شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 365 - عددالزوار : 78665 )           »          صفحات مِن ذاكرة التاريخ _____ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 26833 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 30274 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 170 - عددالزوار : 53358 )           »          التمدد الشيعي في المغرب العربي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          المشروع الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 773 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 25422 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 43 - عددالزوار : 15713 )           »          وقفات مع حديث الشفاعة العظمى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 5343 )           »          شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 867 - عددالزوار : 75239 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-07-2021, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,000
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس

شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس (1)















أحمد إبراهيم عبدالرؤوف




الخطبة الأولى



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ): «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا وَقَالَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ» [رواه أحمد 8095 والترمذي 2305].



هذه خمس وصايا م



ن وصايا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)..







وقد كان النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ينوع وصاياه التي يوصي بها أصحابه على حسب الحال، وهذا من حكمته (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فأحيانًا يأتي أحد الصحابة فيقول يا رسول الله أوصني، فيقول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «لا تَغْضَبْ» قال: زدني، قال: «لا تَغْضَبْ» قال زدني: «لا تَغْضَبْ» فردد مرارًا، والنبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يقول: «لا تَغْضَبْ » [رواه البخاري 6116]. فهذا الرجل كان محتاجًا لهذه الوصية، لعل حاله أنه كان يغضب ويترتب على غضبه شر، فلما طلب من النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الوصية قال: «لا تَغْضَبْ »!







يأتي رجل آخر فيقول: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فدلني على عمل أتشبث به: فيقول النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» [رواه الترمذي 3375 وابن ماجة 3793].







يأتي رجل فيقول يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فيقول: «الصلاة على وقتها» [رواه البخاري 527]. ويأتي آخر فيقول يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فيقول: «عليك بالصوم، فإنه لا عِدْلَ له» [رواه النسائي 2222]. ويأتي آخر فيقول: أي الإسلام خير؟ فيقول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [رواه البخاري 12].







فهذا مما نتعلمه من حكمة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في النصيحة والوصية.. مراعاة مقتضى الحال.. فتنصح وتوصي من طلب منك النصيحة أو الوصية بما هو محتاج إليه، وتراعي في ذلك الأولويات.. وأول الأولويات هي العقيدة التي يعتقدها العبد، فإن طلب منك أحد نصيحة أو وصية فانظر في اعتقاده، وانظر في معرفته بربه، وانظر في معرفته بأصول الدين، وانظر لاجتنابه لصور الشرك، ثم انظر في محافظته على الفرائض، واجتنابه للمحرمات، وانظر إلى خلقه مع الناس، ثم في محافظته على السنن والنوافل، وهكذا..







ثم إن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أحيانًا كان يبتدئ بالوصية دون أن يطلب منه أحد الصحابة ذلك، لكن أيضًا كانت له سنة في ذلك، وهي أن الوصية ليست مجرد كلام يقال وفقط، بل كلام مصحوب بالمحبة والرحمة والود واللطف، فينبغي عليك حين توصي أو تنصح أن تشعر من تخاطبه بهذا، وهذا ما يسميه البعض بالتواصل العاطفي..







فهذا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يردف ابن عباس، يجعله خلفه على راحلته، ثم يوصيه بوصايا جامعة، لكنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قدم هذه الوصية بما يشعر بأهميتها ويحمل ابن عباس (رضي الله عنه) وقد كان غلامًا على أن يذكرها ويعمل بها، فقال: «يا غلام، ألا أعلمك كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟» فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ....» إلى آخر ما أوصاه به رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) [رواه الترمذي 2516].








وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ) أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ». فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. قَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» [رواه أبو داود 1522].







وقال ابن عمر (رضي الله عنهما): أَخَذَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ) بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «يا عبد الله بن عمر، كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» [رواه البخاري 6416].







وقال ابن مسعود (رضي الله عنه): «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ) التَّشَهُّدَ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ» رواه البخاري 6265. أي أمسك النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كف ابن مسعود بكفيه وعلمه التشهد في الصلاة..







وأتى فتىً شابٌّ فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فسمعه الناس فأقبلوا عليه فزجروه، وقالوا: مه مه. فقال له النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «ادنه» فدنا منه قريبًا فجلس – قرب المسافة جدًا بينه وبين الشاب، لم يخاطبه من بعيد، ولا بلهجة حادة مرتفعة يشهر به –، قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «أتحبه لأمك؟» قال الشاب: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم» قال: «أفتحبه لابنتك؟» «أفتحبه لأختك؟» «لعمتك؟... لخالتك؟» فوضع النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه» [رواه أحمد 22211]. وكأنه يحتويه أكثر ويحتضنه، ويدعو له ويسمعه الدعاء..







هذه المعاني أيها الإخوة في فعل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لا ينبغي أن تمر علينا هكذا.. بل نتعلم فقه النصيحة والوصية من رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)..







فهذا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يقول: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا.. إنما فعل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ذلك لأنه أعظم تأثيرًا..







فإذا أوصيت ابنك أو زوجك أو أخاك أو صديقك بوصية.. فاحرص على إشعاره بحبك وودك وشفقتك وحرصك.. فإن هذا أبلغ تأثيرًا بإذن الله.. لا سيما إذا كنت أنت المبتدئ بالوصية والنصح دون أن يطلب منك..







وقوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل بهن» فيه من فقه النصيحة والوصية بالخير الكثير والكثير، فلا تجعل الخير الذي توصي به وتنصح به قاصرًا عند شخص أو أشخاص معدودين، بل أشركهم معك في نشر الخير والتواصي به، وحملهم مسئولية ذلك، ارْتَقِ بهم من درجة الكمال إلى منصة التكميل، من درجة الصلاح إلى مقام الإصلاح، لا سيما إذا كان هذا يتضمن تبليغًا عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ونشرًا لسنته، فقد قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «بلغوا عني ولو آية» [رواه البخاري 3461] وقال: «نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع» [رواه الترمذي 2658، وابن ماجة 230] وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا» [رواه مسلم 2674].. نسأل الله أن يهدينا ويهدي بنا ويجعلنا سببًا لمن اهتدى.







الخطبة الثانية



قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ): «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال أبو هريرة: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا وَقَالَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ..»







هذه أول الوصايا الخمس في هذا الحديث..



«اتق المحارم» أي احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك، من فعل المنهيات وترك المأمورات، فقوله «اتق المحارم» يلزم منه فعلُ الفرائضِ والواجباتِ المأمورِ بها، فإن تركها محرم يأثم به العبد، ويقتضي أيضًا ترك المحرمات فإن الوقوع فيها مخالفة لأمر الله يأثم بها العبد..







وهذا يتطلب من العبد أن يتفقه في الدين ويعلم ما هو واجب وفرض عليه فيأتيه، وما هو محرم عليه فيتركه ويجتنبه. على قدر علمك وعملك بهذا تكونُ أعبدَ الناس، وهذا يدل على أن طلب العلم الشرعي عبادة عظيمة..







«اتق المحارم.. تكن أعبد الناس» فأعبد الناس هو من يتقي المحارم، بأن يخرج من عهدة الفرض، ولا يتلبس بمحرم، ومعنى يخرج من عهدة الفرض: أي يؤدي الفروض التي عليه لا يبقي عليه منها شيئًا، لأنه يحرم عليه تضييعها، ويأثم إن لم يؤدها، وبعض الناس يترك الفرائض ويعتني بالنوافل، يضيع الأصل والأساس، ويقيم الفرع! بعض الناس يكون عليه صلاة مفروضة لم يؤدها، ثم تراه يجتهد في صلواتٍ وعبادات نافلة ليست مفروضة! لا يصلي الصلاة المفروضة ويحرص على النافلة؛ على صلاة قيام ليلة السابع والعشرين من رمضان مثلًا، أو صلاة العيد وهو لم يصل الفجر يوم العيد! يكون عليه زكاة واجبة في ماله، أو عليه حق لبعض الناس في ماله، فيترك أداء هذه الحقوق وينشغل بإطعام الفقراء، أو بناء المساجد والمدارس ونحو ذلك.. أقم الأصل أولًا، الفرائض أولًا ثم النوافل؛ لأن تضييع الفرائض محرم، فإذا أردت أن تكون من أعبد الناس فأد الفرائض ولا تضيعها.







وأيضًا عليك أن تجتنب المحرمات، فالعبادة ليست فعل الواجب فقط، بل أيضًا ترك المحرمات.. العبادة تكون بفعل الخيرات، وترك المنكرات، وترك المحرم هو برهان العبودية لله تعالى، وهذا هو الامتحان الحقيقي للعبد.. حينما يؤثر طاعة ربه على هوى نفسه، فإن أعمال البر يعملها كل أحد، البر والفاجر، وأما المعاصي فلا يتركها إلا صديق، وكثير من الناس يسهل عليهم فعل الواجبات، ولا يستطيعون التحرز من المحرمات، وهذا هلاك وخسار عظيم نسأل الله العافية، قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، (يفعلون الطاعات) وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» [رواه ابن ماجة 4245].







قال عمر بنُ عبد العزيز (رحمه الله): ليست التقوى قيامَ الليل، وصِيام النهار، والتخليطَ فيما بَيْنَ ذلك، ولكن التقوى أداءُ ما افترض الله، وترك ما حرَّم الله، فإنْ كان مع ذلك عملٌ، فهو خير إلى خير..







أعبد الناس من ترك المحرم مع قدرته عليه، فاحذر عبد الله من المعصية، الطاعة ترفع قدرك عند ربك، والمعصية تحط من قدرك..







قال ابن الجوزي رحمه الله: بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى، لا تبع عزها بذل المعاصي! بالله عليك، تذوق حلاوة كف الكف عن المنهيِّ؛ فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة.. يا من لا يصبر لحظة عما يشتهي! بالله عليك، أتدري من الرجل؟! الرجل (والله) من إذا خلا بما يحب من المحرم، وقدر عليه، وتقلقل عطشًا إليه، نظر إلى نظر الحق إليه، فاستحى من إجالة همه فيما يكرهه، فذهب العطش. [صيد الخاطر ص 154].







احذر عبد الله من صحبة السوء، الذين يزينون لك المعصية ويدفعونك إليها دفعًا، ويفرحون لزلتك، اصحب الصالحين الذين يعينونك على الطاعة ويفرحون لطاعتك، لا تصاحب إلا مؤمنًا، صاحب أعبد الناس من الصالحين المتقين للمحارم.. قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الزخرف: 67، 68].







احذر عبد الله من المعصية وقد أعطاك الله ما تحب وأنعم عليك بما تحب، فيسلب منك ما أعطاك، ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 152].







أيها العبد.. كم أراك الله ما تحب، وكم تريه ما يكره! كم يتودد إليك بالنعم، وكم تتبغض إليه بالمعاصي!







ألا ما أحلم اللهَ وما أصبره!







عبد الله.. اتق المحارم تكن أعبد الناس، تعلم دينك واعلم ما افترضه الله عليك ولا تضيعه، واعلم ما حرمه الله عليك واجتنبه..







اتق المحارم تكن أعبد الناس.. هذه هي الوصية الأولى من خمس وصايا في هذا الحديث.. لعلنا نكمل الحديث عنها إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-07-2021, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,000
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس

شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس (2)













أحمد إبراهيم عبدالرؤوف








الخطبة الأولى



قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس» اقنع بما أعطاك الله وجعله حظك من الرزق؛ تكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى..







قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ» [رواه البخاري 6446، ومسلم 1051].







فالقناعة غنًى وعزٌّ بالله، وضدها فقر وذل للغير، ومن لم يقنع لم يشبع أبدا، ففي القناعة العز والغنى والحرية، وفي فقدها الذل والتعبد للغير..







قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» [رواه البخاري 2886].







وقال: «لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَلاَ يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» [رواه البخاري 6436، ومسلم 1048].







الله (عز وجل) قسم النعم والأرزاق بين الناس، قال تعالى: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ [الزخرف: 32] وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131] فيتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق بالقَسْمِ والْحَظِّ لا بالعلم والعقل، ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم!







ارض بما قسم الله لك.. تكن أغنى الناس..



الرضا: سكون القلب إلى اختيار الرب..



الرضا: سرور القلب بمر القضاء، واستقبال الأحكام بالفرح، وارتفاع الجزع في أي حكم كان..



الرضا: هو جنة الدنيا، به يواجه الإنسان تقلبَها، وتبدُّلَ أحوالها، بنفس راضية عن الله، راضية بقضائه وقدره.



سلامٌ روحيٌّ مع كل قضاء.. حب لما يحبه الله ويختاره..







تَمرُّ برجل فاقدٍ لبصره، تتعجَّب من ابتسامة تملأ وجْهَه، وعبارات الشُّكر والرضا يَلهج بها لسانُه، لا يشكو لأحدٍ ولا يَضْجَر من حاله، فتتعجَّب: كم منَّا مِن مُبصرٍ يشكو من الدنيا وهمومها وهو سليم يُبصر!







تزور مريضًا لازَمَ السَّرير، لَم يَلزمه يومًا أو شهرًا، بل سنوات، لا يتحرَّك منه شيء سوى رأْسٍ يحرِّكه يمنة ويسرة، ولسانٍ ذاكرٍ شاكر، وتَشعر بانشراح صدْره وتقَبُّله لمرضِه، فتتعجَّب: كم منَّا معافًى يتحرَّك ويذهب، ويغدو ويتنقَّل في كلِّ مكان، ومع ذلك يَمقُت حاله، ويشكو ظروفه!







عامل نظافة بسيط، تحت أشِعَّة الشمس الحارقة يُمارس عمله برضًا تامٍّ، ورَجل في سيَّارته المُكَيَّفة المُريحة، تَجده يشكو من الحرِّ وأشعة الشمس، فسبحان الله!







موظف بسيط، يأخذ راتبًا قليلاً، ولكنَّه مُنظَّم في نَفَقاته، ويَستهلك حسب حاجته، شاكرٌ لله، ويتصدَّق من ماله؛ يَبتغي وجْه الله، وآخَرُ راتبُه أعلى، ومَنصبه أكبر، يشكو من النفقات واستهلاك الأبناء، ودائمًا الشكوى معه أينما ذهَب.







روي أن عروة بن الزبير (رضي الله عنهما) قطعت رجله، ومات أعز أولاده في ليلة واحدة، فدخل عليه أصحابه وعزوه فقال: اللهم لك الحمد، كان أولادي سبعة، فأخَذت واحدًا وأبْقَيت ستة، وكان لي أطرافٌ أربعة، فأخَذت واحدًا وأبْقَيت ثلاثة، فلئن كنتَ قد أخَذت، فلقد أعْطَيت، ولئن كنتَ قد ابْتَلَيتَ، فقد عافَيْت [سير أعلام النبلاء 4 /431].







انظر إلى رضاه رضي الله عنه، ما نظر إلى المفقود، بل نظر إلى الموجود.. هذا هو الفَهْم السليم للرضا.







ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس..







بعض الناس يحرص على أن تجتمع فيه النعم المقسمة بين الناس! ينظر إلى هذا فيجد عنده أولاد، فيقول ليت لي أولاد مثله! وينظر إلى هذا فيجد عنده الأموال، فيقول ليت لي أموال مثله! وهذا عنده القوة والصحة، فيقول ليت مثله! وهذا عنده الجمال، فيقول ليت لي مثله! وهذا عنده العلم فيقول ليت لي مثله!.. وهو في الحقيقة قد يكون عنده من النعم ما ليس عند واحد من هؤلاء، وكل واحد من هؤلاء عنده ما ليس عند الآخر..







فيا عبد الله ارض بما قسم الله لك.. تكن أغنى الناس







قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» [رواه مسلم 2963] وفي رواية: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» [رواه البخاري 6490، ومسلم 2963] لأن الإنسان إذا رأى من فُضِّلَ عليه في الدنيا؛ طلبت نفسُهُ مثلَ ذلك، واستصغَرَ ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرَص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا ما نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونَه فيها؛ ظهرت له نعمة الله تعالى عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير.







عبد الله.. ارض بما قسم الله لك، فلن تموت حتى تستوفي ما كتب لك، لن ينقص من رزقك شيء، ولن ينقص من عمرك شيء، فلم الخوف؟ تترقب المستقبل بهم كبير، وتعيش الحاضر وأنت تقاسي أحزان الماضي، يضيع اليوم ويضيع العمر وأنت بين حزن وهم! ارض عن الله يرضى الله عنك ويهد قلبك، عود نفسك وجاهدها على الرضا، قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].







نسأل الله أن يهدي قلوبنا، ويقنعنا بما آتانا.











الخطبة الثانية



عبد الله.. ارض بما قسم الله لك، واحذر أن تسخط، والله عز وجل يعلم ما في القلوب، مطلع على حقيقة ما في قلبك أيها العبد أهو الرضا أم السخط؟







وشأن المؤمن أنه يطمئن ويرضى بما قسم الله له، وشأن المنافق وضعيف الإيمان عدم الرضا..







لما وسع الله على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمر تعامله مع زوجاته رضي الله عنهن، جعل الله لنبيه مطلق الحرية في المعاملة معهن، يبيت عند من يشاء منهن، ويعتزل من يشاء، قال الله عز وجل: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ [الأحزاب: 51] ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى وأقرب إلى رضاهُنَّ وعدمِ حزنِهن، إذ كان من عندنا -لا من عندك-، لأنهن إذا علمن أن فعلك إنما هو بوحي من الله؛ قرت أعينهن وطابت نفوسهن بذلك ورضين، سواء سويت بينهن أم لم تسو، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 51] أي: من حب وبغض، ورضا وسخط، ومن ميل إلى شيء، ومن عدم الميل إلى شيء آخر. وفي هذه الجملة وعيد لمن لم ترض منهن بما دبر الله (تعالى) من ذلك، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ» [رواه الترمذي 2396، وابن ماجة 4031].







فالمؤمن إذا علم أن ما قُسِمُ له إنما هو اختيار الرب تعالى؛ قرت عينه ورضي بذلك، فأصبح غنيًا بالله عما سواه!







قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ[التوبة: 59].







إذًا يا عبد الله.. عندما تنظرُ إلى الناس من حولك، فإنك إما أن تجد من هو أعلى منك أو من هو دونك في أمور الدنيا..







أما من هو دونك فإن نظرك إليه يُظهر لك نعم الله عليك، فاشكرها.







وأما من هو أعلى منك، قد أعطي ما لم تعط، فإذا رأيت منه ما يسرُّك فاحذر أن تحقِد عليه أو تحسُدَه على ما آتاه الله من فضله، فإن الحسد ذنب عظيم، يذهب الحسنات، ويحلق الدين وهو في الحقيقة سوء أدب مع الله تعالى، لأنه تمني زوالِ النعمةِ من المحسود، فكأن الحاسد يعترض على الله أن أنعم على المحسود بهذه النعمة..







قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ» [رواه ابن ماجة 3509]وهذا الحديث له قصة، وهي واقعة وقعت للصحابي الجليل سهل بن حنيف، وكان سهلٌ رضي الله عنه جميلَ الخِلْقة حسنَ الهيئة أبيضَ الجلد، بعدما نصر الله المؤمنين يوم حنين، وهم في الطريق، مروا بغدير (مكان منخفض في الأرض يتجمع فيه ماء السيل) فأراد سهلٌ رضي الله عنه أن يغتسل، فابتعد عن الناس وأخذ مكانًا بحيث لا يراه أحد من الناس، ثم نزع جُبَّةً كانت عليه وخاض في الماء، فرآه عامر بن ربيعة رضي الله عنه، فنظر إليه فأعجبه خَلْقُهُ وحُسْنُ جلدِهِ، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلدَ عذراءَ، وَلَا جَارِيَةٌ فِي سِتْرِهَا بِأَحْسَنَ جَسَدًا مِنْ جَسَدِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَأَخَذَتْهُ قَعْقَعَةٌ (رعشة) وَهُوَ فِي الْمَاءِ، فلُبِطَ به (سقط على الأرض بسبب ما أصابه من إعياءٍ شديد) فأُخبِر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من تتهمون به؟» قَالُوا: عَامِرَ ابْنَ رَبِيعَةَ. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ» ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ، ففعل عامرٌ ذلك، ثم صَبَّ الماء عليه من خلفه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس..







لَمْ يُعَاتِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عَلَى إعجابه بحسن خلقة صاحبه، لأن الإعجاب بالشيء الحسن أمر لا يملكه العبد، وَإِنَّمَا عَاتَبَهُ عَلَى تَرْكِ التَّبْرِيكِ الَّذِي كَانَ فِي وُسْعِهِ وطاقته.







وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن العين حق وأنها تصرع وربما َتَقْتُلُ.







وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَلَا بَرَّكْتَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَعْدُو إِذَا بَرَّكَ الْعَائِنُ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَعْدُو إِذَا لَمْ يُبَرِّكْ، فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَرِّكَ، فَإِنَّهُ إِذَا دَعَا بِالْبَرَكَةِ صُرِفَ الْمَحْذُورُ لَا مَحَالَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.







وَالتَّبْرِيكُ: أَنْ يَقُولَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فيه.







ودل الحديث على أن العائن يؤمر بالاغتسال للذي عَانَهُ - وبعض العلماء قالوا أنه يجبر عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَبَاهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ - وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه وَلَا يَضُرُّهُ هُوَ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ بِسَبَبِهِ وَكَانَ هو الْجَانِي عَلَيْهِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَائِنِ الْغُسْلُ.







فإذا رأيت من أخيك ما يعجبك ويسرك، فادع له بالبركة، ومن باب أولى إذا رأيت من نفسك ما يعجبك فادع بالبركة وقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما قال الرجل المؤمن لصاحب الجنتين: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [الكهف: 39].







ادع لنفسك بالبركة، وادع لإخوانك بالبركة أيضًا، وكم نحن في أمس الحاجة إلى البركة من ربنا تبارك وتعالى، أن يغشانا الخير الإلهي في أنفسنا وأهلينا وأموالنا وأوقاتنا وكل حياتنا..







أمرنا بالدعاء للعروسين بالبركة، فنقول بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير..







عندما تستخير ربك في أمر تطلب من ربك في دعاء الاستخارة البركة والرضا: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ... وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» [رواه البخاري 6382].







ارض بما قسم لك وسل البركة فيه.



سل الله من فضله، فبيده خزائن السماوات والأرض، استغن بربك سبحانه عما سواه.. ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.



نسأل الله أن يغنينا بفضله عمن سواه


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-07-2021, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,000
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس

شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس (3)















أحمد إبراهيم عبدالرؤوف




الخطبة الأولى



قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وأحسنْ إلى جارِك تكن مؤمنًا».



قال الله عز وجل: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [رواه النساء: 36].







﴿ َالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾: أي: الجار القريب الذي بينك وبينه قرابة، له حقان: حق الجوار، وحق القرابة.







﴿ الْجَارِ الْجُنُبِ ﴾؛ أي: الذي ليس له قرابة.







وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكدَ حقًّا، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» [رواه البخاري: 2259].







لم يتكلم ربنا تبارك وتعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن حال الجار المستحق للإحسان، ولا عن دينه، ولا خلقه، ولا وضع شروطًا أو صفاتٍ يستحق بها أن الجار أن يُحْسَنَ إليه من جاره، بل أمر بالإحسان إلى الجار عمومًا، سواء كان مؤمنًا، أم كافرًا، غنيًا أم فقيرًا، صالحًا أم فاسقًا، قريبًا من الأرحام أم من غيرهم، أحسن هو إليك أم أساء إليك.







«وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا»، بنفس المعنى قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» [رواه البخاري: 6019، ومسلم: 47]، وقال: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» [رواه الترمذي: 1944].








وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ» [رواه البخاري: 6018].







وقال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه» [رواه مسلم: 45].







«وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا»، بمفهوم المخالفة: أن من لم يحسن إلى جاره لا يتصف بكمال الإيمان، أي أن من لم يسئ إلى جاره، ولم يحسن إليه، فإنه مخالف لهذا الأمر من الله ورسوله، ولا يتصف بكمال الإيمان، فكيف بمن يؤذي جاره؟!.. لذلك أقسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث آخر فقال: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» [رواه البخاري: 6016] أي أذاه وشره وظلمه. هذا ناقص الإيمان.








قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» [رواه البخاري: 6014] أي: توقعت أن يأتيني بأمر من الله تعالى يجعل الجار وارثا من جاره كأحد أقربائه، وذلك من كثرة ما شدد في حفظ حقوقه والإحسان إليه!







فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.







وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» [رواه البخاري: 2566] أي: لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها بل تجود بما تيسر ولو كان قليلا كفرسن شاة (أي أرجل الشاة، الحافر، طرف القدم) فهو خير من العدم. وهذا الجود وهذه المهاداة بين الجيران كادت تنعدم في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله!







وعن أبي ذر قال: أوصاني النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إِذَا صَنَعْتُ مَرَقَةً أَنْ أُكْثِرَ مَاءَهَا، ثُمَّ أَنْظُرُ أَهْلَ بَيْتٍ قَرِيبٍ مِنْ بَيْتِي فَأُصِيبُهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ. [رواه البيهقي في "الآداب": 68].







عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِذَا فَرَغْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: الْيَهُودِيُّ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يوصى بالجار حتى خشينا أو رُؤِينا أنه سَيُورِّثُه. [رواه البخاري في "الأدب المفرد": 128].








وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وجارهُ جَائِع» [رواه البخاري في "الأدب المفرد": 112] أي وهو يعلم بذلك، كما في رواية أنس.







كان من دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ» [رواه الطبراني في "الدعاء": 1340].








وقال: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ، مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ» [رواه النسائي: 5502] في البادية يسهل الانتقال من مكان إلى آخر، تنصب خيمتك فإن جاورك جار سوء سهل عليك نقلها إلى مكان بعيد عنه، أما في دار المقامة أي في الحضر أو في المدينة.. أنت تسكن في بيت مبني، تشتري أو تستأجر مسكنًا، ليس سهلًا أن تتحول عنه.. فلذلك كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ من جار السوء في دار المقامة، وأمرنا أن نتعوذ من ذلك.







قيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن فلانة يذكر من كثرة صيامها وقيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: «هي في النار»، وذُكرت له امرأة أخرى تصلي المكتوبة وتتصدق بالقليل ولا تؤذي أحدًا، قال: «هي في الجنة» [رواه أحمد: 9675].








جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اصْبِرْ»، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ يَشْكُو، فَقَالَ لَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اصْبِرْ»، ثُمَّ أَتَاهُ يَشْكُو، فَقَالَ لَهُ: «اصْبِرْ»، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ يَشْكُوهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ فَضَعْهُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ» فكلما مر به أحد سأله: لماذا خرجت بمتاعك وتركت بيتك؟ فيقول: شَكَوْتُ جَارِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فَقَالَ: «اذْهَبْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ فَضَعْهُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ» فجعل الناس يمرون على هذا الجار فيلعنونه، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ؟ قَالَ: «وَمَا لَقِيتَ مِنْهُمْ؟» قَالَ: يَلْعَنُونِي، قَالَ: «فَقَدْ لَعَنَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ النَّاسِ»، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعُودُ أَبَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَجَاءَ الَّذِي شَكَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ارْفَعْ مَتَاعَكَ، فَقَدْ كُفِيتَ» [رواه البيهقي في "الشعب": 9100، 9101].







فهذه النصوص كلها ترغب في الإحسان إلى الجار، وترهب من عدم الإحسان، فضلًا عن الأذى والإساءة.. والأمر متعلق بالإيمان.. «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. فليكرم جاره» «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره» «والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه» «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم» «وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا» الأمر متعلق بالرحمة واللعنة، والجنة والنار.. فانتبه وكن على حذر أيها الجار.







الخطبة الثانية



قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا».. أي أحب لجميع الناس، وليس المسلمين فقط، مثل الذي تحب لنفسك، وارتض لهم مثل الذي تريده وترتضيه لنفسك من خير الدنيا والآخرة، فتحب للكافر الإيمان، وللفاجر الطاعة، وللمطيع الصالح زيادة في الطاعة والصلاح، تحب للفقير الغنى، وللمريض الشفاء، وللمحزون الفرح.. وهكذا.. إذا نصحت أحدًا فانصحه بمثل ما تحب لنفسك، ولا تنصحه وتوجهه لما فيه مصلحتك أنت!







أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا.. فهذا من خصال الإسلام؛ ومن شعب الإيمان أن تحب الخير لإخوانك في الدين خاصة، كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث آخر: «لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه المسلمِ ما يحب لنفسه من الخير» [رواه أحمد: 13146]. ويلزم من ذلك أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر والسوء، قال العلماء: ولم يذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث؛ لأن حب الشيء يستلزم بغض نقيضِهِ.







قال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»: هذا ظاهره التسوية، وباطنه التفضيل، فإن كل أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا كنت تحب أن تكون أفضل، فعندما تحب لأخيك ما تحب لنفسك؛ فإنك بهذا تحب له أن يكون أفضل منك!







وفي هذا المعنى قال الفضيل بن عياض لسفيان بن عيينة رحمهما الله: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك؛ فما أديت النصيحة لربك! فكيف وأنت تود أنهم دونك؟! [البيهقي في "الشعب": 7909] يُشِيرُ إِلَى أَنَّ النَّصِيحَةَ لَهُمْ: أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا فَوْقَهُ، وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَدَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ فِي النُّصْحِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ!







وَقَدْ رَتَّبَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى هَذِهِ الْخَصْلَةِ؛ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ».








وعَنْ يَزِيدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» [الحاكم في "المستدرك": 7313].







وكان النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يحقق هذه الخصلة، في دعوته ونصحه..







فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» [رواه مسلم: 1826].







وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، لِمَا رَأَى مِنْ ضَعْفِهِ، وَهُوَ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يُحِبُّ هَذَا لِكُلِّ ضَعِيفٍ مع أنه لم يكن ضعيفًا، فإنَّ اللَّهَ قَوَّاهُ عَلَى تولي أمور الناس، وَأَمَرَهُ بِدُعَاءِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى سِيَاسَةَ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.







فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ.







كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ يَبِيعُ حِمَارًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَرْضَاهُ لِي؟ قَالَ: لَوْ رَضِيتُهُ لَمْ أَبِعْهُ [البيهقي في "الشعب": 4913]، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إِلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّصِيحَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، والتي هي من الدين.







وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّي لَأَمُرُّ عَلَى الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَأَوَدُّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ [الطبراني في "الكبير": 10621]. وكان رضي الله عنه عالمًا بتفسير القرآن، فهو حبر الأمة وترجمان القرآن.







وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ [سير أعلام النبلاء 10 /29]. لا يهمه حقوق تأليف ولا طبع ولا نشر ولا أي شيء من هذا، إنما يهمه أن يتعلم الناس العلم الذي يعلمه!







وَكَانَ عُتْبَةُ الْغُلَامُ إِذَا صام يَقُولُ عند إفطاره لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ العالمين بصيامه: أَخْرِجْ إِلَيَّ مَاءً أَوْ تَمَرَاتٍ أُفْطِرُ عَلَيْهَا؛ لِيَكُونَ لَكَ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِي! [جامع العلوم والحكم 1 /310] وقد جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ما يفيد هذا.







عباد الله.. كل واحد منا له أخ أو إخوة.. وكل أخ من إخوانك له أحوال دينية وأحوال دنيوية.. وهذه الأحوال إما أن يكون أخوك أدنى منك فيها، وإما أن يكون أعلى منك..







فإن رأيت من أخيك نقصًا في أمور الدنيا.. فأحب له ما تحب لنفسك من الكمال، وإن أردت الأفضل والأكمل آثرته على نفسك، كما وصف الله عز وجل الأنصار بقوله: ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].







وإِنْ رَأَيت فِي أَخِيك الْمُسْلِمِ نَقْصًا فِي دِينِهِ، فاجْتَهَد فِي إِصْلَاحِهِ، وليس بأفضل ولا أكمل هنا أن تؤثره على نفسك، فإنه لا إيثار في الطاعة وكسب الحسنات، بل قد قال الله (عز وجل): ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، وفقراء الصحابة الذين آثرهم أغنياء الصحابة على أنفسهم، جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ ذَهبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟! إِنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟! قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ» [رواه مسلم: 1006] فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعلمون فيم يكون الإيثار، وفيم لا يكون! الإيثار يكون في أمور الدنيا لا في أمور الدين.







لذلك فَإِنْ رَأَيت فِي أخيك تفوقا عَلَيْك في فضيلة دنية، فتمنيت لنفسك مثلها؛ كَانَ ذلك حسنًا، وَقَدْ تَمَنَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ.







وَقَالَ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): « لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ » [رواه البخاري: 7529، ومسلم: 815].







وَقَالَ فِي الَّذِي رَأَى مَنْ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَقَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي مَالًا، لَفَعَلْتُ فِيهِ كَمَا فَعَلَ، فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ» [رواه الترمذي: 2325].








وَإِنْ كَانَ أخوك تفوق عليك في فضيلة دُنْيَوِيَّةً، فَلَا خَيْرَ فِي تَمَنِّيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [القصص: 79-80].







أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا.. استشعر أنك عضو في المجتمع، نفعُه نفع لنفسك، وضَرُّه إضرار بها، فإذا أحسست هذا الإحساس الصادق، وانطبع في نفسك؛ رأيت غيرَك كنفسك، بل رأيته نفسَك، فأحببت له مثلَ ما تحب لنفسك، وهذه صدقة معنوية نفسية، ومبادئ إنسانية سامية، تربط المجتمع بالحب والتعاون والإخاء والمودة، والوحدة والترابط، بين الضعيف والقوي، والقادر والعاجز، والبصير والأعمى، والسميع والأصم، والخبير وقليل الخبرة، مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.







وهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَأْتِي مِنْ كَمَالِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْحَسَدِ، فَإِنَّ الْحَاسِد يكره أَنْ يَفُوقَهُ أَحَدٌ فِي خَيْرٍ، أَوْ يُسَاوِيَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَازَ عَلَى النَّاسِ بِفَضَائِلِهِ، وَيَنْفَرِدَ بِهَا عَنْهُمْ، وَالْإِيمَانُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يُشْرِكَهُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ.







إن الله تعالى يريد من العباد أن يكونوا كالنفس الواحدة، وأن يتحابوا ويريدَ كل واحد للآخر الخير الديني والدنيوي، فكيف إيمان من كان بخلاف ذلك؛ ممن يحب إنزال الشر بأخيه، ويحب نزع الخير منه، ويتشفى بما أصابه من البلاء؟ وكيف بمن يكون هو الذي ينزل بأخيه الشر ويباشره بالأذية؟؟







نسأل الله العافية..


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-07-2021, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,000
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس

شرح حديث اتق المحارم تكن أعبد الناس (4)















أحمد إبراهيم عبدالرؤوف




الخطبة الأولى



قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ولا تُكثر الضَّحك فإنَّ كثرةَ الضحكِ تميتُ القلبَ»..







لم يقل: لا تضحك، بل قال: «لا تكثر الضحك».. فالإسلام دين الأنس والفرح والبشاشة، الإسلام ضد الحزن والاكتئاب والبكاء والعويل.. يمدح البكاء من خشية الله، لكنه ضد البكاء على المصائب، والاكتئاب.. وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النياحة ورفع الصوت بالبكاء على الميت، والتلفظ بكلام فيه تسخط واعتراض على قضاء الله وقدره، ما مدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تفعل ذلك، بل تبرأ من الصالقة (التي ترفع صوتها عند المصيبة بالصياح والولولة) والحالقة (التي تحلق شعرها عند المصيبة) والشاقة (التي تشق ثيابها عند المصيبة) [رواه البخاري 1296، ومسلم 104]، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» [رواه مسلم 934] أي يسلط على أعضائها الجرب فيغطيه كما يغطيه الردع والقميص!







فليس المطلوب من العبد ألا يحزن وألا تدمع عينه عند المصيبة، بل المطلوب منه ألا يبالغ في البكاء بحيث يصير نياحة وصياحًا وولولة! وقد بكى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لموت أبنائه وأصحابه، وقال: «إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمع العينِ، ولا بحزن القلب، ولكنْ يعذبُ بهذا أو يرحمُ (وأشار إلى لسانه)، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» [رواه البخاري 1304، ومسلم 924] أي بسبب البكاء بالصفة المنهي عنها.







وليس المطلوب من العبد ألا يضحك، بل المطلوب ألا يكثر الضحك، فإنه لا أحد من البشر يخلو من إعجاب بشيء يتولد عنه ضحكُه، ولذلك قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب» وهذا تهديد عظيم! فإن موت القلب أعظم مصيبة تصيب العبد.. فإن القلب ملك البدن والأعضاء جنوده، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [رواه البخاري 52، ومسلم 1599] القلب محَل نظر الرب، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» [رواه مسلم 2564] فإن القلب محل تحقق تقوى الله، ومحل النيةِ المقصودة بالأعمال، بل هو محل الإيمان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» [رواه الحاكم في المستدرك 5].. القلب يحيا بهذا.. يحيا بالإيمان والتقوى والإقبال على الله، يطمئن بذكر الله، فإذا ذهب كل هذا مات القلب، وكثرة الضحك تذهب هذا كله.. لذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب» والمعنى: لا تكثر الضحك.. يكن قلبك حيًا، فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب، أي تصيره مغمورًا في الظلمات، بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة، ولا يدفع عنها مكروهًا.







كثرة الضحك تنشأ عن الإعجاب بالأمور الدنيوية والسرور بها والرغبة فيها، وإذا امتلأ القلب بهذا خلا عن ذكر الله، وإذا خلا عن ذكر الله مات! كما قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، كمثل الحي والميت» [رواه البخاري 6407]..







وقد كان النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وأصحابه يمزحون، حتى أنهم قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا! (أي تمازحنا) قال: «إني لأمزح، ولا أقول إلا حقًا» [الترمذي 1990، والطبراني في الصغير 779] وهذا من شيم أخلاقه وتواضعه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)؛ إذ كان يداعب الصغير والكبير، والغني والفقير.. قال الله (عز وجل): ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].. فكان (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يمازح أصحابه، وكان أصحابه يمازحونه ويضحكونه، مع إجلاله وتوقيره (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)!







وكان أصحاب النبي يتمازحون، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.. وهذا أمر في غاية الأهمية: أن المزاح لا يكون في أي وقت، بل المزاح يكون في غير وقت الجد.. فلا يستقيم ولا يصح أن يكون المزاح في وقت الجد..







وأيضًا فلا يجوز المزاح إذا صاحبه مخالفة شرعية، كأن يكون في الدين مثلًا، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ [البقرة: 231] وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66] حكم عليهم بالكفر. وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67]..







كذلك لا يجوز المزاح بالكذب، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يمزح ولا يقول إلا حقًا.. فليس المزاح مبررًا للكذب.. وقد حذر النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أشد التحذير من الكذب لإضحاك الناس، فقال: «ويل للذي يحدث فيكذبُ ليضحك به القوم، ويل له، ويل له» [رواه الترمذي 2315] وهذا التكرار يدل على شدة هلكته!







كذلك لا يجوز المزاح بالسخرية والاستهزاء بأحد، أو باغتيابه وذكره بما يكره..







كذلك لا يجوز أخذ متاع الغير على وجه المزاح، قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا، ومن أخذ عصا أخيه فليردها عليه» [رواه أبو داود 5003] فأخذ متاع الغير على سبيل الجد سرقة، وأخذه على سبيل اللعب لا فائدة فيه، بل قد يكون سببا لإدخال الغيظ والأذى على صاحبه..







كذلك لا يجوز ترويع المسلم على وجه المزاح، قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا» [رواه أبو داود 5004]..







كذلك لا يجوز المزاح بالسلاح، قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها وإن كان أخاه لأبيه وأمه» [رواه مسلم 2616] وهذه مبالغة في النهي عن ذلك مع أي أحد، حتى ولو كان لا يتهم فيه، حتى ولو كان لعبًا..







كذلك لا يجوز مزاح الرجل مع المرأة الأجنبية عنه والعكس، لأن المزاح فيه لين وإيناس وعاطفة، وهذا ربما يحدث فتنة، قال الله تعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32].







وينبغي ألا يفرط العبد في المزاح بحيث يكون حرفة له، يقضي فيه غالب وقته، فهذا انشغال بسفاسف الأمور، والله (عز وجل) يحب معالي الأمور ويكره سفسافها، لذلك قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب»..







الخطبة الثانية



فهذا الحديث من جَوَامِع الْكَلم التي أوتيها النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).. أوصى فيه بخمس خصال..







اتق المحارم تكن أعبد الناس.. فاتقاء المحارم أفضل العبادات، لأنه يمكن صاحبه من فعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه..







وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.. فالله لا يظلم أحدًا.



وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا.. فهذا متعلق بالإيمان، والجنة والنار، واللعنة والرحمة.



وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا.. وهذا أيضًا متعلق بالإيمان والإسلام، ودخول الجنة..







ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.. القلب يحتاج بين الحين والآخر إلى بعض الترويح عن النفس والدعابة والمزاح والضحك، لا إلى الكثير من ذلك، بل الكثير من الضحك يميت القلب..







فما أحوجنا إلى العمل بهذه الخصال الخمس، التي قال عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من يأخذ عني خمس خصال فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل بهن».. فلنعمل بهن ولنعلمهن أبناءنا وأحبابنا ليعملوا بهن..








نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا..


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 117.05 كيلو بايت... تم توفير 3.06 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]