الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 909 - عددالزوار : 119705 )           »          التنمر الإلكترونى عبر الإنترنت.. إحصاءات وحقائق هامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          طرق مهمة للتعامل لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          علماء الفلك يحذرون من احتمال بنسبة 50% لاصطدام مجرتنا مع أخرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          احم طفلك.. ألعاب إلكترونية ونهايات مأساوية أبرزها الحوت الأزرق وبابجى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كيفية جعل أيقونات الشاشة الرئيسية لجهاز أيفون داكنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كيفية تحويل ملف Word إلى PDF فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كل ما تريد معرفته عن روبوت لوحى من أبل يشبه ايباد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          سلسلة Google Pixel 9.. ما تقدمه الهواتف المستخدمة للذكاء الاصطناعى مقابل السعر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تطبيق رسائل جوجل يحصل على بعض التعديلات قريباً.. تعرف عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-06-2021, 01:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,340
الدولة : Egypt
افتراضي الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي

الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي (1)


محمد بن علي بنان الغامدي








قد يتعجل قارئ هذه المقالة في معرفة ما أراه - كمعلم معنيٍّ بالتعليم - حيالَ قرار مجلس الوزراء باعتماد تعليم (اللُّغة الإنجليزية) بدئًا من الصف الرابع الابتدائيِّ، مع أنَّه لم يَعُد لنا - بعد اعتماده - من حيلةِ تصويبٍ إن كان خطَئًا، ولا وشاح تقديرٍ إن كان صوابًا.












ولن أطرح رأيًا جازما في تلك القضية؛ إذْ قضايا التعليم ليس فيها صواب مطلق، ولا خطأ مَحْض، ولكن الأمور تتفاضل فيها بحسب اختلاف الزَّمان والمكان، وتغيُّرِ القيم والاتجاهات، فأنا أُفاضل بين مَسائلها ولا أجزم.







وقبل أن أطرح ما أراه الأفضل؛ لا بدَّ من إرشاد القارئ إلى بعض المقدِّمات الضرورية التي يتبيَّنُ من خلالها بعضُ الحقائق التي ربما غابت عنه، ولا سيَّما القرَّاء الذين لا علاقة لهم بقضايا التربية والتعليم.







وتظهر آفةُ الرأي الصحيح حينما نكون سببًا في تعثُّر وصوله إلى الآخرين بطريقة سليمة، وذلك عندما نطرحه على سبيل الجَزم واليقين، دون الإشارة إلى المقدِّمات والمَداخل الضرورية، فكَم من رأي صحيحٍ رفضَه القارئ المُحايد؛ لأن مقدِّماته ونتائجه كانت غائبةً عنه! فعلينا توضيح المقدِّمات؛ حتى تتضح الحقائق، وبعد ذلك فلْيَختر مَن شاء ما شاء.







وقبل أن أُعيد هذه القضية إلى مقدِّماتها فإنه لم يَغِب عنِّي قولُ الكثيرين: "إن الانجليزية لغةُ العصر، ويجب أن يتعلَّمها الطُّلاب، ليس من الصف الرابع فحسب، بل من الروضة إن أمكنَ ذلك"!







ويعلِّلون نجاح ذلك بِسَرد قصص أشخاص درسوها في بواكير العمر، فعادت عليهم بالنَّفع في حياتهم العِلمية والعمَلية.







وهذه القصص صحيحة لا نَكفر بها، ولكن ذوي هذا القول يُعذَرون؛ لأنَّهم يجهلون الكثير من المقدِّمات، وما يصدر عنها من نتائج تعود بأثرها السلبي على هُوِيَّة المجتمع وثقافته في إطارها العامِّ، فمن هنا لزم التوضيح، فإلى تلك المقدِّمات والمداخل:



المدخل الأول:



(التربية والتعليم) قضيتان دار حولهما الرأي؛ أخذًا وردًّا منذ عهود الفلسفات القديمة، ثم مرورًا بحقب الأديان والفلسفات الوسيطة، وحتَّى عصرنا الحاضر؛ حيث بلغ الاهتمام بِهما ذروتَه، وليس معنى ذلك أنَّهم وافَقوا الصواب على كلِّ حال، ولكن تم حصر الاهتمام بهما في العصر الحاضر، وذلك بعد أن تمايزَت التخصُّصات على من يُسمَّون بـ "التربويِّين" في المصطلح الأكاديمي، ولا ريب أن هذه معضلة كما سيأتي بيانُه!







وهؤلاء درسوا وتخصَّصوا في قائمة طويلة من التَّنظيرات والفلسفات، وُضِعت تحت مسمَّى "العلوم التربوية"، وهي لا تنفرِدُ وحدَها، بل تعتمد في مناهجها على تنظيرات علوم إنسانيَّة مُحْدثة، أبرَزُها علما "الاجتماع" و"النَّفْس".







ما أريد أن أقرِّره في هذا المدخل هو انتفاء وجود أيِّ عِلم مقنَّن بمعايير العلوم الحديثة يمكن أن تَشترك فيه البشريَّة، وتتفق عليه تحت مسمَّى "علم التربية"!







ولعلَّ هذا التقرير يدهش القارئ، ولكنَّها حقيقة تغيب عن معظم التربويِّين، فضلاً عن غيرهم ممن ليس له علاقة بالمجال التربويِّ والتعليمي؛ ذلك أنَّ التربية ما هي إلا قِيَم وإجراءات؛ فأما القِيَم فلا شكَّ في اختلافها بين البشر، وأمَّا الإجراءات فلا يوجد في التَّعامل الإنسانِيِّ إجراءٌ مقنَّن يُشْهَد بصحَّته على كلِّ حالٍ مع كلِّ إنسان، وذلك يحتاج إلى بسْط وتفصيل، ليس هذا موضِعَه.







ثم إن درجة الأستاذيَّة في هذا العِلم التربويِّ تقوم على أمرَيْن:



أحدهما: اعتمادُ بعضٍ من النظريات الفلسفيَّة الهُلامية المُحْدَثة، التي تزعم أنَّها مارسَت التجريب في الإنسان بمقاييس العلوم الماديَّة.







والثاني: اعتمادها على "الإحصاء الإمبريقي" في جميع تَجاربِها ودراساتها، بل وتكاد تقتصر عليه في فهم الواقع الذي نعيشه.







وسيأتي الرد على خطأ ذلك وفساده، ومن هنا يكون التربوي هو ذلك الذي أدرك التحصيل العلميَّ؛ من خلال حِفظ مجموعةٍ من التنظيرات الفلسفية، مع حفظ أسماء منظِّريها، والقيام بإجراء مجموعة من العمليات الإحصائية لقضيَّة جُزئية وفْقَ قواعد معيَّنة تسمَّى بـ: "الدراسة العِلمية"، وبناءً على إتمام نتائجها؛ يَحُوز أصحابُها شهادات عالية.







وحين النَّظر في حقيقة تلك الدِّراسات ونتائجها نجدها تبحث في جزيئات سطحية وسخيفة، توصلنا إلى نتيجتين متهافتتين؛ فهي: إمَّا أن تؤدي إلى فَهْم ما هو مفهوم، وتقرير ما هو مقرَّر في المشهد التربوي، وإما توصِّلنا - من خلال نتائجها - إلى مُخالفة الواقع، ومُصادمة المشهد الذي نراه؛ استنادًا على إحصاءات عِلميَّة كما زعموا!







وأظهرُ عيوبِ تلك الإحصاءات:



أنها تُبنى على عواطف البشر وانفعالاتهم، ورغباتهم وأهوائهم في ذات المكان الزَّمان، ويَعيبها أن الإنسان كائنٌ مُختار، متغيِّر من حالٍ إلى حال، لا تصدق عليه النتائج الرياضيَّة الثابتة بحالٍ من الأحوال.







وثَمَّة آلاف الدراسات التي لم ينتفع بها أحدٌ مِن بعد نشرِها؛ من أمثلتها أن يقوم الدارس بعمل دراسة (ماجستير) أو (دكتوراه) عن "انصراف الطُّلاب عن القراءة في المكتبة المدرسيَّة"، أو "عُزوف الطلاب عن تناول وجبة الإفطار"، أو "أسباب الإخفاق في مادة كذا"، أو "العلاقات بين المقرَّرات والاتِّجاهات الوظيفية"... وما إلى ذلك من تلك الجزئيَّات الصغيرة التي تجعل الباحث معزولاً عن فَهْم النَّسق التربوي كما هو في الميدان، وبالتالي عدم فهمه بأبعاده الحقيقية، وبَعدها يشاء الله ليصبح صاحبُنا خبيرًا ومنظِّرًا تربويًّا، وهو لا يعرف مِن واقع التعليم إلاَّ دراسةً إحصائية في جزيئيَّة معزولة، ليست ذات بال!







وهذه الدراسات الإمبريقية - بعد طول العناء في عمَلِها - لا يَصدُر عنها إلاَّ حقائق بسيطة قد يعرفها معظم المتعلِّمين بالتأمُّل في المشهد الواقعيِّ وقراءته، ولهذا نرى أنَّ مئات البحوث من تلك الدراسات تظلُّ أرقامًا ومؤشِّرات تائهة، لا تُعطي أولئك الباحثين فيها رؤيةً حقيقية لما يجب أن يكون عليه التعليمُ في المشهد المدرسيِّ أو الأكاديمي على حدٍّ سواء، بل نجِدُها تسعى إلى إغراق السَّاحة بنتائج تلك الدراسات الإحصائيَّة (الإمبريقية)، وهي بدورها لا تستطيع أن تضع لهم تفسيرًا صحيحًا لِمفهوم التربية الحق؛ بحيث ترسِّخ القيم من حيث هي عقائِدُ ذات أهمية بالغةٍ في التنشئة، أو أن تدعم الأسلوب التعليميَّ من حيث هو إجراءٌ مهاري معرفي، بل كثيرًا ما تنأى بنا عن هذا وذاك.







ومن هنا يحق أن نقول: إن تلك الدِّراسات التربوية العليا لا تَخلق عالَمًا تربويًّا متمكنًا، خليقًا به أن يفهم حقائقَ المشهد التعليمي، أو أن يُستند إليه في معرفة الكثير من القضايا التربويَّة وطرُق معالجتها.







وعلى ذلك فإن كثيرًا من القرارات التي يتَّخِذها أولئك القائمون على فلسفة وتنظيرِ التعليم في بلادنا تظلُّ معزولةً عن استيعاب الحقيقة وفَهمِها كما هي، وينقصها فهْمُ الواقع التربويِّ كما هو في الميدان الحقيقي، فهي لا تَفهمه إلاَّ من خلال تلك التنظيرات والدِّراسات الورقية، وعلى هذا فهُم ليسوا من ذوي الخبرة التربويَّة الميدانية، حتَّى وإن وصفوا دراساتهم بالميدانيَّة أو العلميَّة، بل يغيب عنهم الميدانُ بكلِّ إشكالاته.







وأقلُّ ما يُقال عنهم: إنَّهم في أبراج عاجيَّة، ضلَّلتْهم تلك الدِّراسات حينما ركنوا إليها، واستبدلوا فهْمَ الواقع بها؛ إذِ الواقع يتَّضح من خلال مُحاورة العاملين فيه (طلاَّبًا ومعلِّمين)، والوقوف على آرائهم في كثير من الإجراءات، مِن حيثُ نفْعُها من عدمه، وهذا أمر يمكن فهمُه دونما دراسة رياضيَّة، ولذلك ترى أن كثيرًا من المعلِّمين - حينما اتُّخذوا من قِبَل أولئك آلةَ تطبيقٍ وتنفيذ - غيرُ مقتنعين بكثيرٍ من القرارات التي تعود في أصلها إلى دراسة إحصائية؛ فهي في الواقع لا تَعدو أن تكون شكليَّة ورَقية وقد تعدُّ من المعوقات العمليَّة.







ولا أستبعد أنَّ طعني في تلك الدِّراسات الإمبريقية، وفي عدم كفاءتها قد يشوبُه عدَمُ توقيرٍ من بعض المعنيِّين؛ ربما أن بعضهم لا يقتنع إلاَّ بأقوال علماء الغرب في إثبات صحَّتها أو بطلانها، وآفة الإحصاء في التربية جاءت من طريق هرطقات "علم الاجتماع"؛ ذلك العلم المشكوكِ فيه، من حيثُ الفلسفةُ والإجراء، فقد تبنَّى النَّهج الإمبريقي بحدَّة ويقين.







وسوف أنقل لكم هنا ما واجهَتْه تلك الدِّراسات من نقدٍ حادٍّ وإسقاطٍ من قِبَل العلماء في المجتمع الغربيِّ الذي وُلِدت فيه، وكان غرَضُها وقتذاك مسايرةَ العلوم التجريبية الطبيعية في دراسة الإنسان، في حين قرَّر المبطلون لتلك الدراسات أنَّ الإنسان كائن حرٌّ مُختار، لا يخضع لأدوات التجريب والمؤشِّرات الإحصائية، كما هو الحال في مقاييس المادة.







فقد قال "سوركن" في مهاجمته للأسلوب الإحصائي وفي سخريةٍ بالغة: "إنَّ هذا الأسلوب يجعل بإمكان أيِّ شخص أن يصبح باحثًا اجتماعيًّا؛ فهذا لن يكلِّفه سوى أن يأخذ عددًا من الأوراق، ويملأها بكلِّ أنواع الأسئلة، ثم يرسلها بالبريد، ويتسلَّم الإجابات، ويصنِّفها ويبوِّبها بآلة تبويب في عدة جداول، ثم يحسب آليًّا: النِّسَب المئويَّة، ومعاملات الارتباط، والانحرافات المعياريَّة، والأخطاء الاحتماليَّة، ثم يقوم بكتابة تقرير يملؤه بهذه الأعداد الضخمة والمؤثِّرة من الجداول والصِّيَغ والمؤثِّرات وما إلى ذلك، حتى يتأكَّد القُرَّاء أنه بحث موضوعي وكامل ودقيق؛ لأن صاحبه اتَّبع طقوس البحث الكمِّي المعاصر في علم الاجتماع"[1].







قال "إليود": "إن مناهج العلوم الطبيعيَّة - بما في ذلك الإحصاء - لا تمكِّننا من فهم الظواهر الاجتماعيَّة"، وقال "وليام توماس": "إن السُّلوك الإنسانيَّ يتَّصِف بالتعقيد والتنوُّع؛ بحيث تصبح مقارنتُه بالظواهر الطبيعيَّة نوعًا من العبث"، وقال "هوسرل" مهاجِمًا تلك النَّزعة: "إن سيطرتَها أدَّت إلى تحوُّل العالم الحقيقيِّ المتمثِّل في الحياة اليومية إلى مجموعة من المقولات الرياضيَّة المُجرَّدة"[2].







ولهذا لا تعجَبْ مِمَّا أحدثَتْه بعض تلك الدراسات من خلَلٍ وإغراق ورقي؛ حيث إنَّ كل قرارات التربية التي يُوافق عليها لا تتمُّ إلا بعد دراسة، والدراسة؛ إن كان ثَمَّة دراسة فهي ليست قيمًا ولا قراءة للواقع، بل إحصاءات رياضيَّة خادعة، وعليها بنَوا فهمهم لكلِّ شيء في قضايا التربية المختلفة، مع غياب تامٍّ عن فهمها وفقَ الفهم الواقعيِّ التأمُّلي التحليلي للواقع، لا للأرقام، وما أكثر ما يعتري تلك الدراساتِ الخطَأُ المحض، والجناية الكبيرة على المشهد التعليمي!







ولا زال ثمة بقية








[1] "اعترافات علماء الاجتماع"، أحمد خضر، ص: 133.





[2] اعترافات علماء الاجتماع، أحمد خضر ص: 138.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-06-2021, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي

الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي (2)


محمد بن علي بنان الغامدي








كلمة أخيرة:








ونلفت فيها إلى أمور، ومن خلالها نصلُ إلى نتيجةٍ هامة، فلن أخفي عنكم نتيجةَ ذلك التصويت الكبير في إحدى صفحاتِ (الفيس بوك)؛ حيث رجحت أصواتُ المؤيدين لتعليمِ الإنجليزية في الابتدائيةِ على أصواتِ الرَّافضين بفارقٍ كبير، وكما قلتُ في أول مقالتي هذه: إنَّ قضايا التعليمِ ليس فيها صوابٌ مطلق ولا خطأ محض، ولكنَّنا نفاضلُ بين القضايا، بناء على ما نراه في المشهدِ التربوي من جانبِه الواقعي لا من جانبه التنظيري، ولهذا ذكرتُ واقعَ المشهد حتى نبني عليه الحكمَ الرَّاجح، وراجح الرأي لا يُقاس بالعددِ والعدة، بل بمعرفةِ الواقع مَقْرونًا بشواهدِه.







وهل يذكر المصوتون بـ(نعم) تلك الرَّغبات القديمة في تعريبِ العلوم الجامعية؟ هل ما زلتم تُفَكِّرون بذلك العقلِ الذي كان يجزمُ بقدرةِ اللغة العربية على استيعابِ العلوم الحديثة؟ وهلاَّ تساءلتم - يومًا ما - لماذا يدرسُ اليابانيون والفرنسيون والإيطاليون قائمةَ العلومِ الطبيعية بلغاتِهم، بينما نتهاونُ نحن في دراستِها بلغتنا؟ أم إنَّ تلك التساؤلات التي طُرحت من لدُن فرض المستعمر لغتَه على بعضِ الدِّيار العربية قبل عقودٍ، قد ماتتْ هي الأخرى أيضًا؟







ربما! فذاكرةُ العقلِ العربي باتت منهكةً حينما أصابتْها سهامُ الغزو من كلِّ اتجاه، فلم تعد تدري من أين تضمدُ جراحَ غربتِها، على أنَّ تلك الأسئلة إن غابتْ زمنًا - لما نحن فيه من تِيه - فإنها ستعودُ إلى الساحةِ من جديد؛ لأنَّها تتعلَّقُ بأزمة هُوية باتت بالغة العقد، ولا يصلحُ حل واحدة منها إلا بحلِّ الأخرى، وعلاج قضيتنا هذه لا يستطيعُه مجمعٌ لغوي - فضلاً عن أفرادٍ معدودين من أساتذةِ الجامعات - أو معنيُّون مخلصون، بل يحتاجُ إلى قرارٍ سياسي حازم، يجمعُ كلَّ ذلك الشتات إلى كلمةٍ سواء، حتى نخطو في ثقةٍ كاملة نحو حركة: (التَّعريب الكبرى).







ولو سألتَ أولئك المصوِّتين للإنجليزيةِ عن مكانةِ العربية في نفوسِهم، لسمعت منهم كلمات الغيرة عليها والاعتزاز بأن جعلَها اللهُ لغةَ كتابِه، وآخرون منهم يندبون حالَها الآني دون أن تفوتَهم أبياتُ حافظ إبراهيم، وهذا الاعتزازُ والندب لا يجدي شيئًا ما دام صاحبُنا يسهمُ في عزلِها، حتى ولو بتصويتٍ يُقَلِّل من أهميتِها، بل تجد بعضَهم يقولُ: لا خوف على اللغةِ فإنَّها محفوظة، وعلى هؤلاء يردُّ الرَّافعي بقولِه: "ثم ما هي اللغة؟ أفرأيتَ شعبًا من الدَّفاتر قامت عليه حكومةٌ من المجلَّداتِ، وتملَّك فيها ملكٌ من المعجماتِ الضَّخمة...، أم اللغة هي أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن، فإذا أهملناها ولم نأخذْها على حقِّها، ولم نحسن القيامَ عليها، وجئتَ أنت تقولُ: هذا الأسلوب لا أسيغُه، فما هو من اللُّغة، ويقول غيرك: وهذا لا أطيعُه فما هو منها، وتقول الأخرى: وأنا امرأةٌ أكتب كتابةَ أنثى...، وانسحبنا على هذا نقولُ بالرَّأي، ونستريحُ إلى العجزِ، ونحتج بالضعف..."[1].







وقبل أن أبينَ ما رجح لدي من خلالِ قراءة المشهد التعليمي، فإنَّ هناك نوعين من التطويرِ لا بدَّ من لفتِ الانتباه إليهما:



تطوير حقيقي يُبنى على أسسٍ واقعية، ورؤية مستقبلية، وينطلقُ من الْهُوية.



وتطوير هش زائف تحدثتُ عن بعضِ مظاهرِه في المدخل الثاني.







وذكرتُ واقعَ المشهد التعليمي حتى يدركَ المصوتون كيف هو حالُ طلابنا في (القراءة والكتابة) العربية، ويتبين لهم حجم الإخفاقِ الذي سيلحقُ بكثيرٍ منهم إذا ألحقنا بذلك تعليم الإنجليزية، فإنَّ (مبدأ التركيز) يتهاوى حينما نفرضُ على الطُّلابِ الكثيرَ من المواد الدراسية، ولا نشكُّ أنَّ بعضَ المتفوقين الأذكياء قد يتجاوزُ هذه الصُّعوبة، ولكن يجبُ أن يكونَ التعليمُ في الدَّائرة الوسطى التي تحقِّقُ الفائدةَ لجميعِ الطلاب، حتى لا تصبح مادةٌ واحدة سببًا في نفورِ الطَّالب من التعليم كلِّه، ويؤيدُ ذلك ما يحدثني به بعضُ المبتَعَثِين في الخارجِ، من أنَّ أبناءهم في المراحلِ الأولى من التعليمِ يُعانون من ازدواجيةِ اللغة، فهم يخلطون العربيةَ بالإنجليزيةِ في منازلهم ومدارسهم، وهذه تعدُّ من المشاكلِ التربوية التي تدرس حالتها هناك.







وتعالوا إلى تجربةِ الماضي التي مضى عليها أكثر من مائةِ عام، فقد تمَّ إقرار الإنجليزية على جميعِ مراحل التعليم في مصر في عام (1899م)، بما فيها الابتدائية تحت ضغوطِ المستعمر البريطاني الذي كان يتحكَّمُ في مفاصلِ التعليم، وبقيت على ذلك الحال ثمان سنوات، حتى استطاعت طائفةٌ من الغيورين أن يعيدوا للغةِ العربية مكانتَها في التعليم، بعد مطالباتٍ ومراجعات عدة، "وقد نظر كثيرٌ من النَّاسِ ذوي النظرات الضيقة والحاجات الآنية الموقتة إلى هؤلاء المطالبين بعين الدَّهشة، وظنُّوا أنَّ في العودة عن قرارِ التعليم باللغة الإنجليزية كارثة محققة ستحلُّ بالنَّاسِ الذين يحتاجون للوظائف المحتكرة من قبل قوى الاستعمار بشقيه السياسي والثقافي، ووفق توجهاته"[2]، بيد أنَّ تجربتنا الثانية تعزِّزُ الإنجليزية في خطواتٍ وئيدة لا نشعرُ بها في مسيرتِنا، فضلاً عن أنها بتخطيطِنا.







ويبرِّر بعضُ المطالبين بتعليمِها من الابتدائية، بأنَّها السبيل الأقوم لحلِّ عقدة الإنجليزية التي تهيمنُ على المنهجِ الجامعي في التخصُّصات التطبيقية، ولهم بعضُ الحقِّ في ذلك، فقد سألت بعضَ طلابِ السنة التحضيرية في قسمِ العلوم الطبية في إحدى جامعاتنا المحلية عن المنهاجِ الذي يدرسُ في تلك السنة، وعن مدى استيعابهم للمحاضرات، فكانت محاضراتُ اللغةِ الإنجليزية تزيدُ عن عدد المحاضرات في أيِّ مادةٍ علمية؛ إذ تدرس في اثنتي عشرة محاضرة أسبوعيًّا، فضلاً عن أنَّ بقيةَ المواد العلمية تدرس بذاتِ اللغة، والأساتذة يصرُّون على عدمِ الشَّرحِ بالعربية، وقالوا لي: "إنَّ الغالبيةَ من الطُّلابِ في قاعةِ الدرس لا يفهمون ما يقوله المحاضر، وهو يدركُ أيضًا أنَّ غالبيتهم لا يفهمون منه شيئًا، ونضطر بعد أن نعودَ إلى مساكنِنا إلى إنفاقِ الوقت الطويل في استخدام المعاجم وخدماتِ الترجمة في الإنترنت، حتى نصلَ إلى معاني الكلمات والجمل، ثم بعد ذلك نحاولُ أن نفهمَ مسائل تلك العلوم".







وهذه عقبةٌ كأْداء تجعل العبء النظري يطغى على الثمرةِ العملية، فالطَّالبُ لا يدرس أسسَ العلوم الطبية بالجهدِ الذي يبذله في فتح أقفالِ اللغة ومحاولة فهمها، ولهذا كان التخصصُ الطبي في جامعاتِنا من أصعبِ العلوم مسلكًا، وأكثرها تعقيدًا؛ حيث يفني الطَّالبُ ربيعَ عمره، ويبذل عصارةَ فكرِه في تجاوز تلك الحواجز اللغوية قبل أن يكون طبيبًا عامًّا يفيد مجتمعَه في المبادئ الطبية، وبناءً على هذا الحاجز فلا مناصَ من بقائنا في آخرِ ركب العلوم التجريبية، ومقيدين بالتبعيةِ، ننتظرُ كلَّ إبداعٍ وجديد من الخارج.







إنَّ تبريرَ تعليم الإنجليزية في الابتدائيةِ لحل عقدة المنهجِ الجامعي ما هو إلا حلُّ المشكلةِ بالمشكلةِ ذاتِها، حل ينطلقُ من قولِهم: "وداوها بالتي كانت هي الداء"، فهذا هو عزلُ اللغةِ العربية، وتضييع الهوية، فضلاً أنَّه يحقِّقُ خططَ الاستشراق والاستعمار الغربي القديمة التي كانت ترى "أن تُزاحمَ لغةُ الغالبِ المغلوبَ، فضلاً عن أن تحلَّ محلَّها أو تحاربها، بإحياء اللهجات العامية أو الإقليمية، وما دام الإنسانُ لا يفكر إلا باللغة، فإنَّ إضعافَ لغةِ أمةٍ هو إضعافٌ لفكرِها"[3]، وثمةُ دولٌ قد سبقتْنا بهذه التجارِب فما ربحت إلا التبعيَّة والتخلُّف.







وإليكم هذه المقارنة التي تظهرُ لنا الفرقَ بين وعي الماضين من علماءِ أمتنا، وضلالِ اللاحقين في زمنِ التِّيه هذا، ففي العصرِ الأول حينما دعا الإسلامُ المسلمين الأوائلَ من أبناءِ العربية إلى تبليغِ رسالتِه في شرقِ الأرض وغربها، دفعهم ذلك إلى الاطِّلاعِ على علومِ الأمم الأخرى وثقافاتِها، ولم يجدوا من الدِّين إلا كل عون في الإفادةِ من صالحها، وما يعنينا هنا أنهم لم يكتفوا بنقلِها كما هي بلغاتها، ومن ثم يلزم طالب المعرفةِ على تعلم اللغات المختلفة كما هو حال اليوم، بل عملوا ما هو أجدى وأنفع، فقد تخصَّصَ طائفةٌ في معرفةِ اللغات الأخرى، فضلاً عن الذين أسلموا من تلك البلدان وجعلوا العربيةَ لغةَ حضارتِهم، ثم شرعوا في عمليةِ الترجمة التي بدأت منذ العصرِ الإسلامي الأول حينما أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - زيدَ بن ثابت بتعلمِ لغة اليهود، فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام – له: ((إنه تأتيني كتبٌ من أناسٍ لا أحبُّ أن يقرأها كلُّ أحدٍ، فهل تستطيعُ أن تتعلَّمَ كتاب السريانية؟))، قال: "قلت: نعم"، فقال: "فتعلمتها في سبع عشرة، فكنتُ أكتب له إذا كتب، وأقرأ له إذا كتب إليه"[4].







وأتيتُ بهذه الروايةِ لترى أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان حريصًا على ألا يتعلَّمَ اللغةَ الأخرى إلا من يثقُ في ثباتِه على الدِّين، حتى لا يضل بما في كتبِهم من انحراف، ثم نمت حركةُ الترجمةِ في العصر الإسلامي الأول، وبلغت ذروتها في العصرِ العباسي بتأييدِ القرار السياسي، عندما أنشأ هارونُ الرشيد (بيت الحكمة)، وأجزل العطاءَ للمُترجمين، وتوسعتْ أعمالُها في عهدِ المأمون "الذي كان معجبًا للغايةِ بحنين بن إسحاق، ومقدرًا لعلمِه وفضلِه، فاختاره لرئاسةِ بيت الحكمة، وجعل بين يدِه كتَّابًا نحارير، ينقلون ذخائرَ العلم اليوناني"[5]، فإنَّ ذلك التداخل الحضاري في ذلك الزَّمانِ جعل الأمَّةَ تأخذُ المفيدَ من الثقافاتِ الفارسية واليونانية والهندية، دون التفريطِ في هويتها وثقافتها ولغتها في الجملة.







ومما يزيدُك عجبًا في المقارنة؛ أنَّ السَّابقين حينما ترجموا (فلسفة اليونان) وكتبهم (الطبية) تخلو عن ترجمةِ أدب (اليونان الكبير)، ولعلَّ ذلك يعودُ إلى وعي العقليةِ الإسلامية في ذلك الزَّمانِ، وتمييزِها بين النَّافعِ والضَّار، فشدة ارتباطها بالوحي جعلها لا تقبلُ تلك الأدبياتِ التي كان فيها الكثيرُ من الوثنياتِ والخرافات، أمَّا الآن فتجدُ الحالةَ المغايرة: قصور كبير في ترجمةِ العلوم والمعارف النَّافعة، يقابلُه اجتهادُ ثلَّةٍ من المعنيين بالمعارفِ الإنسانية، والآداب الغربية، يصلُ إلى درجةِ التهافُتِ، فترجموا الآدابَ الغربية قديمها وحديثها غير مبالين بما فيها من سقوطٍ أخلاقي ومخالفاتٍ شرعية.







إنَّ إقرار اللغة الإنجليزية في (الابتدائية) يعني توقف الآمالِ في تعريبِ العلوم الطبيعية الجامعية، وسنظلُّ مقيدين بلغةٍ أجنبية تفرضُ علينا التبعيةَ اللُّغوية والعلمية، ومهما كان لدينا من أساتذةِ جامعاتٍ متمكنين في مجالهم، فإنهم لا يستطيعون أن يردموا تلك الفجوةَ الكبيرة بينهم وطلابِهم، وبين التبعية والاستقلال العلمي، وتمضي السنون وسيبقى تعليمُنا من الابتدائيةِ وحتى الجامعي تعليمًا تابعًا، لا تعليمًا مؤسسًا في معظمِ شأنه، فبناء على ذلك وعلى واقعِ المشهد التعليمي، لم يعد أمامنا من رأي إلا أن نقولَ: إنَّ (إقرار الإنجليزية في الابتدائية) يندرجُ تحت مظلةِ التطوير الزَّائف؛ حيث تغلبتْ سلبياتُه على منافعِه.










[1]- تحت راية القرآن؛ مصطفى صادق الرافعي، ص(25).




[2]- اللغة العربية في عصر العولمة؛ أحمد بن محمد الضبيب، ص(74).




[3]- مواجهة الغزو الفكري ضرورة إسلامية؛ د. أحمد عبدالرحيم السائح، ص(148).




[4]- رُويت قصةُ تعلم زيد بن ثابت بطرقٍ متعددة في كتبِ الحديث، وهذه الروايةُ في كتابِ: "الأحكام الشرعية الصغرى"؛ لعبدالحق الإشبيلي، ص(97).




[5]- حركة الترجمة وأعلامها في العصر العباسي؛ د. عامر النجار، ص(48).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.53 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]