|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() أهمية الجمع بين الأدلة السمعية والعقلية: مَنْ لم يستطع التوفيق بين العقل والنقل سيقع يقينًا في التناقض، والمنهج الوسط هو في الجمع والتوفيق بين الأدلة السمعية والأدلة العقلية، ولا بد من جعل العقل تابعًا للنقل، وليس مستقلًّا عنه، ويُوضِح ابن تيمية رحمه الله هذه الوسطية، إذْ يقول: (العقل شرطٌ في معرفةِ العلوم، وكمالِ وصلاحِ الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلًّا بذلك؛ لكونه غريزةً في النفس، وقوةً فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتَّصل به نورُ الإيمان والقرآن؛ كان كنور العين إذا اتَّصل به نور الشمس والنار. وإن انفرد بنفسه لم يُبصر الأمور التي يَعجِز وحده عن إدراكها، وإنْ عُزِل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورًا حيوانية، قد يكون فيها محبة ووَجْدٌ وذوق كما قد يحصل للبهيمة. فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يَعجِز العقلُ عن إدراكه، ولم تأتِ بما يُعلم بالعقل امتناعُه)[18]. والسلف الصالح (أكمل الناس نظرًا واستدلالًا واعتبارًا؛ لأنهم نظروا في أصحِّ الأدلة وأقومِها، فإنَّ نظرهم كان في خيرِ الكلام، وأفضلِه، وأصدقِه، وأدلِّهِ على الحق، وأوصلِه إلى المقصود بأقرب الطرق، وهو كلام الله، وكانوا ينظرون في آيات الله تعالى الآفاقية والنفسية فيرون منها من الأدلة ما يُبيِّن أن القرآن حقٌّ، فيتطابق عندهم السمعُ والعقل، ويتصادق الوحيُ والفطرة؛ كما قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 54])[19]. مجالات العقل في مسائل الاعتقاد: لا يُقحم العقل في الأمور الغيبية؛ إذ لا مجال للعقل أنْ يُفصِّل فيها؛ كصفات الله تعالى وأفعاله سبحانه، وحقائق اليوم الآخِر من البعث، والحساب والجزاء، والجنة والنار، والعقل وإنْ كان لا يُدرك حقيقةَ هذه الأمور الغيبية، إلَّا أنه لا يُحيل ذلك ولا يمنع إمكان وجوده. لكن هناك مجالات عُلِمت بالمقاييس العقلية؛ كإثبات وحدانية الله تعالى وربوبيته، وقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة دالة عليها؛ بالدلالة الخبرية، وبالدلالة العقلية، وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: (وكلُّ واحدٍ من وحدانية الربوبية والإلهية وإنْ كان معلومًا بالفطرة الضرورية البديهية، وبالشريعة النبوية الإلهية؛ فهو أيضًا معلوم بالأمثال المضروبة التي هي المقاييس العقلية)[20]. والقرآن الكريم مليءٌ بالأمثلة العقلية، والصور المادية، والأقيسة المنطقية، والحجج والبراهين التي تُخاطب العقل؛ لِيُثْبِتَ من خلالها قضايا العقيدة ومسائلها، وقد دعا الناس جميعًا إلى التَّفكُّر والتَّأمل والتَّدبر والنظر في الكون ليتسنَّى لهم الوقوف على صدق ما جاء به القرآن الكريم من توحيد الخالق، وتنزيهه، والإيمان به. وأهل السنة قد أعملوا العقلَ واطمأنُّوا به ومن خلاله إلى النقل، حيث أيقَنوا أنْ لا تعارض بين النقل والعقل، فازدادوا إيمانًا وتسليمًا، وهم بذلك وقفوا موقفًا وسطًا بين العقل والنقل، فلم يغالوا في العقل على حساب النقل، ولم يُهملوا النقلَ لصالح العقل؛ وإنما آمنوا بالنقل وأعملوا العقلَ، ولا سيما وأنَّ ما أخبر به النقلُ لا مجال للتوصُّل إليه من خلال العقل، وإنما دَور العقل كان في بيان عدم تعارضه، وفي منطقيَّته وإمكانيَّة تحقُّقه، فلمَّا بدا لهم ذلك كلُّه علِموا أنَّ العقل تابِعٌ للنقل، وليس مسيطرًا أو حاكمًا عليه، فضلًا أن يكون مُتحكِّمًا فيه. وهذا الموقف من أهل السنة والجماعة هو الذي ضمن لهم عدمَ الشطط، وعدم الخروج عن المسار الصحيح الذي بيَّنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأتباعه؛ عقيدةً وشريعةً ومنهجًا. ثالثًا: دلالة الفطرة السليمة على مسائل الاعتقاد: لو خُلِّيت الفطرةُ على ما فطرها الله تعالى عليه لبقيتْ على حالتها من السلامة والاستقامة، إذ قد يعرِض لها ما يُغيِّرُها أو يحرفها؛ لذا أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الكتب لتقويمها، ولتفصيل الحقِّ الذي هو مكنون في نفوس العباد. ومسائل الاعتقاد موافقة للفطرة السليمة، ولا تكاد تجد مسألةً إلَّا والفطرة شاهدةٌ لها بالصحة، وفيما يلي التفصيل: أ- دلالة الفطرة على (توحيد الربوبية): الإقرار بوجود الله تعالى وربوبيته على خلقه أمرٌ فِطري ضروري، فَطَر الله تعالى قلوب عبادِه على ذلك، يقول ابن القيم رحمه الله: (إنَّ الله سبحانه مَنَح عبادَه فِطرةً فَطَرَهم عليها، لا تقبل سوى الحق، ولا تُؤثِر عليه غيرَه لو تُركت، وأيَّدها بعقول تُفرِّق بين الحق والباطل، وكمَّلها بشِرعة تُفصِّل لها ما هو مستقر في الفطرة، وأدركه العقل مُجملًا، فالفِطرة قابلة، والعقل مُزَكٍّ، والشَّرع مُبصِّرٌ مُفَصِّل لِمَا هو مركوز في الفطرة، مشهود أصلُه دون تفاصيله بالعقل، فاتفقت فِطرةُ الله المستقيمة، والعقل الصريح، والوحي المُبصِّر المُكمِّل على الإقرار بِمَوجودٍ فَطَرَ هذا العالَمَ بجميع ما فيه عالِيَه وسافِلَه وما بينهما)[21]. ب- دلالة الفطرة على (توحيد الألوهية): فطر الله قلوب عباده على معرفته، ومحبَّته، وتعظيمه، والإخلاص له، ولم تأتِ الرسل الكرام لتعرِّف الناس بوجود الخالق، وإنما أتت للدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك، وبيانِ أمر العبودية وتفصيلِه على نحوٍ لا تستقلُّ الفطرة بالعلم به، فقد أرسل الله تعالى رسله ليُذكِّروا الناس (بما هو مركوز في فِطرهم؛ من معرفته، ومحبته، وتعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والإخلاص له، ومحبة شرعِه الذي هو العدل المحض، وإيثارِه على ما سواه، فالفِطَر مركوز فيها معرفتُه، ومحبتُه، والإخلاصُ له، والإقرارُ بشرعِه، وإيثاره على غيره، فهي تعرف ذلك وتشعر به مُجملًا، ومُفصَّلًا بعض التفصيل، فجاءت الرسل تُذكِّرها بذلك، وتُنبِّهها عليه، وتُفصِّله لها وتُبيِّنه، وتُعرِّفها الأسباب المعارِضة لموجب الفطرة المانعة من اقتفائها أثرها، وهكذا شأن الشرائع التي جاءت بها الرسل؛ فإنها أمرٌ بمعروف، ونهي عن منكر، وإباحة طَيِّب، وتحريم خبيث، وأمرٌ بعدل، ونهيٌ عن ظلم، وهذا كلُّه مركوز في الفِطرة، وكمالُ تفصيلِه وتَبْيينِه موقوف على الرسل)[22]. ج- دلالة الفطرة على (توحيد الأسماء والصفات): كما فُطِر الخلقُ على معرفة الله تعالى ومحبته وعبادته؛ فقد فُطِروا أيضًا على تعظيمه وإجلاله، وأنه سبحانه أكبر وأجلُّ وأعلى وأعلم وأعظم وأكمل من كلِّ شيءٍ، وهذا مستقر في الفطر السليمة. واستقر أيضًا في الفِطر الكمالُ المطلق لله تعالى، وأنه سبحانه لا نَقْصَ في صفاته العلية بوجهٍ من الوجوه، فله الكمال المطلق سبحانه في ذاته وفي صفاته وأفعاله، ولكن معرفة هذا الكمال على التفصيل مِمَّا يتوقَّف على الرسل، وكذلك تنزيهه سبحانه عن النقائص والعيوب هو أمر مستقر في فِطَرِ الخلائق[23]. ومن أبرز الأمور المُستقِرَّة في فِطر الناس العلمُ بعلو الله تعالى فوق العالَم؛ ولذا نجد الخلق إذا أضر بهم أمرٌ وشدة توجَّهوا بقلوبهم إلى الله وحده لا شريك له يدعونه ويسألونه، ويرفعون أيديهم حال الدعاء إلى جهة العلو، قال ابن القيم رحمه الله: (العباد كلُّهم مضطرون إلى دعاء الرب سبحانه، وسؤاله وقصده والافتقار إليه... وهم مضطرون إلى توجيه قلوبهم إلى العلو، كما أنهم مضطرون إلى دعائه وقصده وسؤاله، كما أنهم يضطرون إلى الإقرار به، وأنه ربُّهم وخالقهم ومليكهم، ولا يجدون فرقًا بين هذا الاضطرار وهذا، فكما لا تتوجَّه قلوبُهم إلى ربٍّ غيرِه، ولا إلى إلهٍ سواه، فكذلك لا يجدون في قلوبهم توجُّهًا إلى جهة أخرى غير العلو، بل يجدون قلوبَهم مضطرة إلى قصد جهة العلو دون سائر الجهات، وهذا يتضمن اضطرارهم إلى قصده سبحانه في العلو، وإقرارهم وإيمانهم بذلك)[24]. وكل هذه الأمور ممَّا أودعه الله تعالى في قلوب العباد وفَطَرَهم عليها؛ لذا كان الشعور الفطري لدى البشر هي الحاجة إلى ربٍّ يربيهم ويرعاهم ويدبر لهم ما ليس في طاقتهم وقدرتهم، وترتَّب عليه أن يكون هذا الربُّ سبحانه مُتَّصِفًا بكلِّ صفات الكمال والجلال والجمال، وقد أيقنت البشرُ بفطرتها ضرورة الخضوع له والإذعان إليه والتقرُّب له، وهذه هي محاور الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى: ربًّا مُتَّصفًا بصفات الكمال والجلال والجمال، وإلهًا معبودًا يخضعون له ويُذعنون إليه. وقد اشتركت البشرية جميعُها في هذه الفطرة ولم تحد عنها، والدليل على ذلك: أنك إذا استقرأتَ التاريخَ وجدتَ كلَّ الحضارات اتَّخذتْ آلهةً لها تعبدها من دون الله، وإذا شاهدتَ المدن والآثار القديمة وجدتَ المعابد وأماكن عبادتهم، كل هذا تلبيةً لحاجةِ هذه الفطرة إلى الخالق. ولكن الفطرة وحدها قد تشطُّ عن الصواب، وتعجز عن الوصول إلى الإله الحق، ومن ثَمَّ كانت الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ لتعيدهم وفق فطرتهم إلى الحق، فمن تبع الأنبياء نجا وأفلح في الدنيا والآخرة، ومن عاندهم تكبُّرًا وغرورًا هلك وخسر في الدنيا والآخرة. وتكمن قوة العقيدة الإسلامية في موافقتها للفطرة السليمة التي لا تجد عناءً في التدليل عليها من خلال هذه الفطرة. وأهل السنة لا يجعلون الفطرة وسيلةً من وسائل المعرفة العقدية، وإنما جعلوها دلالةً على ما جاءت به الرسل، وما أخبرهم به القرآن، وذكرته لهم السنة النبوية، فآمَنوا بهما، وأيقنوا صدقَهما. ومن هنا كانت دلالة الإجماع والعقل والفطرة، فهي دلالات وليست وسائل؛ وشتان شتان ما بين الوسيلة والدلالة، فالوسيلة أصلٌ، والدلالة فرع، فوسائل أهل السنة في تحصيل المعرفة العقدية معروفة؛ وهي القرآن والسنة، وأمَّا استخدامهم دلالات فرعية؛ كالإجماع والعقل والفطرة، فهي للاستئناس، واحترام ما أودعه الله تعالى في الناس، وما جبلهم عليه، وكذا احترام عقولهم وإعمالها، ولا سيما وأنَّ التعارض معدومٌ بين الوسائل الأصلية وبين الدلالات الفرعية، وهذا وايم الله من عظمة أهل السنة في تلقِّيهم، وفي منهجهم. [1] مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص34، 35). [2] أخرجه اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) (3/ 432) (رقم740)، وابن قدامة في (ذم التأويل) (ص14) (رقم14). وانظر: مجموع الفتاوى (4/ 4) (5/ 50)، العلو للعلي الغفار، للذهبي (ص153)، اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية (ص138)، فتح الباري (13/ 407). [3] إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 49). [4] (الحديث المتواتر): هو الخبر الذي يرويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة عن أمر محسوس. انظر: تدريب الراوي، للنووي (2/ 180). [5] (خبر الآحاد): هو الخبر الذي قَصُرَ عن التواتر. انظر: مختار الصحاح (ص6)، إرشاد الفحول (ص41). واختلف العلماء فيما يفيده (خبر الواحد) على ثلاثة أقوال، والراجح: أنَّ خبر الواحد يفيد العلم، وهو مذهب أكثر المحدثين والفقهاء، وهو الصحيح عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول جمهور أهل الظاهر. وأقسامه ثلاثة: مشهور: وهو ما رواه أكثر من اثنين في جميع طبقات السند، ولم يصل إلى حد التواتر. وعزيز: وهو ما روي من طريقين، أو ما رواه اثنان فقط. وغريب: وهو ما لم يثبت إلَّا من طريق واحد. انظر: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للعراقي (ص268)، الحديث حجة بنفسه، للألباني (ص19). [6] الانتصار لأصحاب الحديث (ص34، 35). [7] رواه البخاري، واللفظ له (1/ 3) (ح1)، ومسلم (3/ 1515) (ح1907). [8] شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (ص399، 400). [9] انظر: التمهيد، لابن عبدالبر (1/ 2). [10] التمهيد (1/ 8). [11] المسودة في أصول الفقه (ص223). [12] مختصر الصواعق (2/ 412). [13] الفقيه والمتفقه (2/ 40). [14] العقيدة الواسطية (ص46، 47). [15] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 173، 174). [16] الانتصار لأصحاب الحديث (ص45). وانظر: الحجة في بيان المحجة، للأصبهاني (2/ 239). [17] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (3/ 1187). [18] مجموع الفتاوى (3/ 338، 339). [19] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (4/ 1274) بتصرف يسير. [20] مجموع الفتاوى (2/ 37). [21] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (4/ 1277). [22] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص302). [23] انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص302). [24] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (4/ 1306).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |