
24-12-2022, 03:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,966
الدولة :
|
|
رد: العربية لغة العلم
العربية لغة العلم
د. محمد حسان الطيان
الأولى: تلك التجربة الناجحة التي خاضتها ولا تزال تخوضها الجامعات السورية بتعريب التعليم فيها على اختلاف الاختصاصات؛ إذ يعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء.. وغيرها من العلوم والفنون بالعربية، ويتلقى الطلبة علومهم بلغتهم الأم، فلا ينشغلون عن تحصيل العلم بفك رموز اللغة، ويوفرون مشقة فهم اللغة ليبذلوها في فهم المادة العلمية وإدراكها إدراكاً حقيقياً يؤهلهم للإبداع فيها والتجديد والابتكار في حقولها المختلفة. وقد كتب الكثير عن هذه التجربة العظيمة وحفلت مجلة المجمع ببحوث قيمة تناولت بعضاً من جوانبها أذكر منها مقالات الأستاذ الدكتور عبد الله واثق شهيد أمين المجمع في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ومقالات الأستاذ الدكتور محمد هيثم الخياط عضو المجمع الذي جمعها في كتابه الماتع (في سبيل العربية). وختمها بمقولة رائعة لأديب العربية الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات يقول فيها:
"هذا العلم الذي يسخّر السماوات والأرض لهذا الإنسان الضعيف، ويذلّل القطعان الملايين للراعي الفرد، سيبقى غريباً عنا ما لم ننقله إلى مِلْكنا بالتعريب، ونعممه في شعبنا بالنشر، ولا يمكن أن يصلنا به أو يدنينا منه كثرة المدارس ولا وفرة الطلاب، فإن من المحال أن ننقل الأمة كلها إلى العلم عن طريق المدرسة، ولكن من الممكن أن ننقل العلم كله إلى الأمة عن طريق الترجمة"[6].
والثانية: تجربة متواضعة ولكنها غنية ثرية خضتها بنفسي على امتداد عشرين عاماً في مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق؛ إذ سنى الله لي أن أنضم إلى فريق عمل متكامل ضم أناسًا من اختصاصاتٍ شتى في العربية والرياضيات والحاسوب والإلكترونيات. كان من أولى مهامه معالجة اللغة العربية بالحاسوب، وقد آتى العملُ أُكُلَه على خير وجه بحمد الله؛ إذ أنجزنا عدة مشاريع علمية في هذا المجال، أهمها: النظام الصرفي العربي بالحاسوب، ونظام تحويل الكلام المكتوب إلى مقروء، وقواعد تعليم العربية بالحاسوب، وهي ترمي إلى أهداف عظيمة وغايات بعيدة، على رأسها الترجمة الآلية من العربية وإليها، واكتشاف الأخطاء اللغوية في النصوص وتصحيحها، وتعرف الكلام وتركيبه، والقراءة الآلية للنصوص المكتوبة، والكتابة الآلية للنصوص المنطوقة، والتحاور مع الآلة باللغة الطبيعية، والفهرسة الآلية للنصوص، وضغط النصوص واسترجاعها، وشكل النصوص غير المشكولة أو المشكولة جزئيا... وغير ذلك[7].
ولابد لي هنا أن أشير إلى ظاهرتين في العربية تبدّتا لي واضحتين جليّتين من خلال عملي هذا، وأنا أزعم أنهما ميزتان للعربية لا تكادان توجدان في لغة من لغات العالم.
أما الميزة الأولى فهي الاشتقاق القياسي في العربية، وأعني بالاشتقاق القياسي قابلية العربية لتوليد عشرات الآلاف من المشتقات القياسية اعتماداً على عدد محدود من الجذور، وقد بلوتُ ذلك بنفسي إذ اعتمد النظام الصرفي الحاسوبي الذي شاركتُ فيه على نحو سبعة آلاف جذر عربي أدخِلت إلى الحاسوب ووَضع المبرمجون القواعدَ الثابتة التي تُشتق بها المشتقات وتتصرف بها الأفعال وتتولد بها الكلمات، فإذا بالحاسوب يولد آلاف الكلمات بل مئات الآلاف اعتماداً على هذا العدد المحدود من الجذور، ويتم التوليد آلياً، فما هو إلاّ أن تدخل الجذر الذي تريد توليده حتى يتولى الحاسوب أمر التوليد والاشتقاق والتصريف ويحصل المرء على مبتغاه، فأيّ قياسية هذه وأي مزيّة!!
ولكي أوضح ذلك سأكتفي بعرض جدولين مقبوسين من بحثنا "أسلوب معالجة اللغة العربية في المعلوماتية (الكلمة- الجملة)" يمثل الأول جذور المعجم الحاسوبي المعتمد في نظامنا الصرفي الاشتقاقي، وما يتفرع عنه من مواد ثلاثية ورباعية وما يتولد عن كل منهما من أفعال مجردة ومزيدة:
ويمثل الثاني مراحل اشتقاق الكلمة العربية انطلاقا من مادتها المعجية أو جذرها:


وأما الميزة الأخرى فهي موافقة المنطوق للمكتوب في العربية، وبعبارة أخرى فالعربية تكتب كما تلفظ، وتلفظ كما تكتب وفق قواعد صوتية معروفة لا يستثنى من ذلك سوى ألفاظ محدودة يخالف فيها اللفظ الكتابة مثل (لكن، وأولئك، وعمرو، وهذا....)، ولذلك لم نحتج في نظام تحويل الكلام المكتوب إلى منطوق إلاَّ إلى قائمة واحدة شذت فيها الألفاظ من قواعد النطق العربية، وأما قوام النظام فكان تلك القواعد الصوتية لنطق ألفاظ العربية من مثل (اللام القمرية واللام الشمسية، والتفخيم، والألف الفارقة..... إلخ) على حين احتاج الأمر في نظام مماثل للغة الإنجليزية إلى مئات القوائم التي تخالف فيها الكتابة عن النطق، ويختلف فيها النطق عن الكتابة، وكأن الأصل في النطق الشذوذ. آية ذلك أنك تحتاج إلى معرفة تهجئة الكلمة في كثير من كلمات الإنجليزية، فإما أن تتلقاها من أستاذ خبير، وإما أن تعود إلى المعجم الذي يرسم لك رموز التهجئة قبل أن يشرع ببيان معنى الكلمة، على حين لا يحتاج الأمر في العربية إلا إلى كتابة الكلمة مضبوطة بالشكل.
ليست اللغة إذن قاصرة، ولكننا نحن المقصرون، وليست اللغة ضعيفة، ولكننا نحن الضعاف، وليست اللغة إذن ميتة، ولكننا نحن النيام، فمتى متى نستفيق؟!.
المراجـع:
- استخدام اللغة العربية في المعلوماتية، المنظمة العربية للتربية والثفافة والعلوم بتونس 1996م.
- إعراب القراءات السبع وعللها، ابن خالويه (370 هـ)، تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 1413هـ-1992 م.
- ديوان حافظ إبراهيم.
- شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام لابن وحشية النبطي، مخطوط قيد التحقيق.
- العربية والعلوم الحديثة، د. حسين نصار، مقال في مجلة تراثيات، العدد الخامس ذو الحجة 1425- يناير2005
- علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب (الشفرة وكسر الشفرة)، د. محمد مراياتي، د. محمد حسان الطيان، د. يحيى مير علم، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الأول 1987-الجزء الثاني 1997.
- فقه اللغة وسر العربية، للثعالبي، تحقيق د. فائز محمد ود. إميل يعقوب ، دار الكتاب العربي ط2 1416هـ - 1996م.
- في سبيل العربية ، د. محمد هيثم الخياط ، دار الوفاء- المنصورة، مصر، 1418هـ - 1997م
- القول القوام فيما يثار حول اللغة العربية من كلام، مقال للدكتور كمال بشر. الأهرام 6/12/2005.
- مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق.
- المفصل في صنعة الإعراب للزمخشري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] من كلمته التي ألقاها بمناسبة حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية. مجلة تراثيات، العدد الخامس ذو الحجة 1425- يناير 2005.
[2] المفصل في صنعة الإعراب للزمخشري ص 30.
[3] فقه اللغة وسر العربية للثعالبي ص 5.
[4] القول القوام فيما يثار حول اللغة العربية من كلام للدكتور كمال بشر. الأهرام 6/12/2005م.
[5] إعراب القراءات لابن خالويه 1/27.
[6] في سبيل العربية، د. محمد هيثم الخياط ص184.
[7] بسطت الكلام على هذا في فصل كامل كتبته بمشاركة الأستاذ مروان البواب بعنوان "أسلوب معالجة اللغة العربية في المعلوماتية (الكلمة-الجملة)" نشر في كتاب "استخدام اللغة العربية في المعلوماتية"، من منشورات المنظمة العربية للتربية والثفافة والعلوم بتونس 1996م.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|