نظام الحياة لا شريعة الغابة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 499 - عددالزوار : 86486 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 372 - عددالزوار : 80601 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 48 - عددالزوار : 38415 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 31564 )           »          قصة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 31 - عددالزوار : 43213 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 176 - عددالزوار : 54144 )           »          فريضة تحيط بنا ونغفل عنها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          من وحي آيات الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          ثقّل ميزانك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          زيف الانشغال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-11-2024, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,912
الدولة : Egypt
افتراضي نظام الحياة لا شريعة الغابة

نظام الحياة لا شريعة الغابة!

حسان أحمد العماري

الخطبة الأولى
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علمًا، وكل شيء عنده بأجل مُسمّى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو بكل لسان محمود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الإله المعبود، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركَّع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
عباد الله، لقد عاش الإنسان البدائي حياته هائمًا في الغابات والفلوات، لا يعرف الانتماء إلى أرض أو قبيلة، يكدح يومه وليله باحثًا عما يسد رمقه، ويوفر أمنه، فكان الإنسان حينذاك دولة بذاته؛ إذ كان مسئولًا وحده عن كل أمره، وفي تلك الغابات والبراري كانت شريعة القوة فحسب هي السائدة، فلا سلام ولا أمان ولا ضوابط، بل هو الصراع من أجل البقاء، ولم يزل الله سبحانه وتعالى يبعث برسالات الهدى - عبر بعثات الأنبياء والرسل - لذاك الإنسان الحائر على وجه الأرض، بما يناسب فطرته السويَّة، تدعوه إلى إعمال عقله بالملاحظة والتجريب بغية الوصول إلى اليقين، للقيام بما أوجبه الله عليه حتى جاء الإسلام سراجًا وهَّاجًا إلى قيام الساعة، ينظم للإنسان دقائق حياته بما يصلح دنياه وآخرته، في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالإنسان لم يخلق سُدًى ولم يترك عبثًا، قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115]، والإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين تُحدِّد علاقاته وواجباته تجاه الآخرين، وعليه القيام بتنفيذها واحترامها والسير عليها، ذلك أن التنظيم والترتيب وسن القوانين هو سنة الحياة، وعندما يختلُّ وتختفي النظم والقوانين من حياة الناس تحدث الفوضى التي تستخدم القوة والعنف، وتسعى وراء المصلحة على حساب القيم والأخلاق، عندها تفسد الحياة وتصبح جحيمًا لا يُطاق.

أيها المسلمون، لقد ضرب لنا القرآن الكريم - في أكثر من موضع - المثل الأعلى بالنظام الإلهي في خلق الكون والإنسان، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، وقال جل وعلا: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 37 - 40]، وهكذا يسير الكون طبقًا لنظام دقيق لا توجد فيه فوضى أو عبثية أو تضارب واختلاف؛ لأن الذي وضعه وأتقنه هو الخالق جل وعلا، وفي المقابل يلفت انتباهنا إلى تصوُّر اختلال النظام ووباله على الناس: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ [القصص: 71]، والإنسان كذلك مدعوٌّ أن يتفكَّر في نفسه وفي خلقه وفي ذلك النظام الدقيق بين عمل أجهزة جسمه المختلفة، وكيف يتهدَّد سلامة الجسم كله اختلال النظام في أي من جزئياته ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 21]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسم بالحُمَّى والسَّهَر))؛ البخاري (5665)، أي نظام وأي تناسق عجيب! فإذا ما تعرض أي عضو في جسم الإنسان لأي مرض تأثر جميع الجسم، وهكذا حياتنا إذا حدثت الفوضى في علاقاتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولم نحكم الشرع والقوانين ونلتزم بالتوجيهات المنظمة واللوائح النافذة في أي جانب من جوانب حياتنا، فإن حياة المجتمعات والأفراد تتعرض للأخطار، وتهددها المشاكل، وستكون الفوضى حجر عثرة في التقدُّم والتطوُّر والبناء.

أيها المؤمنون، من ينظر إلى توجيهات الإسلام وتشريعاته وأحكامه يجد أنه دين منظم في جميع شئونه، ويأمر بالنظام، ويهتم به في كل جوانب الحياة سواء على مستوى الفرد والمجتمع والأمة، ففي باب الحياة الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية أو في باب العبادات أيضًا عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم))؛ رواه البخاري. وفي راوية مسلم: ((أو ليخالفن الله بين وجوهكم))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمِعَ الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون))؛ (رواه البخاري)، إنه دين النظام لا دين الفوضى.
عرض بعض الدعاة على رجل أمريكي مشهدًا للحرم المكي وهو يعجُّ بالمصلين قبل إقـامة الصلاة، ثُم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء لكي يكونوا في صفوف منظمة في رأيك؟! فقال: ساعتين إلى ثلاث ساعات، فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار؟! فقال: إذن 12 ساعة! فقـالوا: إنهم مختلفو اللغات ومن بلدان شتى! فقال: هؤلاء لا يُمكِن اصطفافهم! ثُم حان وقت الصلاة، فَتقدَّم شيخ الحرم وقال: استووا. فوقف الجميع في صُفوفٍ منتظمة في دقيقتين لا أكثر.

وفي جانب الدعوة والبلاغ وعرض هذا الدين على الطوائف والملل الأخرى من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين أمر الإسلام بتنظيم الأمور وترتيبها والتدرُّج فيها وعرض دعوة الإسلام بأحسن صورة، قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125]، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن قال له: ((يا معاذ، إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله))، وفي رواية ((إلى أن يوحدوا الله)) ((فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخَذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم، واتَّقِ دعوة المظلوم، فليست بينها وبين الله حجاب))؛ (البخاري ومسلم).

بل حتى في أشد حالات الخوف- وهو وقت الحرب - لم يقبل الإسلام حياة الفوضى؛ بل أمر بتنظيم الصفوف والتخطيط والترتيب، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف: 4]، ها هو سواد بن غزية رضي الله عنه واقفًا في الصف الأول عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعدل الصفوف في بَدْر، وكان سواد متقدمًا فضربه النبي صلى الله عليه وسلم في بطنه بعصاة، فقال سواد: ((أوجعتني يا رسول الله وأريد القصاص!))، فتعجَّب الصحابة من ذلك، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك على هذا يا سواد؟!))، قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك. ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم المقاتلين في سبيل الله يصلون كيف يشاءون بل وضع لهم نظامًا معينًا لكيفية أداء الصلاة جماعةً في أرض المعركة، وفي باب الحياة الاجتماعية والأسرية نظم الإسلام السلوك والمعاملات، وسَنَّ القوانين والأنظمة في البيع والشراء والزواج والطلاق، والعلاقة بين الزوجين، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم، وعلاقته بغير المسلمين، وحثّ الإسلام على التزام الآداب واحترام القوانين والمحافظة على الذوق العام، قال سُبْحانه: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 229]، يقول هنري سيروي وهو أحد مفكري النصارى: "إن محمدًا – صلى الله عليه وسلم - لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضًا المدنية والأدب"؛ [فلسفة الفكر الإسلامي، ص 8].

أيها المؤمنون عبـــاد الله، إذا أردنا أن نعرف مدى تقَدُّم الأمة ومقدار رُقيِّها وحضارتها، فلننظر إلى احترام أبنائها للقوانين واحترام الأنظمة والقواعد العامة وتنفيذهم للتعليمات التي تنظم حياتهم في شتى المجالات، فالشارع له قواعد وإرشادات مرورية، وآداب عامة تحفظ حركة الناس وأعراضهم وأموالهم وحياتهم، يجب المحافظة عليها، والمعاملات في الوزارات ومرافق الدولة لها قوانين ولوائح ينبغي الالتزام بها، والعملية التربوية والتعليمية والمدارس لها نظام معين ومراحل متعددة لا بد من تنفيذها، والأمن في حياة الناس له ضوابط وأنظمة وقوانين تكفل الأمن، وتوفر الراحة، وتحفظ الأنفس، لا يمكن مخالفتها، والوظيفة وتقلد المناصب له نظام وشروط ومواصفات تكفل نجاحه.

وهكذا في جميع جوانب الحياة، وهكذا تسير الأمم والشعوب، وهكذا ترتقي المجتمعات حتى في جانب الخلافات الاجتماعيات والسياسية بين أفراد المجتمعات، فهناك الدستور والقوانين والمحاكم والحوار والمحاماة والترافُع عن القضايا، وهناك الشورى والانتخابات والاستفتاءات، مهمتها أن يصل الناس إلى حلول ومعالجات لمشاكل الحياة بنظام وقواعد غاية في الدقة والإحكام حتى وقوفك في طابور لشراء أغراض أو في عيادة طبية أو في السوق أو في المواصلات، هذا الوقوف له نظام وترتيب فلا يمكن أن تسبق من كان قبلك ولو كنت أكثر وجاهة أو لديك مال إلا أن يأذن لك الآخرون من حولك وحتى إن لم يكن هناك قانون يضبط هذه الممارسات، فهناك أعراف الناس وعاداتهم الحميدة، وفطرة الإنسان السويَّة التي ترفض الفوضى والعبثية والإخلال بالنظام العام، فإذا ما وجد هذا الانضباط والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم حياتنا رأينا الحقوق مصانة، والأعراض محفوظة، والعدل يسود الحياة والتعاون والتآلف بين أفراد المجتمع ينتشر، ورأينا كل صاحب حق يأخذ حقَّه، وكل مظلوم يجد مظلمته ويقتص ممن ظلمه، ورأينا الخير يعمُّ البلاد، وهذه سُنَّة الحياة والدول والشعوب والمجتمعات التي رتبت ونظمت حياتها دليل واضح على هذه النعم وهذا التطور، وتاريخ أمتنا يشهد بذلك، فما سادت إلا بترتيب وتنظيم رائع، وتطوير مستمر، وثقافة تربِّي أفراد المجتمع على أداء الحقوق والواجبات وتحَمُّل المسئوليات، وسيكون الجميع أمام القانون والقضاء والحق سواسية.

لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أمر رعيته بأمر أو نهى عن نهي جمع أهل بيته وذوي قرابته، ثم قال لهم: "فإني قد أمرت بكذا وكذا، أو نهيت عن كذا وكذا، وإن الناس ناظرون إليكم لمكانكم مني -أي: لأنكم أقرباء الخليفة، أو أصهار أمير المؤمنين- فإذا وقعتم وقعوا، وإذا هبتم هابوا، والله، لا أريَنَّ أحدًا منكم أتى ما نهيت عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم، ومن شاء منكم فليتأخَّر".

لقد كان عمر رضي الله عنه يطبق المساواة عمليًّا، فحينما جاءت بعض البرد -وهي الثياب الطيبة الرخية من بلاد اليمن- وزَّع عمر على الصحابة وعلى المسلمين، وأخذ لنفسه مثلهم، ثم لما رقي المنبر قال: "اسمعوا وأطيعوا"، قال سلمان: "لا سمع ولا طاعة"، قال: "ما بك يا أبا عبدالله، قال: أعطيتنا بردًا بردًا وأخذت بردين، فقال عمر: قم يا عبدالله بن عمر! من أين هذه البردة؟ قال: إنها لي، وقد أعطيتها لأبي، قال عمر: لم يكن لي ثوب"، وكان عمر طويلًا جسيمًا، فأخذ ثوب ابنه وجعله معه، فقال سلمان: "أما الآن فقل: نسمع ونطع بإذن الله عز وجل".

لقد غاب احترام الأمور المنظمة لحياتنا وعدم التقيد بالقوانين بسبب جهل الناس بتعاليم الإسلام وغياب مبدأ الثواب والعقاب؛ مما أدَّى إلى شيوع ثقافة التحايل على القيم والأخلاق والآداب والنظم، وأصبحت الفوضى واللامبالاة هي السائدة في كثير من مرافق حياتنا، وانتشرت الرشوة والمحسوبية، وظهر العنف واستخدام القوة كوسيلة لتحقيق المكاسب وتلبية الحاجات وعنده ستكون الحياة جحيمًا لا يطاق، وإن مجتمعات الفوضى لا يمكن أن تنهض أو تؤسس حضارة، أو تبني أمة، أو تورث علمًا، أو تصنع منجزًا؛ لأن الفوضى شريعة الغابة، والنظام هو قانون الحياة.

فاللهم بصرنا بعيوبنا، واهدنا سُبُلنا، ووفقنا إلى كل خير، قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطـــبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
عبــــاد الله، إن ديننا دين نظام في كل جوانب الحياة، لا فوضى فيه، وإننا أمة بَنَتْ مجدها بالنظام والرقي والالتزام؛ لأن الفرد المسلم يتربَّى على عقيدة تغرس في نفسه الضمير اليقظ والذوق الرفيع والعمل النافع، وهو يدرك أنه سوف يسأل عمَّا أوتي من نعم وما أدَّاه من واجبات وما قام به من أعمال بل ويُؤْجَر على ذلك ﴿ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 93] ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36]، فما أجمل ذلك اليوم الذي يسود فيه احترام الأنظمة واللوائح والقوانين والتشريعات في كل مرافق حياتنا؛ في البيوت والشوارع وفي الميادين والحدائق، وفي الدوائر والمدارس وفي الوزارات والجامعات، وفي المحاكم والقضاء، وعند الاختلافات السياسية والاجتماعية، وعند الحاكم والمحكوم!

إن هذا اليوم حين يطل بوجهه الجميل علينا ستزدهر به أمتنا ويتبدل حالنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد: 11].

هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا، وردَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغارًا.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.22 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]