الـمُعوّقات عن طلب العلم .. - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         اذكر الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الإنتصار على الهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الإقبال على الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 65 )           »          الخطاب فى القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 103 - عددالزوار : 64725 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 2279 )           »          إصلاح ذات البين.. مهمة.. وإنجاز عظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 7087 )           »          قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2603 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-04-2009, 12:15 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي الـمُعوّقات عن طلب العلم ..

كلمات أعجبتني من كتاب ( معالم في طريق طلب العلم ) للشيخ : عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السّدحان الذي قدّم له فضيلة الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ، فأحببت نقل بعض الفوائد الذي رأيتها تتخلل هذا الكتاب القيم ، ونسأل الله تعالى أن يَعم الخير به ..


* المُعَوّقات عن طلب العلم :



* المعوق الأول : ( فساد النية ) :

والنية : هي ركن العمل وأساسه ، وإذا تخلَّلها خلل أو دخَن ؛ فإنَّ العمل يعتريه من الخلل والدخَن بقدر ما يعتري النيَّة .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرئ ما نوى ) ( 1 ) .

فالنية ركن كما سبق :


والبيتُ لا يُبتنى إلاّ بأعمدةٍ *** ولا عماد إذا لم تُبْنَ أركانُ


فإذا كانت النية مصحوبة بشيء من اللوث على اختلاف أنواعه من :

حب تصدُّر أو حب شهوة أو تسنُّم مجالس ؛ فإنَّ هذا كفيل بأن يكون حاجزاً منيعاً في طريق صاحب تلك النية .

والنية يعتريها ما يعتريها ، لكن { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }(2 ) .

وسفيان الثوري - رحمه الله - على ورعه وجلالة قدره - يقول : ( ما عالجت شيئاً أشدَّ عليَّ من نيتي ) ( 3 ) .

وإذا كان هذا الإمام الثوري فما بالك بنا نحن ؟ فلذلك ينبغي أن يكون الواحد منا متجرِّداً في طلبه للعلم ، لا يريد بذلك إلاّ وجه الله عز وجل ، فإنْ صاحب النية ما صاحبها من تلبيس إبليس ، فإنَّ هذا ليس بغريب ، إنّما الغريب والعجيب أن يستمرئ صاحبها بقاء تلك اللوثات في نيته ، فلزاماً عليه : أن يجاهدها ، وأن يحارب ذلك اللوث والدَّخَن ما استطاع إلى ذلك سبيلاًً ، ولا يفتُرَنَّ أو ييأسنَّ ، ولْيقرأ ما ذكر أهل العلم عن أنفسهم : فهذا الدارقطني أبو الحسن على بن عمر ، أمير المؤمنين في الحديث ، يقول رحمه الله : ( طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلاّ لله ) ( 4 ) .

يفسر بعضهم هذه المقالة : بأنَّ الطالب قد يكون في نفسه حظ من حبِّ تصدُّر ، فإذا أوغل في العلم ، وقرأ النصوص والسير ، وتمعن فيها ، وكان ممن أراد الله به خيراً ، رده إلى رشده ، ولم يزده ذلك التمعُّن إلاّ رجوعاً إلى جادّة الصواب والخير ، أما إذا كان ممن غلَّب هواه واتبع شهوته ، فلا يلوم إلاّ نفسه .

* المعوق الثاني : ( حب الشهرة وحب التصدُّر ) :

وهو داخل تحت النية ، ولكن يفرد لأهميته ، والشهرة والتصدر داء وبيل لا يسلم منه إلا من عصمه الله ، كما قال الشاطبي رحمه الله : ( آخر الأشياء نزولاً من قلوب الصالحين : حب السلطة وحب التصدر ) ( 5 ) .

فإذا كانت نية الطالب : أن يشتهر اسمه ، وأن يرتفع ذكرُه ، وأن يكون مبجَّلاً كلما حلّ أو رحل ، لا همَّ له إلا ذلك ، فقد أدخل نفسه مداخل خطيرة ، ويكفي أن نعرف حديثاً واحداً وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ثلاثة - إلى أن قال - : ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن ، فأُتي به فعرَّفه نِعَمَهُ فعرفها ، قال : فما فعلتَ فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلَّمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنَّك تعلمت العلم ليقال : عالم ، وقرأت في القرآن ليقال : هو قارئ ، فقد قيل . ثم أمر به فَسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار ... )) ( 6 ) .

والحديث الآخر : (( يا نعايا العرب ، أخوف ما أخاف عليكم : الشرك والشهوة الخفية ) ( 7 ) .

قال ابن الأثير : ( إنَّ الشهوة الخفية : حب اطلاع الناس على العمل ) ( 8 ) .

وجاء عن الفاروق رضي الله عنه أنه عاتب أُبيّاً عندما رأى الناس يمشون خلفه ، فنهره وزجره قائلاً : ( كُفَّ عن هذا ، فإنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع ) ( 9 ) .

وقد ذكر بعض من كتب في الرقائق والسلوك : أنَّ العبد إذا تمنى أو فرح أن يُعظّم إذا دخل ، وأن يكون قصده مقصوراً على إعجاب الناس به ومدحهم له فحسب ، فإنَّ ذلك باب عظيم من أبواب الرياء والسمعة ، ومَن راءى راءى الله به ، ومن سمَّعَ سمَّعَ الله به .

فهذه الشهوة مصيبة إلاّ لمن ربط الله على قلبه .

وكان السلف رحمهم الله أبعد الناس عن حب الشهرة ، ومن الأمثلة على ذلك :

ما جاء في ترجمة أيوب السختياني رحمه الله تعالى ، قال شعبة : قال أيوب : ( ذُكرت ولا أحب أن أُذكر ) ( 10 ) .

وقال شعبة أيضاً : ( ربما ذهبت مع أيوب لحاجة فلا يدعني أمشي معه ، ويخرج من ها هنا وها هنا ؛ لكيلا يفطن له ) ( 11 ) .

وقال حماد : ( كنت أمشي معه { يعني أيوب } فيأخذ في طرق إني لأعجب كيف يهتدي لها ؛ فراراً من الناس أن يُقال : هذا أيوب ) ( 12 ) .

وقال بشر بن الحارث : ( ما اتقى الله مَنْ أحبَّ الشهرة ) ( 13 ) .

وقال الإمام أحمد : ( أريد أن أكون في شعب بمكة ؛ حتى لا أُعرف ، وقد بليت بالشهرة ) ( 14 ) .

ولما بلغ الإمام أحمد أنَّ الناس يدعون له قال : ( ليته لا يكون استدراجاً ) ( 15 ) .

وقال مرة يخاطب تلميذه لما بلَّغه مدح الناس : ( يا أبا بكر ، إذا عرف الرجل نفسَه فما ينفعه كلام الناس ) ( 16 ) .

وقال مرة لشخص آخر عندما بلَّغه دعاء الناس قال : ( أسأل الله أن لا يجعلنا مرائين ) ( 17 ) .

* المعوق الثالث : ( التفريط في حلقات العلم ) :

كان سلفنا يقولون : ( العلم يؤتى ولا يأتي ) وحُقّ لنا أن نقول : إنّ العلم الآن يأتي ولا يؤتى ، إلاّ من القليل ، فحلقات العلم التي تعقد والدروس التي تقام ، إن لم نستغلها فسوف نعض أصابع الندم فيما بعد ، ولات حين مندم ، فهذه الحلقات لو لم يكن فيها إلاّ : أن السكينة تنزل على حاضريها ، والرحمة تغشاهم ، والملائكة تحفهم ، وقبل ذلك يذكرهم الله فيمن عنده ؛ لكان ذلك كافياً في حضورها ، فكيف إذا كان صاحب الحلقة سيحظى - إن شاء الله - بفوزين : بالتحصيل العلمي وبالأجر الأخروي ؟!

* المعوق الرابع : ( التذرع بكثرة الأشغال ) :

هذا العذر جعله الشيطان حاجزاً منيعاً ، وكم كُـلِّم إخوة أحبة وحُثوا على طلب العلم ، لكن الشيطان سوّل لهم ، ولبَّس عليهم ، فالمفرِّط جعل الأشغال ذريعة في التغيّب عن حلقات العلم ، وجعل في هذه الأشغال التماساً للمعاذير ، حتى يجعل لنفسه تأويلاً مستساغاً في نظره ، فيكون في تركه لطلب العلم حجة ، وهذه الأشغال هي سبب رئيس في منع الطالب من حلقات العلم ، ومن تحصيل كثير من العلم ، لكن من فتح الله على بصيرته ، ورتب أوقاته ، واستغلّ ما يستطيع ، فإنَّه سيُحصِّل كثيراً ، ولسان حال أولئك الذين انتفعوا من ترتيب أوقاتهم يقول :



* المعوق الخامس : ( التفريط في طلب العلم في الصِّغر ) :

إن الإنسان ليغبط أناساً أصغر منه سناً وأكبر همةً ، تجدهم من السباقين إلى حلقات العلم ، نعم ، يغبط أولئك ... ويتحسَّر على أوقات ذهبت من عمره ، ولم يستغلها في الطلب والحفظ ، فإذا ما كبر وكثرت أشغاله وكثرت الطوارق عليه آناء الليل وأطراف النهار ، تعكَّرَ مزاجه ، ولم يستطع أن يتهيّأ للتحصيل كما لو كان صغيراً خالياً من الأشغال ، ولهذا قال الحسن : ( طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر ) ( 19 ) .

ورضي الله عن عمر عندما قال : ( تفقَّهوا قبل أن تُسَوَّدوا ) ( 20 ) .

قال أبو عبد الله { وهو الإمام البخاري } : ( وبعد أن تُسوَّدوا ، وقد تعلم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في كبر سنهم ) .

فبادر أخي ، قبل أن تبتلى بالناس ، وقبل أن تبتلى بكثرة المشاغل ، وقبل أن تندم كما ندم كثيرون ، عليك باستغلال وقت الصغر في الطلب ، ولا يعني هذا أن الإنسان يقنط وييأس إذا لم يتدارك وقت الصغر بالطلب ، بل إن العمر كله زمان لتحصيل العلم ؛ لأنه عبادة ، والله تعالى يقول : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } ( 21 ) .

* المعوق السادس : ( العزوف عن طلب العلم ) :

ومن أسباب ذلك : العزوف بزعم التفرغ لمتابعة أحداث العصر ، ولمعرفة الواقع .

هذا الباب يختلف الناس في ولوجهم فيه ، بين إفراط وتفريط ووسط والأولان على خطأ .

إنَّ طلب العلم يحثك على أن تعرف واقعك ، ولن تستطيع أن تعالج نازلة أو حادثة نزلت في واقعك إلا بأن تعرضها على ميزان الشرع .

قال الشاعر :


والشرع ميزان الأمـور كلهـا *** وشاهد لفرعها وأصلها ( 22 )


أما من عزف عن طلب العلم والحفظ ، وتفرَّغ لمتابعة الجرائد والمجلات ، وصبّ كل جهده ووقته في قراءتها ، ثم أخذ يعالج تلك القضايا من منظوره القاصر دون الرجوع إلى العلماء ، فهذا الذي قد خسر ، ولن يعرف قدر خسارته إلا فيما بعد ، كما قال القائل :

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً *** ندمت على التفريط في زمن البذرِ


إن مما يستنكر وينتقد أن ترى شاباً من شباب المسلمين ، وممن يغار على حرمات الله ويذرف الدمع والدم على حرمات انتُهكت ، إنَّ من العيب في حقه : أن يتهاون ببعض المعاصي كالغيبة والنميمة وغيرها ، وأن تراه جاهلاً بأيسر الأحكام الشرعية ، فلا يصلي الصلاة النبوية ، التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) ( 23 ) .

ولا يتوضأ الوضوء النبوي الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( من توضأ كما أُمر وصلى كما أُمر ؛ غفر له ما تقدم من ذنبه )) ( 24 ) .

تراه جاهلاً بأذكار الصباح والمساء ، تراه مفرِّطاً في أمور يحفظها صغار الطلبة قبل كبارهم ، فهذا من مداخل الشيطان ، ولقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية ( 25 ) رحمه الله مِنْ أعرف الناس بواقعه ، وكان مِنْ أدرى الناس بما يدور حوله من الدوائر ، ولقد قامت في عهده فتن وحوادث ونوازل ، لكنه طلب العلم وحصَّل جمًّا غفيراً من العلم ، فبذلك أصبح يجد حل تلك الحوادث التي نزلت في مجتمعه ويدرك الجواب عنها في الكتاب والسنة ، أو في أصول العلم وقواعده ، ومهما دار الزمان واختلف الناس وتباعدت أقطارهم ، فإنَّه ما أنزل الله من داء إلاّ وله دواء ، ولم تنزل مصيبة أو نازلة إلاّ وفي الكتاب والسنة ما يُصلِحُها ، وهذا أمرٌ لا يشك فيه اثنان .

* المعوق السابع : ( تزكية النفس ) :

وتزكية النفس : أن يحب الشخص مدحَ نفسه ، وأن يضفي على نفسه ألقاباً ، وأن يفرح بسماع ثناء الناس عليه ، ولا شك أن ثناء الناس عليك من عاجل بُشْراك ؛ كما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الرجل يعمل عملاً فيراه الناس فيحمدونه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( تلك عاجل بشرى المؤمن )) ( 26 ) .

لكن الحذر كلَّ الحذر أن تُمدح بأمر ليس فيك وتفرح بذلك ، فحذار حذار أن يكون هذا من شأني وشأنك ، وتذكر قول الله تعالى في ذَمِّ قومٍ : { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } ( 27 ) .

ثم تذكر أنَّ تزكية النفس في الغالب مذمومة ، إلا في بعض المواطن بضوابط شرعية ، يقول ربنا عز وجل : { فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } ( 28 ) .

ويذم أهل الكتاب فيقول : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ( 29 ) .

ويقول عليه الصلاة والسلام : (( لا تزكوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البر منكم )) ( 30 ) .

نعم يحق للإنسان - كما سلف - أن يزكي نفسه في مواضع ؛ كما قال يوسف عليه السلام : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } ( 31 ) .

لكن الغالب أنَّ حب التزكية وحب الثناء من مداخل الشيطان على العباد ، فالحذر أن تكون ممن يفرح ويدخله العجب إذا زُكِّي ، بل ويحرص على أن يسمع تلك التزكيات !

وإذا أردت أن تعرف خطر حب التزكية : فانظر إلى تقصيرك في الطاعة ، ثم انظر إلى ذلك الذي زكاك ، أيا تُرى لو كان يعلم عنك ما خفي عنه وما تعمل من الأعمال التي لا ترضي الله عز وجل ، لو أنَّها خرجت لهذا الرجل ، أتراه يثني عليك ؟

الشاهد من هذا : أن يحذر الإنسان من تزكية نفسه ، وأن يحذر الإنسان من أن يُضفي على نفسه ألقاباً ليست له ؛ لأن من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه .

* المعوق الثامن : ( عدم العمل بالعلم ) :

عدم العمل بالعلم سبب من أسباب محق بركة العلم ، ومن أسباب قيام الحجة على صاحب العلم ، ولقد ذم الله من كان هذا شأنه فقال سبحانه : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } ( 32 ) .

فعدم العمل بالعلم سبب رئيس من أسباب محق بركة العلم ، ولذا كان السلف أحرص الناس على العمل بما يعلمون :

فهذا الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ( كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ) ( 33 ) .

وهذا علي رضي الله عنه يقول : ( يهتف العلم بالعمل ، فإن أجابه وإلاّ ارتحل ) ( 34 ) .

لأنَّ العلم والعمل قرينان : إما أن يجتمعا أو يرتفعا معاً ، وإن كان هناك علم بلا عمل فإنه حجة على صاحبه .

يقول بشر الحافي رحمه الله : ( أدّوا زكاة الحديث : فاستعملوا من كل مائتي حديث خمسة أحاديث ) ( 35 ) .

والعمل بالعلم يعين على تثبيت العلم ، وإذا أردت شاهداً على ذلك فانظر إلى أذكار اليوم والليلة وأذكار الصباح والمساء والنوم والدخول والخروج من الخلاء والمنزل .... إلى آخره .

لو أنَّ الإنسان أراد حفظها فإنه سوف يحفظها ، لكن سوف ينساها بعد حين ، لكن لو أنَّه عمل بها حيناً من دهره فإنَّها تبقى راسخة ، وبقدر العمل بها تزداد رسوخاً .

يقول الذهبي - رحمه الله - عن زمنه : ( وأما اليوم : فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل ، في أناس قليل ، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل . فحسبنا الله ونعم الوكيل ) ( 36 ) .

فإذا كان هذا كلام الذهبي في القرن الثامن الهجري فما بالك بحالنا اليوم ؟ فلزاماً على كل واحد أن يحسن الظن بربه ، وأن يجاهد نفسه ، والله تعالى لطيف بعباده ، يرزق من يشاء وهو القوي العزيز .

أخي القارئ : إنَّ هذا العلم الذي أعطانا الله إيّاه ، يحتاج إلى زكاة : فزكاة المال ربع عُشْرِهِ ، وزكاة العلم أن تعمل به وأن تُعلِّمه ، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - : ( اعلم - رحمك الله - أنَّه يجب على كل مسلم ومسلمة ، تعلُّم أربع مسائل : الأولى : العلم ، الثانية : العمل به ، الثالثة : الدعوة إليه ، الرابعة : الصبر على الأذى فيه ) ( 37 ) .

فبقدر ما تزكِّي هذا العلم يؤتك الله عز وجل خيراً لا تتوقع مدخله عليك ، كما قال عز وجل : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } ( 38 ) .

* المعوق التاسع : ( اليأس واحتقار الذات ) :

يا طالب العلم ، أنا وأنت وشيخ الإسلام والبخاري وابن حجر والعلماء ، نشترك في قول الله تعالى : { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( 39 ) .

كلنا ذلك الرجل ، هذه الآية قاسم مشترك للناس جميعاً ، الأنبياء والرسل اصطفاهم الله عز وجل ، والصحابة لهم فضل وقصب السبق في الخيرات ، فهذه الآية تجمعنا جميعاً ولذا لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولا تحقرنَّ نفسك ، وفي الوقت نفسه - كما سبق - لا تزكِّ نفسك تزكية أنت تعلم أنَّك لست أهلاً لها ، ولا تلبس نفسَك ثوباً أوسع منك .

إن اليأس وعدم الثقة بالنفس سبب عظيم من أسباب عدم التحصيل ، والإنسان إذا رأى ما أنعم الله عليه من سلامة الجوارح ، ومن توفير الوسائل التي يحتاجها طالب العلم ، يجد أنَّ حجة الله عليه قائمة .

لا تحقرن نفسك إن كنت ضعيفاً في الحفظ ، أو ضعيف الفهم ، أو بطيء القراءة ، أو سريع النسيان ... كل هذه أدواء وأسقام تزول إذا صدقت النية وبذلتَ السبب . يقول الإمام العسكري عن نفسه : ( كان الحفظ يتعذَّر عليّ حين ابتدأت أرومه ( 40 ) ، ثم عودت نفسي إلى أن حفظت قصيدة رؤبة : " وقاتِمُ الأعماق خاوي المخترقن " في ليلة ، وهي قريب من مائتي بيت ) ( 41 ) ، ولا شك أنَّ هذا أتى من جهد متواصل .

إذن إياك - رعاك الله - أن تحقر نفسك ، بل أخلص النية لله وابذل السبب واستغل وقتك ، وسترى أنَّك حصّلت خيراً يجعلك تندم كل الندم على ما ذهب من الأوقات التي لم تستغلَّها بطلب أو تحصيل ، واقرأ ما قاله أبو هلال العسكري :

( حكي لي عن بعض المشايخ أنَّه قال : رأيت في بعض قرى النَّبْط فتى فصيح اللهجة حسن البيان ، فسألته عن سبب فصاحته مع لُكنَةِ أهل جِلْدته ، فقال : كنت أعمَد في كل يوم إلى خمسين ورقة من كتب الجاحظ ، فأرفع بها صوتي في قراءتها ، فما مرَّ بي إلاّ زمان قصير حتى صرتُ إلى ما ترى ) ( 42 ) .

إذن فلا تحقرن نفسك وعليك بالمجاهدة ، ورحم الله البخاري حين سُئل : ما دواء النسيان ؟ فقال : ( مداومة النظر في الكتب ) .

ولا شك أنَّ ترك المعاصي من أعظم الأسباب التي تعين على الحفظ ، والشافعي يقول كلاماً جميلاً :


شكوتُ إلى وكيع سـوءَ حفظـي *** فأرشدني إلى تـرك المعاصـي
وقـال اعلـم بـأن العلـم نـور *** ونور الله لا يُؤتاه عاصي
( 43 )



* المعوق العاشر : ( التسويف ) :

التسويف كما يقول بعض السلف : ( من جنود إبليس ) ( 44 ) ، والتسويف والأماني وصفها ابن القيم رحمه الله بقوله : ( إنَّ المنى رأس أموال المفاليس ) ( 45 ) .

والتسويف : أن يأمل العبد أن يقضي ذلك الأمر بعد حينٍ من عمره .

ولم يعرف ذلك المسكين أنَّ الأجل قد يباغته ، ولذلك ما أجمل ما قال الشاعر :

ولا ترجِ عمل اليوم إلى غدٍ *** لعل غداً يأتي وأنت فقيد

عن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس : أوصنا ، قال : ( احذروا سوف ) ( 46 ) .

وعن الحسن : ( إياك والتسويف ؛ فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غداً لك فكن في غدٍ كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرَّطت في اليوم ) .

وقال يوسف بن أسباط : ( كتب إليَّ محمد بن سمرة السائح بهذه الرسالة : أي أخي ، إياك وتأمير التسويف على نفسك ، وإمكانه من قلبك ، فإنه محل الكلال وموئل التلف ، وبه تُقطع وفيه تنقطع الآجال ، فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك وهواك عليه فعلاً ، واسترجعا من بدنك من السآمة ما قد ولّى عنك ، فعند مراجعته إيّاك لا تنتفع نفسك من بدنك بنافعة ، وبادر يا أخي فإنك مُبادَر بك ، وأسرع فإنك مسروع بك ، وجدَّ فإن الأمر جدٌّ . وتيقظ من رقدتك وانتبه من غفلتك ، وتذكر ما أسلفت وقصّرت وفرّطت وجنيت وعملت ، فإنه مثبَت محصى ، فكأنَّك بالأمر قد بغتك فاغتبطتَ بما قدمت ، أو ندمت على ما فرّطت ) ( 47 ) وهذه وصية عظيمة نافعة .

بعض طلبة العلم يُسوَّف لنفسه آجالاً ويقول : سأبدأ في حفظ المتن الفلاني في يوم كذا ، وسأبدأ في قراءة الكتاب الفلاني بعد كذا .

هذا القول فيه تفصيل :

فهو إن كان مشغولاً في وقته هذا بالطلب والقراءة والبحث ، فهو على خير ومن خير وإلى خير .

وأما إن كان قصده أنَّه سيبدأ في اليوم الفلاني ، فهذا لا شك أنَّه من تلبيس إبليس ، ولذا فإنه من الواجب على كل أحدٍ يريد العلم ويريد أن يتصف بصفات أهل العلم ، ألاّ يضيع لحظة من وقته ، وإنَّ الإنسان ليعجب إذا قرأ عن استغلال كثير من السلف لجُلِّ أوقاتهم !

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

( 1 ) : متفق عليه .
( 2 ) : العنكبوت : 69 .
( 3 ) : تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص 68 .
( 4 ) : تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص 47 .
( 5 ) : الاعتصام للشاطبي .
( 6 ) : رواه مسلم .
( 7 ) : السلسلة الصحيحة للألباني 2 / 20 ، رقم 508 .
( 8 ) : النهاية في غريب الحديث 2 / 516 .
( 9 ) : الاعتصام للشاطبي .
( 10 ) : سير أعلام النبلاء 6 / 22 .
( 11 ) : المرجع السابق 6 / 22 .
( 12 ) : المرجع السابق 10 / 476 .
( 13 ) : المرجع السابق 11 / 216 .
( 14 ) : المرجع السابق 11 / 210 .
( 15 ) : المرجع السابق 11 / 211 .
( 16 ) المرجع السابق 11 / 211 .
( 17 ) : المرجع السابق 11 / 211 .
( 18 ) : منظومة الصنعاني في الحج ص83 .
( 19 ) : جامع بيان العلم وفضله ص99 .
( 20 ) : ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً به في كتاب العلم ، باب الاغتباط في العلم والحكمة ، انظر : فتح الباري 1 / 991 .
( 21 ) الحجر : 99 .
( 22 ) : إصلاح المساجد ص110 .
( 23 ) : رواه البخاري .
( 24 ) : رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، انظر : صحيح الجامع .
( 25 ) : ذكرته ؛ لأنه من أبرز العلماء في التصدي والرد على الفرق الكثيرة الضالة ، وإلا فهناك علماء كثيرون غيره ، رحم الله الجميع .
( 26 ) : رواه مسلم في كتاب البر .
( 27 ) : آل عمران : 188 .
( 28 ) : النجم : 32 .
( 29 ) : النساء : 49 .
(30) : رواه مسلم .
( 31 ) : يوسف : 55 .
( 32 ) : الصف : 3 .
( 33 ) : تفسير ابن كثير 1/2 .
( 34 ) : رواه ابن عبد البر في الجامع 2/11 ونحوه عن وكيع كما في الجامع 2/132 .
( 35 ) : أدب الإملاء والاستعلاء ص110 .
( 36 ) : تذكرة الحفاظ للذهبي 2/1031 .
( 37 ) : الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب .
( 38 ) : الطلاق : 2 .
( 39 ) : النحل : 78 .
( 40 ) : أرومه ، رام الشيء : إذا طلبه .
( 41 ) : الحث على طلب العلم والاجتهاد في تحصيله لأبي هلال العسكري ص71 .
( 42 ) : الحث على طلب العلم ص72 .
( 43 ) : فائدة : شكك بعضهم في نسبة هذه الأبيات للشافعي ؛ وعلل بأن الشافعي لم يكن من تلاميذ وكيع . ويرد ذلك : أنَّ الشافعي حدّث عن وكيع ، كما في كتاب الصدقات من كتاب " الأم " وأما الأبيات فهي مشهورة للشافعي .
( 44 ) : اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي ص114 .
( 45 ) : مدارج السالكين 1/456-457 .
( 46 ) : اقتضاء العلم العمل ص114 .
( 47 ) : اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي ص114 .

نقلاً عن ألألوكة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-04-2009, 12:13 PM
الدنيا فناء الدنيا فناء غير متصل
قلم مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مكان الإقامة: السعوديه
الجنس :
المشاركات: 1,630
الدولة : Saudi Arabia
افتراضي رد: الـمُعوّقات عن طلب العلم ..

جزاكم الله الفردوس ووفقكم ونفع بكم وجعلها في ميزانكم كالجبال
__________________
قال صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يارسول الله وما هن؟ قال:الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق واكل الربا واكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-04-2009, 12:22 PM
عاشق البيان عاشق البيان غير متصل
موقوف من قبل الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: السعوديه
الجنس :
المشاركات: 2,651
الدولة : Saudi Arabia
افتراضي رد: الـمُعوّقات عن طلب العلم ..

جزاك الله خيرا اختي ام عبدالله

موضوعك اكثر من رائع
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-04-2009, 02:10 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الـمُعوّقات عن طلب العلم ..

وفيكم بارك الله

جزاكم الله خيراً على مروركم
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.15 كيلو بايت... تم توفير 3.02 كيلو بايت...بمعدل (4.02%)]