبلة عليك، وتُقبلين على الدنيا وهي فارَّة مُعرِضةٌ عنكِ!! فكم من مُستقبِل يومًا لا يَستكمله! وكم من مُؤمِّل لغدٍ لا يبلغه؟! ويحكِ يا نفس.. ما أعظمَ جهلَكِ! أما تعرفين أن بين يديك جنة أو نارًا، وأنت سائرة إلى أحدهما؟! فما لك تمرحين وتفرحين، وباللهو تنشغلين، وأنت مطلوبة لهذا الأمر الجسيم؟! عساك اليوم أو غدًا بالموت تُخْتطفين. ويحك يا نفس.. أراكِ تَرَيْن الموتَ بعيدًا، والله يراه قريبًا، فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليكِ من كل قريب؟ أما تتدبرين؟! يا نفس.. انظري واعتبري بمن سكن القبور بعد القصور، واعلمي أن الفرصة واحدة لا تتكرر، فإذا جاءت السكرة فلا رجعة ولا عودة. فأنت في دار المُهلة، فجاهدي قبل النقلة، قبل أن تقولي: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]. يا نَفسُ قَد أَزِف الرَّحيلُ ![]() وأَظلَّكِ الخَطْبُ الجَلِيلُ ![]() فَتأَهَّبي يا نَفسُ لا ![]() يَلعَب بك الأملُ الطويلُ ![]() فلَتَنزلِنَّ بمنزلٍ ![]() يَنسى الخليلَ فيه الخليلُ ![]() ولَيركبنَّ عليكِ فيـ ![]() ـه مِن الثَّرى ثقلٌ ثَقيلُ ![]() يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() يا نفس توبي قبل أن تقولي: ﴿ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 44]. يا نفس توبي قبل أن تقولي: ﴿ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56]. يا نفس توبي قبل أن تقولي: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]. يا نفس توبي قبل أن تقولي: ﴿ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 58]. يا نفس توبي قبل أن تقولي: ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]. يا نفس توبي قبل أن تقولي: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]. يا نفسُ تُوبي فإنَّ الموتَ قد حانَا ![]() واعصي الهَوى فالهوَى ما زال فتَّانَا ![]() في كلِّ يومٍ لنا مَيتٌ نُشيِّعُه ![]() نَنسى بمَصرعِه آثارَ موتَانَا ![]() يا نَفسُ، ما لي وللأموال أكْنِزُها ![]() خَلفي وأَخرجُ من دُنياي عُريانَا ![]() وما لنا نَتعامى عن مَصارعِنا؟ ![]() نَنْسى بغَفلتِنا من لَيس يَنسانَا ![]() فهيا.. هيا أخي الحبيب.. بادر إلى التوبة والأوبة. يقول يحيى بن أبي كثير: كان أبو بكر - رضي الله عنه - يقول في خطبته: "أين الوجوهُ الحَسنةُ وجوهُهم، المُعجَبون بشبابهم، الذين كانوا لا يُعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ أين الذين بنوا المدائن وحصَّنوها بالحيطان؟ قد تضَعضع بهم الدَّهر، وصاروا في ظُلمة القبور، الوحا.. الوحا[1]، النجا.. النجا" فأينَ اللاَّئِذُ بالجَناب ![]() أينَ المُتَعرِّضُ بالباب ![]() أين الباكِي عَلى ما جَنى ![]() أين المُستَغفِرُ لأمْرٍ قَد دَنا ![]() هلمُّوا.. وأقبِلوا على الله.. فإن الله يُناديكم ويقول لكم: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وهو القائل - سبحانه -: ((يا ابنَ آدم، إنك ما دعوتني ورَجَوتني، غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغَتْ ذنوبُك عنانَ السماء[2] ثم استغفرتني، غفرتُ لك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو أتيتني بقُراب الأرض[3] خطايا ثم لقِيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقُرابها مغفرة))؛ (رواه الترمذي). فهيا.. هيا.. توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. فمَن تاب وأناب ورجع إلى ربه واستقام، واستكثر من الحسنات، نجا من هذه الأهوال وتلكم الكُربات، ورزقه جنة عرضها الأرض والسموات. يُروى أن عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - دخل على القبور ذات يوم فقال: "يا أهل القبور، حدِّثونا أخبارَكم، نحدثكم أخبارَنا، ثم قال: أمَّا أخبارنا فإن نساءكم قد تزوجت، وإن أموالكم قد قُسمت، وإن أولادكم قد حشروا في زمرة اليتامى والمساكين، وإن ما شيَّدتُموه وبنيتُمُوه قد سكنه غيركم، فما هي أخباركم؟ ثم أطرق ساعة فقال: كأني بكم لو تكلمتم لقلتم: قد تخرَّقت الأكفانُ، وبليت الأجسادُ، وسالت الحِدقُ على الوَجَنَات، وامتلأت الأفواه بالصديد، ورتع الدود والهوام في هذه الأجساد النضرة، وكأني بكم لو تكلمتم لقلتم: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]". كان عمر بن ذر يقول في مواعظه: "لو علم أهل العافية ما تضمَّنته القبورُ من الأجساد البالية، لَجدُّوا واجتهدوا في أيامهم الغالية؛ خوفًا ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار". وأخيرًا أيها الأحِبَّةُ.. لا بد أن نعلم جميعًا: أن العبدَ له ربٌّ هو مُلاقيه، وبيتٌ هو ساكنه، فعليه أن يَسترضي ربَّه قبل أن يلقاه، وعليه أن يُعمِّر بيته قبل أن ينتقل إليه. وأسألُ الله - عز وجل - أن يُعيذَنا وإيَّاكم من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، وأن يختِمَ لنا بخاتمة السعادة، وأن يرزقنا الجَنَّة والزيادة! آمين.. آمين.. آمين. وبعدُ: فهذا آخر ما تيسَّر جمعُه في هذه الرسالة، نسأل الله أن يكتب لها القبولَ، وأن يتقبَّلها منَّا بقبول حسن، كما أسأله - سبحانه وتعالى - أن ينفع بها مؤلفها وقارئها، ومَن أعان على إخراجها ونشرها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صوابًا فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثَم خطأ فاستغفر لي. إِنْ تَجد عيبًا فسُدَّ الخَلَلاَ ![]() جَلَّ مَن لا عَيبَ فيهِ وعَلاَ ![]() فاللهم اجعل عملي كله صالحًا، ولوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا والله تعالى أعلى وأعلم سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. [1] الوحا: "البدار"، البدار: هي كلمة تقال في الاستعجال. [2] العنان: ما عَنَّ منها، أي: ظهر، والمقصود هو: السحاب. [3] قراب الأرض: أي: ما يعادل ملء الأرض.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |