
18-02-2021, 10:42 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,188
الدولة :
|
|
خطورة التفريط بالأمانة
خطورة التفريط بالأمانة
الشيخ د. : إبراهيم الدويش
عناصر الخطبة
1/ الركن الركين للصلاح والإصلاح 2/ الأمانة من ألزم الأخلاق للفرد والجماعة 3/ الأمانة أهم صفات المسلمين 4/ عظم مجالات الأمانة في المجتمع 5/ نصائح للناخبين والمرشحين.
اقتباس
آه لزماننا ولهؤلاء الأربع! أمانة، وصدق قول، وحسن خُلق، وعفة قناعة؛ إنها ركائز السعادة في الدنيا، وركائز الفوز في الآخرة، فمن يستطيعها؟! من يقدر عليها؟! فما أعظم هذا الدين! ما أعظم وأجمل وأروع أخلاق الإسلام! إنه دين الأمانة والوفاء في أي ظرف وحال! ما أعظم وأروع دينكم أيها المسلمون لو أخذنا به عملاً وتطبيقاً! فأين هذا الحديث من الثرثارين والنمامين المفسدين بين الناس بنقل الكلام والأخبار، فقد خرّبوا بيوتًا، وفرقوا بين أزواج، وبين إخوة وأحباب، بل وتسببوا بسجن مساجين وأسر مأسورين بسبب أكاذيب ونقولات…
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون! اتقوا الله حقيقة التقوى، وحقيقة التقوى في السلوك والتطبيق، وليس مجرد التأثر والتصديق.
اعلموا إخوة الإيمان: أن هناك فضيلة عجيبة، هي الأساس والمنطلق لكل خير، بل هي أساس الحضارة لأي أمة، هي الركن الركين للصلاح والإصلاح، ولذا فالكل يحبها الصغير والكبير، الذكر والأنثى؟ الكل يتمناها البعيد والقريب؟ ولكن لا أظن أن الكل يقدر عليها وإن تمناها؟! بل إن فئامًا من أهل هذا الزمن أضاعوها؟ فهل عرفتموها؟! إنها (الأمانة) وما أدراك ما الأمانة؟!
فقد أجمع علماء الأخلاق والدين، وعلماء النفس والاجتماع: بأن الأمانة من ألزم الأخلاق للفرد والجماعة، فاسمعوها وعوها معاشر الأجيال، إنها (الأمانة)، ولكي تكون أبلغ وفي قلوبكم أوقع فيكفي الأمانة أنها ضد الخيانة، إنها الأمانة أهم صفات المسلمين، وأول صفات العرب الأولين، إنها الأمانة صفة الرجولة والكرامة، تشيع في المجتمع الطمأنينة، وتنشر الراحة والألفة، إنها الأمانة المهمة الغالية، الثقيلة النفيسة، والتي أشفقت منها السموات والأرض وأبتا أن يقمن بها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلومًا جهولاً.
فإذا رزقتَ خليقةً محمودةً *** فقدِ اصطفاكَ مقسّمُ الأرزاقِ
فالناسُ هذا حظهُ مالٌ، وذا *** علمٌ وذاك مكارمُ الأخلاقِ
والعلمُ إن لم تكتنفهُ شمائلٌ *** تعليهِ كان مطية الإخفاق
إنها الأمانة إخوة الإيمان! خلق وجداني يفيض من النفس الزكية الطاهرة فيضًا لا تضطر إليه اضطرارًا، فمن كان أمينًا برقابة القانون، أو برقابة السلطان، أو برقابة الناس، أو بخوف من عاقبة سيئة فليس بأمين.
والأمانة من أخلاق القوة، لا قوة النفوذ والسلطان، ولا قوة الجاه والغنى، بل قوة النفس تنفي عنها ضعف الانقياد إلى حب الذات الذي يورد التهلكة حين يمنّي صاحبه بالمغنم من أقرب طريق وأوعره وأخبثه، ولو أحب الخائن نفسه عن بصيرة وتعقل لسلك بها إلى المغنم سبيل السلامة والكرامة والأمانة.
ألست أخي تحب أن يقال عنك: رجل وفي، ورجل أمين، ألم يكن حبيبك محمد ? أمينًا حتى قبل البعثة، حتى أهلته هذه الصفة أن ينهي خلافًا كاد أن يودي بحياة ألوف مؤلفة، والقصة مشهورة في السيرة النبوية، حينما نازعت قريش في رفع الحجر الأسود إلى مكانه، فحكَّموا فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه أمين ورضوا به جميعًا.
إنها الأمانة صفات تبجيل، وألفاظ تعديل، وشهادات في سجل المؤمنين الصادقين، لكن تنبهوا لمعناها الأعم والأشمل، تنبهوا لكل معانيها الواسعة الجميلة، تنبهوا لكل مجالاتها الفسيحة، ففضاءاتها رحبة واسعة، وليست كما يظنها البعض؛ بأن الأمانة فقط في المال والوديعة، فهي لا تقتصر على العفة عن الأموال، بل الأمانة تعني العفةَ عن كل ما ليس للإنسان فيه حق، فالعرب كما أنها تُطلق لفظ الأمانة على الوديعة فهي تطلقها أيضاً على (الوفاء).
وهكذا فالرجل الأمين رجل وفيّ يؤدي ما اؤتمن عليه, فحين يُودعُ أحدُنا شيئًا عند رجل وفيّ فإنه يشعر بالأمن والطمأنينة, لاعتقاده جازماً أن وديعته مصونة محفوظة، وأن استردادها أمر ميسور متى أرادها، لكن المعنى أوسع من حفظ المال كما أخبر الله تعالى فقال: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].
فالمراد بالأمانة في هذه الآية: جميع الأوامر والنواهي والتكاليف, فالإنسان حين قبل الأمانة أذعن لمجمل التكاليف الشرعية، وبناء عليه فإن كل ما يُوجبه التعاقد والاتفاق والالتزام من تكاليف، هو أمانة يجب أداؤها إلى أصحابها على النحو المتفق عليه، وأما التقصير في أدائه فيعني الوقوع في نوع من الخيانة.
فإن من أهم صفات أهل الفلاح من المؤمنين أنهم أهل وفاء وأمانة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 1]، فالرعاية لكل ما كُلفتَ به، والإتقان لكل ما توليته فهو من الأمانة، فالعمل الوظيفي أمانة، والشهادة أمانة، والمجالس أمانة، وعقد الزواج أمانة، وكل تعاملات الناس بعضهم مع بعض من عقود وبيع وشراء، ومن قيل وقال، وأخذ وعطاء، ومن امتحان وتصحيح، ومقابلات وتزكيات، إنما هي أمانات، قد حث الله عليها المؤمنين والمؤمنات، فأداء الأمانات أمر من فوق سبع سماوات: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58].
إنها موعظة الله لكم فنعمَّا بها وعندها فليسأل كل منا نفسه: هل استجاب لهذه الموعظة؟ هل حقاً أنني قمت بالأداء؟! لا تتعجل بالإجابة!! بل فكر وراجع وحاسب نفسك، فالرقيب هو رب الأرض والسماء، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حَفِظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةُ طُعْمَةٍ"، آه لزماننا ولهؤلاء الأربع! أمانة، وصدق قول، وحسن خُلق، وعفة قناعة؛ إنها ركائز السعادة في الدنيا، وركائز الفوز في الآخرة، فمن يستطيعها؟! من يقدر عليها؟!
أما الأمانة فهاهو الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يرشدنا ويوجهنا حتى مع الذين يخونوننا فيقول: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ». نعم لأن الأمانة أمانة مهما كانت الظروف والأحوال، ولأنه لا ينبغي للمسلم الصادق أن يقابل الخطأ بخطأ مثله, فهو تربى على تعاليم القرآن العظيم، (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79].
حقاً لا يستطيعها إلا ذو حظ كبير من تربية النفس ومجاهدتها فالأمناء الأوفياء جاهدوا أنفسهم كثيراً من أجل الله، وصبروا طويلاً للفوز برضا الله، فهم يعرفون أن التفريط فيما اؤتمنوا عليه يعني الوقوع فيما يغضب الله، وأنه خسران ووبال، كيف وهم يقرءون في القرآن يناديهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
يقول الشوكاني: الأمانة؛ هي: الأعمال التي اؤتمن عليها العباد.اهـ
«الْمُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ».
يا الله! كل هذه التوجيهات فلماذا نرى حال الناس هكذا فساد إداري ومالي، ورشاوى وكذب وتحايل، وتقوّل ونقولات زور وبهتان، كل هذا والله تعالى يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) [الأنفال: 58]، الخائنون المتلونون المتقلبون أصحاب الأهواء والمصالح، لا يحبهم الله، بل يُبغضهم ويمقتهم، لجشعهم وخيانتهم وأنانيتهم، فلهم الويل والثبور.
ولو حدثتك نفسك بالاستقالة أو ترك الأمانة لثقلها عليك أو لأيّ سبب من الأسباب كما لو خفت من قوم عاهدتهم على أمر، أن يغشوك أو ينقضوا عهدهم، فلا يجوز أن تخون أمانتهم، بنص القرآن الذي أخبر أن تُخبر من غشك أو نقض العهد معك على نحو واضح وصريح أن العهد الذي بينك وبينهم قد انتهى، فلا تبدأهم بأي نوع من أنواع الحرب قبل أن تنبذ إليهم عهدهم وأمانتهم؛ كما قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) [الأنفال: 58]، أي فأخبرهم ورد إليهم عهدهم.
فما أعظم هذا الدين! ما أعظم وأجمل وأروع أخلاق الإسلام! إنه دين الأمانة والوفاء في أي ظرف وحال! بل حتى الأمانة في الشورى والنصيحة اسمعوا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يغرس فينا هذا الخلق النبيل، فيقول: «مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ»، فلا تقل إنها مجرد رأي واستشارة، فالمستشار مؤتمن.
ومن الأمانة: أن يقدم لمن استشاره أفضل ما لديه من رأي وخبرة, وبكل تجرد وصدق وإخلاص، لأن ذلك من مقتضيات الأمانة والأخوة الإسلامية، إنه المجتمع المسلم النظيف؛ إخوة ومحبة، وتراحم وتعاطف، وصدق وأمانة، فاسمعوه -صلى الله عليه وسلم- يؤكد مرات ومرات معنى الأمانة وأنها تصل للمجالس وللكلمات، فالمجالس أمانة،كما في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» أي: أن التفاتة الجليس وهو يحدث جليسه تدل على أنه لا يريد أن يسمع ذلك الحديث غير صاحبه, كأنه يقول: ما قلته لك سرٌ فلا تخبر به أحداً، يا الله!
ما أعظم وأروع دينكم أيها المسلمون لو أخذنا به عملاً وتطبيقاً! فأين هذا الحديث من الثرثارين والنمامين المفسدين بين الناس بنقل الكلام والأخبار، فقد خرّبوا بيوتًا، وفرقوا بين أزواج، وبين إخوة وأحباب، بل وتسببوا بسجن مساجين وأسر مأسورين بسبب أكاذيب ونقولات.
إنها الأمانات أول ما يُرفع من القلوب في آخر الزمان، عندما يُوسد الأمر لأهله، فإياك إياك أن تُرشح أحداً لأي مجلس أو منصب لمجرد صداقته أو قبيلته أو قربه منك وبعده، فهذا غش للمجتمع وللدين وللوطن وللناس، ستُسأل عنه لا محالة، فصوتك أمانة، فكن أميناً يعرف قدر الأمانة وعظمتها فرشحه لأمانته وقوته، رشحه لإبداعه وقدرته، عندها سيكون للمجتمع شأن ورفعة وحضارة عندما نرشح الأكفاء وليس الأصدقاء والأقرباء، أو حسب المصالح والأهواء، فكن كابنة شعيب عندما جمعت بين أهم صفتين ينبغي توفرهما في كل مرشح وموظف (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26]، فالقوة هنا تعني: الكفاءة والمهارة والنشاط وجودة الأداء وبذل أقصى الجهد.
وأما الأمانة فإنها تعني: القيام والاهتمام بالعمل بإتقان، والحرص على الانجاز والإنتاج. فالأمانة تعني: عدم القيام بأي أعمال تضر بمصلحة العمل، من تقصير وغياب، وتأخر وكسل وإهمال. وتعني الأمانة: عدم استغلال العمل لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة. وتعني الأمانة: الجانب الخلقي في الموظف والعامل من رفق ولين وفن تعامل مع المراجعين والناس.
إنها الأمانة خلق نبيل، وخير عظيم، والناس والمجتمع والوطن كلهم يتضررون حين يقع ولو القليل من الخيانة, فالإخلال بالعقود، وجحد الأمانات، وعدم القيام بالواجبات الوظيفية, يؤدي إلى إلحاق الضرر بالبلاد والعباد، ويضر الوطن والمواطنين, ولهذا فإن التثقيف بأهمية الوفاء بالعقود وأداء الأمانات واجب الجميع.
فمن الأمانة أن نربي أجيالنا المعاصرة على هذه المعاني الجميلة والقيم النبيلة، وأن نغرس فيهم معنى الأمانة وحقيقتها ومفهومها الشامل لجميع مناحي الحياة وتكاليف الدين، إنها مسئوليتنا جميعاً مع طلابنا، ومع أولادنا، ومع شبابنا، فمن ينبري لهذه المهمة، من يرفع لواءها.
في زمن نرى الخيانات تلو الخيانات، تضر بالمجتمع وتضر بالمواطنين، فمن يرفع هذا الشعار العظيم، من يذكر به الناس.
نسأل الله –تعالى- أن نكون وإياكم من الأمناء الأوفياء المخلصين الصادقين، ونلقى الله تعالى بقلب سليم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|