|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() معالم مهمة في السياسة الشرعية عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف أما بعد: غلب على الكثيرين الجهل بموضوعات السياسة الشرعية، وخفي عليهم ما يتعلق بمسائل الولايات وأحكامها وواجباتها، بل توهم بعضهم أن دين الإسلام لا صلة له بالولايات والسياسات، كما أحدث بعضهم قوانين سياسية بسبب جهلهم وتقصيرهم في معرفة حقيقة الشريعة ومقاصدها. وفي هذه المقالة جملة من المعالم المهمة في السياسة الشرعية، وفق منهج أهل السنة والجماعة، نذكرها على النحو التالي: 01 إن مقصود جميع الولايات في الإسلام أن يكون الدين كله لله -عز وجل-، وإصلاح دين الخلق، فالولاة إنما نصبوا من أجل إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قرر ذلك غير واحد من أهل العلم والتحقيق. فقال الماوردي: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا" الأحكام السلطانية (ص 5). وقال الطيبي في شرحه لحديث " ألا كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته" في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوباً لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فينبغي ألا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه. فتح الباري (13/113). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " فالمقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم. مجموع الفتاوى (28/262). 02 الواجب على أصحاب الولايات أداء الأمانات لأهلها، والحكم بين الناس بالعدل، فإذا فعلوا ذلك كان حقاً على المسلمين أن يطيعوهم وينصروهم. كما قال تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً . يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً" [النساء، آية 59]. قال ابن تيمية : " قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومفازتهم، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" مجموع الفتاوى ( 28/245). وقرر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه- تلك الواجبات والحقوق بقوله: " حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقاً على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ويجيبوا إذا دُعوا " أخرجه الخلال في السنة (1/109). ومما يحسن ذكره هاهنا – ما سطره شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عما يجب على أصحاب الولايات والمسئوليات، حيث قال: " فيجب على كل من ولي شيئاً من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم، أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه، ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب، بل يكون ذلك سبباً للمنع، فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو رشوة يأخذها منه من مال أو منفعة فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. إلى أن قال " ثم إن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثيبه الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذل أهله، ويذهب ماله وفي ذلك الحكاية المشهورة : إن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك، فقال : أدركت عمر بن عبد العزيز قيل له: يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم وكان في مرض موته، فقال: أدخلوهم عليّ، فأدخلوهم، وهم بضعة عشر ذكراً ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال لهم يا بنيّ والله ما منعتكم حقاً هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين، إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني. فقال: فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله، يعني أعطاها لمن يغزو عليها. قال ابن تيمية: هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق (بلاد الترك) إلى أقصى المغرب ( بلاد الأندلس) ومن جزائر قبرص وثغور الشام إلى أقصى اليمن، وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئاً يسيراً يقال: أقل من عشرين درهماً. قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه، فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار، ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس – أي يسألهم بكفه-. وفي هذا الباب من الحكايات والوقع المشاهدة في الزمان، والمسموعة عما قبله، ما فيه عبرة لكل ذي لب . مجموع الفتاوى (28/247-250) باختصار. 03 توسط أهل السنة والجماعة في مسألة نصب الإمام بين الإفراط والتفريط، فقرروا أن الإمامة واجبة، وأن يجب على المسلمين نصب خليفة(1)، فجانبوا إفراط الرافضة الزاعمين أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، حيث جاء في الكافي للكليتي: "باب أن الإمامة عهد من الله – عز وجل- معهود من واحد إلى واحد "(2). كما جانبوا تفريط بعض الخوارج والمعتزلة، حيث قالت النجدات – من الخوارج- : لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم. (3) وزعم الأصم – من المعتزلة- أن الناس لو كفوا عن المظالم لاستغنوا عن الإمام. كما زعم هشام الغوطي – من المعتزلة- أن الأمة إذا عصت وقتلت الإمام لم يجب حينئذٍ على أهل الحق منهم إقامة إمام (4). 05 ومن المسائل المهمة في هذا الباب: " أن ليس من المخلوقين من أمره حتم بإطلاق إلا الرسل – عليهم السلام-، فلا طاعة مطلقة إلا للرسل – عليهم السلام-. يقول ابن تيمية في هذا المقام: " من نصب إماماً فأوجب طاعته مطلقاً - اعتقاداً أو حالاً- فقد ضل في ذلك كأئمة الضلال الرافضة الإمامية، حيث جعلوا في كل وقت إماماً معصوماً تجب طاعته، فإنه لا معصوم بعد الرسول، ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء. مجموع الفتاوي (19/69). ويقول -في موطن آخر – " وقد اتفق المسلمون على أنه ليس من المخلوقين من أمره حتم على الإطلاق إلا الرسل الذين قال الله فيهم " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله" [ النساء: آية 64]، وأما من دونهم فيطاع إذا أمر بما أمروا به، وأما إذا أمر بخلاف ذلك لم يطع". السبعينية ص (495). وقال الطيبي عند قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" أعاد الفعل في قوله: وأطيعوا الرسول، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته. فتح الباري (13/112). 06 ومن القضايا الملحة في هذا العصر: أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق – سبحانه وتعالى- إنما الطاعة في المعروف، كما في الصحيحين عن أن ابن عمر – رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة" وفي حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعاً :" ليس -يا ابن أم عبد- طاعة لمن عصى الله – قالها ثلاث مرات- " أخرجه أحمد 5/301 وصححه الألباني في الصحيحة: (2/39). وقال الحافظ ابن حجر : " ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية لما قال له : أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله " وأولي الأمر منكم" فقال له : أليس قد نزعت عنكم -يعني الطاعة- إذا خالفتم الحق بقوله: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله" فتح الباري (13/111) . فأهل السنة لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوّزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً. انظر منهاج السنة لابن تيمية (3/387-390) . وحذّر سلفنا الصالح من تلك الطاعة الفاسدة – طاعة المخلوق في معصية الله -تعالى-. فقد سئل عبادة بن الصامت – رضي الله عنه- أرأيت إن أطعت أميري في كل ما يأمرني به" قال : يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار، وليجيء هذا فينقذك" الاستدكار (14/7) . وقال الحسن البصري – رحمه الله -: سيأتي أمراء يدعون الناس إلى مخالفة السنة فتطيعهم الرعية خوفاً على دنياهم، فعندها سلبهم الله الإيمان وأورثهم الفقر ونزع منهم الصبر ولم يأجرهم عليه. وقال الشعبي: إذا أطاع الناس سلطانهم فيما يبتدع لهم أخرج الله من قلوبهم الإيمان وأسكنها الرعب . وقال يونس بن عبيد : إذا خالف السلطان السنة وقالت الرعية قد أمرنا بطاعته أسكن الله قلوبهم الشـك وأورثهم التطاعن. الإبانـة الصغـرى لابن بطة ص (155). وإذا كان سلفنا الصالح قد حذّروا من غلو المتصوفة في شيوخهم، حيث زعموا أن من قال لشيخه لِمَ فقد هلك، كما حذّروا من غلو الرافضة في أئمتهم، فادعوا لهم العصمة المطلقة، وأوجبوا طاعتهم في كل شيء. فإننا نحذّر عامة المسلمين من الطاعة العمياء لرؤسائهم وحكامهم، ونذكّرهم بقصة سرية عبدالله بن حذافة – رضي الله عنه – عندما أمر أصحابه أن يوقدوا ناراً ويدخلوها، فلما بلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : " لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف" أخرجه الشيخان. قال ابن القيم – معلقاً على تلك القصة- :" فإذا كان هذا حكم من عذّب نفسه طاعة لولي الأمر، فكيف من عذّب مسلماً لا يجوز تعذيبه طاعة لولي الأمر!. وإذا كان الصحابة المذكورون لو دخلوها لما خرجوا منها مع قصدهم طاعة الله ورسوله بذلك الدخول، فكيف بمن حمله على ما لا يجوز من الطاعة الرغبة والرهبة الدنيوية ؟ زاد المعاد (3/370). (1) انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص 5، وتفسير القرطبي 1/264 والإمامة العظمى للدميجي ص 45-64 (2) أصول الكافي 1/227، وانظر أصول الشيعة للقفاري 2/654 (3) انظر الفصل لابن حزم 4/149 3 (4) انظر أصول الدين لعبد القاهر البغدادي ص 71
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |